مصير تهويد القدس بشطريها المحتلين إلى الزوال
د. غازي حسين
أعلن المستشار القضائي لحكومة نتنياهو الأكثر فاشية واستعمار استيطاني في تاريخ الحكومات الإسرائيلية ايهودا فاينشتاين أن المسجد الأقصى جزء لا يتجزأ من أراضي «إسرائيل» ينطبق عليه القانون الإسرائيلي. وأعلنت بلدية القدس المحتلة أن ساحات المسجد الأقصى هي ساحات عامة وليست ساحات تابعة للمسجد. وذكرت أن مساحة المسجد الأقصى تقتصر على مباني المسجد وقبة الصخرة ولا تشمل الساحات المحيطة به والبالغة مساحتها 144 دونماً، وذلك مقدمة لمصادرتها وتهويدها، لإقامة الهيكل المزعوم فيها.
وتطلق سلطات الاحتلال الإسرائيلية على المسجد الأقصى اسم جبل الهيكل زوراً وبهتاناً، وقامت منذ احتلال الشطر الشرقي لمدينة القدس في السابع من حزيران 1967 بحفريات تحت المسجد الأقصى حتى سلوان بحثاً عن الهيكل المزعوم. وأعلنت الأنفاق التي بنتها تحت المسجد الأقصى مدينة يهودية، وأحاطت المسجد الأقصى بـ 62 كنيساً بما فيها كنيس الخراب وبحدائق توراتية وحفر وتزوير ألف من القبور الجديدة والادعاء بأنها مقابر أثرية.
وصل التهويد إلى ساحات المسجد الأقصى بعد أن أحاطته دولة الاحتلال بالكنس والحدائق التوراتية والقبور الأثرية المزورة كعادة اليهود في التزوير والتزييف لتحقيق مزاعمهم وأطماعهم التوراتية والتلمودية والاستعمارية والعنصرية والمخالفة لمبادئ الحق والعدالة والقانون الدولي وحتى قرارات مجلس الأمن.
وتعمل حالياً بعد قرار فاينشتاين المستشار القضائي للحكومة وقرار بلدية القدس المحتلة على إقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم على مقربة من باب المغاربة خلافاً لمبادئ القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحظر إجراء أي تغييرات ديمغرافية أو جغرافية في المقدس المحتلة وتعتبرها لاغية وباطلة.
وتترافق هذه الإجراءات الرسمية غير الشرعية مع قيام المستعمرين اليهود باستباحة المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة باستمرار وبحماية جيش الاحتلال بهدف اكتساب حق مزوّر لتنفيذ مخططاتهم الشيطانية وترويع المصلين وحملهم على عدم المجيء إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه مقدمة لاقتسامه بين المسلمين واليهود كما حدث للمسجد الإبراهيمي في نهاية التسعينات من القرن الماضي.
ويؤكد القائمون على شؤون المسجد الأقصى بأن أعداد الزوار اليهود إلى ساحات المسجد في تزايد مستمر، وتنظم الشرطة الإسرائيلية الزيارات السياحية إلى المسجد الأقصى. ويقوم المستعمرون اليهود بهلوسات دينية وثنية في ساحات المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.
وأعلنت مؤسسة الأقصى في بيان أصدرته في 18 تموز 2012م أن مجموعتين من المستوطنين المتطرفين تضم الأولى ثمانية رجال والثانية ثمانية نساء اقتحموا ساحات المسجد الأقصى وتجولوا فيها تحت حراسة الشرطة الإسرائيلية، وأن مجموعة ثالثة تضم ضباط شرطة دخلت إلى المسجد وتجولت في ساحاته، ودخلت إلى المصليات الأربعة: القبلي، والأقصى القديم، والمرواني وقبة الصخرة.
وفي غضون ذلك، دعت جمعيات إسلامية المسلمين إلى شد الرحال إلى المسجد الأقصى لحمايته من الاعتداءات، واعتبرت أن الوجود فيه بمثابة صمام الأمان وخط الدفاع عن المسجد الأقصى.
لقد وصل التهويد إلى ساحات المسجد الأقصى لاقتسامها وبناء الهيكل المزعوم فيها ما يفرض على الشعوب والحكومات العربية والإسلامية القيام بفعل لدرء الخطر اليهودي القادم على المسجد الأقصى المبارك، فالمشروع الصهيوني الاستعماري والعنصري لا يهدد فلسطين وحدها بل يهدد الأمة بأسرها.
وتتعرض مدينة القدس المحتلة إلى هجمة استيطانية تستهدف محو الطابع والتراث الحضاري العربي الإسلامي والمسيحي وتهويدها بالكامل وعزلها عن الضفة الغربية أي عن محيطها العربي جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً، ومصادرة الأراضي والعقارات العربية، وهدم المنازل وإقامة الأحياء والمستعمرات اليهودية على أنقاضها. وفرضت سلطات الاحتلال (17) نوعاً من الضرائب تثقل كاهل المقدسيين، مما أدى إلى شلل جميع المرافق التعليمية والصحية والصناعية في المدينة العربية المحتلة.
ويأتي استهداف المناهج الدراسية في إطار التهويد الشامل الذي تتعرض له المدينة المحتلة، وتكشف هذه الإجراءات والممارسات السياسات عن أطماع دولة الاحتلال وعن فاشيتها وعنصريتها وخطورة الاستعمار الاستيطاني اليهودي على مدينة الإسراء والمعراج وعلى عروبة فلسطين ووجهها الحضاري العربي والإسلامي. وتعمل سلطات الاحتلال على تفريغ المدينة من الفلسطينيين وزرعها بالمستعمرين اليهود المتزمتين والمتعصبين عن طريق مصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل والاستيطان والتهويد، وذلك لتحويل أصحابها العرب إلى أقلية لا تتجاوز 12% من مجموع سكان المدينة، بينما كان سكانها قبل عدوان الخامس من حزيران 1967: 100% من الفلسطينيين.
ويجري تهويد المدينة المحتلة من خلال أولاً: بناء كتل الأحياء والمستعمرات اليهودية، ثانياً: السيطرة على الأحياء العربية داخل المدينة القديمة وبناء بؤر استيطانية فيها. ثالثاً: عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني ببناء جدار الفصل العنصري حولها باسم «غلاف القدس».
وأقرت حكومة نتنياهو سلسلة من الإجراءات لتعزيز الاستعمار الاستيطاني فيها بمناسبة الذكرى السنوية الـ 45 لاحتلالها وما تسميه دولة الاحتلال بـ «يوم القدس»لإقامة أحياء استيطانية جديدة، وقامت سلطات الاحتلال مؤخراً بزرع آلاف القبور اليهودية الفارغة والوهمية حول المسجد الأقصى والبلدة القديمة على مساحة (300) دونماً لتزييف الجغرافيا والتاريخ والآثار العربية الإسلامية واختلاق منطقة يهودية تراثية مقدسة وتهويد كامل محيط المسجد الأقصى والقدس القديمة والسيطرة الكاملة على أراضي الوقف الإسلامي، وتزوير وجود آثار يهودية حول المسجد الأقصى.
وفي الوقت نفسه قامت بتدمير مقبرة «مأمن الله» التاريخية التي تضم رفات رجال الصحابة الذين حرروا القدس من الغزاة الرومان، كما يقوم الاحتلال حالياً بتنفيذ مخطط لإقامة 14 وحدة استيطانية في قلب حي الشيخ جراح في داخل البلدة القديمة، وأجبرت بلدية القدس المحتلة المواطن المقدسي عزام عفيفي على هدم منزله بيده في البلدة القديمة بحجة بنائه بدون ترخيص.
وسار المستوطنون اليهود في شوارع القدس العتيقة وأزقتها بمناسبة الذكرى السنوية لاحتلال وضم المدينة العربية وفق التقويم العبري، وقاموا بتخريب وتدمير ممتلكات الفلسطينيين ومحلاتهم وسياراتهم، واستفزوا المصلين داخل المسجد الأقصى وباحاته.
وتغرق المدينة المحتلة حالياً بمخططات المصادرة والاستيطان والتهويد والهدم والتهجير وتدمير ما تبقى من تراث المدينة بما فيها المسجد الأقصى المبارك. ولا نرى أو نسمع ردود فعل قوية من جامعة الدول العربية ومحور من اسمتهم رايس بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، مما يزيد من توالي موجات الاستيطان وتهجير المقدسيين وتضييق الخناق عليهم ومن غطرسة وعنصرية نتنياهو والحاخامات وبقية دهاقنة الاستعمار الاستيطاني العنصري داخل الكيان الصهيوني والإدارات الأمريكية المنحازة انحيازاً أعمى لـ «إسرائيل».
فبمناسبة مرور الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لاحتلال القدس الشرقية أعلن نتنياهو الذي يطلق عليه يهود أمريكا بملك «إسرائيل» أن القدس لن تقسَّم، وأن إسرائيل دون القدس هي كالجسد دون قلب، ولن يقسم قلب «إسرائيل» من جديد. وأكد أنه لن يتخلى عن القدس الموحدة ولا عن محيط الحرم القدسي.
وابتسم نتنياهو عندما أعلن رئيس الكنيست ريفلين: "إن الإسرائيليين المستعدين للتنازل عن القدس لا تربطهم بالمدينة روابط روحية، وإذا وافق الإسرائيليون على السلام بلا القدس معنى ذلك أن الصهيونية قد انهارت، لأن الأمة التي تتنازل عن رموزها الدينية هي أمة فقدت مقومات وجودها " .
وقال نتنياهو بعد سماعه أقوال ريفلين: «إن من يخرج من يد «إسرائيل» الحرم القدسي كي يحقق السلام أخطأ خطأً مصيرياً، لأن التخلي عن الحرم القدسي (برأيه المريض) سيؤدي إلى تدهور الأوضاع ونشوب حرب دينية، إن وحدة القدس تحت سيادة إسرائيل هي التي تمنع حرب "دينية" .
إن مواقف نتنياهو وتصريحاته وممارساته تجاه القدس المحتلة هي استمرار للموقف الصهيوني الذي رسخه تيودور هرتسل والمؤسسون الصهاينة الذين زعموا أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، لاقتلاع شعبها العربي وزرع قطعان المستعمرين اليهود فيها الذين جلبوهم من وراء البحار بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة وحتى ألمانيا النازية.
كتب هرتسل في مذكراته حول القدس قائلاً: «إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قروناً».
وورد في دائرة المعارف اليهودية تحت كلمة الصهيونية «أن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يذهبوا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا مملكتهم هناك».
ويزعم قادة الحركة الصهيونية والحاخامات وقادة الحركات الاستيطانية: «إن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنما هو لليهود»، لذلك ينادون علناً بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، وانطلاقاً من هذه المواقف الوحشية نعتقد أن المسجد الأقصى يتعرض إلى مخاطر حقيقية لتدميره وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض.
وتسخر الصهيونية العالمية «الحركة الماسونية وشهود يهوه، والمسيحية الصهيونية والمحافظين الجدد والكنائس الانجيلية في الولايات المتحدة وبعض الرؤساء الأمريكيين لتحقيق هذا الهدف الشيطاني الذي يهدد السلام العالمي لأفدح الأضرار وينذر بوقوع حرب دينية لا تبقي ولا تذر».
وتعمل الماسونية على بناء الهيكل المزعوم الذي تعتبره الرمز لعزة «إسرائيل»، وتؤمن الماسونية الاوروبية إن روحها هي روح اليهودية في معتقداتها الأساسية.
وتتضمن دائرة المعارف الماسونية أنه: «يجب أن يكون كل محفل ماسوني رمزاً لهيكل اليهود».
ويقرأ جميع الحاضرين من الدرجة (33) في المحافل الماسونية: «سنعود إلى عهد سليمان بن داوود ونبني الهيكل الأقدس، ونقرأ فيه التلمود، وننفذ كل ما جاء في الوصايا والعهود، وفي سبيل مجد «إسرائيل» نبذل كل مجهود". وتدعم الكنائس الانجيلية في الولايات المتحدة الأكاذيب والأطماع والخرافات اليهودية في القدس والمسجد الأقصى ويتفقون مع اليهود على وجوب تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وتعمل مؤسسة هيكل القدس البروتستانتية ومقرها مدينة دينفر الأمريكية من أجل هدم المسجد الأقصى وسيطرة اليهود عليه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
ووصلت أطماع بن غوريون مؤسس كيان الاستعمار الاستيطاني العنصري حداً قال فيه بعد الإعلان عن تأسيس «إسرائيل»: "لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون هيكل" .
وطالب بن غوريون بعد احتلال القدس الشرقية في كلمة ألقاها في معهد رافي بتل أبيب بتاريخ 20/6/1967 بهدم سور القدس التاريخي للأسباب التالية:
" أولاً: لأننا نريد قدساً واحدة لا اثنين يهودية وعربية.
ثانياً: يجب هدم السور لأنه غير يهودي، إذ بناه سلطان تركي .
ثالثاً: سيكون لهدم السور قيمة سياسية عالمية إذ عندها سيعرف العالم أن هناك قدساً واحدة يمكن أن تعيش فيها أقلية عربية ".
إن استغلال الصهيونية والكيان الصهيوني للأطماع والأكاذيب والخرافات التي رسخها كتبة التوراة والتلمود لتبرير الاستيلاء على فلسطين العربية بما فيها القدس ليس إلاّ استعماراً استيطانياً مغلفاً بقناع ديني وصهيوني واستعماري، واستغلوا المزاعم الدينية لتحقيق أبشع وأخطر أنواع الاستعمار الاستيطاني العنصري في التاريخ الإنساني.
حوّل القادة الصهاينة والحاخامات والنخب السياسية اليهودية والاستعمارية «الدين اليهودي» إلى سلاح فتاك لسلب الفلسطينيين سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين حقوقهم الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف في وطنهم فلسطين. وسخروا الدين اليهودي والأيديولوجية الصهيونية والدول الاستعمارية واستغلال معزوفتي اللاسامية والهولوكوست في خدمة الأطماع الاستعمارية السياسية والاقتصادية للكيان الصهيونية لفرض هيمنة اليهودية العالمية على منطقة الشرق الأوسط وعلى العالم.
ثبت بجلاء أن مصير الأيديولوجيات العنصرية كالنازية والفاشية والأبارتايد وأنظمة الاستعمار الاستيطاني إلى زوال، وسيكون مصير ومستقبل الاحتلال الصهيوني وكيان الاستعمار الاستيطاني، وآخر نظام عنصري في العالم في فلسطين العربية إلى زوال إن عاجلاً أو آجلاً.