أنا أم لثلاثة أطفال مصابين بتبول لا إرادي !
يملكون أجمل أسرّة وأجمل أغطية، أستقبلهم كل صباح بابتسامة ودعاء طيب بالشفاء.
لست لأنني لا أتعب في تنظيف الفراش يوميًا، ولا أعاني من غسل الأغطية، ولا نضطر لترك باص المدرسة يذهب بين فترة وفترة، لأننا لا نكون أنهينا الاستحمام والتجهيز الصباحي !
ولكن لأنني كنت أمًّا أُصيبت قبلهم بهذا المرض لأكثر من ٢٠ عامًا وتزوجت وأنا عليه.
ولم أشف إلا لما استقبلني زوجي بتلك الابتسامة والدعاء عدة مرات وعلمني الدعاء.
بينما جرّبت أمي وجدتي كل وسائل الرعب والطب الشعبي والاحتقار والعقاب ولم يزدني الامر إلا سوءًا !!
فإليكم الحكاية..
كنت طفلة صغيرة جميلة نوعا ما وخجولة وذكية ومتفوقة.
لكنني كنت أعاني من التبول اللا إرادي الذي قضى على علاقتي بكل من حولي.
كم ضُربت عند استيقاظي لأنني تبولت!
كان أخوتي يملكون أسرّة وأغطية جميلة، إلا أنا؛ غطائي كان خشنًا، أحضرته أمي من نفس أنواع أغطية المساجين، البنية الفاحمة الخشنة جدًا، وفراشي كان فرشة مخيطة من الأقمشة البالية، لم يُسمح لي أن أنام على الأسفنج ولا الأسرّة.
كانت تتركني إذا تبولت على نفسي في برد الشتاء، أرتجف على فراشي المبلل، ولا تُغير الفرشة لي لأكمل نومي بالدفئ.
تقول لي جدتي أنها كانت تأمرها بضربي وتخويفي، بل كانت جدتي بنفسها تخوفني،
ولكنها لم تكن تحتمل منظري وأنا أُغير وحدي في الظلام والبرد وأرتجف كالعصفور من البلل، ولكن أمي كانت تمنعها من التدخل.
كانت تظن أن هذا سيجعلني أستطيع التحكم بنفسي.
حتى في المدرسة وصل الخبر للطالبات، أمي كانت تفضفض لجارتنا، وجارتنا أخبرت ابنتها على طريق النصيحة أن لا تشرب العصير قبل النوم لكي لا تصاب بما أُصبت أنا به، وابنة جارتنا أوصلت الخبر للطلاب.
كم بكيت وهم يمشون خلفي ويغنون دمع دمع دمع أبو (.......) مشمع.
وغيرها من الأغاني السخيفة والألقاب المقرفة، كرهت الدنيا كلها وانعزلت عن العالم، وعشت بدون ثقة بالنفس إطلاقًا.
لدرجة أنني لا يمكن مستحيل أن أرفع يدي للجواب في الحصة أو أشارك بنشاط.
كانت الامتحانات وحدها تكشف للمعلمات تفوقي ويحاولن تشجيعي للمشاركة ولكن لم استجب للتشجيع مطلقًا.
بالمناسبة كانت أختي الكبرى تعاني من نفس المرض وخوفتها امرأة عجوز قبيحة في القرية، قالت لها إذاعدت للتبول سآتي بالليل وآخذك.
واستجابت أختي لتلك الطريقة اللا إنسانية الحقيرة للأسف!
هذا ما زاد قناعة أمي أن زيادة الحرمان والتخويف والعقوبات سيثمر معي، ولكن الأمر لم يكن كما أرادت، وكانت تتصور أنني أتحداها وأنني عنيدة.
فبعض الأطفال غير مصابين بتبول لا إرادي ليلي، إنما يكونون مصابين برهاب الخروج من الفراش ليلا من الخوف، فيختارون التبول للفراش إراديًا، وعند تخويفهم بشيء أكبر من القيام للفراش قد يفضلون مجابهة الخوف الأقل على الخوف الكبير.
كانت أحلامي مرعبة، وعندما كبرت علمت أن ذلك النوع من الأحلام هو من أثر عين أصابت الطفل، ولكن من كان ليسمع لي ويعلم أن عليه أن يرقيني!
لا أخفيكم حاولت بنفسي علاج نفسي، فصرت أذهب للمكتبة وأقرأ كتب علم النفس وموضوع التبول.
كان ما أحتاجه أولا لنجاح المعالجة بنفسي أن أقلل نسبة الإدرنالين في جسدي والذي يفرز مع الخوف والقلق، والذي يحول دون تقوية عضلة المثانة لا يمكن لهذه العضلة أن تكتمل وتغلق كليًا بخوف وقلق.
ولكن كيف لي أن أنجح بمنع جسمي من الخوف والقلق وأنا في جو مرعب كل صباح، أنتظر العلقة الساخنة والأعمال الشاقة والألفاظ القاسية؟!
كنت حزينة حاولت توصيل ما أقرأه لأمي، ولكن كان بنظرها هذا هراء وأنني أعمل عليها معلمة وهي مربية بالفطرة لا تحتاج لتعليم، غفر الله لها.
لكن أبي أقتنع بكلامي، وبدأ فعليًا بمحاولة مساعدتي والوقوف ضد أمي، وأحضر لي لأول مرة غطاء مُعدًا للتبول.
وغير هذا لم يستطع أبي فعل شيء، كانت أمي لا تستجيب لأحد.
كبرت ودخلت الجامعة وأنا على تلك الحال.
ولكنني كما قلت لكم كنت أعالج نفسي بنفسي من نواحٍ أخرى، كالثقة بالنفس والخجل الزائد والتاتاة والقولون، كنت اقرأ بكثرة عن كل ما أعانيه وأساعد نفسي.
أصبحت محطًا للأنظار بتفوقي وتميزي وإعطائي الدروس الدينية، حتى اختارني رجلٌ لتفوقي وتميزي الديني، وحين أخبرته بمرضي لم يكن لديه مشكلة، وقال لي سنذهب للطبيب ونبحث عن علاج إن وجد.
وقال الطبيب لزوجي احتمالية شفاءها بعد الزواج كبيرة، لأن التبول اللا إرادي يحتاج لتمارين لتقوية عضلات المثانة التي لم تحصل على فرصة لتقويتها مع ارتفاع نسبة الهرومونات التي تصاحب القلق والخوف.
وأعطاني بعض الأدوية، وعلمني التمارين، وذهبت لبيت زوجي، وفي أول ليلة حصل ما كنت أخافه، وقمت أبكي من الخوف، هل سيضربني كأمي؟؟
لكنه استغرب لبكائي وكان أصابه من البلل ما أصابني وابتسم وقال لا بأس.
حضنته وشكرت الله أن هذا الرجل هو زوجي.
أحضر لي ماء زمزم وعلمني الدعاء ودعوت كثيرًا، وأخبرته بأحلامي، فرقاني،
وخلال ست شهور ذهبت تراكمات وآثار هرمونات القلق والخوف والرؤى، وشُفيت تمامًا، ولليوم أنا منذ ١٠ سنوات بعافية.
وتعلمت من تجربتي الكثير..
سأحب أبنائي حتى يتمكنوا من مجاوزة الأمر كما تجاوزته، وتنضج عقولهم ويستطيعون تعلم التمارين.
وحتى ذلك الحين لن أخبر أحدًا بمرضهم مهما كان حتى الجدات، وسيذهبوا عاطرين للمدارس كي لا يسخر منهم أحد، وعندها لن يتذكروا أُمًّا ضربتهم ولا شخصًا سخر منهم، وسأعلمهم الدعاء حتى يشعروا أن الله أرحم بهم من أمهم.
فليس ذنبهم أنهم ولدوا بعضلات مثانة أضعف من غيرهم.
(منقول بتصرف)