جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا- اليمن1-الإطار العام لنشأة الشوكاني:
الحياة الخاصة :
هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني ، الخولاني ، الصنعاني . مفسر ، ومحدث ، وفقيه ، أصولي ، ومؤرخ ،وأديب ، ونحوي ، ومنطقي ، ومتكلم ، وحكيم ، من كبار علماء اليمن . ,ولد بهجرة شوكان من بلاد خولان في عام 1173هـ الموافق 1760م ونشأ في صنعاء ، حيث كان والده يعمل قاضياً بها وبوطنه الأصلي خولان ، وتلقى العلم على يد كبار علماء صنعاء أمثال السيد العلامة عبدالرحمن المداني ، والحداني ، والنهمي والحسن المغربي ، والعلامة عبدالقادر بن أحمد و آخرين كثيرين (1)
ظهر نبوغه بعد أن هضم ثقافة عصره ، وموسوعات الثقافة والتراث العربي الإسلامي وقد حفظ كذلك القرآن وجوّده ، وحفظ بالإضافة إلى ذلك عدداً كبيراً من المتون قبل أن يبدأ عهد الطلب ، ولم تتعد سنه العاشرة ، ثم اتصل بالمشايخ الكبار ، وفي سن العشرين تصدر الإفتاء ، إذا كان يفتي لأهل صنعاء ومختلف المناطق اليمنية ، لذلك لم يسمح له أبوه بالاشتغال بغير العلم ، كذلك لم يسمح له بالانتقال من صنعاء (2)
أما دروسه فقد كانت تبلغ في اليوم والليلة نحو(13) ثلاثة عشر درساً منها ما يأخذها عن مشايخه ، ومنها ما يأخذه عنه تلاميذه ، وذلك في مختلف الفنون والعلوم : كالحديث والتفسير والأصول والعروض والمعاني والبيان والمنطق والفقه والجدل وغيرها . أما مؤلفات الشوكاني المخطوطة فقد بلغ نحو (240 مؤلفاً) ، إضافة إلى نحو (30 مؤلفاً مطبوعاً) منها على سبيل المثال : فتح القدير في التفسير ونيل الأوطار في الحديث والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، والدر النضيد في إخلاص التوحيد . هذا بالإضافة إلى أجوبة وبحوث قصيرة مطبوعة وكذلك له بعض الشعر (3). توفى رحمه الله بصنعاء في عام 1250هـ الموافق 1894م.
(1) حسين عبدالله العمري . (1992) . الموسوعة اليمنية ، ص 828 .
(2) محمد علي الشوكاني .(1993).الدراري المضيئة: شرح الدرر البهية في المسائل الفقهية، تحقيق: محمد صبحي حلاّق ، مج 1، ص 24 .
(3) المرجع السابق ، ص 38 .
الحياة العامة :
عاش الشوكاني في المدة ما بين (1173 – 1250هـ ) ، وقد امتاز عصره بخصائص وأحداث بارزة تفاعل معها الشوكاني ، فأثر فيها وتأثر بها ، وعملت على تكوين شخصيته العلمية التي استطاعت أن تفيد ، بل بروحها التجديدية تجاوزت كثيراً من جوانب المنظومة المعرفية والفقهية لزمانه .
فقد اتسمت الحياة السياسية بعدم الاستقرار وكثرة الصراعات سواء أكان على المستوى المحلي أم العالمي ، وعاش الإمام الشوكاني في ضل الدولة الزيدية القاسمية ، في حين عاصر ثلاثة من أئمتها ، وهم الإمام المنصور علي ، الإمام المتوكل على الله ، الإمام المهدي عبدالله بن الإمام المتوكل أحمد . والجدير بالذكر هنا أن الإمام الشوكاني تولى في عهد الإمام المنصور علي سنه 1209هـ منصب القضاء الأكبر حتى توفى عام 1250هـ في عهد الإمام المهدي حفيد المنصور علي ، كما تولى في نفس الوقت منصب كاتب الإمام الذي يتولى كلا المراسلات الداخلية والخارجية باسم الإمام(1).
أما الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فقد تدهورت الحياة الاجتماعية تدهوراً رهيباً ، حيث عرف المجتمع اليمني في هذا العصر ظلماً اجتماعياً كان سببه تعفن الجهاز الإداري وبعض الصراعات الداخلية ، في حين أن الوضع الاقتصادي كان الأسوأ على الإطلاق ، وكان مما يزيد الوضع الاقتصادي تأزماً لجوء بعض الأئمة لمواجهة الأزمات الأقتصادية التي تفاقمت بسبب فساد الإدارة وضغط الاضطرابات الداخلية والأحداث الخارجية إلى زيادة الضرائب ، واستحداث ضرائب جديدة ، والتغيير المستمر في العملة والتلاعب بقيمتها . ولقد انتقد الشوكاني هذه السياسة الاقتصادية فحاول تشخيص تلك الأحوال في كتاباته ، حيث عزا ، تدهورها إلى الابتعاد عن حقيقة الإسلام وهجر ما يدعو إليه من عدالة اجتماعية ، كما حاول رسم سياسة اقتصادية محكمة يتحقق من خلالها العدل، ويدفع بها الظلم الاجتماعي ، إلا أنه فشل في تطبيقها بسبب بعض من ضعفاء النفوس الذين كانت بيدهم مقاليد الحكم (2)
في حين أن الأحوال الفكرية والدينية كانت أحسن حالاً وخاصة الفكرية على الرغم من طغيان عنصري التعصب والتقليد على البيئة العلمية اليمنية ، فإن حركة التأليف والإنتاج الفكري كانت مزدهرة نوعاً ما في هذا العصر وساهموا مجموعة من العلماء المجتهدين في إثراء الإنتاج العلمي ( 1 ) وعن الأحوال الدينية فإن العصبية المذهبية والسلالية كانت سمت الفرق والطوائف الدينية المختلفة ، والتي كانت له معها موافقة الخاصة ، فكان ناقداً لجوانب الخطأ في مقولاتها ، ومزكياً لجوانب الحق والصواب من آرائها ومناهجها . وكان يدعو إلى التمذهب بالإسلام جملة وإلى عدم التعصب لأقوال العلماء أو الأئمة ، بل للكتاب والسنة( 2 )
وبصورة عامة ، يمكن القول بأن الإمام الشوكاني قد تفاعل مع عصره ومجتمعه حيث اتجه بقوة وإيمان راسخين لدراسة وتشخيص وعلاج الكثير من الظواهر السلبية ويحرم التقليد على كل مسلم ليضع بذلك قدمه على طريق التفكير العلمي المتحرر من تسلط الجامدين.
(1) حليمة بو كروشة.(2002). معالم المنهج الفقهي : انموذج الشوكاني ، ص 61.
(2) الشوكاني .(1993) .مرجع سابق ، ص 20-21.
(1) الشوكاني . ( 1993). مرجع سابق . ص 20- 21 .
( 2)ماهر القيسي وأمين الشيباني . (1997) . الأصول الفلسفية للتربية ، ص 200.
2 - آراؤه الفلسفية والتربوية
2- 1 الموجهات الرئيسة لمنهاج الشوكاني :
2- 1- 1 الذهنية التوفيقية :
وتستخدم للدلالة على العمليات الفكرية الهادفة إلى تحقيق الأتفاق والوحدة بين أي فكرين أو عنصرين يراد ردها إلى حقيقة مشتركة وإزالة ما يبدو بينها في الظاهر . وقد حاول توظيفها في معظم ( المشروعات الشوكانية ) إذ تجده قد سمى تفسيره ( فتح القدير ، الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ) وهو بذلك قد جمع بين أكبر مدرستين للتفسير وهما: مدرسة التفسير بالأثر ، ومدرسة التفسير بالرأي (1) .
وهذه قراءة واحدة فقط لذهنية التوفيق في أحد المشروعات بالرغم من أن بقية المشروعات تختزن داخلها طاقة توفيقية هائلة . وبشكل عام فالآليات الداخلية التي كان يستعملها الشوكاني في مشروعاته العلمية كانت تميل إلى التوفيق بين المدارس المشهورة في تلك العلوم ، وإقامة المصالحة بين العناصر المتضادة ، وإزالة ما بينها من تضاد .
2- 1- 2 الاندفاع للتحرر العلمي :
إن من أبرز المواجهات التي حددت للشوكاني منهجه هي ذم التقليد وكثرة تبرمه من المقلدة والجمود العلمي عموماً والفقهي خصوصاً فقد تعلق الشوكاني بالاجتهاد وحث عليه طلبة العلم ونصحهم بمجانبة التقليد ، وقد ألف عدة رسائل خاصة في هذا الموضوع منها ( القول المفيد في حكم التقليد ) و( أدب الطلب و منتهى الأرب ) أي ما ينبغي لطالب العلم اعتماده والتحلي به في إيراده وإصداره وابتدائه وانتهائه وما يشرع فيه ويتدرج اليه حتى يبلغ مراده (2).
2- 1- 3 ثراء الإنتاجية :
نستطيع القول بكل ثقة أن الشوكاني كان يمتلك طاقة إنتاجية مرتفعة نسبياً كانت تعود إلى التنوع العلمي الذي كان من أبرز ملامح شخصيته العلمية إذا أن كمية مؤلفاته تعد مؤشراً مهماً على ارتفاع معدل الإنتاجية عنده ، إذ لا يكاد يوجد فن من الفنون التراثية إلا وله مؤلف داخل ذلك الفن (3)
وهذا التنوع الهائل له تأثير في زيادة الطاقة الإنتاجية التي كانت خلفية بارزة للعقل الشوكاني ومن خلال التركيز على هذه الموجهات يستطيع الشخص قراءة منهاج الشوكاني وتفسير الخطاب واستقرا معطياته والوصول إلى الغايات واستخلاص النتائج والعبر .
2-2 الطبيعة البشرية :
يرى الشوكاني أن الطبيعة البشرية محايدة ولها قابلية التشكيل نحو الخير أو الشر أي أن الاتجاهات تتشكل من البيئة التي يعيش فيها الإنسان وقد ميز الشوكاني الإنسان عن الحيوان وذلك بفضل نفخ الروح الإلهية في جسده المادي كما أن الإنسان يتكون من ثلاثة عناصر هي : الجسم والعقل والروح ، وبين أن العقل ألصق بالروح منه بالجسد ومن الرؤى الأخرى التي قدمها حول الطبيعة البشرية هي (1) :
·طبيعة الإنسان أنه كفور غير شكور هذا باعتبار غالب الجنس البشري .
·طبيعة الإنسان أنه ظلوم وهو ظلوم لنفسه باغفاله شكر نعم الله جاحد لها .
·الطبيعة البشرية تتسم بالفرح والخير والنفوس البشرية مجبولة على السرور بالخير والنفور عن الشر .
·طبيعة الإنسان السهو والغلط والنسيان .
·حب المال من طبيعة الإنسان .
2- 3 المعرفة :
يرى الشوكاني أن المعرفة مكتسبة أنها تتطور وتنمو مع الزمن وتعرض الشوكاني لمفهوم العلم حيث بين أن هناك قوانين كلية في كل علم من العلوم تندرج تحتها مفردات ذلك العلم . كما يرى الشوكاني أن السبيل إلى المعرفة الحقه هو التحرر من سلطان هالة الأشخاص عن طريق البحث الدقيق عن دليل كل رأي من آرائهم ، عملاً بالقاعدة ( أعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال ) ويؤمن الشوكاني أن الحواس هي أدوات المعرفة كما ينظر إلى العلوم نظره شمولية تتسع لكل أنواع المعرفة لذلك نجده يدافع عن تعلم العلوم الفلسفية فيقول : أن العلم بالعلوم الفلسفية لا ينافي علم الشرع ومحبته له . ولقد انتهي الإمام الشوكاني إلى ما انتهى إليه الغزالي وإبن رشد في إثبات تصور علم الكلام في إكساب المشتغل به الإيمان بسبب طبيعته الجدلية (2) .
2- 4 علاقة الفرد بالمجتمع :
يرى الشوكاني أن الفرد المسلم له أدواره الإيجابية في خدمة المجتمع وتطوير وصفه وتغيير أحواله السيئة بما يتفق مع تعاليم الإسلام ، إذ أن الفرد لا يستغني عن المجتمع فعلاقته تعاونية تهدف إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية له وللآخرين وهو لذلك يدعو إلى التعاون والتعاضد والإخاء ويحث الفرد على القيام بأدواره الاجتماعية وفي توظيف المعرفة والعلم في خدمة المجتمع كما أن موقفه كان مناصراً للمرأة وذلك لما اكتشفه من مظالم تقع عليها من خلال اشتغاله بالقضاء وخاصة فيما يتعلق بالميراث والتصرف في مالها (1) .
(1) إبراهيم عمر السكران (2001) ، الموجهات المركزية لعلامة اليمن : خطاب الإمام الشوكاني ، ص 88 – 89 .
(2) محمد علي الشوكاني . (1979) . ادب الطلب ومنتهى الارب . تحقيق مركز الدراسلت والابحاث اليمنية .
(3) السكران . (2001) ، مرجع سابق ، ص 92 .
(1) القيسي والشيباني . (1997) . مرجع سابق ، ص 202 – 203.
(2) المرجع السابق ، ص 204.
(1) المرجع السابق ، ص 205 .
3- مفهوم التربية وأهدافها :
التربية عند الشوكاني أداة فعالة لتغيير السلوك ، كما أنها يمكن أن تسير في تغيير السلوك نحو أحد اتجاهين : الاتجاه المحمود ونقيضه الاتجاه المذموم ، وهنا إشارة إلى إبليس ومشاركته للإنسان في الأموال والأولاد ، أما الاتجاه المحمود ، فهو كل من لديه إمكانية التأثير في السلوك كزعماء الإرشاد وذوي الاجتهاد وغيرهم
كما حدد الشوكاني غاية التربية الرئيسة وهي الإنسان العابد المحب لله سبحانه وتعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم ) وهو المظهر العملي لمحبة الإنسان المسلم لربه ، وفي مجال آخر يقول الشوكاني " من أعظم محبة الله عز وجل ودلائل صحتها إتباع رسول الله (e) في أقواله وأفعاله والافتداء به والاهتداء بهديه الشريف " (1) . في حين تنبثق عن هذا الهدف الرئيس للتربية أهداف فرعية يمكن توضيحها فيما يلي:
3- 1 التربية الروحية :
وتتجسد في مقاصد القرآن الكريم الثلاثة : إثبات التوحيد ، وإثبات المعاد وإثبات النبوات ، كما يؤكد الشوكاني أنه في إطار التربية الروحية إلى ممارسة الدعاء والاستعاذة من شر القضاء كما يؤكد أيضاً على تلاوة القرآن فضلاً عن تدبر آياته وأحكامه ، كذلك أكد على الأذكار كالتسبيح والتحميد والتكبير كما أنه يرى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين القلب وبين أنماط السلوك فيشكل السلوك بحسب أوضاع القلب نوراً أو ظلاماً (2)
3- 2 التربية الخلقية :
تدور التربية الخلقية حول الصفات التي تمثل انعكاساً لحياة المسلم الإيمانية والروحية ، حيث حذر من شبوع القيم المذمومة كالغيبة والنميمة وتجنب البخل وأخذ الرشوات ومجالس السوء , كما يرى الشوكاني أيضاً وفي إطار التربية الخلقية عدم التسرع في الحكم على الجماعات بناءً على ملاحظة سلوك أحد أفرادها أو حتى عدة أفراد منها (3)
أما الأخلاق الحسنة فهي معاملة الجار بطيبة وعدم الأضرار به فينبغي قيام العلاقة الطيبة بينهما . كما أكد أيضاء على تكريم الطعام وعدم تعريضه للإهانة وتقديم كبار السن في المجالس والكلام وغيرها من الصفات التي يستوجب على المسلم التحلي بها .
3 –3 التربية العقلية :
تعتبر دعوة الشوكاني عموماً ثورة علمية تجدها بارزة في معظم مؤلفاته وقد مارس المنهج العلمي في التفكير خلال تعليمه طلبة العلم ، فصار علماً من أعلام المجتهدين وأكبر داعية إلى ترك التقليد وأخذ الأحكام اجتهاداً من الكتاب والسنة (1) كما يحث الشوكاني العقل المسلم في سلوكه المعرفي على البحث عن الدليل والتحرر من تأثير الهالة لأصحاب الآراء كما يرى ضرورة انفتاح العقل الإسلامي على مختلف فنون العلم .
3- 4 التربية البدنية :
ولا تعد التربية البدنية غاية في ذاتها وإنما وسيلة لإعداد الأجسام للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله كما يرى لزوم تربية المسلم التربية اللازمة بما تتضمنه من أجهزة تستهدف إعلاء طاقاتها من خلال تربية الشباب على علو الهمة ورفعة المشاعر وقوة الإرادة وغيرها (2) .
4-معالم التربية الأساسية :
4- 1 الطالب :
الطلاب قسمان قسم يسكن المدينة ، وبما أن المدينة صغيرة فالتواصل بين أحيائها سهل جداً فلا يحتاج الطالب إلى وسيلة مواصلات والقسم الثاني من خارج المدينة وهؤلاء يسكنون مساكن مجانية تابعة للمسجد تسمى ( منازل ) وهي بسيطة متواضعة جداً لكنها تؤدي الفرض ولا يدخلها الطالب إلا للنوم أو الأكل إذ أنه يقضي معظم زقته في المسجد (1)
وقسم الشوكاني الطلبة إلى أربع طبقات تختلف باختلاف الأهداف المرجوة والغايات التي يبتغيها الطالب من دراسته وهي (2) :-
-الطبقة الأولى : تبتغي العلم للعلم وهي قمة الطوائف الأربع .
-الطبقة الثانية : والتي تطلب العلم لتستغني به عن سؤال العلماء ولكنها لا تصل إلى درجة إفناء الغير .
-الطبقة الثالثة : التي تطلب العلم إلى مستوى معين لا يمكنها من الاستغناء عن سؤال العلماء في العلوم التي حصلتها إذا فهي أقل تمكناً من سابقتها .
-الطبقة الرابعة : وهي تستهدف إتقان علم من العلوم أو علمين لفرض ديني أو دنيوي وتنشد من وراء ذلك الاشتغال في حرفة معينة مثل الطب أو المحاسبة وغيرها .
ويحدد الشوكاني وصايا عامة وخاصة لطلابه فمنها ترك التقليد وسلوك طريق الاجتهاد ونبذ التعصب وأخذ العلم من ذوي الاختصاص . كما وصى طلبته خاصة بإخلاص النية والابتعاد عن المعاصي والعمل بما يعلمون كما أوصاهم بأن يبذلوا مزيداً من الجد والاجتهاد لأجل تواصل الإبداع الفكري كما أن الشوكاني لا يرى أية تناقض في دراسة المسلم للعلوم الأخرى والثقافات المختلفة ولكنه يدرسها بعد أن يترسخ قدمه في الإسلام وعلومه (3)
4 – 2 المعلم :
استخدم الشوكاني لفظة (المسلم الرباني) ، بمعنى المعلم ، فهو المؤدب ، والنافع للعباد والمعلم للخير وأن الربانيين أرباب العلم ومفردة رباني من قوله ربه ، يربه فهو ربان إذا دبّره وأصلحه ، فمعنى الرباني العالم بالدين القوي المستمسك بطاعة الله ، العليم الحكيم ويصبح معنى كونوا ربانيين كونوا معلمين بسبب كونكم علماء وبسبب كونكم تدرون العلم (1)
وقد كان المعلم يحصل على راتب مجزٍ وكذا مساعديه حيث أن كل معلم يعتمد عن نفسه في نفقاته وكذلك فهم يحصلون على هدايا من المسؤولين وغيرهم ، إلا أن بعض المعلمين كانوا ينشغلون بأمور دنياهم فيقل بذلك عطاؤهم ولذلك فإن المعلم السئ أو الضعيف ينفر منه الطلبة إذا كان معيار التقويم للمعلمين هم الطلبة وليس غيرهم أما المعلم الكفء ذو الأخلاق العالية يحبه الطلبة ويقبلون على دروسه إقبال طيباً(2)
وعليه فإن الأمام الشوكاني حمل المعلم مسؤوليات متعددة يقف في طليعتها القيام بتعديل سلوك المتعلم وتنميته وهنا يركز على نقطة مهمة وهي الفروق الفردية إذا أن الناس يختلفون فيما بينهم في إفهامهم ومدركاتهم لذلك تجده يحث المربي على مراعاة استعدادات وقدرات كل متعلم على حده بحيث يبلغ به أقصى ما يمكن أن توصله إليه قدراته واستعداداته من مستويات التعلم (3).
وفي ضوء ذلك يتضح أن الرباني (العالم) هو الذي يسلك مسلك التدرج في التربية والتعليم من السهل إلى الصعب ومن البسيط إلى المعقد وأنه هو الذي يقوم بتعديل السلوك وتنميته من خلال التأديب والإصلاح وأنه كذلك الذي يقوم يربط العلم بالعمل ومن صفات هذا المعلم الرباني القوة الإيمانية والروحية والجسمية والعقلية والاجتماعية وكذلك لا يصح أن يكون معلماً ربانياً وهو في معزل عن طاعة الله عزوجل .
4 – 3 المنهاج الدراسي :
تفاوتت نوعية الكتب التي كانت تدرس في عصر الشوكاني وخاصة التي تدرس منها في الجامع الكبير وذلك بحسب الوضع السياسي لصنعاء والذي بدوره تفاوت بين السنة والشيعة والباطنية والزيدية وإن كانت السنة هي الغالبة .
وعندما نتحدث عن الكتب فإنه قد يتبادر إلى الذهن الكتب المعروفة في أيامنا شكلها الجذاب وطباعتها الأنيقة وتجليدها الفاخر ، إلا أن العكس صحيحاً ، أي أن الكتاب كان عزيزاً ونادراً وكان مكتوباً بخط اليد وعلى العموم فهي غير متوفرة بيد الطلبة ولكنهم غالباً ما يجدون بغيتهم في مكتبة المسجد إذا كان فيها الكثير من الكتب الموقوفة (4).
أما البرنامج أو المنهاج الدراسي الذي اقترحه الشوكاني لكل طبقة من طبقات تقسيمه الأربع ، هو كما يلي : (1)(2)
4- 3 – 1 برنامج الطبقة الأولى :
وتبدأ الفئة الأولى بدراسة علوم النحو وأثناء دراسة النحو يحبذ دراسة مختصرات المنطق على يد الشيوخ وذلك بالتركيز على مباحث التصورات والتصديقات كي يستعينوا بها على فهم مباحث علم النحو ذات الطابع المنطقي . وبعد ذلك ينتقل الطالب إلى دراسة علم الصرف . وهنا يركز على أسلوب الحفظ الذي يعتبره ضرورياً للتمكن من علم الصرف وأثناء دراسة الصرف يلزمه بدراسة فن الوضع وفن المناظرة وما أن تثبت ملكة الطالب في علمي النحو والصرف حتى ينتقل الطالب إلى حفظ مختصرات علم البيان والمعاني ثم مؤلفات اللغة المشتملة على مفرداتها .
وبعد دراسة النحو والصرف والبيان والمعاني يبداً في دراسة علم المنطق والذي حدد الشوكاني أهدافه بتحقيق مزيد من الإدراك وكمال الاستعداد عند ورود الحجج وتنمية البصيرة .
ثم بعد ذلك ينتقل الطالب لدراسة علم أصول الفقه ثم علم التفسير كما أنه يوصي طالب العلم بدراسة علم السنة من خلال سماع مؤلفات فنون الأحاديث المقطوعة الأسانيد ودراسة شروحها ودراسة مؤلفات الجرح والتعديل .
وفضلاً عما تقدم فإن الشوكاني يقترح فيما إذا انتهى الطالب من دراسة العلوم السابقة أن يقوم بتوسيع أفقه العلمي والثقافي من خلال قراءة كتب التاريخ ودراسة الشعر العربي الجيد إضافة إلى دراسة العلوم الطبيعية .
4- 3 – 2 برنامج الطبقة الثانية :
ويحدد أوصاف هذه الفئة من الطلبة بالتي تستغني بما اكتسبته من العلم عن غيرها ، ولكنها لا تصل إلى رتبة إفتاء الغير أو درجة الإمامة . وهنا يركز الشوكاني على أساس مهارات التعلم الذاتية والتي تهيئ له فرص الاستزادة فيما إذا احتاج إلى معرفة معينة .
ويصف الشوكاني علم هذه الطبقة بأنه العلم الوسيط فهو قدر كافٍ من العلم في كل فن (أعرف شيئاً عن كل شئ) . مع اكتساب أفرادها مهارات الاجتهاد والقدرة على فهم مختلف العلوم دون حاجة إلى الغير .
في حين حدد الشوكاني المواد بعلم النحو والصرف وعلم المعاني والكلام وعلم الأصول وعلم التفسير . ثم أضاف ثلاثة علوم هي علم اللغة وعلم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل حيث أن لكل علم منها أهدافه الخاصة كما أنه يكفي المتعلم أخذ قدرٍ يسيرٍ من تلك العلوم .
4- 3 –3 برنامج الطبقة الثالثة :
ويصفها الشوكاني بالتي لا تستغني عن سؤال العلماء وما تكتسبه من معلومات ومهارات لا يؤهلها للاستقلال كما هو حال الطبقة الثانية وهي بذلك تحتاج أي حد أدنى من المعرفة توصل المتعلم إلى فهم ما يريد الاطلاع عليه في علم ما وإن وجد نفسه عاجزاً سأل أهل العلم في تلك المسألة .
وحدد الشوكاني المواد بعلم الإعراب وإن يستخدم طريقة السؤال الذي يقود إلى الفهم وكذلك تعلم اصطلاح الحديث . ثم يشتغل المتعلم بسماع تفسير من التفاسير التي لا تحتاج إلى تدقيق وتحقيق والملاحظ في منهج هذه الطبقة أنه مركز حول العلوم الشرعية واللغوية التي تمكن صاحبها من الاستعباد لأحكام الله سبحانه وتعالى وتطبيقها كما أنه أسلوب الدراسة هنا هو القراءة والتدريب والسؤال .
4- 3 –4 برنامج الطبقة الرابعة :
ويصفها الشوكاني بالتي تريد التخصص والإتقان لعلم أو علمين أو أكثر لغرض ديني أو دنيوي ودونما رغبة في الإحاطة بالعلوم الدينية والشرعية مثل :
-الشاعر ، وعليه تعلم النحو والمعاني والبيان وعلم البديع .
-الفيلسوف وعليه تعلم العلم الرياضي والعلم الطبيعي والعلم الإلهي وعلم الهندسة .
-الطبيب وعليه تعلم ثلاثة مجالات في علم الطب وهي : المفردات والمركبات والعلاجات . وإن أنفع الكتب هي كتب جالينوس .
وفي ضوء ذلك المنهاج الدراسي الذي حدده الشوكاني فإنه كذلك قد بين لنا نماذج للكتب التي ينبغي على طالب العلم دراستها لتحقيق ذلك المنهاج والاستفادة منه وهي : صحيح البخاري و صحيح مسلم و سنن الترمذي و وموطأ مالك و شفاء عياض و سنن النسائي و سنن ابن ماجه و سنن أبي داود و المنتقى لابن تيميه و شرح بلوغ المرام و فتح الباري و شفاء الأمير و البحر الزخار و ضوء النهار و الكشاف وحاشيته السعد الأزهار و مختصر الفرائض للعصيفري و الكافية والشافية لابن حاجب و التهذيب للتفتازاني و منظمة الجرزي في العروض و آداب البحث في العضد و قواعد الإعراب وشرحها للأزهري و الكامل و شرحه لابن لقمان وغيرها (1)
4 –4 طرائق التدريس :
حدد الشوكاني في العديد من كتبة عدداً من أساليب التعلم وطرق التدريس نذكر منها ما يلي(2) :
4 –4 –1 المباحثة :
وقد تحدث الشوكاني عنها في أكثر من موضع خاصة مباحثات شروط الصلاة الجمعة وقد اشتملت على رسائل .
4 –4 – 2 المناظرة :
ويقول عنها : أن منهج الحق واضح المنار يفهمه أهل العلم ويعرفون بداهيته ولا سيما المناظرة .
4 –4 –3 القراءة والسماع و الإجازة :
وهو حث طالب العلم على القراءة وأما السماع فينبغي سماع لفظ الشيخ وهو إملاء وغيره , والإيجاز فأن طالب العلم يستجيز العالم أن يسأله أن يجيزه علمه فيجيزه إياه .
4 –4 –4 السؤال والجواب :
وهو سؤال المتعلم للعالم وسؤال المتعلم لله عزوجل أن يفتح عليه والجواب أن يقوم المتعلم بالرد على السائلين سواء أكان من طلبة العلم أم العلماء .
4 –4 –5 الوجادة :
وهو تعلم كتب الشيوخ الذين لا يتواجدون في بلد المتعلم والوجادة مصطلح يستخدم عادة للدلاله على أن يقف المتعلم على أحاديث بخط راويها غير المعاصرين له أو المعاصر له ولم يسمع منه مباشرة أو سمع منه ولكن لا يرويها الواحد عنه بسماع أو إجازة .
4- 4- 6 المذاكرة :
أي تداول المعلومات وتذكير كل للآخر بما لديه من مسائل عن موضوع ما .
4 –5 وسائط التربية :
وتتعدد وسائط التربية عند الشوكاني لتشتمل (1)(2)
4- 5 –1 الأسرة :
حيث يرى الشوكاني أن الأبوين يشكلان وسطاً تربوياً فعالاً لأطفالهما .
4- 5- 2 المسجد :
كذلك أكد الشوكاني على دور المسجد الفعال . وهو سلاح ذو حدين ، إذا استخدمه المتعصبون وقع المجتمع في فرقة وشقاق ، إذا استخدامه العلماء ربوا الشعب على الإنصاف . ولهذا لم يفارق الشوكاني الجامع الكبير في صنعاء رغم أذية المتعصبين .
4- 5- 3 المدرسة :
تحدث الشوكاني عن الآثار التربوية والتعليمية التي أحدثها المقلدون في حلقات المسجد والمدارس وذلك في سياق حديثة عن محاربتهم لدراسة (صحيح البخاري) و(السنن الأربع) زاعمين أن من درسها فهو ليس من اتباع أهل البيت .
4- 5 – 4 المجتمع :
يؤثر المجتمع سلباً أو إيجاباً على أفراده إذ أنه قد يتوافق مع قيمة واتجاهاته مع قيم اتجاهات الأسرة وقد يتناقض معها . كما أشار الشوكاني وإلى الرأي العام بما فيه من إيحاءات وإيماءات يؤثر على اتجاهات الطفل .
4 –5 –5 شلة الرفاق :
يرى الشوكاني أن من أراد إعادة تشكيل سلوكه من أفراد المجتمع فعلية بمفارقة شلة السلوك السيئ والالتحاق بشلة رفاق جديدة تمارس أنماط السلوك التي يريد اكتسابها
4- 5- 6 الدولة وأجهزتها :
أن ما تؤمن به الدولة من أفكار ومعتقدات فإنها تؤثر تأثيراً مباشراً على الناشئ.
4- 5- 7 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
وهذا يعتبر وسيطاً وسياجاً للعملية التربوية التي تلتزم بفلسفة الإسلام ومنهجه التربوي إذ أنه يتعدل سلوك الأفراد بفعل التوجيه الذي يقوم به من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .
4-5- 8 السجون :
كذلك تعد السجون وسط يعد فيه سلوك المجرمين ويدفعهم لإيقاف اتجاهاتهم السلبية وإلى تنمية اتجاهاتهم الإيجابية .
(1) القيسي والشيباني . (1997) . مرجع سابق ، ص 206 .
(2) المرجع السابق ، ص 207 .
(3) المرجع السابق ، ص 208 .
(1) الشوكاني . (1993) . مرجع سابق ، ص 25 .
(2) القيسي والشيباني . (1997) . مرجع سابق ، ص 210 .
(1) حمود بن علي منصور . (2001) . الحلقات التعليمية في عصر الشوكاني ، ص 24.
(2) للمزيد أنظر : محمد علي الشوكاني ، أدب الطلب ومنتهى الأرب . تحقيق مركز الدراسات والابحاث اليمنية .
(3) القيسي والشيباني . (1997) . مرجع سابق ، ص 214- 215 .
(1) المرجع السابق ، ص 213 .
(2) منصور . (2001) . مرجع سابق ، ص 23.
(3) القيسي والشيباني . (1997) . مرجع سابق ، 213.
(4) منصور . (2001) . مرجع سابق ، ص 21- 23.
(1) القيسي والشيباني . (1997) . مرجع سابق ، ص 216-220.
(2) الشوكاني . (1979) . مرجع سابق ، ص 107 – 144.
(1) منصور . (2001) . مرجع سابق ، ص 22 .
(2) القيسي والشيباني . (1997) . مرجع سابق ، ص 221- 222 .
(1) المرجع السابق ، ص 211- 212 .
(2) للمزيد أنظر : عبدالغني قاسم الشرجبي . (1988) . الإمام الشوكاني : حياته وفكره . دار الفكر , بيروت .
مرجع الموضوع: