فريستي / جوتيار تمر
فريستي
خضنا معاً غمار معركة الهجر كثيراً.. ولطالما تألمنا أنا وأنت من شدتها وقساوتها وضراوتها..آخر تلك المعارك.. معركة الإيحاءات المتقلبة.. إيحاءات القسوة والهجر، الحنان والشوق.. معركة النظرات المتغيرة التي لم تكن تستقر على حال.. والكلمات المتنافرة التي لم تعد تسير على طريق واحد.. هذه المعركة التي بدأت تكسر كل الحواجز وتعلن عن أصعب شيء في الوجود..!
ها هو التحجر يعلن عن نفسه في أكثر من موقع.. وها هو يفرض علينا أن ندخل أنفسنا في هذه المرحلة بالذات لعبة الإيحاءات بهدوءٍ خطر.. لنعلم من منا المنتصر؟ فأنا قد تعبت وأصبحت أرى الحب معركة الحياة دخولها يعني خوض غمار مغامرة خطرة يمكن.. بلا شك أن يعود منها المرء منا بدون قلبه..!
لكن بالرغم من مفاهيمي هذه خضت غمارها وكان عقلي يخطط ويراقب وقلبي كان يتوجس رغم ذلك.. خوفاً ويتقطر ألماً وحزناً كلما رآك ماثلا أمامه.. رجلاً محترفاً يقاتل بهدوء خطر.. أبكى قبلي عيوناً كثيرة وكلها كانت تتلهف وتتطلع إليه.. رجلاً يهوى العزلة والصمت.. ويفضل لغة الكتابة.. وهي لغة غريبة عن لغتنا المعروفة لغة العيون.. فهي كلغة قارئة الفنجان تخاطب العقل والقلوب.. تكشف ما في أعماق النفس.... وأنا أصبحت الآن أقرأ الأسرار في الفناجين بعدما عجزت عن مجاراتك بالكتابة... وأول ما بدأت به هو قراءة قلبك وعينيك.. لكن عينيك تمردتا عليَّ وفنجانك وحده تدحرج من بين يدي، ولم أقدر الوصول إلى أبواب قلبك ولم ألمس بأناملي أسرارك..!
قلبي لم ينم وأنا معك.. وعقلي ظل مستيقظاً.. إذ إن ما بيننا ليس إلا (الإيحاءات المتقلبة) وأنت من اختار ذلك الطريق وكأنك لا تعلم أن أمواج البحر هي نفسها التي تفتت في الصخور تماسكها.. وأن الظلام نفسه يخرج في النهاية القمر... فمهما طال بي الوقت مع إيحاءاتك المتقلبة ومهما صبر عليك الموج والظلام فإنه لا بد في النهاية من منتصر...!
وأسالك أن تراجع أوراقك وأن تدقق فيها قبل الولوج في هذه المعركة.. وأسالك أن تراجع نفسك من اللحظة وتتخيل أيهما المنتصر..؟ حبي أم تحجرك..؟ فطرتي.. أنوثتي أم حذرُك..؟
إنك لحد الآن لم تر ضعفي ولن أدعك تراه مع أنني في داخلي أكاد أنهار..! ولم تر الدموع في عينيي ولن أدعها تذرف أمامك فأنا أحب أن أدخرها لوحدتي..!
ها هو الوقت يمضي وأنا معك.. في طريقك نسير بالرغم من كل شيء وأنا أكاد لا أرى فيك سوى رجلاً داهمه حزن فأراد أن يهرب من الوجود ولم يقدر.. فتحجر ولست أرى تحجرك سوى غمامه حزن انجرفت في سماء تزدحم بالغيوم... فهل تستطيع أن تدرك وتشعر بحب امرأة تملك سكون وهدوء لبوة؟ تمكث ساكنة بانتظار أن تنسى فريستها الحزن وأن تزول تلك الغيمة من سمائها…! إذاً.. فلا تشعر معي أبداً بالطمأنينة.. فالغبار ما زال يغطي ما بيننا حتى في لحظات الراحة التي أستكين فيها لقلبي ولعيني فأمهد الطريق أمامك لتقترب مني، فتحاول أن تخلق لنفسك مبرراً لاقترابك المفاجئ هذا.. فتبدأ بالسؤال عن أشياء لا يهم ماذا تكون؟ فالمهم أن تقترب مني.. وأنا بحدس الأنثى أعلم بأنك ستأتي لأنك تحتاجني ولأنك تؤمن بأنني أحتاجك..!
صدقني يا طفلي الحزين أني استمتع بحذرك.. فحذرك يجعلني أحبك أكثر.. وأكثر ما أحبه فيك هو تحجرك .. المفاجئ، لأنه يجعلني أشعر بأنني مهما ابتعدت عنك ازداد قرباً.. وها أنا أرى الأسئلة قد ابتدأت تولد في عينيك والحب يبتدئ بسؤال..!
قد تظن بأني مثلك قاسية متحجرة.. لكن مهلاً.. فالأنثى في داخلي كانت ابداً تتألم.. وكانت تصر على أن المرأة الأخرى هي التي تجعلني أخشى دائماً أن أفقدك.. المرأة الأخرى التي تسكن أعماقي كانت تدرك بأن الرجل يكره في أعماقه اليقين ويحب البحث عن المجهول وأنا مع كل ما فعلته بي وتفعله الآن ومع قسوتك لست أتمنى عذابك.. لكن لا بأس أن تسهر ليلة أو ليلتين تفكر بامرأة مثلي تحبك وتخشاك.. لا بأس أن يتوقف المداد من قلمك القاسي وتتغافل عنه للحظات.. لا بأس أن تنسى.. للحظة إخفاء نظراتك عني.. فأنت أصبحت فريستي، همي ، سبب سهري..!
يا قاسي القلب قد لا يهمك أن أقول لك إنني لا أريد أن أراك تتألم كما تزرع أنت الألم في نفسي.. فأنا أريدك.. بل لا أريد منك سوى أن تراني في كل كلمة قاسية كتبتها لي.. أريدك كما... أبكيت وجرحت قلبي مراراً أن تداويه بحب لو نطق لسانك به لكان أجمل هبة من القدر في زمن الهجر والألم..!
القدر الذي أتمنى أن يهزك من الأعماق أيها الجبل الأشم فيحرك في أعماقك ذلك الحجر ويردك إلى حافة الحنان يا أيها الصخر المتجلد...!
بغداد/20-7-1997