مقالة اثارة جدلا كبيرا في النرويج لم يهتم لها الاعلام العربي ولا الاسلامي


--------------------------------------------------------------------------------

مقالة اثارة جدلا كبيرا في النرويج لم يهتم لها الاعلام العربي ولا الاسلامي

للكاتب النرويجي العالمي يوستن غوردر

ولأنني لاحظت أن الصحافة العربية والاعلام لم يهتم بالقدر الكافي بالمقال الحدث، والأهم أن أياً من الصحف العربية الرئيسية لم يقم حتى بالاشارة الى المقاله وما احدثته من جدلا واسعا وكذا الهجوم
الشديد الذي تعرض له الكاتب اقوم بنشر النص لاهميته لتعريف القارئ العربي بتفتح ذهني للكاتب
والقارئ الاوروبي على امور كثيرة كان متحمسا لها بينما كتابنا وقراءنا العرب يعودون القهقري
الى الخلف فكيف والأمر يتعلق بمصلحة ثقافية مباشرة للعرب!

حاولت جهدي الانسجام مع الأسلوب الذي كتب فيه المقال، لأنه وببلاغة جدّ خاصة يمزج التاريخي والديني والثقافي والسياسي في كلّ واحد. وفي هذا تتجلى براعة الكاتب وحنكته. لذا أُرغمت على تكرار الضمير المنفصل " نحن " والذي استخدمه الكاتب متنقّلاً بين صوتين. الصوت الصوت لمتنبّئ يهودي، أو نبي، أو حبر. سمّه ما شئت. هذا المتنبّئ ما هو على الأرجح إلا يسوع المسيح. وصوت آخر يتميّز بأنه معاصر وعارف
يوستن غوردر في الرابعة والخمسين من عمره. مهنته الأصلة معلم للفلسفة. اخترق العالمية بسرعة قياسية إثر نشر روايته " عالم صوفيا " وهي رواية تقع بين الأسلوب التعليمي الفلسفي والفن الأدبي. بيع منها 26 مليون نسخة، وترجمت لأكثر من خمسين لغة.
له أيضا رواية " مايا " التي ترجمها إلى العربية عن الانجليزية ياسين الحاج صالح. إضافة لعدد من الرويات الأخرى.
من حق غوردر على العالم كله وليس العالم العربي فحسب، أن يهتم بما يكتب. لأنه كاتب إنساني رائع. ولأنه قال كلمته في ظرف حرج، بينما سكت آخرون مؤثرين السلامة.
ناقشوه. جادلوه. انتقدوه. لكن لا تتجاهلوا ..
نص المقالة:

شعب الله المختار
يوستين غوردر
المتحدث هو المؤلف
انقل المقاله كما وردت بدون تعديل مع شرح لماورد من هوامش مرقمه

" لا درب للعودة. إنه الوقت المناسب للتمرّن على وظيفة جديدة:
نحن لم نعد نعترف بدولة اسرائيل. وما كان لنا أن نعترف بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولا بنظام طالبان الأفغاني. كثيرون منّا لم يكونوا يعترفون بعراق صدام حسين، أو بالتطهير العرقي الذي قام به الصرب. والآن علينا أن نعتاد على الفكرة القائلة: إن دولة اسرائيل الحالية ما هي إلا تاريخ.
نحن لا نعتقد بمفهوم شعب الله المختار*. نحن نضحك من تولع ونواح هذا الشعب على آثامه. التبدّي كشعب الله المختار؛ ليس فقط غباء وعجرفة، وإنما إجرام ضد الانسانية. نحن نسميه عنصريةً.
هناك حدود للتسامح. هناك حدود لتحمّلنا، وحدود لتسامحنا. نحن لا نؤمن بالوعود الآلهية كتبرير للاحتلال والعنصرية. نحن وضعنا القرون الوسطى خلف ظهورنا. نحن نضحك بشيء من الحرج من أولاء الذين ما يزالوا يعتقدون أن إله النبْت (1)، والحيوان (2)، والمجرة (3) قد اختار شعباً بعينه مفضلاً ومانحاً إياه ألواحاً حجرية مضحكة، وأجمات متقدة، وإذناً للقتل (4).
نحن نسمّي قتلة الأطفال بقتلة الأطفال ولا نقبل أن تكون مملكة الرب أو التفويض التاريخي عذراً لصنائع خزيهم. نحن نقول بتجرد: عار للعنصرية كلّها، عار للتطهير العرقي. العار كلّه لضربات الارهاب ضد المدنيين سواء اقترفت من قبل حماس، أم من حزب الله، أم من دولة اسرائيل.
فنّ حرب وسواسي. نحن نعترف ونأخذ على أنفسنا عمق مسؤولية أوربا عن قسمة اليهود، وعن المضايقة المشينة، وعن المذابح والهولوكوست. كان من الضرورة تاريخياً وأخلاقياً أن يحصل اليهود على وطن خاصّ بهم. لكن دولة اسرائيل وقد حازت على مهارة حربية وسواسية وأسلحة مغثّة، ذبحتْ هويتها الخاصة. إنها أثمت بانتظام بحق الشعب، وبحق الاتفاقيات الدولية، وبحق ما لا يعد من قرارات الأمم المتحدة ولا يمكنها مجدّداً أن تترقّب حماية من الجهات نفسها. إنها قد خرّقت بقصفها اعترافَ العالم. لكن لا تفزعوا. ساعة الشدة قاربت النهاية. دولة اسرائيل أسست سويتو Soweto (5) جديدة.
نحن الآن عند الماء الفاصل (6). ولا طريق للعودة. دولة اسرائيل قد اغتصبت اعتراف العالم ولن تحصل على سلام ما لم تضع سلاحها.
بلا دفاع، بلا ستر. على الروح والكلمة أن تنفخ على جدران اسرائيل العنصرية لتقلبها رأساً على عقب. دولة اسرائيل لن تعيش. إنها بلا دفاع الآن، بلا ستر. لذا يتوجب على العالم أن ينظر بعين الرحمة إلى السكان المدنيين. لأنه ليس ضد أناس بسطاء مدنيين يتوجّه حكم نبوءاتنا (7).
نحن نريد الخير لكل الشعب في اسرائيل، كل الخير، لكننا نحتفظ بحقّنا بأن لا نأكل برتقال يافا [i]طالما ظل طعمه كريهاً، وطالما بقي سامّاً. وإنه لمن الممكن العيش سنين دون هذا العنب العنصري الأزرق.
إنهم يحتفلون بالانتصارات. نحن نعتقد أن اسرائيل لا تتفجّع على أربعين طفلاً** لبنانياً مقتولاً أكثر من ندبها لثلاثة ألاف من السنين على أربعين سنة في الصحراء (8). نحن ندوّن أن كثيراً من الإسرائيليين يحتفلون بهكذا انتصارات مثلما احتفلوا مرة بالمعاناة التي أرسلها الرب، كعقاب مناسب، للشعب المصري (9). (في هذه الحكاية بدا السيد رب اسرائيل كساديّ لا يكتفي). نحن نتساءل فيما إذا كان أكثر الاسرائيليين يرون أن حياة اسرائيلية واحدة أثمن من أربعين حياة فلسطينية أو لبنانية.
ولأننا رأينا صوراً لفتيات اسرائيليات صغيرات وهن يكتبن تحيات حقد على القنابل التي ستطلق على السكان المدنيين في لبنان وفلسطين، فإن هاذَنّ الاسرائيليات الصغيرات لسن عذبات، ما دُمْن يتبخترن من البهجة على الموت والعذاب في الجهة الأخرى من الجبهة.
انتقام ثأر الدم. نحن لا نعترف بخطاب دولة اسرائيل. نحن لا نعترف بلولب الانتقام الدموي على طريقة " العين بالعين والسن بالسن ". نحن لا نعترف بمبدأ: عشر عيون أو ألف عين عربية من أجل عين اسرائيلية واحدة. نحن لا نعترف بالعقاب الجماعي أوبعلاج التنحيف للناس كسلاح سياسي. ألفان من السنين ولّت منذ أن انتقد متنبّئ يهودي (10) هذه العقيدة المتحجّرة " العين بالعين والسن بالسن ". قال: " مثلما هي رغبتكم في أن يعمل الآخرون لأجلكم، اعملوا أنتم أيضاً لأجلهم ".
نحن لا نعترف بدولة تتأسس على مبادئ ضد الانسانية، وعلى يباب دين وطني عتيق، دين حرب. أو مثلما أوضح ألبرت شفايتزر: " الانسـانية لا تعني أبداً أن يضحي إنسـانٌ من أجل قضية ".
رحمة وغفران. نحن لا نعترف بمملكة داوود القديمة كنموذج لخريطة الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين. هذا المتنبّئ اليهودي أكّد قبل ألفي سنة أنّ مملكة الربّ ليست تشييداً حربياً متجدّداً لمملكة داوود، وإنما مملكة الرب فينا وبيننا. مملكة الرب رحمة وغفران.
ألفان من السنين ولت منذ أن وضع هذا المتنبّئ اليهودي سلاحه، وأنسن كليّاً بلاغة الحرب القديمة. وسلفاً في زمنه؛ اشتغل أوائل الإرهابيين الصهاينة.
اسرائيل لا تصغي. خلال ألفي سنة عبأنا نحن منهاج الانسانية، لكن اسرائيل لا تصغي. لم يكن الفرّيسيُّ (11) هو من ساعد الرجل (12) الذي انْطرح على حافة الطريق بين جمع اللصوص. لقد كان سامريّاً (13)، وكنا سنقول عنه اليوم إنه فلسطينيّ. أولاً وقبل كل شيء نحن بشرٌ - مسيحي، مسلم، ويهودي. أو مثلما قال ذاك المتنبّئ اليهودي: " أين الرفعة في أن تحييوا بودّ من يخصونكم فقط؟ ". نحن لا نقبل اختطاف جنود، لكننا لا نعترف بترحيل مجاميع من الناس، ولا بخطف أعضاء برلمان منتخبين وشرعيين، ولا أعضاء حكومة أيضاً.
نحن نعترف بدولة اسرائيل 1948 لكن ليس اسرائيل 1967. إنها هي دولة اسرائيل التي لا تعترف، ولا تحترم، ولا تنحني لدولة اسرائيل 1948 الشرعية. اسرائيل تريد المزيد. تريد ماء أكثر، وبلدات أكثر. من أجل بلوغ هذا يـريد البعض وبمعونـة الرب حلاً نهائياً للمسـألة الفلسـطينية***.
الفلسطينيون لديهم أوطانٌ أخرى كثيرة جداً؛ دفعت بهذا شخصيات اسرائيلية ساسية. نحن لدينا فقط وطن واحد.
أمريكا أم العالم؟
أو مثلما يعبر المدافعون الغلاة عن دولة اسرائيل: " ليبارك الرب أمريكا (14)". لقد كانت طفلة صغيرة من غصّ بهذا. فالتفتتْ نحو أمها وقالت: " لماذا يختتم الرئيس دوماً خطاباته بالقول: ليبارك الرب أمريكا (15)؟ لماذا لا يقول ليبارك الرب العالم (16)؟ "
ذات مرة أفشى شاعر نرويجي نهدة قلبية بريئة كالتالي: " لماذا تتقدم الانسانية ببطء شديد؟ " وكان هو وبجمال خارق من كتب عن " اليهودي " و" اليهودية ". لكنه هو أيضاً من رفض مفهوم شعب الله المختار، حتى إنه سمّى نفسه بـ " المحمديّ (17) ".
تعقّل وشفقة. نحن لا نعترف بدولة اسرائيل. لا اليوم، ولا في لحظة كتابتنا، ولا في ساعة الغضب والحزن. فيما لو كان على الوطن الإسرائيلي أن يسقط بسبب قسوة قبضته، وتوجب على مجاميع من السكان أن يفروا من مناطقهم المحتلة عائدين إلى الشتات، فإننا نحن نقول: يتوجب على المحيط أن يكونوا هادئاً وأن يظهر الحكمة .. في تلك اللحظة. إنها لجريمة أبداً ودوماً ودون ظروف مخفّفة أن توضع يدٌ على لا جئيين بلا دولة.
سلاماً وأماناً للسكان المدنيين المرحلين الذين لم تعد لهم دولة تحميهم. لا تطلقوا النار على اللاجئين! لا تصوّبوا نحوهم! إنهم الآن سريعو العطب مثل حلزون بلا قوقعة، سريعو عطب مثل قوافل بطيئة للاجئين فلسطينيين أو لبنانيين. إنهم الآن بلا دفاع مثل نساء وأطفال وشيوخ قانا، وغزة، وصبرا، وشاتيلا. اعطوا اللاجئين الاسرائيليين غرفة سكن، اعطوهم حليباً وعسلا!
لا تدعوا طفلاً اسرائيلياً يغرّم حياته. فقد قتل سلفاً أطفال ومدنيون أكثر من الكثير."
الهوامش:
* الخط الغليظ موجود في الأصل.
** في قانا الثانية
*** هنا وعلى الأغلب يستعير الكاتب المقولة النازية عن: الحل النهائي للمسألة اليهودية. وهو ما أدى عملياً إلى الهولوكوست.
1 - Flora
2 - Fauna
3 - Galakse
4 - إشارات إلى استلام موسى للشريعة اليهودية على جبل سيناء من الرب. الجملة الأخيرة: " وإذناً بالقتل " ترد في النص بالانجليزية.
5 - مدينة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري.
6 - إشارة إلى حيول الماء بين بني اسرائيل والمصريين أثناء هروبهم من مصر، حسب التوراة.
7 – بنى الكاتب أسلوب كتابة النص على تقمص نبي أو متنبئ أو حبر يهودي قديم، البعض يقول إنه خليط من نبي عادي من أنبياء اسرائيل الكثر والسيد المسيح، وعلى لسان هذا النبي الممزوج برؤية شخصية عالِمة في القرن الـ 21 يجرى الكلام محذّراً. البعض رأى أن الصوت في النص ما هو إلا تقمّص لصوت يسوع دون غيره.
8 - إشارة إلى التيه اليهودي في الصحراء
9 - إشارة إلى أنواع العذاب العشرة التي طبقها رب موسى على المصريين. وهي عقوبات انتقامية شديدة القسوة. ليس أقلها تحول مياه النيل إلى دماء، وإبادة المصريين مرات من خلال معجزات ربانية!
10 - إشارة إلى المسيح ربما.
11 - الفريسيّ واحد الفريسيين فئة يهودية ضيّقة النظرة.
12 - الرجل: المرجح أنه يقصد المسيح. وهذه إحدى عذاباته.
13 - السامريّ واحد السامريين. حسب التوراة هم سكان اقليم السامرة. أكثر اليهود لا يعترفون بالسامريين كيهود. لا تزال مجموعة صغيرة منهم تعيش في فلسطين. للسامريين توراتهم الخاصة وفي تاريخهم عداء لليهود. وفي تاريخ اليهود عداوة شديدة لهم.
14 - بالانجليزية
15 - بالانجلزية
16 - بالانجليزية
17 - نسبة إلى النبي محمد. في ثقافة الغرب الأقدم تعني النسبة محمدي: مسلم.


علي السقاف جده