الدكتور أسعد الدندشلي يحاور ناصر حلواني الذي تحدى الإعاقة الجسدية ومضى مبدعا
الدكتور أسعد الدندشلي يحاور:
السيد ناصر حلواني حول تجربته في الولايات المتحدة:
تكيفت مع مرضي وتأقلمت مع جسدي ومضيت واثقاً إلى طموحاتي

ليس من السهل أن يرى المرؤ حالته الصحية تتدهور من السيء إلى الأسوأ، وينتهي به الأمر مقعداً إلى كرسي متحرك، في الوقت الذي يقبل فيه الحياة، تلك كانت حالة السيد ناصر حلواني الذي التقيته لأول مرة في واحدة من النشاطات الإجتماعية للجالية العربية الأمريكية في مدينة ديربورن الأمريكية، فلفت انتباهي إلى ثقافته وتحصيله العلمي العالي في الهندسة الإلكترونية وعلوم الكمبيوتر ليكون واحدا من المبدعين في اختصاصه، وليكون واحداً من أصحاب الإرادة النفسية التي انتصرت على حالة الجسد المصاب، فيجتاز إعاقته، ويحقق نجاحاته المميزة، ويمضي إلى ضفة طموحاته، فقد أصاب منها، ولكنه يصر على أن يلتقط البقية في مسيرته، لا ينسى فيها حبّه لجاليته العربية، ولا يضنّ بأي خدمة إن قصدته، فهو يهوى أيضاً النشاطات الإجتماعية، ولا يجد أي سبب أيا كان يمنعه من المشاركة فيها، إن سمح الوقت له بعد عمله الجامعي وفي مؤسسته الخاصة...

*كيف يقدم ناصر حلواني نفسه للقراء؟
- أنا من مواليد طرابلس- لبنان، قدمت إلى الولايات المتحدة في العام 1985، وإلى مدينة لوس انجلوس، وكلما تذكرت هذا التاريخ، تعود بي الذاكرة إلى ذاك اليوم الذي غادرت فيه طرابلس وأهلي في الملجأ نتيجة المعارك التي كانت تدور رحاها القوية آنذاك في طرابلس، ولم تسنح لي الفرصة أن أودعهم عندما انطلقت بي السيارة إلى المطار في الصباح الباكر، وبقيت لأكثر من شهرين لا أعرف عنهم شيئاً ولم أسمع منهم شيئاً، وبعد شهرين ونصف وصل شاب من طرابلس حاملاً لي رسالة منهم، وعندما بدأت بقراءة تلك الرسالة لم أتمالك نفسي، فبدأت بالبكاء ولم أبالي بدموعي والموقف المحرج لي يومها، وقد استغربوا مني أن أفعل ذلك، لم تكن التجربة سهلة، ولكن ها هي اليوم تصير ذكرى...

*هل كان السبب في قدومك إلى الولايات المتحدة الدراسة أم العمل؟
- جئت لأدرس، وهذا كان الهدف، وقد بدأت الدراسة في لوس انجلوس، ومن ثم صرت أدرس وأعمل كحارس ليلي، لم أكن يومها على "الكرسي المتحرك" وقد شجعني مدير الشركة عندما وجدني مرة وأنا أقرأ في واحد من كتب البرمجة، لقد درست الهندسة الإلكترونية، وأنا الآن مجاز في "بي إم بي" (إدارة المشاريع) وحملة هذا الإختصاص ودارسيه قلائل في العالم قاطبة فهو لا يتعدى الخمسة والعشرون ألف شخصاً، كما وأنني حاصل على إجازة في " سي آي إس إس بي" (حماية المعلوماتية) وكذلك أنا مجاز من شركات الميكروسوفت والسيسكو والنوفل... وأنا الآن أدرّس في العديد من الجامعات المشهورة والمعروفة...

* ولكن نحن هنا نلتقي في مؤسسة هل هي خاصة بك؟
- منذ زمن وكان طموحي أن يكون لي عملي الخاص ومؤسستي التي أستطيع بها أن أحقق طموحاتي وقد حققت ذلك منذ بضعة أشهر وفتحت هذه المؤسسة التي تحمل اسم: "تيم لوجيك أي تي" ونقوم فيها باختصاصنا ونقدم كامل خبرتنا في صيانة الشبكات ونصبها، ونحن نلم بمختلف أنواع الأجهزة للشركات الصغيرة والمتوسطة، ونستخدم أحدث أنواع البرمجة للإنذار المبكر، إلى جانب اننا الإستشارة العامة في مجال المعلوماتية والبرمجة والبحث العلمي في شتى الإختصاصات... وخبرتي قديمة في هذا المجال، والأهم ما أمتلكته من خبرة في حماية الأجهزة وضمانتها، على كل أنا ملم بالكمبيوتر بدءاً من "المفرك" صيانة وتصليحا، إلى البرامج والمعلوماتية وغيرها...

*هل استطعت أن تستقطب أفراد الجالية العربية الأميركية أو مؤسساتها، إلى اختصاصك هذا وأن يفيدوا من خبراتك واختصاصاتك؟
- أنا واحد من الجالية التي أحبها واحترمها، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات، وآمل أن ألقى كل تشجيع منهم، ولا سيما وأنني أقدم أفضل الخدمات في إطار حماية البرامج والصيانة، وفي كل ما يتعلق بالكمبيوتر، نحن لدينا برنامج صغير وجيد نضعه على الكمبيوتر وهذا البرنامج يحفظ أوتوماتيكيا ويحمي من كل أنواع الفيروسات وأشكال الضرر التي يتعرض لها أي جهاز كمبيوتر وقيمة هذا البرنامج وأهميته، أنه ينبهنا ويتصل بنا مبكراً في حال إنكانية تعرض جهاز الكمبيوتر إلى عطل أو ضرر أو خلل ما، فنسارع إلى إصلاح الخطأ وصيانة الجهاز، وهذه هي الأهمية في أن تقوم بإصلاح الخلل قبل وقوعه، وإلى جانب أهمية ذلك هناك أهمية في توفير المال أيضاً فصيانة الجهاز قبل الخلل كلفته أقل بكثير من تصليحه في حال تعرضه للأعطال والضرر، وتصور على سبيل المثال أنه تعطل جهاز في مؤسسة للمحاسبة أو عند طبيب ومؤسسة تجارية وغيرها من المؤسسات المهنية، كما وأننا نضع شبكة لمن ليس عنده وبأفضل الأسعار...

* لنتحدث بصراحة يقول المثل: أن الدير القريب لا يشفي! بمعنى آخر، هل تتوقع أن يكون هناك اقبالاً من أفراد الجالية العربية على مؤسستك أم أنهم يجهلون كفاءاتك ويفضلون العمل مع غير أبناء الجالية؟
- أنا لدي كفاءات عالية واتقن اختصاصي على نحو مميز، والجالية العربية الأمريكية في الحقيقة تزخر بكفاءات كبيرة، وعالية جداً، وفي مجالات عديدة وهامة، ولكن بما أنك تطلب أن نتكلم بصراحة، فأقول لك: هناك حالة من انعدام الثقة فيما بين أفراد الجالية، ويا للأسف! والغريب الملفت للنظر، أن المواطنين الأمريكيين يقدرون أصحاب الكفاءات من أبناء العرب أكثر مما يقدرها أبناء جاليتنا لا أقول هذا على حالي ولكن بشكل عام على العديدين وما أكثرهم من أصحاب الكفاءة في صفوف جاليتنا، لذا آمل أن تتغير هذه السلوكية والتصرفات فيما بيننا، فالثقة حاجة سلوكية واجتماعية ضرورية أيضاً لنجاحنا معا.

* هل أثرت سلباً مشاكلك الصحية وإعاقة جسدك على عملك في وقت ما؟
- على العكس! بل أن حالتي قد أعطتني حافزاً كبيراً، لأثبت أن الإنسان يستطيع أن يصل ويحقق هدفه أيا كانت مصائبه ومصاعبه التي تلم به، وهذا ما درّبت نفسي عليه، فأنا أذهب بنفسي لأعلم ولأحاضر، ولأدرّس في الجامعة أضع "الكرسي المتحرك في السيارة وأقود سيارتي وأذهب من السادسة مساء ولا أعود حتى العاشرة ليلاً في أحايين كثيرة، ليس عندي أي مشكلة، ولم أترك حالتي الجسدية الصحية تعيقني عن أداء عملي أو أن أهمله يوماً من الأيام...

* هل كنت تسمع شيئا من التعليقات على إصرارك على العمل والنجاح وأنت في حالتك هذه؟
- أجل هناك الكثيرون من الذين قالوا لي وطبعاً من باب الرأفة والعطف أن أبقى وألازم البيت، وأن أعيش على تقديمات الضمان وما شابه...

* وما كان ردّك على مثل تلك الأقوال؟
- ردّي كان كما ترى العمل والإستمرار بالعمل ومزاولة اختصاصاتي التي تعلمتها وخبرتي التي اكتسبتها على مدى سنين طويلة، هذا من ناحية العمل، أما من الناحية النفسية والأخلاقية، فأنا لم أترك بلادي لأقدم إلى هذه البلاد وأعيش عالة على الآخرين وإن كانت الدولة نفسها، فأنا أرفض ذلك رفضاً باتاً، ثم أيا تكن حالتي فأنا أملك طموحاتي وأريد تحقيقها، وبقي من طموحاتي ريثما تنطلق مؤسستي أكثر، أن أعود وأعمل في تأليف الكتب العلمية من ضمن اختصاصي، كما وأني أحرص أشدّ الحرص على أن أكون المثال الأعلى لأولادي...

* هل لديك أولاد؟
- أجل ثلاثة، بنتان وصبي يدرسون، وزوجتي من طرابلس أيضا...

* ما سبب الإصابة وكيف بدأت؟
- بدأت أشعر بالحالة الصحية وأنا في الجامعة، والمشكلة تكمن في انعدام وفقدان الكونترول على ساقي إلى أن فقدت التوازن، فاستعنت بعد تخرجي من الجامعة بالعكازين، ومع تدهور حالتي نحو الأسوأ، اضطررت إلى استعمال الكرسي المتحرك، انتابتني الوساوس في بداية المرض فأنا إنسان، ولكن لم استسلم لمخاوفي واضطرابي، فقلت لنفسي وماذا بعد؟ والأصعب في حالتي أن الشخص الذي تعرض لحادث سيارة سيتألم لوضعه مع بداية مصابه ثم يعتاد على الأمر، ولكن حالتي كانت تسير بي كما أخبرتك من السيء إلى الأسوأ وعلى مراحل وبالتدريج، وما إن أكيّف نفسي على مرحلة وأعتاد عليها، حتى تتدهور حالتي إلى أسوأ منها، فأبدأ أروض نفسي من جديد على حالة جديدة أخرى... إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه والحمد لله على كل شيء...

*ماذا تقول لمن ألمت بهم مصيبة وأقعدتهم من خلال خبرتك وتجربتك؟
- أقول أن أمامهم أمرين الأول: أن يستسلم أحدهم، ويجلس في البيت ويردد على مسامعه طوال الوقت أنه انتهى، وهذا سيزيد من أصابته ويؤزم حالته النفسية، ويزيد بيديه من عذاباته الشخصية المبرحة، وكل هذه الأمور لن تنفعه بشيء على صعيد اصابته، ولن تغير من واقع حاله بشيء إلاّ نحو الأسوأ كما قلت لك...
والأمر الثاني: أن يستغل الوضع الذي آل إليه في إصابته أو مرضه، وأن يسعى لشحذ كل طاقاته وإرادته ليوصل حياته، وبإمكانه أن فعل ذلك أن يحقق نجاحا ويصيب في حياته أموراً مفيدة وجيدة أيضاً، وهذا أنا وهذه تجربتي الناجحة والحمد لله...

*خلال حوارنا سمعت منك جملة سريعة بأنك استثمرت حالتك المرضية لتنجح وتكون حافزاً لك في الوقت نفسه لتحقق ما تريد، فما الذي عنيته بالضبط؟
- لقد استغليت حالتي الجسدية، ونتيجة لوضعي فإن عليّ أن أبقى جالسا، وأن لا أتحرك ولا أتنقل كثيراً، كما الآخرين، هذه الحالة استثمرتها واستغليتها في قعودي الطويل أمام الكمبيوتر ومع الكتب العلمية فنهلت الكثير وقرأت الكثير وصار لدي الوفر الكبير من المعلومات والتجارب، فكيفّت وضعي الجسدي مع حالة المرض واستثمرت الوقت وحولته فائدة لي، فحققت من مرضي ومن حالتي الجسدية، الأفضل والأحسن الممكن لأحقق طموحي في النهاية، ومن هنا نصيحتي بأن لا يستسلم الإنسان لمصابه، وأن لا يخضع لهلوسته ومخاوفه، بل أن يكبر على المصاب، وبذلك وحده يخفف من ضغط المصاب، وينتصر على عذاباته...

* أول لقاء بي معك كان في قاعة النادي اللبناني الأمريكي، حيث تم التعارف بيننا منذ قرابة ثلاثة أشهر، وعدنا والتقينا في نشاطات اجتماعية أخرى، ألا تشكل حالتك الجسدية أي مشكلة لك في علاقاتك الإجتماعية؟
- أنا أحب النشاطات الإجتماعية ومنذ قدومي إلى ديربورن من لوس أنجلوس تسجلت في النادي اللبناني الأمريكي، وأنا أحاول دائماً أن أحضر اي نشاط اجتماعي تقوم به الجالية العربية الأمريكية، عندما يكون الوقت متوفراً لي، ولا مشكل لدي على الإطلاق، هذا هو وضعي وهذه هي حالتي والشكر لله والحمد له دائماً، فأنا أعمل وأنشط، ولم أتوقف ولا مرة أسائل نفسي عن مصابي ولماذ حلّ بي ما حلّ؟ ومن ثم لماذا أنا؟! همّي أن أوظف كل طاقاتي لأنجح في عملي، وهذا ما أتمنى أن يفعله أولئك المصابين الآخرين...

* هل تسببت حالتك هذه بإخفاق في عمل أو وظيفة ما فيما مضى؟ وهل شعرت بأن دولة الولايات المتحدة الأمريكية تسهل عملك؟
- بشكل عام مع الدولة لا مشكلة، ولكن بصراحة بالنسبة لوظيفة أو عمل تقدمت به فقد أثر وضعي وجسدي، لقد كنت في مرات عدة أنجح في اللقاء الأولي عبر الهاتف أو الأنترنيت من خلال عرض كفاءاتي وشهاداتي، وعندما يحّدد لي موعد اللقاء الشخصي ويرون



اليوم, 10 :17 10:17:38 Am
حالتي، يردون بلطافة بأنهم سيتصلون بي لاحقا، فأفهم من ذلك، أن الأمر انتهى وأنهم لن يتصلوا.

*هل كانت مثل هذه الحالات تصيبك بإحباط ما وتدفع بك إلى عدم محاولات أخرى؟
- لا أبداً، لم أقطع الأمل أبداً، واستمريت أحاول، أنا أخبرتك أنني أتكيف مع نفسي ولا بدّ من المثابرة، عندما كنت أعمل في كاليفورنيا كنت أعمل في شركة مشهورة، تعمل في مجال العقود، وصرت فيها مقياس الموظف المحب والمواظب على عمله بدقة واحترام...


عن واتا