ثمـــــار طيبــــــةعفاف لطف الله
باحث في احدى الجامعات الأمريكية أجرى دراسة على عينة من الموظفين في عدد من المؤسسات الرسمية، بينت أن الموظفين المرتاحين نفسياً يشعرون بالرضا والسعادة ويحققون نتائج أفضل من نظرائهم القلقين في العمل، وراحت الدراسة الى أبعد من ذلك، اذ بينت أن هؤلاء القلقين المحبطين هم أكثر عرضة للاصابة بأمراض القلب والشرايين.
وبينت دراسة أخرى أن المناخ النفسي الآمن والعلاقات الصحية السوية بين المدير أو رأس المؤسسة والعناصر والثقة المتبادلة فيما بينهم تأخذ المرتبة الأولى من مراتب التحفيز والدافعية الى مزيد من العمل والإبداع والعطاء بلا حدود، في حين يأخذ الحافز المادي والمكافآت المادية مرتبة تالية.
وببساطة شديدة يمكن القول: إن الموظف أو العامل المتمتع بصحة نفسية جيدة يكون أكثر قدرة على التكيف والمرونة والتصرف، وأكثر قدرة على العمل والعطاء والانتاج، بل الإبداع في مجال عمله، في حين يصبح العامل القلق المحبط عبئاً على مؤسسته بسبب عدم أو قلة جدواه وقلة فاعليته وانتاجه، وكذلك الطلبة الذين يشعرون بالرضا والاستقرار والثقة يكون تحصيلهم الدراسي وتفوقهم أفضل بكثير من الذين يعانون الضيق والتوتر وعدم التكيف.
لا شك في أن الثقة بالذات أمر مهم جداً لإنجاح العمل، لأنها تمنح المرء دعماً نفسياً وتحفيزاً داخلياً، وتوقظ فيه الضمير إن غفا أو نام لحظة أو ساعة أو يوماً ما، والثقة بالذات تنعكس ايجاباً على الثقة بالآخرين، التي لا تقل أهمية عن ثقة المرء بنفسه، وهي تتطلب معرفة الآخرين ومعرفة قدراتهم وطاقاتهم وأنماط تفكيرهم ومواطن الضعف والقوة في شخصياتهم والاستفادة منها للتطوير، وعدم التمييز بين عامل وآخر لأسباب غير موضوعية.
والثقة المتبادلة تولد المحبة، تلك الطاقة العظيمة التي تصنع المستحيل، تضيق المسافات وتقرب البعيد وتتخطى العقبات وتسهل الصعوبات، تحدث في النفس أشد التأثير والوقع، والمحبة تعني محبة الذات ولا يقصد بذلك أبداً الأثرة والأنانية، بل يقصد بها احترام الذات وتوقيرها وترفيعها عن كل مستوى متدنٍ أو سلوك خاطىء أو موقف مسيء، كما تعني المحبة محبة الآخرين واحترامهم وتقدير ذواتهم واتاحة الفرص للتشارك والتشاور معهم بالرأي وتقديم المقترحات واقتراح خطط العمل، واشراكهم في تحمل المسؤولية كل وفق دائرته وقدراته، وهنا يمكن أيضاً التطرق الى مسألتي الثواب والعقاب، فكما يعاقب المقصر يجب أن يثاب المتفوق على كافة الصعد، ولا سيما صعيد العمل عامة والعمل التربوي خاصة، فكم هو مفيد بل ضروري منح المكافآت المعنوية كبطاقات الشكر والتقدير واستخدام سائر أساليب التشجيع المادي والمعنوي للمعلم أو الموظف أو العامل المتفوق من جهة والطالب المجتهد من جهة أخرى.
ويذكر أن الاهتمام بالصحة النفسية والحرص على تحقيق حالات من الرضا والارتياح للعامل أو الطالب أفضى الى ايجاد خدمات الارشاد النفسي التربوي في المدارس وفي المؤسسات الرسمية والقطاعات الانتاجية لتحقيق نتائج أفضل، وقد يكون لهذه المسألة حديث آخر.
وبكلمة موجزة يمكن القول: إن النجاح- أي نجاح- لا يتم بعصا سحرية أو بأعجوبة خارقة، وهو لا يحدث بلا مقدمات أو بلا أسباب، إنه ثمرة طبيعية لعلاقات انسانية جيدة ومحبة وثقة متبادلة بين سائر الأطراف المعنية، وهو نتيجة لتشاركية في العمل، وثقة بالذات وبالآخرين واستنفار لطاقات العاملين، وإدارة ذكية لهذه الطاقات واستثمار رابح للانسان بما ينعكس ايجاباً وخيراً في ربوع الوطن.