احذروا وباء التسلق
قد يتفهم المرء أن يُقدم الوزير المختص على تجديد دماء وزارته عبر إحداث بعض التغييرات الوظيفية هنا أو هناك، والتي عادة ما تفتح المجال أمام الكوادر الشابة، ما يدفع بالوزير إلى ترفيع هذا المسؤول أو ذاك إلى درجة " مستشار " بغية تجديد موقعه بأسلوب حضاري كريم تقديرا لجهوده وعطائه السابقين في ذات المؤسسة، ولكن ما لا يفهم وسط ضجيج الأمكنة، أن يُعينَّ مدير حاذقٌ من أصحاب مواقف اللاموقف، لا يجيد سوى اللعب على مترادفات الأكاذيب ومجازاتها، جل عمله ينحصر في النيل من زملاء الأمس كتابةً في التقارير، والمتاجرة بعلاقات سياسية وهمية برسم التسلق، هي بالمناسبة – وإن كانت حقيقة – فهي لا تعني أي شيء.
هذه الآفة ظهرت بتفاوت ملحوظ في الآونة الأخيرة ضمن سياق ممارسة الحكومة للعملية الإصلاحية الجارية في المؤسسات الوطنية، على طريق بناء دولة المؤسسات، ذلك البناء الجاري بلا شك على قدم وساق باتجاه الانجاز المأمول، ولكن مثل هكذا ظواهر إنما تضر بعملية "المأسسة " برمتها من جهة، وتسيءُ من جهات أخرى للقيادات القائمة على هذا النهج الإصلاحي ومصداقية خطابه.
كنت قد عريت أحد الوجوه - التي إذا الريحُ مالَتْ، مالَ صاحبُها حَيْثُ تَميلُ" - أمام معالي الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء في لقاء عام، متسائلا بلسان عشرات الموظفين، عن تلك الحقائق المعراة عري الملامح البشعة التي تسمح لهذه الوجوه أو تلك المتاجرة باسم بعض المسؤولين، وصولا إلى حدود بعيدة باتت لا يستوعبها عاقل، سواء أكانت تصريحاً أم تلميحاً، فكانت إجابة الدكتور سلام واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، حيث لا يجدي السكوت في موطن الكلام " إن مثل هذه الممارسات إنما هي محض أكاذيب لا اساس لها من الصحة " .
هنا وكنتاج طبيعي لما وصل إلى مسامع السواد الأعظم من الأطراف ذات العلاقة عبر مصادر عدة، ومن باب الشفافية التي عودتنا عليها حكومة الدكتور سلام فياض كحق عام للمواطن أن يتلمسها، ننتظر حراك آلات الترجمة الفورية لتصاريح النفي من قبيل الردع المطمئن للجميع، أن قطار الإصلاح إنما يسير في مساره الصحيح دون أي استغلال من بعض نفر من المتسلقين، على اعتبار أننا في حضرة شأن عام لا للشخوص سلطة عليه.
ونتوقع من كل مسؤول معني أن يقرن الأقوال بالأفعال، ليس بهدف ردع هكذا تصرفات وحسب،
وإنما للحفاظ على المكتسبات التي نالها ومازال مشروع الإصلاح في دوائر ومؤسسات عدة، عبر التحام المسؤول بهموم المواطن في الميدان، فلا نبدو كمن يحرك نصفه الأيمن عكس حركة نصفه الأيسر.
خلاصة القول: إن الذي يختصر سيلاً كبيراً من الأسئلة التي يراها الكبار تفاصيلَ يكمن الشيطان بينها، يراها بسطاء القوم من أمثالنا، إعادة انتاج لفواصل عدة، نتاجُ مجموعهِا، حدثٌ لإحدى مدرستين علمتنا التجربة القريبة أن نحسن الاختيار بينهما، واحدة: تخرج أفواجا من الانتماء إلى الوطن والمؤسسة، والأخرى إنما تستدعي كل صنوف البغضاء والحقد على المتاجرين باسم الوطن والمؤسسة، رجاءً حكومتنا احذروا وباء التسلق.
بقلم: أحمد زكارنة
كاتب وإعلامي فلسطيني