في ذكرى مرور 61 عامًا على نكبة فلسطين؛ صدر عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة، كتاب "النكبة وحقيقة نصف الدولة" للكاتبة الصحفية "سهى علي رجب".
يقع الكتاب في 144 صفحة من القطع المتوسط، ويستعرض في ستة فصول الرحلة من يوم صدور قرار التقسيم حتى الذكرى الستين للنكبة (1948 – 2008).
يتناول الفصل الأول من الكتاب والمعنون بـ"قرار التقسيم" تاريخ وبداية فكرة قرار التقسيم وكيف تم تطبيقها.
فيما يسرد الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان "الحرب" معلومات دقيقة عن بداية حرب فلسطين 1948، وما حدث في معركة "الفالوجا"، وقضية "الأسلحة الفاسدة"، ودور الإخوان المسلمين في حرب فلسطين.
ويستعرض الفصل الثالث "أرقام" أهم الأرقام المرتبطة بالقضية الفلسطينية ودولة إسرائيل، وأرقام حول نكبة 48.
أما فصل الشهادات فيضم حوارات صحفية مطولة أجرتها المؤلفة مع السيد "إبراهيم البغدادي" محافظ القاهرة الأسبق وأحد من حوصروا بالفالوجا، والمؤرخ العسكري "أحمد حمروش"، والسيد "عبد المنعم الجميعي".
الفصل الخامس يتناول بالتحليل دور الأحزاب والمنظمات اليسارية العربية من قرار التقسيم.
وتختتم المؤلفة فصول كتابها بمجموعة كبيرة من الصور النادرة عن النكبة وفلسطين ومعركة الفالوجا والمنشورات التي ألقتها القوات الإسرائيلية على الفلسطينيين في قرى الجنوب، وغيرها من الصور النادرة.
على الغلاف الخلفي للكتاب، نقرأ للكاتبة الصحفية "سهى علي رجب":
( هذا الكتاب، محاولة مني للبحث وراء حرب لا يعرف حتى معاصريها لماذا خضناها؟ ولماذا دخلنا في معركة كان من الممكن أن نتقي شرها؟ بل إننا الآن نبحث عمن يعيد إلينا الماضي الجميل، لنقبل قرار التقسيم، ونأخذ نصف دولة بدلاً من أن نأخذ شبرًا واحدًا في أي دولة !
هذا الكتاب رحلة، سافرتُ فيها بين شخوص وكتب ومقالات أخذتني إلى عالم آخر غير الذي نعيشه الآن، فجيلي لا يعرف عن هذه الحرب شيئًا، وكل ما يعرفه هو "محمد الدرّة" وانتفاضة الأقصى وما حدث في غزة.
بعد أن تستعرضوا معي ما بين دفتي هذا الكتاب، ربما تجدون إجابة لسؤالي: "هل ندم العرب على رفضهم قرار التقسيم ؟ " .
لا تهمني الإجابة، بقدر ما يهمني ما وراء هذا الإجابة، وهل سيأتي بعد ستين عامًا أحد الشباب، ليحاول أن يسرد في كتاب ما حدث في "120 سنة نكبة"؟ أم أننا سنبحث عن قرار جديد للتقسيم؟ أم أن إسرائيل وحليفتها أمريكا، قد اتخذتا القرار بالفعل، واقتسمتا كعكة الوطن العربي إلى الأبد ؟!).
ومن شهادات كتاب " النكبة وحقيقة نصف الدولة " والتى نشرت أيضا فى محاورة بجريدة «القاهرة» في الثالث عشر من شهر مايو عام 2008 بمناسبة الذكرى الستين للنكبة نذكر :
.......... وهناك في حي الزمالك، وعلى نيل القاهرة، التقيت بواحد ممن شاركوا في حرب 1948 وتجرعوا طعم الهزيمة، وطاردتهم لعنة النكبة، هو السيد إبراهيم بغدادي، محافظ القاهرة الأسبق، وأحد من تم حصارهم في الفالوجا أثناء حرب فلسطين. قلّبت معه ألبوم الذكريات، وبدأت حديثي معه بسؤال :
• هل كانت الشعوب العربية - خاصة مصر - مهيأة لدخول حرب فلسطين ؟
- ليس فقط بالمشاعر وإنما بالإمكانيات !! إذا نظرنا إلى خريطة العالم العربي منذ إنشاء جامعة الدول العربية وحتى 1948 ، سنجد أنه لم تكن هناك دول مستقلة بالمعنى المفهوم إلا مصر والسعودية ، ومع ذلك كان في مصر قوات بريطانية ، كذلك الأردن والعراق ، أما سوريا ولبنان ، فكانتا لم تلتقطا أنفاسهما بعد من الوصاية الفرنسية ، وهذا يعنى أن مجموع الدول العربية لم يكن لها وزن في السياسة الدولية ، ولا إمكانيات أو استعداد لدخول الحرب.
وما حدث أنه كانت هناك جماعات من الفلسطينيين وبعض المتطوعين القلائل من الدول العربية ، يحاولون محاربة العصابات الصهيونية التي كانت موجودة في ذلك الوقت - لأنه لم يكن قد أُعلن بعد عن قيام دولة إسرائيل - والجيش المصري لم يكن في حالة تسمح له بدخول حرب لأسباب كثيرة :
أولاً : الجيش البريطاني كان يحتل شبه جزيرة سيناء وقواعده في قناة السويس ، وهذا يعنى أن أي عسكري عليه قبل أن يعبر أن يمر عبر معسكر للجيش البريطاني .
ثانيًا : تسليحنا كان محدودًا جدًا ، لأن الحكومة المصرية ملتزمة بحكم المعاهدة المبرمة بيننا وبريطانيا منذ 1936 بألا يكون هناك تسليح إلا بالحد الذي تسمح به بريطانيا . وفى عام 1947 نادى بعض المفكرين والشباب بضرورة التطوع مع القوات الموجودة في فلسطين ، وكذلك بعض صغار ضباط الجيش ، الذين طالبوا بأن يذهبوا مع المرحوم أحمد عبد العزيز ، ومعهم جماعة الإخوان المسلمين ، حيثُ كان لهم بعض المتطوعين هناك ، وأعداد قليلة جدًا من السودانيين ، لكن ما حدث في ذلك الوقت ، أن الملتفين حول الملك فاروق أقنعوه أن الجيش المصري قادر على دخول الحرب ، في حين أن الجيش لم يكن يملك أي استعدادات لخوض الحرب .
وفى المقابل ، فإن العصابات الصهيونية الموجودة في فلسطين في ذلك الوقت ، كانت تحصل عن طريق الجاليات اليهودية في أوروبا والاتحاد السوفيتي ؛ على تسليح ، بالإضافة إلى بعض المتطوعين اليهود من يهود أمريكا وروسيا الذين تطوعوا في القوات الإسرائيلية لدخول الحرب ضد العرب .
• إذن لم تكن الظروف تسمح على كل المستويات بدخول الحرب ، فلماذا كان الإصرار على دخولها ؟
- في جلسة مجلس الشيوخ لمناقشة قرار دخول الحرب ، رفض العديد من أعضاء المجلس ذلك ، لعدم وجود استعداد عسكري ؛ وهذا موثّق في مضبطة مجلس الشيوخ ؛ إنما كان هناك بعض الأفكار لدى البعض ، أن الجيش المصري إذا دخل الحرب وانتصر على اليهود ، فسيصير الملك فاروق هو خليفة المسلمين ، وكان هذا أحد الأسباب التي دفعت فاروق لقبول قرار الحرب ، حيثُ توهّم أنه سيصير خليفة للمسلمين ، أو سيكون خليفة صلاح الدين الأيوبي !!
• هل كان فاروق على علم بأن جيشه غير قادر على الحرب ؟
- الحقيقة أن هذا سؤال مهم جدًا ، خصوصًا أن البعثة العسكرية البريطانية مثلاً ظلّت في مصر حتى عام 1947 ، رئيس أركان الجيش المصري حتى نهاية الثلاثينيات كان سفنكس باشا ، وكان المتحكم في التسليح والتدريب بريطانيا ، حتى في الأربعينيات ، كان الجيش المصري يعمل في خدمة القوات المتحالفة ، ولم يكن له دور في الدفاع عن مصر ، لأننا لم نشارك أساسًا في الحرب "بريطانيا تحارب ألمانيا على أرض مصر" ونصل من ذلك إلى أن حرب 1948 عملية غير مدروسة لا سياسيًا ولا عسكريًا.
• إذا كان الوضع بهذا السوء ، فلماذا اعترض العرب على خريطة التقسيم ؟
- نحن الآن على مسافة كبيرة من خريطة التقسيم ، وبعد أكثر من ستين عامًا على رفضها ، نتمنى لو كنا قد قبلناها ، فالحقيقة أننا إذا كنا قد قبلنا قرار التقسيم ، لما كان هناك إسرائيل الآن !!
أذكر أنني في عام 1948 كنت في الكتيبة الأولى - وهي أول كتيبة دخلت فلسطين في 15 مايو 1948 - لم يكن لدينا وسيلة مواصلات للانتقال بها من العريش إلى حدودنا في رفح ! فتمّ تأجير أتوبيسات من متعهّد نقل فلسطيني يدعى (بميا) ، ولنا أن نتخيّل كيف ننقل جنودًا إلى أرض معركة في أتوبيسات ؟ وكأننا نأخذ الجنود في نزهة ، وليس حربًا ، العامل النفسي لدى الجندي المقاتل شيء مهم جدًا ، هذا بالإضافة إلى أننا لم نكن نملك أي معلومات حول الحرب ، ولا الأرض التي ستدور عليها المعركة ، ولا حتى معنا خطة للحرب !!
• بصفتك من أوائل الضباط الذين وصلوا أرض المعركة ، صف لنا رحلتك من معسكرك في مصر إلى أرض المعركة ، وما دار فيها ؟
- الأتوبيسات نقلتنا إلى الحدود ، وبعد رفح مباشرة وجدنا مستعمرة اسمها ؛ على ما أذكر ؛ (كفار ديروم) ، كانت هذه المستعمرة تطلق نيرانها على أي قوات تعبر ، واشتبكت بالفعل معنا ، واستُشهد أول ضابط مصري في 15 مايو 1948 وهو المرحوم «اليوزباشي عز الدين الموحى» ، وظللنا نسير إلى غزة ، دون أن نعرف أي شيء عن الخطط الإستراتيجية لدخول أرض المعركة ، ولا حجم القوات المعادية ، ولم نكن قد حاربنا من قبل ولا حتى في مناورة عسكرية !
الحقيقة المريرة أننا دخلنا حربًا لم نكن مستعدين لها ، لا نفسيًا ولا عسكريًا ولا حتى سياسيًا !! الذي يدير عملية عسكرية لابد أن يكون قائدًا قويًا سريع البديهة ، يعلم كل شيء عن جيشه ومعركته القادمة وخصمه ، كل ذلك لم يكن متوفرًا لدينا ، وبالتالي خسرنا.
وحتى الآن ، لا أعلم لماذا قبلنا الهدنة الأولى ؟ وللعلم فإنه في أثناء الهدنة الأولى ، تدفّقت إلى إسرائيل كميات مهولة من الأموال والأسلحة ، جعلتها أكثر قوة وأكثر شراسة بعد انتهاء الهدنة ، الجندي المصري لم يكن يعرف أي شيء عن فلسطين ، ومسلح بأسلحة متخلفة من بقايا الحرب العالمية الأولى ، ولم نكن نملك أي علاقات مع الكتلة الشرقية ، حتى نشترى منهم الأسلحة ، وأمريكا لا يمكن أن تمنحنا أسلحة نحارب بها حلفاءها في إسرائيل، ولكننا رغم الحصار والحرب، كنا - مجموعة من الضباط والجند وأنا- نقوم بطبع مجلة أسميناها «الفالوجة» كان يقرأها الضباط والجنود وبعض أهالي القرى الموجودة حول معسكراتنا.
• اعترضتَ على رفض العرب قرار التقسيم ، فهل أخطأوا بقبول الهدنة الأولى ؟
- أولاً ، لم يكن هناك من يحارب سوى الجيش المصري فقط ! لأن العراق والأردن كانتا قد أخذتا قطاع «الضفة الغربية» ، وكان معروفًا أن القائد العراقي إذا أمر جنوده بالتقدم لاحتلال بلد معينة ، فإن الجنود يردون عليه «ماكو أوامر» أي لا توجد أوامر ، فالموقف كان عبارة عن مسرحية هزلية ، ولا يجب أن ننسى أبدًا أن الإنجليز عانوا كثيرًا من اليهود ، ووقت أن كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني كان اليهود يقومون بجلد وقتل الجنود الإنجليز ، ولذلك فقد انتهزت بريطانيا الفرصة ، لتخليص ثأرها عن طريق زج العرب في حرب مع اليهود.
لماذا دخلنا الحرب ولماذا قبلنا الهدنة ؟ هذه أسئلة اعتقدنا يومًا ما أن التاريخ سيجيب عنها ، لكنها مازالت بلا إجابة.
• هل كانت هناك مؤثرات داخلية على الملك فاروق لدخول الحرب ؟
- في عام 1948 كان النقراشي باشا هو رئيس الوزراء ، والوفد كان قد خرج من الوزارة منذ عام 1944 ، ثم حلّت بعده وزارات ائتلافية وأقليات ، وفى عام 1947 كان إسماعيل صدقي ، 1949 إبراهيم عبد الهادي ، ولم يكن للوفد وجود قوي ، ولكنه كان معترضًا على دخول حرب فلسطين ، وبالعودة إلى مضبطة مجلس الشيوخ ، ستجد أن فؤاد سراج الدين باشا اعترض على دخول الجيش المصري إلى فلسطين ، ولكن لا حياة لمن تنادي.
• حالات الانقلابات العسكرية المتوالية في الوطن العربي ، هل كانت نتيجة طبيعية لنكبة 1948 ؟
- الانقلابات بدأت في سوريا في 30 مارس 1949 ، ثم في مصر 23 يوليو 1952 ، بالنسبة لمصر، الانقلاب كان ناتجًا عن ضغوط متراكمة، ربما تكون حرب 1948 سببًا من أسباب الانقلابات العسكرية، لكنها ليست العامل الأساسي فيها.
• هل كانت الأسلحة فاسدة أم متخلفة ؟
- كانت الأسلحة متخلفة وفاسدة ، ومن كان يجلبها أناس مرتبطون بالسرايا والحاشية والملك نفسه ، وهناك قضية مشهورة جدًا ومعروفة ، اسمها قضية «جيلان» ، وكان هذا الشخص مرتبطًا بطريقة ما بالملك ، وعندما أثير موضوع الأسلحة الفاسدة ، خاصة بعد حملة إحسان عبد القدوس حول الأسلحة في «روز اليوسف» ، تم إبلاغ النيابة وتشميع الخزانة التي تحوي مستندات عمليات شراء الأسلحة الفاسدة ، وفى اليوم التالي وجد رجال النيابة ختم الشمع وقد أزيل ، ولم يكن هناك أي رد فعل ، وتم التخلص من المستندات نهائيًا ، وظلت القضية متداولة في المحاكم حتى عام 1953 . ولا نستطيع أن نقول إن الهزيمة كان سببها الوحيد الأسلحة الفاسدة ، فهناك أكثر من سبب ، مثل عدم دراسة أرض المعركة ، وعدم معرفة العدو وعدم كفاءة القيادات.
• هل نستطيع الجزم بأن ثمة خيانة في حرب فلسطين ؟
- لا أعلم إن كان من حقنا أن نصف ما حدث بالخيانة أم لا ؟ فالدول العربية في ذلك الوقت كانت كلها تعانى من الاحتلال بشكل أو بآخر ، لم يكن هناك دول خليج عربي ، مصر والسودان كانتا تحت الاحتلال البريطاني ، ليبيا تحت سيطرة إيطاليا ، تونس والجزائر بين فرنسا وأسبانيا ، سوريا ولبنان تحت السيطرة الفرنسية ، بالإضافة إلى أنه كان هناك بعض الحكام العرب ؛ بدون ذكر أسماء ؛ على علاقة باليهود قبل الحرب !
• هناك بعض الأشخاص - مثل «حسن التهامي» - قالوا إن جمال عبد الناصر ؛ في ذلك الوقت ؛ كان على علاقة باليهود ... فما مدى صحة هذا الكلام ؟
- هذا كلام غير صحيح ، أنا كنت موجودًا في حصار الفالوجة ، ومعي جمال عبد الناصر وحسن التهامي ، ولم يحدث أن كانت هناك أي علاقة بين عبد الناصر واليهود.
• وما موقف ثورة 23 يوليو من القضية الفلسطينية ؟
- في السنوات الأولى للثورة، كان الاهتمام بتأمين الثورة والجبهة الداخلية من أي مقاومة تعوق سير الضباط الأحرار ، حتى عام 1953 ، في هذا العام قامت مجموعة من اليهود بشن هجوم على «غزة» ، وكانت غزة تحت السيطرة المصرية منذ عام 1948 ، كان الحاكم العسكري في غزة مصريًا ، وفى هجوم الإسرائيليين على غزة في 1953 ، استُشهد عدد من الجنود المصريين ، وكانت هذه الهجمة بمثابة جرس الإنذار للثورة ، لنقل القضية الفلسطينية من قائمة الانتظار إلى قائمة الفحص والتحليل ، ومع ذلك فقد ظلت القضية الفلسطينية تظهر وتختفي من قائمة اهتمامات الثورة ، منذ قيام العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 ، وهنا بدأ الوعي المصري يستيقظ ، وينتبه لمدى خطورة الوجود الإسرائيلي ، وبدأ ظهور فكرة القومية العربية والوحدة ، فالوعي زاد في اتجاه تجميع الصف العربي حول رأى واحد وهدف واحد.
وسطور المبدعة سهى علي رجب تقول :
• كاتبة وصحفية مصرية من مواليد الجيزة في 20 أكتوبر1981
• مساعد رئيس تحرير جريدة "القاهرة" الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية
• تمارس العمل الصحفي منذ عام 2000 بعدة مطبوعات مصرية وعربية
• حاصلة على بكالوريوس إعلام عام 2002
• دبلوم الدراسات العليا من المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمة الفنون "قسم النقد الأدبي"
• ماجستير نقد أدبي في جماليات المكان عند نجيب محفوظ
• دبلوم الدراسات العليا من المعهد العالى للدراسات الإسلامية