شاعرنا الغالي ظميان غدير
تكتب في كل قصائدك تراجيديا مؤلمة للغاية تتجذر في أعماقها مأساة الإنسان الضائع المطحون بين متطلبات الحياة وضياع الأمل بسبب الظروف غير الموضوعية التي يفرضها المكان والظرف الاجتماعي ، والفوارق المصطنعة الظالمة ، يحاول أحدنا أن يكون إنسانا متساويا مع غيره فيصطدم بمن دونه في العلم والثقافة ومن فوقه في المال والغنى والطبقة الاجتماعية الموروئة بالظلم والتاريخ الذي لا يتساهل مع جغرافية المرء ، يقول شاعرنا :
يطوفُ الصمت في شفتيَّ لكنْ
بأعماقي ضجيجٌ من شجون
يستهل القصيدة بتناقض فرض المجتمع والموقع والجغرافيا والطبقة الموروثة بلا تخطيط مسبق بأن الصمت مفروض عليه يطوف بشفتيه وهنا الفعل يطوف يعني استمرار الحركة بلا توقف وبقسوة الحدث ، فيتناقض مع ما هو مفروض ومع حقيقة ما بداخله من أعماق رافضة للصمت لكنه يكبتها فليس كل ما القلب يقال ، والكلمة حتى لو قيلت بين جدران أربعة لا تبقى في عالمنا العربي سرا لأن الرقابة مفروضة على كل حركات وسكنات الفرد ، وهذا الضجيج هو ضجيج حزين مؤلم ، ثم يقول :
أفرّ إلى سكونٍ من سكونٍ
صدى هربٍ عزفتُ به لحوني
فالشاعر يحاول الإبقاء على صمته بكثرة الترحال بصمته وسكونه الذي يخفي العاصفة تجنبا لعواقب الكلام التي قد لا تكون مرضية للشاعر ولا تضمن له أن يمر كلامه بسلام !
أجيئُ وسادة النسيان ليلا
فيسبقني السهادُ إلى الجفونِ
هذا التناقض العجيب والصراع الداخلي يفقد الشاعر سكينته وهدوءه ويتسبب في عدم التوافق بين ضرورة النسيان ، وواقعية القلق ةالأزمة التي يضطر أن يكبتها ، لكنها تعربد في نظرات عينيه وتسكن القلق والأرق لجفنيه .
*********
يتساءل شاعرنا وقد تسابقت له مصائب الدهر تسلب منه عمره بسرعة كبيرة وتسارع لا يجعل من أمامه من فرصة سوى النظر للخلف للتحسر على المسلوب من عمره بسرعة السلب وفي نفس الوقت يتساءل لماذا لا يتساعر
ويجري الوقتُ في أيام عمري سلب الحزن كتسارع سلب العمر ، تلك معادلة إنسانية غاية في الفقد ، وقمة في المعاناة والحيرة وافتقاد اليقين ، حيث يقول :
فليتَ الحزن يسرعُ كالسنينِ
ولستُ أضيع أيامي ولكنْ
أنا الصِّدقُ المُضاع من الظنون ِ
أمدّ كفوفَ أسئلتي قصيدا
إلى الأحزانِ مفتقدا يقيني
*********
تختلط الأمور ويتختلط على العين المنظر فيصبح الصواب عمى ، ويصبح فتاتا تتناثر في حدقات العين رملا يجعل المنظر مشوشا غاية التشويش ، ومؤلما غاية الألم ، يقول الشاعر :
فيعميني الصواب و قد تشظى
فلمْ يتجلَّ في رفق ٍ ولين
وهنا يتناقض الموقف مرة أخرى وتتشوش الرؤيا فهو يهوى الإبحار لكن موج البحر الذي يهواه قاس يتلاطم بأجزاء الفينة بلا هوادة ولا رحمة ، بغية إغراقها ، يقول الشاعرفي صورة رقيقة غاية في الجمال والتصوير :
حياتي مثل من يهوى بحارا
وموج اليأس لم يرحمْ سفيني
فهو رهين قسوة ظروفه ، فلا الليل يرحمه ولا النهار يتعاطف معه وهنا يتوحد الزمان بلون واحد قاتم فكلا الليل والنها يصطفان ضده اصطفافا لا هوادة فيه ، لا يجد استماعا من الليل ولا رحمة لأنينه في النهار ، فكلاهما يؤنبانه لشكواه لأحدهما دون الآخر وكأنهما يتهربان من التعاطف معه بحجج واهية هي الذهاب لأحدهما دون الآخر ، فيقول متألما :
وإن أشك ُالليالي بعض همِّي
يؤنبني النهار على أنيني
*********
وإن يخط ُ الحنين بأي ّ دربٍ
يعاقبني الطريق على حنيني
فالزمان والمكان متحالفان عليه ، وكلاهما يعاقبه للا سبب مقنع ولا عذر يستحق العقوبة .
وأدّخر الدموع لعلَّ تكفي
إذا قُسِمَتْ بعدلٍ في شجوني!
كؤوسي فارغات من سرورٍ
وظلي جاحد ٌ لا يحتويني!
وهكذا يلخص الشاعر حياته بأن كؤوس متعته فارغة دائما ، ونفسه غدت لا تطيقه جحودا وقسوة ، أبدعت شاعرنا في التصوير الرائع ، وفي الشكوى المؤلمة وفي جذب التعاطف معك بصورك المبتكرة المنتقاة .