قال الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه} (الإسراء84)
معنى الآية: كل يعمل على ما يشاكله ويناسبه ويليق به، فالفاجر
يعمل على ما يليق به، وكذلك الكافر والمنافق ومريد الدنيا وجيفتها: عامل على ما يناسبه ولا يليق به
سواه، ومحب الصور: عامل على ما يناسبه ويليق به.
فكل امريء يهفو إلى ما يحبه وكل امريء يصبو إلى ما يناسبه
فالمريد الصدق المحب لله: يعمل ما هو اللائق به والمناسب له، فهو يعمل على شاكلة إرادته
وما هو الأليق به، والمناسب لها.
والنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها
وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها
كما يقع الذباب على الأقذار، فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش ولا بالسرقة
والخيانة؛ لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك، فكل نفس تميل
إلى ما يناسبها ويشاكلها.
وهذا معنى قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه}، أي على ما
يشاكله ويناسبه، فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكل إنسان يجري على طريقته
ومذهبه وعاداته التي ألفها وجبل عليها.
فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي
والإعراض عن المنعم،
والمؤمن يعمل بما يشامله من شكر
المنعم ومحبته والثناء عليه، والتودد إليه والحياء منه، والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله.
التفسير القيم لابن القيم