سلة القمامة والإرهاب
قصة قصيرة
1 _
كان مطمئناً كل الاطمئنان، بأنه سيطلق سراحه.. سرقة حاوية قمامة لا تعني شيئاً في بلد سرقة المليارات فيه.. تعتبر أزمة نفسية لا يعاقب عليها القانون! وقد دوّن إفادته بلا خوف ولا تردد, بل كان مصراً على أنه عند ثبات براءته سيقاضي كل من تسبب له بهذا الإيذاء النفسي والبدني, وسوف لن يتسامح معهم لأنه مواطن يجب أن يتمتع بكافة الحقوق التي ضمنها له الدستور، أمعن الضابط بالورقة وقرأ بصوت مسموع:
- الاسم: محروم مظلوم.
- العمر: لا عمر لي فمنذ أن قذفني رحم أمي ولهذه اللحظة لم أعش يوما يحسب من عمري.
- التهمة: رمى الخادم بخبز في سلة القمامة فحاولت جمعه، اتهموني بسرقة السلة من باب نائب في البرلمان،
قال الضابط المكلف بالتحقيق:
- حجتك غير مقنعة..
ضحك بتهكم ثم أضاف:
- قل لي من معك في التنظيم..؟
أدرك الرجل أن الأمر لم يعد مزحة, تلاشى كل شيء أمامه, لم تعد تلك الهياكل المحيطة به إلا فراغا في محيط تكتنفه الظلمة،
- سنجعلك شاهد إذا ما قلت الحقيقة.. !
بين الحلم والحقيقة، أسند رأسه على معطف بال، أعاد شريط التحقيق في ذاكرته، تذكر زوجته وابنتيه، يأتون كل يوم بما جمعوه من علب البيبسي كولا المعدنية الفارغة، حصاد يوم من البحث في الشوارع وقرب محلات بيع المشروبات الغازية، ينتظرون أحدا ما يفرغها من محتواها في جوفه ثم يلقيها صيد ثمين يحصلون عليه، يأخذها فيبيعها لمتعهد ، يُقَبل النقود رزق يوم موعود، يرنو إلى السماء بعين الرضا: "الحمد لله.. !" ،
نظر إلى جموع المحتجزين، تساءل في نفسه:
"أفيهم من هو بريء مثلي.. ؟" ثمة قناعة لديه
" سوف لن أُظلم، النائب عاش الفقر وعانى منه, يقولون أنه كان حمالاَ حتما سيشعر بحالي." راحت هواجسه تزعجه، لم َلا يبكي؟ فالبكاء يريح النفس المضطربة، بصوته الشجي بدد سكون الليل، لكنّه غنى بصوت بدا كأنه نواح ثكلى.
لازالت العيون تنظر إلى تلك الظلمة من خلال ثقب الباب، متى ينسلخ هذا الليل البهيم الجاثم على القلوب، نظر لرجل راح يداعب خرزات مسبحته وفي رأسه هم ثقيل، نظر الرجل إليه وثمة سؤال بدا بلا مقدمات:
- إرهاب...؟
اقشعر بدن محروم، كأن صعقة كهربائية سرت في جسده المرهق ثم أعاد السؤال:
- أسلحة....؟
قال محروم وقد فرت دمعة من عينه:
- لو كان عندي سلاح، لأصغت الحكومة لكلامي.. !"
ثم أضاف الرجل وفي داخله هم ثقيل:
- الحكومة ليس لديها الوقت الكافي لتهتم بالفقراء.
_2_
لبست عباءتها تبحث عنه، ألف فكرة خالجتها
"أين ذهب..؟" كل الأبواب موصد’, لا أحد يعرف عن محروم شيئا، كل الدهاليز المظلمة ذهبت إليها، ذهبت إلى منظمات الإرهاب: الحكومية منها والمدنية، فتشت عنه في مشرحة الطب العدلي، في أقسام الشرطة كلها، وكل المستشفيات لم تعرف عنه شيئاً.
جلست وابنتيها تحدق في وجوه الرجال, وعدوها ببارقة أمل سيأتون لها بخبر عن محروم مقابل ثمن، باعت كل شي ، أثاثها، طباخها القديم، ثلاجة معطلة لقطع التيار الكهربائي عنهم استخدمتها كدولاب لخزن رث الثياب، اقترب رجل منهن، ومض في عيونهن بريق أمل ، هذا هو المنقذ قد أتى، هذا هو من سيفرج عنا كربنا..
- هل كل شيء جاهز .. ؟ قال الرجل وهو يعدل عمامته البيضاء،
أيقنت أن هذا النور الذي يملأ وجه هذا العبد الصالح لا ينم إلا عن صدق وإيمان ... ناولته المرأة دفترا مدرسيا أحضرته معها،
- ما هذا.....؟ قال الرجل مدهوشا
- دفتر...!
- ألم تطلب دفترا ...؟ ضحك الرجل.. وكأنها حكت له طرفه.. استمرّ بالضحك حتى تحول كرشه إلى بالون كاد أن ينفجر.. نظرت إليه بذهول.
- الدفتر يعني 10000دولار!
ألقى الدفتر المدرسي في وجهها، رأت أنياب تنبت له وذئبا قد تحول، والعمامة التي على رأسه شيطانا.
لازالت ضحكاته ترن في أذنها رغم كل هذه السنين ..
_ 3 _
" خمس سنوات مرت, ولازال الفقير بمنأى عن المشاريع الحكومية.. ولازال البريء مجرم حتى تثبت إدانته. " محروم ينظر من خلال كوة صغيرة إلى القمر، رأى وجه زوجه وابنتيه، هناك بين الغيوم رآهن.. يبحثن عن علب ( البيبسي كولا) الفارغة.