بالمحبة والإنسانية فقط...بقلم آرا سوفاليان
كنت ولا زلت معجباً بالرئيس الأميركي وودورد ويلسون 1856ـ 1924 بسبب تفرده بالضمير الحيّ بين أسياد العالم وقتذاك هذه الميزة التي افتقدها كل رؤساء اميركا الذين جاؤوا بعده لأسباب نعرفها جميعاً...لقد عاصر هذا الرجل الحرب العالمية الأولى وكانت اميركا في ذلك الوقت دولة مغمورة وبعيدة لا يعبأ بها أحد...وهالته الإبادة المروعة التي لحقت بالشعب الأرمني والتي عاصرها في ايام رئاسته للجمهورية بعد أن وضعه في دقائقها وتفصيلاتها السير هنري مورغنتاو سفير الولايات المتحدة الأميركية في تركيا بين الأعوام 1913 ـ 1916 صاحب كتاب قتل أمة...وساهم ويلسون ومورغنتاو في تقديم الاغاثة والدعم الانساني للأرمن واستطاعت الارساليات التبشيرية البروتيستانتية الأميركية والألمانية والنروجية انقاذ أغلب أطفال الأرمن الأيتام من سياسة التتريك والتذويب والاحتواء في دور التيتم العثمانية واعادتهم الى موقعهم الطبيعي الذي شاء الله تبارك وتعالى ان يخلقهم ويضعهم فيه هم وآباؤوهم وأمهاتهم الذين تحولوا بفعل المجزرة المروعة الى أجزاء في نصب تذكارية في طرق الابادة الموصلة الى غياهب البحر الأسود وقاع وشواطىء دجلة والفرات ومجاهل صحراء دير الزور .
ادلى الرجل بدلوه في القضية الأرمنية ورسم مخطط لأرمينيا صار يعرف بمخطط ويلسون وبالطبع كان ويلسون رئيساً لعصبة الأمم آنذاك والتف عليه الحلفاء وخانوا الأرمن وخانوا ويلسون وخانوا اميركا التي ظلت في عيون الحلفاء ودول المحور حتى بداية الحرب العالمية الثانية دولة بعيدة ومغمورة وغير فاعلة وكانت مقولة الزعيم النازي هتلر تؤكد ذلك عندما نصحه مستشاروه باستمالة أميركا الى صفه فأجابهم وماذا أفعل بهؤلاء الكاوبوي وبحبالهم وخيولهم ومسدساتهم وأبقارهم.
ولوودرو ويلسون مأثرة أخرى... ففي الوقت الذي كانت فيه أميركا ترأس عصبة الأمم، ألغى ويلسون قانون الانتداب الفرنسي على سوريا وكانت مقولته المأثورة "لا أريد ان يقرن اسم الشعب الأميركي بممارسات فرنسا في سوريا" ويقصد ان اميركا كانت من الدول الموقعة بأسم شعبها على هذا القرار...ونال وودرو ويلسون جائزة نوبل في العام 1919 ونال بعد خمسون سنة نفس الجائزة كل من مناحيم بيغن وانور السادات وهذه من مهازل القدر.
نشر صديق لي خارطة أرمينيا بحسب ويلسون في الفيس بوك وعلى الرغم من أنني املك صورة عن الوثيقة هذه مذيلة بتوقيع ويلسون فلقد أحببت هذه الصورة أكثر لأنها واضحة وملونة فعملت مشاركة للصورة الملونة وكتبت ما أعرفه عنها...فتصدى لي صديق لم أعرف يوماً أنه كردي ولم أسأله عن ذلك في أي يومٍ مضى وعلى الاطلاق مضيفاً التعليق الأتي:
ـ الظاهر حسب الخريطة كنا نحن الأكراد كمان بداخل ارمينيا ؟
فكرت في هذا التعليق كثيراً وهو يأخذ منحيين الأول خطر يحملني فيه المعلق مسؤولية تغافلي عن حق الأكراد في أرضهم التاريخية وأنا لا أملك المعرفة والاختصاص والأهلية لتحديدها والثاني هو مبادرة محبة توحي بحق الجيرة والجيرة هي حق لازم الشعبين الأرمني والكردي على الرغم من الخلاف الذي حدث في العام 1915 وكانت له نتائج مروعة دفع ثمنها الأرمن... ثم الأكراد بعد معاداتهم لتركيا وادراكهم لما أضمرته لهم...فكرت كثيراً ثم كتبت الرد الآتي:
الملك ديكران الكبير وكان ملكه يمتد حتى عكا في فلسطين حيث عثر هناك على مصكوكات ذهبية تعود لفترة حكمه وهناك صورة تمثل احدى هذه المصكوكات تم تنصيبها في البروفايل المتعلق بي وكانت عاصمة ملكه ديكراناجيرد وهي مدينة ديار بكر الحالية وتوجد هناك قلاع واسوار وبوابات ضخمة تعود لطراز العمارة الأرمني وقام الأتراك اليوم بترميمها ووضعت اللافتات التي تؤيد تبعية هذه الآثار للشعب الذي بناها وهذا مكتوب بعبارات صريحة باللغة الانكليزية والتركية وهذه القلاع والآثار محمية عالمياً ومسجلة في اليونيسكو كأرث تاريخي عالمي والخارطة أعلاه وضعها الرئيس الأميركي ويلسون في العام 1921 ويلاحظ انه تم استبعاد ديار بكر وما جاورها منها... في العام 1921 كانت قد انتهت المجازر التي نفذت بحق الأرمن والتي تابعها اتاتورك منذ العام 1918 الى العام 1921وأدت الى افراغ ارمينيا التاريخة من شعبها بشكل تام ...وبالمثل فإن الصهاينة يقومون بإفراغ فلسطين بالكامل من سكانها العرب واستعمارها عن طريق المستوطنات فهل من العدل ان نقول بعد فترة من الزمان ان فلسطين هي ارض اسرائيلية...لا توجد عدالة في الأرض ولن توجد لطالما ان الحق في جهة القوة والأقوياء يفرضون شروطهم ويكتبون التاريخ...وفي النهاية فإن الأرض لكل أهل الأرض وعندما خلقها الله لم يقتطعها لأناس معينين مستبعداً اناس آخرين ففي ارمينيا الحالية عدد لا بأس به من الاخوة الأكراد الازيديين مرحب بهم ولهم امتيازات لا يستهان بها كبادرة رد جميل عندما ساعدوا الأرمن وحقنوا دمائهم وخاصة في سلسلة جبال سنجار ... وصعد الأتراك الى جبال سنجار لقتل الهاربين من الارمن فرفض أهل جبال سنجار من الاكراد الأزيديين تسليمهم الى أعدائهم وتم دحر الأتراك وتحطيم مدافعهم بإلقاء الصخور عليها من أعالي الجبال وهكذا فإن الانسانية هي الشيء المعوّل عليه واعتقد انه لا خلاص لشعوب الأرض الا بالمحبة والاتحاد في دولة واحدة هي دولة الأرض ولغة واحدة هي تلك التي تتفوق على كل اللغات باستيعابها للعلوم والحضارة والتقدم ودين واحد يعترف بوجود خالق لهذا الكون ويعيد المفسدين في الأرض الى حظيرة الانسانية.
وعدت للفيسبوك وظني لا يخيب بإصدقائي فوجدت التعليق التالي بإنتظاري:
انسانيتك يا أستاذ آرا تغمر الجميع بالمحبة فشكرا لك ودمت سالماً .
نعم بالمحبة والإنسانية فقط يمكن توحيد العالم كله...بالمحبة والانسانية فقط نخرج مما نحن فيه الآن في بلدنا الحبيبة سوريا...بالمحبة والانسانية فقط يمكن التغلب على كل خلاف فما الانسان إلا كيان غض طري لأنه من الماء والتراب
آرا سوفاليان
دمشق في 24 08 2012
arasouvalian@gmail.com