حظي مراسل موقع نسيم الشام بلقاء مع الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، وأجرى معه الحديث التالي حول مسلسل (ما ملكت أيمانكم) الذي كان له موقف منه.
* ذكرتم في الكلمة التي أثارت جدلاً في الأوساط، أنكم قد رأيتم بعينكم ما يدل على سخط إلهي مقبل من وراء هذا المسلسل وبثه. كثيرون هم الذين يسألون عن هذا الذي رأيتموه. وكيف تم ذلك؟
- كل ما أملك أن أقوله أنه كان بين يقظة ونوم، وكان الذي رأيته وباء نازلاً من السماء بمظهر مادي مرعب، ذي بقع سرطانية حمراء تبعث على التقزز والاشمئزاز، ومع هبوطه السريع نحو الأرض أخذت تنفصل منه حيوانات كثيفة وكثيرة طائرة راحت تنتشر وبسرعة فوق دمشق، وقد علمت أنها جراثيم لوباء خطير متجه للتغلغل داخل البلد.
* ما الذي جعلكم تقررون أنه مظهر للسخط الإلهي بسبب هذا المسلسل؟
- هكذا استقر في ذهني، ولم يكن لي في ذلك أي اختيار.
* هل تعتقدون أن هذا الوباء مقبل وواصل إلينا؟
- الأيام أو الأشهر القادمة هي التي تجيب عن سؤالك. وإني لأسأل الله تعالى أن يجنّب بلدتنا المباركة كل مظاهر السوء وأنواعه.
* في الناس من فهم أن كلامكم عن مخرج المسلسل يوحي بتكفيره. ما تقولون في ذلك؟
- لا أذكر أنني كفرت مسلماً طوال حياتي. وليس لي أن أنزع منه صفة الإسلام الذي يعتز به وينتمي إليه. ولكني على يقين أنه تورط من هذا المسلسل في أخطاء وانحرافات كبيرة، لا سيما إطلاق الكلمة القرآنية ذات الإيحاءات المعروفة في أذهان كثير من الحداثيين والعلمانيين والملحدين، وهي (ما ملكت أيمانكم) ونحن لم نفهم من هذا الإطلاق إلا السخرية بالكلمة القرآنية.
* في الناس من تصوروا أن هذه الغلطة قد توصله إلى الكفر.
- هذه الغلطة معصية، والمعاصي كبرت أو صغرت لا تستلزم بحد ذاتها الكفر. بل في تاريخنا الغابر والحاضر كثير من الذين توغلوا في أكبر المعاصي، تحولوا فأصبحوا من أقوم الناس ديناً وأفضلهم صلاحاً وسلوكاً. وإني لأرجو أن يكون مآل هذا المخرج إلى مثل مآل هؤلاء الذين تحولوا فأصبحوا من أصلح الصالحين. على أن المسؤولية ليست مسؤولية المخرج وحده، بل هناك المؤلف أو المؤلفة، ولعلها تتحمل من ذلك القسط الأكبر.
والمهم أن أحداً، حتى الرسل والأنبياء، لا يملك أن ينزع الإسلام ممن يعلن عن نفسه أنه مسلم، مهما تورط في المعاصي والآثام. ويرحم الله ابن عطاء السكندري القائل: (معصية أورثت ذلاً وانكساراً، خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً)
* يؤكد الأستاذ نجدت أنزور أن المشاهد السلبية اللا أخلاقية ونحوها، في المسلسل، ما هي إلا صور لأحداث واقعة فعلاً، وليست افتئاتاً على أشخاص. فما رأيكم بذلك؟
- أنا لا أشك أن في مجتمع المتدينين والمتدينات من قد تتغلب عليهم أهواؤهم ورعوناتهم فيتورطون في الانحراف، وهذه سنّة ربانية ماضية في المجتمعات والعصور كلها، حتى في عصر الصحابة الذي هو أفضل العصور. ألم يقل رسول الله (كل بني آدم خطاء)؟
ولكن من الذي يبرر أن نلطخ بياض الاستقامة البالغ 80% من المجتمع المتدين بسواد 20% منه؟! من الذي يبرر أن نستعلن بهذه الأخطاء ونخرجها أمام الأبصار بطريقة مغرية، تشجع الشباب على اقتحامها، وتهون أمامهم من خطورتها، دون أن نبرز مظهر الاستقامة والمستقيمين، ونجعل منه مشجعاً للسير في طريقه.
بوسعي – إذا كان هذا الذي فعله الأستاذ أنزور ومؤلفة المسلسل مبرراً – أن أسلك الطريق ذاته فأخرج مسلسلاً عن المجتمع الإسلامي في عصر الصحابة، أملؤه بمشاهد السوء والانحراف. وإذا عصر الصحابة قد تحول أمام الأنظار إلى عصر شذوذ وهواية جنس. لا يكلفني ذلك إلا أربعة أو خمسة من مظاهر الأخطاء التي تورط فيها مسلمون، أبرزها وأضع لها سيناريوهات جاذبة، أليس عملي هذا عندئذ جريمة إنسانية نكراء؟
بل أقول لك: أنا وأنت، وأنزور، والآخرون .. ألسنا متورطين في أخطاء كثيرة، ولكننا مستورون بستر الله؟ فهل من العمل الإنساني أو الفني الهادف أن يأتي من يكشف عنا هذا الستر الذي تفضل علينا به الله.
* ما هي نصيحتك الآن للفريق الذي أبرز هذا المسلسل وأصبح في مرحلة العرض؟
- لا أنا، ولا موجدو هذا المسلسل يملكون إصلاح شيء من فساده الآن. ولكن الذي نملكه هو أن نوصي الناس بأن يعرضوا عنه. وهذا ما لا يروق لأفراد الفريق وعلى رأسهم السيد نجدت أنزور.
* نشكركم على ما تفضلتم به من إجابة ..
ملحق:
كثر السائلون عن مستندي في الحكم على هذا المسلسل.
وأقول: إنني لا أتابع المسلسلات ولا أياً من البرامج التلفزيونية، ولكني اعتمدت في حكمي هذا على تقرير رسمي صادر من لجنة أعرف صدق أفرادها وأثق بمستواهم الثقافي.
غير أني تعرفت على مخرج المسلسل الأستاذ نجدت أنزور أخيراً في لقاء تم على غير ميعاد، عرّفني فيه على التزامه الديني والتزام أسرته، وذكّرني بدفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم تطاولت بعض المؤسسات الأوربية عليه، في مسلسل عنوانه (سقف العالم) وأنفق على إخراجه من حرّ ماله. وأكد أنه لم يهدف من مسلسله الأخير هذا إلا إلى دعم القيم والأخلاق الإنسانية الفاضلة والتحذير من الانخداع بدجل المتسترين بالفضيلة، وإنما يتبين ذلك لمن تابع المسلسل كله. وأكد أن اللجنة التي أصدرت التقرير الذي اعتمدته لم تشاهد إلا بعض الحلقات، وأن ما انتهت إليه غير دقيق.
قلت له: إنني، وقد وقعت بين هذين النقيضين، أعدك - كما هو شأني- أن أتخلى عن سائر تصوراتي التي تجمعت لدي من التقرير الذي قرأته ومن كلامك الذي سمعته، لأعود واقفاً عند نقطة الجهل بتقويم هذا المسلسل منتظراً نهاية عرضه، ولسوف أعتمد عندئذ في قراري على أشخاص أثق بصدقهم وعلو ثقافتهم، رأوه من أوله إلى آخره واستوعبوه بجملته وتفصيله. وسأُدْلي عندئذ بحكمي انطلاقاً من الرؤية التي يرونها والقرار التي يتخذونه.
نقلته لكم من مصدر موثوق