حين أتحدث عن زكي مبارك (1308-1371هـ) أشعر بكثير من الود العاطفة نحوه , فقد كانت حياته حياة البأساء أو بوصف خصمه الألد (من المعذبين في الأرض).تعلم في الأزهر، وأحرز لقب (دكتور) في الآداب، من الجامعة المصرية سنة1924م عن رسالته "الأخلاق عند الغزالي" و كانت أول دكتوراه تمنحها الجامعة ، كما درس في باريس وتخرج من السربون و حصل منها على دكتوراه الدولة عن رسالته «النثر الفني في القرن الرابع الهجري سنة1931م »و قد جامل فيها المستشرقين كثيرًا ، كتبها باللغة الفرنسية ثم ترجمها إلي العربية ونشرها سنة1934م مع زيادات، فلما نشرها قال طه حسين عنها: «كتاب من الكتب ألفه كاتب من الكتاب» فقال زكى مبارك إن كل نسخة توزع من كتابه «النثر الفني» هي سهم مسموم يصوَّب إلى صدر طه حسين .
وقد أتيح لزكي له أن يعمل في الجامعة المصرية و في هذه الأثناء عاد إلى الجامعة طه حسين بعد خروجه من الجامعة في وزارة إسماعيل صدقي بصفة أستاذا للأدب عام 1934م، ثم عميد لكلية الآداب سنة 1936م ، و خلال هذه الفترة حصل زكي على الدكتوراه الثالثة من الجامعة عن كتابه"التصوف الإسلامي" سنة1937م لذا سمي بالدكاترة زكي مبارك و لكنه كان معارضًا لطه حسين ناقدًا و ناقضًا له خلا محاضراته ، فكانت كلمة من طه حسين منعت تجديد عقده و أخرجته من الجامعة إلى الشارع بلا وظيفة وبلا راتب فيقول زكى مبارك: «لو جاع أولادي لشويت طه حسين وأطعمتهم لحمه»، فعمل في الجامعة الأمريكية، ثم انتدب للعمل مدرسا في بغداد ، وعين مفتشاً للمدارس الأجنبية في مصر ولكنه لم يستقر في هذه الوظيفة واخرج منها بعد أن جاء النقراشي وزيرًا للمعارف والدكتور السنهوري وكيلا للوزارة.
و كان طه حسين يسخر منه قائلًا : «الرجل الذي لا يخلو إلى قلمه إلا وعلى رأسه عفريت».
وهذا ما دفعه لكي يكتب قبيل وفاته فيصف نفسه قائلاً: «ليذكر أن زكي مبارك لو أنفق نشاطه في الاتجار بالتراب لأصبح من كبار الأغنياء ولكنه بلا أسف سيموت فقيرًا لأنه انفق نشاطه للأدب العربي».
جاءت نهايته في مساء يوم 22 سبتمبر عام1952 م كان يسير مع بعض أصدقائه في شارع عماد الدين قرب محل الأمريكيين، فأصيب بصدمة من (عربة خيل) أدت إلى ارتجاج، فنقل إلى المستشفى الدمرداش لكنه لم ينج وظل غائبا عن الوعي حتى انتقل إلى رحمة الله في 23 من سبتمبر و له من العمر ستون عاما وكانت وفاته في القاهرة، ودفن في سنتريس بالمنوفية مسقط رأسه.
عبد الفتاح جمال الدرعمي