لا يتعلق الأمر بلوحة واقعية، وإنما بـ «لوحة رقمية» قام فيها فنان كندي يستعمل اسما مستعارا هو Diamonster بمعالجة صورة ببرنامج الرسم «البسيط» Microsoft Paint المدمَج في نظام التشغيل ويندوز ولا شيء غيره حتى إذا انتهى من التعديل أضاف لمسات طفيفة لعمله ببرنامج الفوتوشوب.
الصورة الأصلية هي:
الصورة التي استغرق تلوينها 500 ساعة
يمكن زيارة رواق هذا الفنان انطلاقا من العنوان:
مصدر المعلومة السابقة:
http://toutlemondeenblog.blogspot.co...1_archive.html
http://www.yazerty.net/tableau-avec-paint
محبتي
شكرا،
إذا كانت المعلومات مما سيغني هذه يكون الأمر ممتازا:
* رواق الفنان صاحب العمل انطلاقا من العنوان:
http://diamonster.deviantart.com/gallery/
* مصدر المعلومة السابقة:
http://toutlemondeenblog.blogspot.co...1_archive.html
http://www.yazerty.net/tableau-avec-paint
للإشارة، وراء هذه المشاركة ملاحظة التناقل شبه الببغائي للعديد من المنتديات العربية للصورة دون تقديم أي معلومة أخرى عنها حتى لئني حسبتها في البداية لوحة تشكيلية.
محبتي
[size=5]أخونا الفاضل الدكتور محمد أسليم
بداية لا يسعني إلا أن أحيي فيك هذا الدأب العلمي الذي دفعك للبحث و التقصي لكشف تهافت التناقل الفوري للصورة و المعلومة في فضاء الشبكة العنكبوتية؛ تلك السمة التي باتت - للأسف الشديد - غالبة على معظم مواقع و منتديات الفضاء الرقمي العربي إلا من رحم ربي.
هذا الدأب البحثي - بالمناسبة - هو ما أجبرني على تسجيل إعجابي بالبحث القيم الذي نشره لك الكاتب "زياد جيوسي" ضمن رسائل اتحاد كتاب الإنترنت العرب؛ و هو البحث الذي تناولت فيه بأستاذية و اقتدار تجليات التحول في فعل القراءة خلال عهود التسجيل من اللوح الطيني و حتى الشاشة الرقمية.
أما بخصوص ما تفضلتم بطرحه عاليه من نماذج الفن الرقمي المخلقة خلال برامج الرسم و التلوين فأرى أنه واجبي أن أسجل بعضا من الحقائق التي تدفعني - كأكاديمي متخصص في الفنون التشكيلية - إلى تبني رأي خاص في مثل هذه النتاجات التي استطاع منتجوها و كثير من المنظرين و النقاد المبشرين بها في فترة السنوات العشر السابقة أن يمرروا مفهوما نظريا مفاده أن أمثال هذه الإفرازات بسبيلها إلى إقصاء الشكل المتعارف عليه لتصوير و رسم الطبيعة (محاولين خلال ذلك تهميشها و الحط من قدرها عن طريق إطلاق مسميات فجة عليها، من قبيل: اللوحة المتحفية - لوحة الوسائط التقليدية - اللوحة التقليدية... الخ) و ذلك بالطبع كمحاولة لتمرير مقولات فلسفية تبشر بانتهاء عهد الإبداع البشري المعتمد على المهارة و الموهبة لصالح التجريبية المعتمدة بالأساس على مفهوم التوليف (مونتاج) و المزج بين الوسائط المختلفة لإنتاج أجناس عابرة لنوعها.
و أنا شخصيا من غير المتحمسين لمثل هذا الضرب من التوليف الرقمي، و لست وحدي في هذا المضمار؛ إذ نجد أن كثيرا من المناسبات و المحافل الخاصة بالعروض و المسابقات الفنية دولية الطابع - في عقر دار الغرب ذاته - تعلنها صريحة كشرط أساسي ضمن شروط الانخراط في فعالياتها (عدم الاشتراك بلوحات رقمية و الاقتصار على اللوحات المنتجة بالوسائط اليدوية).
و لا أطيل هنا، حيث أترك للوحة أن تفصل في الأمر، فها هي إحدى روائع الفنان الإنجليزي "جوزيف تورنر" Joseph Mallord William Turner 1775-1851تكشف الفارق بين سهولة التوليف الرقمي و أصالة الجهد البشري في التقاط حبكة التكوين في المشهد الطبيعي و انتقاء المدى اللوني الفارق له، فضلا عن حركة الفرشاة العنيفة في توزيع ندف السحاب (وهي إحدى سمات فن "تورنر" المتسم بضراوة الحركة اللونية خلال نسيج العمل).[/size]
و ها هو أحد عباقرة عصر النهضة الإيطالية "جنتلي بلليني" Gentile Bellini 1429-1507يسجل برصانة سكونية مدى خشوع الحشود خلال تسابق الحسان على انتشال بقايا الصليب خلال احتفالية جرت أسفل جسر القديس لورنزو بالبندقية.
و أخيرا ها هي ثلاثة شواهد من عيون أعمال عاشق القنوات المائية، الفنان الإيطالي "جيوفاني أنطونيو كانال" 1697-1768 Giovanni Antonio Canal الشهير ب"كاناليتو" Canaletto ، لتشرح بمفردها مدى البراعة في ابتكار حلول غير اعتيادية في تسجيل حدود اللقطة المشهدية، فضلا عن روعة الأنساق اللونية التي ميزت أعماله في هذا الصنف من الفن التصويري.
أخي العزيز د. ياسر مُنجي،
بدوري أنوه بعملك الدؤوب على صعيدي الكتابة والبحث والإبداع بشقيه الكتابي والتصويري اليدوي، وهي مهارات ليست في متناول الجميع، ولا تتأتى إلا بالخلوة وطول التعلم...
اللوحات التي تفضلت بنقلها إلينا جميلة فعلا، ولكنني لا أجازف بالجزم بعدم قدرة الحواسيب على الإتيان بمثلها. فالحواسيب في نهاية المطاف آلات عاقلة.
إذا كان بوسع هذه «المخلوقات المعدنية» الآن القيام بما لا يقوى الإنسان على إنجازه في العديد من المجالات، كإنجاز أعقد العمليات الحسابية، وإعاة تمثيل ظواهر طبيعية وحوادث مختلفة بما يتيح تحقيق معرفة دقيقة بما وقع فعلا وما يمكن أن يحصل، وهي لا زالت في أجيالها الأولى، إذا كان ذلك بوسعها اليوم فقد يعوزنا الخيال لتصور ما يمكن أن تقوم به أجيالها اللاحقة التي سيتعاقب ظهورها بسرعة رهيبة بحكم «تناسلها» الذاتي الذي يتيح اليوم مضاعفة سرعة وقدرة أقوى حاسوب في ظرف لا يتجاوز 18 شهرا. ومعنى ذلك أن قدرة الحواسيب على إنتاج أعمال فنية شبيهة بالتي ينجزها الإنسان (كالتي تفضلت بعرضها) أمر سيكون في متناولها فعلا إن لم تكن قادرة عليه اليوم.
ولكن الحاسوب الذي ينجز (أو يساعد على إنجاز) هذه الأعمال لن يُسمى فنانا تشكيليا واللوحات المنجزة بمساعدة برامج معلوماتية لن تنزل نظيرتها اليدوية من العرش الذي تتربع عليه منذ قرون لا لشيء سوى لاختلاف السند والانتماء إلى ثقافتين مختلفتين:
اللوحة التشكيلية جسم مادي (صباغة وقماش أو ورق وإطار) يتعذر حضوره في أكثر من مكان واحد. نعم، يمكن التقاط صورة له أو مشاهدته في شريط أو حتى مباشرة في معرض افتراضي، ولكن هذه الوسائط لن تعوض فقدان اللقاء المباشر مع اللوحة وتأملها عن قرب، حيث يمكن مشاهدة ضربات الفرشاة ونتوءات الصباغة وتدرج الألوان، الخ.
اللوحة المادية تستمد قيمتها أساسا من كونها عملا فريدا أنجزه شخص فريد. لوحة «الجوكندا»، مثلا، هي ذلك العمل الذي رسمه ليونارد دفنسي شخصيا، بيده، في تاريخ وزمان محددين. ومع أنه بوسع فنان مَّا أن يظاهي ليونارد في الرسم ويأتي بسخة طبق الأصل من «الجوكندا»، فإن لوحته هذه لن تنال اعترافا ولا حظوة؛ ستسمى «لوحة زائفة». وكما تعلم، هناك خبراء ومختبرات للحسم في أصلية لوحة تشكيلية ما عندما تتوفر اثنتان أو أكثر منها، وما أن يتعرف على الأصل حتى تسقط كل قيمة عن الباقي مع أن جميع اللوحات كانت تحظى، قبل الحسم، أي قبل إجراء الاختبار، بقيمة واحدة سلبا وإيجابا؛ كل لوحة كان يحيطها شك مزدوج: شك في أن تكون هي الأصلية، لكن شك أيضا في أن تكون مزيفة.
لماذا إعلاء شأن الأصل والتنقيص من قيمة النسخة؟
أظن أن فعل إضفاء القيمة على العمل الفني هو شأن ثقافي يرتكز على تمثلات للفنان والفعل والعمل الإبداعيين، يمكن أن تشكل بفردها موضوعا لبحث. وإذا كان بوسع الثقافة إضفاء قيمة وشأن على قطاع ما فإنه بقدرتها أيضا تجريدها منه.
اللوحات الفنية اليدوية، منظورا إليها على هذا النحو، تغدو شبيهة بالسحر، بل إن تودوروف أدرج الفن التشكيلي ضمن تجليات السحر المعاصرة عندما قال (في كتابه: «أجناس الخطاب) ما مفاده إن أن الساحر اليوم هو ذلك الفنان التشكيلي الذي يعمد إلى قطع أجزاء ثوب كيس ولصقها بأوراق وطلاءها بأصباغ، ويطلق عليها اسما، ثم يبيعها بآلاف الدولارات .
الرقمية تخلخل نظام الواحد والأحادية والتفرد لفائدة الاستنساخ اللانهائي للأعمال. مهما يكن العمل، ملفا خطيا أو صوتيا أو تصويريا، ما أن يُنجز رقميا أو يُرَقمن حتى يغدو قابلا للاستنساخ إلى ما لا نهاية، وبدقة يستحيل التمييز فيها بين الأصل والنسخة لانعدام الفرق بين الإثنين أصلا؛ لا يختلف القرص الأصلي لبرنامج أو فيلم أو ألبوم غنائي ما عن الأسطوانة الناتجة عن نسخه سوى بأكسسوارات عديمة القيمة كالغلاف وما إلى ذلك، وهي أشياء لا علاقة لها إطلاقا بالمحتوى البرنامج أو العمل الموسيقي، بل هي غير مطلوبة أصلا في الاستخدام.
مع الرقمية نعيش حاليا فجر حضارة جديدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ومسألة احتمال نهاية الرسم اليدوي لفائدة «الرسم الرقمي» رهينة بخط السير الذي ستأخذه هذه الحضارة التي لن نحضر – في أغلب الظن – لحظات تحقق قطيعاتها مع سابقتهاا.
للموضوع بقية ستُدرج لاحقا.
محبتي
أخي الفاضل، د. محمد أسليم، حفظه الله
بداية أشكرك على هذا التعقيب الذي أضاء عددا من النقاط الهامة، من خلالها استبان لي - فيما أعتقد - طرف من الأفكار المحورية التي تصدر عنها في تبنيك لما تفضلت ببسطه في هذه القضية.
و من حسنات هذه الإضاءة أنها أتاحت لي أن أكتشف أن ثمة عدم وضوح ربما يكون قد نشأ نتيجة عدم استرسال مني في عرض مداخلتي السابقة؛ و هو ما يستوجب إعادة عرض لجانب من القضية كان من الأفضل أن آتي عليه منذ البداية.
في الحقيقة - أخي العزيز - لم يكن في نيتي أن أعرض ما سلف و أن عرضته بغية الخلوص إلى نتيجة أن مشتقات الرقمنة بتحولاتها الرهيبة المتسارعة لن تكون ضربا ذا قيمة من ضروب الأدوات المستغلة في تخليق المطروح الفني، إنما مدار الأمر - كما جاء صراحة في بداية المداخلة السابقة - هو أنني صادرت على فكرة أن يقوم أحد من الأشخاص باستغلال معطيات التوليف في غير محلها و بشكل ينتقص من فكرة الجهد و المعاناة التي يبذلها الفنان ( رقميا كان أو من مستعملي الوسائط اليدوية) في حالة المكابدة التي يعيشها كل منهما لتوليد عمل فني ذا أصالة، فالصورة التي أنتجها الشخص المذكور في مساهمتكم عند تحليلها لم تعد أن تكون اتكاء على صورة فوتوغرافية (كمادة جاهزة محلولة و موجودة من الأساس) و لم يعد الجهد المبذول في تحويلها من شكلها الأصلي إلى الشكل النهائي الذي تكرمتم بعرضه أن يكون استخداما لبرنامج "فوتوشوب" Photoshop في إضفاء تصحيحات لونية و تعديلات خطية، ثم الانتهاء بتسمية الناتج النهائي بعمل فني ( و هنا أعتقد ربما يتضح منشأ الخلاف الصوري؛ حيث إنني لم أشكك في قدرة الحواسيب ذاتها و إنما رفضت أن يكون المعول هو الاستسهال و الطرح سابق التجهيز) و هو ما كان ليصدق على أشكال أخرى ليس للحاسوب فيها دخل؛ حيث كان رأيي ليظل ثابتا لو كان المطروح مثلا عملا تجميعيا (كولاج) من صور سابقة الطباعة ( و هو المثال الذي أعتقد أنه أقرب ما يمكن إلى العمل محل النقاش).
و لكي أزيد من إيضاح الفكرة أقول: إن الحاسوب باعتباره أداة في يد فنان متمرس مسلح بالموهبة (و الأهم من ذلك منتج بنفسه لكافة مراحل العمل الفني من نقطة الصفر إلى لحظة الاكتمال) هو فيما أذهب إليه معيار الأصالة لكي نقرر أن عملا منتجا عن طريق الوسيط الرقمي هو عمل فني أصيل، و دعني أضرب هنا مثالا بأحد الفنانين العالميين المعتبرين في هذا المجال؛ هو الفنان "ه. ر. جيجر" H. R. Giger المولود بسويسرا عام 1940 ، و هو المعتبر حاليا رائد اتجاه "الواقعية الفانتازية" Fantastic Realism من قبل نقاد الفن و متذوقيه حول العالم؛ فالمتأمل لأعمال "جيجر" المنفذة عن طريق الوسائط اليدوية يكاد لا يلحظ فارقا يذكر بينها و بين تلك المنفذة عن طريق الحاسوب (و هو ما يتم تنفيذه من الألف إلى الياء بيد الفنان نفسه، و ليس عن طريق اعتماده على صور جاهزة يقوم بتصحيحها أو تعديلها لونيا)، و الأمثلة على ذلك متعددة، فها هو أحد اجتهاداته في مجال تصميم الأثاث، و الذي قام فيه بتحويل مفردات عالمه المسوخي القائم على التفتيش في (جماليات القبح الأسطوري) إلى واقع مادي متمثل في تصميم لقاعة اجتماعات:
و بالرجوع إلى هذه المفردات المذكورة في أعماله التصويرية المرسومة باليد عن طريق خامة الأكريليك، يطالعنا أحد إبداعاته في الاتجاه المذكور:[i
و بالمقارنة بين العمل السابق و أحد أعماله المنتجة بالتقنيات الرقمية يتضح انعدام الفارق تماما، سواء في الأسلوب أو التأثير النفسي ( مع النظر إلى كيفية الإنتاج التي قامت على المراحل الآتية:
1- رسم التصميم بالقلم الرصاص بواسطة الفنان نفسه على الورق. 2- مسح الرسم ضوئيا بواسطة الماسح "سكانر" و إدراجه كملف رقمي في الحاسوب. 3- فتح الملف بواسطة أحد برامج الرسم و التلوين المتخصصة. 4- إجراء العمليات المختلفة من تلوين و إعطاء تأثيرات الخامة و تنويعات الملامس...الخ. 5- التعديل و التصحيح) و هو ما يبين الفارق الشاسع بين ما يقوم به فنان بوزن "جيجر" لا يعدو الحاسوب أن يكون أداة طوع بنانه و بين هاو أو مستسهل يكتفي بإجراء تعديلات لونية على صورة فوتوغرافية، و ها هو العمل للمقارنة بينه و بين سابقه اليدوي:
ثم يأتي العامل الفارق في هذه المسألة - حسب ما أعتقد - و هو (دافع الاستخدام)، فما هو الدافع الذي يقف خلف اتجاه "جيجر" إلى تعديل أداته للمراوحة بين الوسيط اليدوي و الوسيط الرقمي؟ تأتي الإجابة كامنة في الغرض من التوظيف؛ حيث يمثل العمل المنتج بالوسيط اليدوي لدى "جيجر" و أمثاله ضربا من طروحات الفن المتحفي (أو إذا شئت لوحة الحائط أو اللوحة المعدة للاقتناء/الطباعة...الخ) أما في توجهه للوسيط الرقمي فإن ذلك قد حدث بدواعي التوظيف لمقتضيات جمالية و نفعية طلب فيها إلى الفنان أن يتم توظيف أعماله للإدراج ضمن إعدادات ألعاب الحاسوب و أفلام الرسوم المتحركة المنتجة عن طريق برامج البعد الثلاثي 3D Studio , Maya, ....etc ، أو الأشهر على الإطلاق و هو استغلال عالمه الفانتازي في إعداد و تصميم الشخصيات و المواقع التصويرية و الآلات المتخيلة ضمن سلسلة الأفلام الشهيرة Alien التي أخرجها "ريدلي سكوت" Ridley Scott بداية من الجزء الأول ALIEN (1979) مرورا بكل من ALIENS (1986) و ALIEN 3 (1992) و ALIEN RESURRECTION (1997) و ختاما ALIEN VS. PREDATOR (2004) و هو ما دعا لجنة جائزة الأكاديمية "أوسكار" لمنح الجائزة للفنان "جيجر" لجهوده في إضفاء سمة عالمه الفارقة على الأفلام المذكورة؛ حيث ذكر في إعلان المنح "Best Achievement for Visual Effects" for his designs of the film's title creature and its otherworldly environment.
و أعتقد هنا أن وجهة نظري قد اتضحت؛ حيث إنني - كما أسلفت - لا أعترض على الحاسوب في ذاته كوسيط فني بقدر ما أعترض على إدراج أية محاولات رقمية في عداد العمل الفني البصري بغض النظر عن قيمة منتجها و أثره في ترسيخ رؤية فنية قائمة بذاتها، و ذلك بالطبع لا يمس قيمة الجهود الحثيثة التي أشرتم إليها في معرض حديثكم عن تطوير أجيال حواسيب الذكاء الاصطناعي القادرة على التوليد الذاتي للنتاجات البصرية ( و هو ما تفقتم معي في كونه لن يمس قيمة اللوحات المنتجة بالجهد البشري اليدوي الصرف).
أما بخصوص التحولات الثقافية التي تتحكم بالإعلاء أو التغييب لجماليات بعينها فإنني أوافقك تماما؛ بل إن تاريخ الفن خير دليل على ذلك، فهناك عدد كبير من الأسماء التي تعتبر علامات في دنيا الفن في أجروميتنا المعاصرة عانوا من التغييب التام و التهميش، بل و من النظر إليهم كفناني صف ثالث في عهود سابقة - تحت تأثير النظرة المجتمعية لقيم الجمال و تعريفات مواصفات الفن الراقي - و هو ما يصدق على "فرمير"، "فان جوخ"، "مودلياني"، بل و عبقري النهضة و أحد أضلاع مثلثها "رافاييل" (و الذي قامت حركة فنية كاملة في القرن التاسع عشر لمناهضة جماليات أسلوبه و العودة بفن التصوير إلى جماليات العصور السابقة لوجود "رافاييل" و هي الحركة التي أطلق فنانوها على أنفسهم اسم "فنانو ما قبل الرافائيلية" Pre-Raphaielists
و أعتقد أن التحولات الحالية في الثقافة العالمية تذهب في اتجاه الإعلاء من شأن الوسائط الرقمية على حساب ما عداها في شتى المجالات، غير أن هذا يدفعني إلى الاعتقاد أن فترة ما بعد الفوران و الاندفاع الحماسي (بعد أن يتشبع العقل الجمعي تماما بطروحات الرقمية و تنتفي غرائبية جمالياتها) سوف يبدأ في إجراء الغربلة النقدية لانتقاء ما يستحق الاعتبار كإبداع حقيقي من بين معطياتها في مقابل ملايين الاجتهادات و الادعاءات و الفوضويات الهامشية، مع الاحتفاظ بالنتاجات اليدوية كمهرب إنساني حميم يذكر الإنسان دوما بفترة سيادته قبل الاستلاب الرقمي.
و كما قلتم، فللحديث بقية.
خالص احترامي.