المهماز والجسم
المهماز: هو (المِنخاش) وهو أداة من معدن يستعملها راكبو الدواب برفق لحث دوابهم على السرعة بالسير، وأحياناً يستعملونها بقوة حتى يدمى مكانها، إذا كانت الدابة بليدة. لكن إن لم تكن الدابة بليدة فيكفي أن ينهرها راكبها بإشارة صوتية لينذرها أنه سيستخدم المهماز فيما لو لم تستجب لإشارته، فتتلافى ألم المهماز.
وقد تكون الأحداث التي يمر بها فردٌ أو شعبٌ أو أمةٌ، بمثابة مهاميز، فقد يكون رسوب طالبٍ في امتحان مهمازاً ليجعله ينتبه لتلافي الإخفاق الذي مر به، وقد يتعرض أحدهم لعملية نصب واحتيال من شخص يحترف ذلك، فيفقد بعض أمواله، فيحتاط مستقبلاً لأن لا يمر بنفس التجربة، وقد تحتال دولة على أخرى بعقد ميثاق أو عهد تقطعه للدولة أو شعبها، ثم تنكث بوعدها ولا تلتزم بما قطعته، فيُفترض عندها أن يتحصن ذلك الشعب أو تلك الدولة من تكرار التعامل مع مثل تلك الحِيل.
الجسم: هو تلك الكتلة التي تشغل حيزاً معلومةٌ أبعاده بالطول والعرض والارتفاع أو العمق. وفي الأمم يكون العمق هو الامتداد التاريخي والتكوين الثقافي والتراثي، ويتعامل الآخرون مع ذلك التكوين تعاملاً واضحاً.
فلاسفة التاريخ، ينظرون لأمتنا من محيطها الى خليجها على أنها أمة متجاورة من منشأ أو أكثر من منشأ متقاربات ومتصاهرات ومتلاقحات، فيشيرون الى اللغة ويشيرون الى البقعة الجغرافية، ويختارون ممثلاً واحداً متناوباً عن تلك المجموعة في مجلس الأمن فاليوم (ليبيا وفي الدورة القادمة سوريا وبعدها المغرب وهكذا).
لكن، في حالتنا لا نعترف بجسمنا إلا بشكل كيفي وانتقائي، فنحفظ لامرئ القيس وندرسه هو وطرفة ابن العبد ونحفظ لأحمد شوقي والشابي و الرصافي ومحمود درويش، ويجتمع وزراء الداخلية في بلداننا دون تأخر لمناقشة موضوع الإرهاب، ويتباطأ وزراء الخارجية لعقد اجتماع طارئ ويندر اجتماع وزراء الدفاع.
وعندما تهمز بنا الأحداث، وتدق جسمنا، سيقول كل واحد إن هذا الهمز لا يخصني، بل يخص الظهر المصري أو الكتف العراقي أو العنق الفلسطيني.
وإن كانت الدواب تستشعر ما قبل الهمز، فإن أولياء أمورنا لا يزال يضحك عليهم الإنجليز منذ قرن ولا يزال يخدرهم حلفاء الإنجليز، وهم يقولون: سهلة، غداً سيخف أمر هذا الهمز، وسيندمل الجرح، وستنسى الجماهير الإهانة وستتوقف عن انتقادنا، وكل شيء (هين) طالما كراسينا باقية..