عودة إلى موضوع التطبيع، مع العدو الصهيوني، وزيارة القدس
الكاتب والباحث احمد محمود القاسم
أثارتْ زيارة الداعية الإسلامي اليمني الأصل، الحبيب علي الجفري، إلى المسجد الأقصى، جدلاً واسعاً في الأوساط الفلسطينية والعربية، على خلفيات دينية وسياسية، إذْ استنكرتْ بعض الحركات الإسلامية هذه الخطوة، واعتبروها تطبيعا مع العدو الصهيوني، بينما دافع من قام بهذه الزيارة عنها، (الجفري)، وذلك بعدما انتقد رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، للفتاوى التي تحرم، مثل هذه الزيارات، وكان آخرها تلك الصادرة عن الشيخ يوسف القرضاوي، وكنا قد أبدينا موقفنا من هذا الموضوع.
أما الشيخ الحبيب الجفري، فقد قال: (إنه قام بالزيارة شوقاً إلى قبلة المسلمين الأولى، ومسرى النبي المصطفى.. واستجابة لدعوة الشيخ (محمّد حسين)، مفتي القدس والديار الفلسطينية، للمسلمين، لزيارة المسجد الأقصى، نصرة له، ودفاعاً عن قضيته). وقال أيضا، بأن النبي محمد، "أّسريَ به إلى المسجد الأقصى، وهو مُحتل، من قبل دولة الرومان الوثنية، واعتمر أيضا عمرة القضاء مع الصحابة في مكة، تحت سلطة كفار قريش، واعتمر وصلى، والأصنام منصوبة في الكعبة وحواليها.. فلم يكن ذلك تطبيعا، ولا استسلاما، وقال بأنه "ينبغي تشجيع المسلمين والمسيحيين، من مواطني الدول الغربية، والدول الإسلامية غير العربية، على شَدْ الرحال، أفواجا مع مرشدين مستوعبين، والتنسيق مع المرابطين هناك، لترتيب الزيارة للصلاة، في المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة. عن النبي (صلعم) قالَالصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي، بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة). وقوله، (صلعم)من أَهَلَّ بعمرة من بيت المقدس، غُفر له). زيارة المسجد الأقصى المبارك، وقبة الصخرة المشرفة، مبدأ الحج (الإهلال بالحج والعمرة) إلى الحجاز.قال الإمام علي بن أبي طالب:}نعم، المسكن ببيت المقدس، القائم فيه، كالمجاهد في سبيل الله، ولَيأْتِيَنًَ على الناس زمان، يقول أحدهمليتني تبنة، في لبنة، في بيت المقدس{. عن ابن عباس (عن النبي (صلعم) قال:
(صخرة بيت المقدس، من صخور الجنة). --- عن النبي (صلعم) انه قالالمياه العذبة والرياح اللواقح، تخرج من تحت صخرة بيت المقدس). عن انس بن مالك انه قالإن الجنة لتحن شوقا إلى بيت المقدس، وبيت المقدس، من جنة الفردوس، وهي صُرةُ الأرض).
عن علي ابن أبى طالب، عن النبي (صلعم) قالسيد البقاع، بيت المقدس، وسيد الصخور، صخرة بيت المقدس). عن زوج النبي (صلعم) قالتقلت يا رسول الله، افتنا عن صخرة بيت المقدس)، قالارض المحشر والمنشر، ائتوه فزوروه، فإن الصلاة فيه، بألف صلاة، فيما سواه، فمن لم يستطع، منكم أن يأتيه، ويزوره، فليُهدي إليه، زيتاً، يُسرجُ فيه، فإن من أَسرَجَ فيه، كمن صلًى فيه). كل هذه الأحاديث توضح أهمية بيت المقدس، والإقامة فيه وزيارته، مهما كانت الأسباب التي تحول دون ذلك.
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، تطرق خلال مؤتمر القمة العربية في بغداد، إلى هذا الموضوع، ودعا إلى "إيجاد حالة تواصل، دائم مع القدس وأهلها، وإخراجها من عزلتها. وانتقد الفتاوى التي تحرم زيارة القدس، قائلا، إنه يجب التواصل مع القدس، وليس تحريم زيارتها، فلا يوجد هناك نصوص في القرآن أو السنة تحرم ذلك، ولم يحصل في التاريخ، أنً مفتيا حرم زيارة القدس، فكيف نحرمها نحن، ونَحْرم أهلها من الصمود والدعم.
تدور في الساحة الفلسطينية، وفي الكثير من الدول العربية والإسلامية، نقاشات وحوارات، تتضمن زيارة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، في مدينة بيت المقدس، وهل هذه الزيارات، فيما لو تمًتْ من قبل المواطن العربي أو المسلم، في ظل الاحتلال الصهيوني، تصًبُ في المصلحة الفلسطينية أم لا؟؟؟؟ وبمعنى آخر، هل مثل هذه الزيارات، تُعتبر تطبيعا مع العدو الصهيوني؟؟؟؟؟ خاصة، إذا علمنا أن الزيارة، لا يمكن أن تتم، إلا عبر (فيزا) صهيونية، يحصل عليها المواطن العربي أو المسلم، عبر السفارات الصهيونية.
البعض مؤيد لمثل هذه الزيارات، والآخر يرفضها، حتى داخل الأراضي الفلسطينية، هناك من يرفضها، وهناك من يشجعها، وكذلك على المستوى العربي والإسلامي، ولا يعتبرها تطبيعا مع العدو الصهيوني، ويعتقد أن مثل هذه الزيارات، تعطي الزائر انطباعا، عن معاناة المواطن الفلسطيني المقدسي بالذات، تحت الاحتلال، كما أن المواطن الزائر، مضطر للصرف على المبيت والشراء من طعام وشراب وهدايا مقدسية وخلافه، ويهذا يعمل على زيادة الحركة التجارية في أسواق المدينة، والتي تعاني من الركود والكساد التجاري والاقتصادي، وبذلك، فان مثل هذه الزيارات، تزيد من مبيعات ودخل المواطن المقدسي، والذي يعاني الأمرين، من كساد تجاري، ومن ظلم الاحتلال له ومن ضرائبه الباهظة ألباهظة،أما إذا كانت الزيارة، باسم زيارة المقدس ومقدساتها، لكن الزائر يقضي مبيته واكله وشربه وزياراته كلها، في داخل أراضي الفلسطينيين المحتلة في العام 1948م، فان هذا يعتبر تطبيعا وخدمة تصب في مصلحة العدو الصهيوني.
هذه الزيارات، في جوهرها، تعمل على تدعيم المواطن المقدسي، نفسيا وسياسيا، كما تجعل الزائر، يتعلق بمعالم القدس التاريخية وأحياؤها وبلداتها وطبيعة سكانها، وسيظل تاريخها وذكرياته عنها في عقله وقلبه، وتفكيره، وستعمل ذكراها في عقله وقلبه على تمسكه بها كمواطن عربي ومسلم، وستظل زيارته لها خالدة، في نفسه إلى الأبد، وسيبقى يتعاطف ويؤيد ويدعم حق الشعب الفلسطيني، في ملكيته لهذه المقدسات، وسيقف ضد الاحتلال الصهيوني لها، ومقارعته في كل أماكن تواجده، كما يمكن للزائر، من إقامة علاقات صداقة وود، مع أُسَر مقدسية، والتواصل معها، ودعمهم ماديا، ومن كافة النواحي وخلافه، إذا ارتأى ذلك، فهذه الزيارات، تنشط الحركة السياحية في المدينة، كالفنادق والمطاعم ومحلات التحف الشرقية، والصناعات الفلسطينية الخفيفة وخلافه، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، عدم تعامل الزائر مع المحلات الصهيونية، ويتجنبها ما أمكنه ذلك، وتُعتبر زيارة الأماكن المقدسة، كالحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى المبارك، وغيرها من الأماكن الإسلامية والأثرية، بالنسبة للزائر المسلم، من أساسيات استكمال مناسك الحج، وان لم تكن فريضة. وكذلك، فان زيارة الأماكن الدينية المسيحية لإخواننا المسيحيون، تعتبر من أساسيات الدين المسيحي، كفريضة الحج، في زيارتهم لكنيسة القيامة وغيرها من الأمكنة المسيحية المهمة.
إن مثل هذه الزيارات وتواصلها، تعطي الانطباع، للعدو الصهيوني، بأهمية الحرم القدسي، والأماكن الدينية الأخرى، لدى كافة العرب والمسلمين، وأنهم لن يتخلوا عنها، وأنها من أساسيات معتقداتهم وشعائرهم الدينية.
أما من يرفض مثل هذه الزيارات، وتواصلها في ظل الاحتلال الصهيوني لها، فهو يعتبرها قبولا للاحتلال الصهيوني، للمدينة المقدسة، فهم يعتبرون الزيارة، تطبيعا مع العدو الصهيوني، والاعتراف باحتلاله لها وبسيادته على القدس والأماكن المقدسة لها.
هناك من رجالات الدين الإسلامي والمسيحي، من يؤيد ومن يعارض مثل هذه الزيارات، فالبابا شنودة، بابا الطائفة القبطية في مصر، قبل وفاته، عارض وبشدة، منذ الاحتلال الصهيوني، زيارة الأقباط المصريين لكنيسة القيامة ولكنسية المهد في مدينة بيت لحم، ورفض اخذ الأقباط المصريين، لأي تأشيرات دخول إسرائيلية، اعترافا منه، بان هذه المقدسات فلسطينية وعربية، وليست صهيونية، وان التماس اخذ تأشيرات دخول لها، من قبل اليهود الصهاينة، لا يخدم القضية الفلسطينية، بل يقول بان هذا اعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني، كذلك، هناك الكثير من شيوخ المسلمين في القدس، وفي الأراضي الفلسطينية بصفة عامة، ومن المواطنين الفلسطينيين، من يرفض ومنهم من يقبل بزيارة المسلمين والعرب، لمدينة بيت المقدس، والحرم القدسي الشريف وغيرها من المقدسات، لولا زيارة أهلنا الفلسطينيون في أراضينا المحتلة في العام 1948م لمدينة بيت المقدس، وما بها من مقدسات، لكان أهل القدس، يعيشون الآن الفقر المقذع بعينه، لكن مثل هذه الزيارات، والتي كانت تتم بالآلاف المؤلفة، خاصة في أيام الجمع والعطل الرسمية، عملت على انتعاش المدينة المقدسة، وساعدت أهلها على التشبث والصمود بها.
مع هذا وذك، فنحن لا نعتبر مثل هذه الزيارات، البديل الناجح، عن تنمية المدينة المقدسة والاستثمار السياحي بها، وترميم مدارسها ومعاهدها ومستشفياتها، والتي أصبحت آيلة للسقوط، كذلك، يتطلب الأمر، بناء المستشفيات والمباني السكنية، والمجمعات التجارية، وشق الطرق للقرى والضواحي.
أن زيارة مواطني الدول العربية للمدينة المقدسة، ولمعالمها الإسلامية والأثرية، سيعمل على إحياء المدينة سياحيا وتجاريا واقتصاديا، وزيادة تمسك أهلها بها، وزيادة معنوياتهم، والتحسين من نفسياتهم، فأهالي المدينة المقدسة، يعانوا من ظلم الاحتلال وبطشه، ومن إجراءاته التعسفية، بحيث لا يتحملها إنسان على وجه الأرض، فأنتم تسمعون عن الصهيونية وممارساتها وإجرامها ضدهم، وفي حقهم، عبر الصحف والمجلات، والقنوات الفضائية والإذاعات وغيرها، أما أبناء المدينة المقدسة، فإنهم يتلمسونها ويتحسسونها طيلة أربع وعشرين ساعة في اليوم، لأنها تمارس عليهم مباشرة.
لنفكر، كيف يمكننا مد يد العون لأهلنا في المدينة المقدسة، إنهم يستصرخونكم كل يوم، للوقوف معهم، والى جانبهم، والشد من أزرهم، والتخفيف من معاناتهم، والتفريج عن كربهم. أما السلطة الفلسطينية، فالمفروض أن لا يلومها احد، حتى وان كانت مقصرة جدا في هذا المجال، فهي مكبلة باتفاقيات، ومساعدات دولية، ولا تستطيع أن تحرك ساكنا، بديلا عن القوى الشعبية والجماهيرية، فهي تعيش في ظل موازين قوى، مختلة بالكامل، لصالح العدو الصهيوني، ولا تستطيع أن تكون في الساحة لوحدها، أمام القوة الصهيونية، والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، اعتى وأقوى، قوة في العالم، التي تخضع بالكامل في سياساتها، من قبل اللوبي الصهيوني. إن السلطة الفلسطينية، لا تستطيع فرض نقل عنوان سكن مواطن فلسطيني في هويته، من قرية أو من مدينة لأخرى، وحتى الرئيس أبو مازن لا يستطيع السفر، إلا بتصريح خاص، فعلى ضوء ذلك، يمكنك أن تفهم الأمور على طبيعتها.
انتهى موضوع
عودة إلى موضوع التطبيع مع العدو الصهيوني، وزيارة القدس