عادل سالم
أديب عربي رئيس تحرير ديوان العرب
عنوان المقال هو اسم كتاب تاريخي، بل وثيقة تاريخية مهمة للكاتب والمؤرخ الأمريكي الأكاديمي «دوريس ألكساندر براون» والذي عرف واشتهر باسم (دي براون) [[Dee Brown]].
«ادفن قلبي في (وندِد ني)» وقد آثرت عدم ترجمة (وندد ني) في العنوان (الركبة المجروحة) لأنها اسم لمكان قتال عسكري [[Wounded Knee Creek]] دارت فيه آخر المجازر التي ارتكبت بحق السكان الأصليين والذين يطلق عليهم مجازا اسم (الهنود الحمر) في الولايات المتحدة الأمريكية. والكاتب براون من مواليد ٢٩ شباط، فبراير ١٩٠٨ في مدينة «ألبرتا» في ولاية لويزيانا الأمريكية، وتوفي عام ٢٠٠٢ عن عمر يناهز ٩٤ عاما.
ويعد كتابه المذكور من أبرز كتبه والذي حظي بشهرة واسعة وحتى عام ٢٠٠٩ وصل عدد النسخ التي بيعت منه أكثر من خمسة ملايين نسخة وظن القراء أن الكاتب من سكان أمريكا الأصليين لكنه لم يكن كذلك بل كان صادقا في كتابة التاريخ.
وقد حول أحد أحداث الكتاب إلى فلم سينمائي عام ٢٠٠٧ يحمل نفس اسم الكتاب، كتب السيناريو دانييل جيانت وأخرجه المخرج والكاتب والمنتج الكندي (فيس سيمونو) [[Yves Simoneau]] وقد أبدع المخرج في الفلم ونقل الكتاب بأمانة للمشاهدين، وكانت أحداثه تدمي القلب وتذرف الدموع.
مخرج الفلم
والكتاب [[Bury my Heart at wounded knee]]
صادر في نيويورك عن شركة (هنري هولت) كطبعة أولى عام 1970 ورقمه الدولي: [[ISBN 0-8050-1045-9]]
ويقع في 487 صفحة منها 451 لنص المادة و22 صفحة للمراجع و14 صفحة للملاحظات والإضافات.
في أول طبعة له وصفت (نيويورك تايمز) الكتاب بأنه كتاب غير عادي، يدمي القلب، ومن الصعب تجاوزه.
وأقول إنه يستحق أن يكون ضمن المكتبة العربية لأنه يقدم التاريخ الأمريكي على صورته بدون أكاذيب، ولا ادعاءات زائفة.
الكتاب يتحدث عن مرحلة مهمة في تاريخ سكان الولايات المتحدة الأصليين خصوصا في الفترة من 1860-1890 حيث انتهت حرب الإبادة ضد السكان الأصليين بعد هزيمتهم وتم جمع من بقي حيا منهم في مناطق خاصة شبيهة بالمعسكرات كان يحظر عليهم مغادرتها.
لا يتطرق الكتاب إلى تاريخ بقية شعوب القارة الشمالية وما فعلة الإسبان أو المستعمرون البيض في المرحلة الأولى من استيطانهم القسم الشرقي من الولايات المتحدة وكندا.
يقول الكتاب، عندما وصل كولومبوس أمريكا الجنوبية، أطلق على سكانها اسم (إنديوس)
[[Indios]]
فمنهم من لفظها
Indoaner
ومنهم من لفظها
Indion
وآخرون لفظوها
Indien
أما صفة الجلد الأحمر أو الحمر فقد جاءت فيما بعد.
الأمريكيون الأصليون في ما يسمى اليوم (سان سلفادور) استقبلوا كولومبوس استقبالا جيدا كعادتهم باستقبال ضيوفهم.
كتب (كولمبوس) حينها لملك اسبانيا ما يلي:
(إني أقسم لك، أنه لا يوجد في العالم أحسن من هذا الشعب. يحبون جيرانهم كأنفسهم، ويستقبلونك بابتسامة).
لكن ذلك كله أخذ كعلامة ضعف، وقد استغل كولومبوس نفسه طيبة هذا الشعب، فخطف عشرة منهم ونقلهم معه إلى إسبانيا لتعليمهم طريقة حياة الاوروبيين، لكن أحدهم توفي بعد وصوله بأيام.
يؤكد الكاتب أن شعب (التينو) وشعب (أراواك) لم يقاوما مجيء الأوروبيون بحثا عن الذهب إلى أن بدأوا بخطف رجالهم، ونسائهم، وأطفالهم، وبيعهم في أوروبا.
وخلال عشر سنوات من وصول كولومبوس إلى شط سان سلفادور في 12 تشرين أول، اكتوبر، 1492 كانت قبائل قد أبيدت، ومئات الآلاف من السكان المسالمين، كل هذا قبل أن يبدأ المهاجرون الإنجليز (الناطقون بالإنجليزية) بالهجرة إلى الشمال والاستيطان في فرجينيا عام 1607.
بعد ذلك يبدأ الكتاب باستعراض تحرك المستعمرين البيض (المستوطنين) باتجاه الغرب أي غرب نهر المسسبي حيث كان التجمع الأساسي للسكان الأصليين في الولايات المتحدة بعدما طُردت قبائل الشرق من هناك قبل ذلك أو أبيدت.
خاض المستوطنون الأمريكيون صراعا عنيفا من أجل الاستيلاء على الأرض بدأت بوادرها الأساسية بعد الحرب المكسيكية الأمريكية وسيطرة الولايات المتحدة على مساحات جديدة ربطتها بالمحيط الهادي.
وعندما اكتشف الذهب في كاليفورنيا اصطدم الأمريكيون بالسكان الأصليين بشكل أوسع. حاولوا أن يعقدوا اتقاقيات معهم تسمح لهم بالسيطرة على مساحات واسعة من الأرض للتنقيب عن الذهب، والفضة، وللزراعة، وكان لهم ذلك ولكن كلما زادت حركة الهجرة نقض البيض اتفاقياتهم، وطالبوا الهنود بمزيد من الأرض إلى أن وصلوا إلى قناعة أن الهندي الجيد هو الهندي الميت. وقرروا جمعهم كلهم في مناطق محصورة مقابل بعض المال والأكل الذي كان يتناقص باستمرار.
المعارك، أو الحروب التي خاضها المستعمرون البيض لم تكن حروبا مع شعب واحد منظم بل كانت حروبا متعددة على عدة جبهات، فكل عدد من القبائل كانت تسكن في مناطق مختلفة، ولم تتحرك ضد البيض إلا عندما بدأ البيض بالاستيلاء على أراضيهم.
الكتاب ينقل تلك الحروب، والمعاهدات ونقضها من قبل البيض ليس من خلال الكتب، والدفاتر ولكن من روايات شفوية لأشخاص عاصروا الأحداث وشهدوا المجازر وقدر لهم النجاة من الموت. لذلك يعد الكتاب مرجعا تاريخيا مهما يكشف لقرائة تاريخ الولايات المتحدة بشكله الحقيقي الذي أقيم على العنف، والدم والقتل وانتهاك حقوق الآخرين.
تعد السنوات 1860-1890 المرحلة الفاصلة في الصراع على الأرض بين المستعمرين البيض والسكان الأصليين التي انتهت بشبه إبادة لهم. وعاش من بقي منهم متناثرين، مندمجين بالمجتمع الجديد رغما عنهم.
وضاعت أو تناثرت لغاتهم، وثقافاتهم، ودياناتهم إلا ما حفظه لنا بعض المؤرخين في كتبهم.
لم تكن المرحلة التي سبقت 1860 أحسن حالا ولكنها كانت أقل وطأة، فقد كانوا يضطرون أمام كل هزيمة للانسحاب والعيش غرب نهر المسسبي، وحافظوا نسبيا على وجودهم. لكنهم بعد تلك المرحلة خسروا كل شيء بما فيها وجودهم كشعوب لها ثقافتها المتميزة.
تعطش البيض للسيطرة على الأرض كان كبيرا ولذلك كان قتل السكان الأصليين لا تثير لديهم أية شفقة.
ففي ص105 يقول الكاتب أن أحد قادة الجيش الأمريكي في الحرب المستمرة ضد الهنود ويدعى (كونور) أمر مساعديه بعدم توقيع أية معاهدة سلام معهم، وقال لهم بالحرف الواحد: (هاجموا الهنود واقتلوا كل ذكر منهم عمره أكبر من 12 سنة).
وفي ص331 ينقل لنا الكاتب ما قاله أحد زعماء قبيلة أو شعب (الشايانز) الشماليين ويدعى (أهكَمجاتشي) أي الذئب الصغير:
«أبعدونا إلى الجنوب (أريزونا حيث الصحراء)»، وهناك عانينا الكثير.
مات كثيرون منا بأمراض لا نعرف لها أسماء. كانت قلوبنا حزينة على وطننا الذي ولدنا فيه في الشمال. لم يبق سوى القليلين منا. كان كل ما نريده قطعة من الأرض نعيش عليها. تركنا خيمنا، وبيوتنا كما هي وهربنا ليلا من المعسكر الذي أجبرنا على العيش به. الجيش لحق بنا، وقفت، وقلت لهم: لا نريد مقاتلتكم، نريد فقط التوجه شمالا، ولو تركتمونا بسلام لن نقاتل أحدا. الرد الوحيد الذي تلقيناه منهم إطلاق الرصاص. بعد ذلك لم يكن أمامنا خيار سوى مقاتلتهم على طريقتنا.
«أخي (تَهملابشي) [[(دَل نايف) وتعني السكين غير الحادة]] أخذ نصف المجموعة المتبقية واستسلم للجيش بالقرب من (فورت روبنسون)، وسلموا أسلحتهم)».
الكونغرس الأمريكي لم يكن يعترف بهم كمواطنين مثل بقية الشعب الأمريكي حتى بعد أن ألغيت العبودية في عهد الرئيس (لنكلن).
ففي 1-4-1866 أقر الكونغرس الأمريكي قانون الحريات لكل المواطنين المولودين في الولايات المتحدة (ما عدا السكان الأصليين).
برزت في صفوف بعض البيض أفكارا فحواها توطين السكان الأصليين في قرى ومدن، وتعليمهم الزراعة والاعتماد على أنفسهم، وتنصيرهم ولكنها فشلت في الاطار العام لأنها كانت تستخدم القوة لتحقيق ذلك أمام جيل تعود حياة الصيد والمطاردة، ولا يعرف حياة التمدن. هدف البيض الأساسي لم يكن تطوير حياة الهنود، ورفع مستواهم وإلا كانو علموا الجيل الجديد بصبر وتأن، لكن هدفهم كان السيطرة على الأرض الشاسعة التي يعيش عليها الهنود، ومنعهم من التشويش على حياة البيض، ومزارعهم، ومناجمهم، وطرقهم، وسكك حديدهم.
لذلك كانوا دائما يدفعونهم إلى الهجرة من منطقة إلى أخرى لعل أبرزها ما قام به حاكم ولاية كولورادو عام 1880 الذي استطاع إجبار الرئاسة الأمريكية على الموافقة على خطته بترحيل كل سكان ولاية كولورادو الأصليين إلى مناطق أخرى أبرزها ولاية (يوتا) وقتل من يرفض الرحيل. وباستثناء مجموعة صغيرة بقيت تعيش على أطراف الولاية، فإن قبائل كثيرة هناك أبيدت أو أجبرت على الرحيل مثل قبائل:
- ( الشايان)[[cheyenne]]،
- (أراباهو)[[arapaho]]
- (كووا)[[ckiowa]]
- (كومانشي)[[comanche]]
- (جيكارلا)[[jicarilla]]
- (يوت)[[ute]]
ماذا حصل في (وُندد ني)؟
اسم الكتاب يحمل اسم منطقة حرب عسكرية تدعى (وندد ني كريك)
[[wounded knee creek]]
حدث فيها آخر معارك الإبادة التي تقسعر لها الأبدان.
فقد جرى استسلام آخر مجموعة شعب (السو) وكان عددهم 350 مواطنا منهم 120 رجلا، والباقي من النساء، والأطفال. تم نقلهم إلى المنطقة التي حددت لهم كأسرى حيث منعوا من الخروج من معسكرهم، وتقرر نقل زعيمهم (بك فوت) إلى سجن (أوماها) في ولاية نبراسكا.
وبعد ذلك جردوهم من سلاحهم، وفتشوا خيمهم للتأكد من عدم وجود قطع للسلاح، فوجدوا قطعة سلاح (بندقية) رفض صاحبها تسليمها بحجة أنها كلفته غاليا فثارت مشكلة، وتم إطلاق النار على صاحب البندقية، فهب زملاؤه لنجدته بسلاحهم الأبيض فصدرت الأوامر بإطلاق النار على الجميع بالأسلحة الثقيلة مات على الفور منهم 153 مواطنا، وخلال فترة بسيطة وصل عدد القتلى إلى 300 حيث لم يتم إسعاف الجرحى. كان ذلك في ٢٩ ديسمبر كانون أول عام ١٨٩٠.
لم يستسلم شعب السو بسهولة، بل قاتلوا ببسالة رعم ضعفهم، وقلتهم مقارنة بالبيض الأكثر تفوقا بالسلاح، وبالعدد. آثروا الموت على الرحيل عن وطنهم الذي عاشوا فيه.
<doc528|center>
لقد هزم السكان الأصليين، وأبيدت غالبيتهم الساحقة، ذهبوا كما قال الكاتب، وبقيت آثارهم وأسماؤهم التي احتفظ بها البيض وأطلقوها على قراهم، ومدنهم، وشوارعهم، ومناطقهم.
أحد القادة العسكريين البيض الذي قاتل الكثير من قبائل (الهنود الحمر)، قال إنه لم يَرَ أنقى ولا أجمل من شعب (الشايانز). فأين الشايانز الآن؟ وكم بقي منهم على قيد الحياة؟
من القبائل والشعوب التي جرى إبادتها:
كاليفورنيا:
Chilulas
Chimarikos
Urebures
Nipewolis
Alonas
Modoc
نبراسكا وساوث داكوتا:
Oglala siouk
Santee Sioux
نبراسكا:
cherekee
Crows
Arapahos
نيفادا:
Nauahos
كولورادو:
Utes
cheyennes
poncas
nez perces
والأخيرة اسم قبيلة أطلقه عليها الفرنسيون
وقد اشتهروا بوضع الأصداف في أنوفهم.