بسم الله الرحمن الرحيمتقديم للقانون الدولييتكون القانون الدولي من مجمل المبادئ و المعايير القانونية التي تحكم المجموعة الدولية ( الدول و المنظمات الدولية). في الأصل، كان الأمر يتعلق أساسا بالالتزامات بين الدول. و تطور القانون الدولي منذ ذلك الحين واصبح يعطى مكانا متعاظما للمنظمات الدولية و المجموعات و الأشخاص و لعدة قضايا مثل البيئة.
في بعض الحالات و خاصة من خلال الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لا يتمتع الأشخاص بالحقوق فحسب بل يمكن لهم كذلك أن يتقدموا بشكوى ضد الدولة التي قد قامت بانتهاك حقوقهم. و للقانون الدولي العديد من المصادر: المعاهدات و العرف و المبادئ العامة للقانون و فقه القضاء و الفقه.
وتم تعريف المبادئ التي تحكم قانون المعاهدات بشكل كبير في اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات لسنة 1969 وفي العرف و فقه القضاء. مبدئي سيادة الدولة و عدم التدخل:
كل دولة تتمتع بسيادتها و تختار قوانينها و نظام تنميتها بحرية. و من حيث المبدأ لا يحق للدولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.
إلا أنه يمكن للدولة أن تخضع إلى أربعة أشكال من القيود الدولية:المعاهدات و الاتفاقيات
يمكن للدول أن تلتزم طوعيا بإحترام بعض الالتزامات و ذلك بالمصادقة على معاهدات و اتفاقيات دولية. و يتعلق الأمر بنصوص تحدد عددا من الالتزامات للدولة المصادقة عليها و يمكن أن تحتوي على آليات ملزمة للتطبيق.
القواعد الآمرة:
أقرت المجموعة الدولية عدد من المبادئ على أساس أنها شاملة. و يتعلق الأمر بالمعايير الإجبارية للقواعد الآمرة التي تمنع خاصة أفعال الاعتداء و العبودية و الإبادة الجماعية، والقرصنة، والفصل العنصري و كذلك إعلانات الدخول في حروب أو المعاهدات التي تهدف إلى المس من الحريات الأساسية للأشخاص. حسب الفصل 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات المؤرخة في سنة 1969، تعتبر قاعدة إجبارية بالنسبة للقانون الدولي كل قاعدة مقبولة و معترف بها من قبل المجموعة الدولية للدول في مجملها كقاعدة لا تخضع لأي استثناء و لا يمكن أن تتغير إلا بمقتضى قاعدة جديدة من القانون الدولي تحمل نفس الطبيعة.وتتضمن هذه القواعد الإجبارية ميزة خاصة: إذ يجب تحصل القناعة بعدم إمكانية إحداث أي استثناء للقاعدة.
و يسبب أي انتهاك للقواعد الآمرة بطلان المعاهدة و تتحمّل الدولة مسؤولية ذلك. و يمكن أن تشكل هذه القواعد حدا للحرية التعاقدية للدولة. و يعتبر عقد المعاهدة باطلا أيضا إذا ما خالف قاعدة ملزمة من القانون الدولي.
الإعلاناتيمكن للدول أن تصادق على معايير بواسطة الإعلان معترفة بذلك بعدد من المبادئ. و يتعلق الأمر في العموم بإعلانات مصادق عليها من قبل مجموع الدول في إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة أو في المؤتمرات الدولية. و تحمل هذه الإعلانات أثرا معنويا و قانونيا و لكنها ليست ملزمة.القانون الدولي العرفيتستمد العديد من المعايير و الالتزامات من القانون الدولي العرفي. ويتطلب وجود قاعدة عرفية أمرين: الممارسة الفعلية للدول التي تقتنع بإلزامية هذه الممارسة ( السند القانوني). فهنالك إذن جانب مادي ويتمثل في الممارسة و هو يعود على الدولة (كما يمكن أيضا لممارسة منظمة دولية أن تنشأ قاعدة عرفية. و يجب أن تكون الممارسة متواصلة و مكررة و عامة. و يكون الجانب الثاني معنويا حيث يجب أن يتوفر الاقتناع بأن هذه الممارسة ملزمة. و يتشكل العرف عندما تقوم دولة أو العديد من الدول من خلال أفعالها بالاعتراف بحق أو قاعدة بشكل دائم و خلال فترة طويلة. و نعتبر إذن أنه على الدولة أو الدول أن تحترم هذه القاعدة حتى في غياب قاعدة مكتوبة. و نسجل بأن العرف يمكن أن يوجد حتى و إن انتهكت الدولة القاعدة على شرط أن نبرر وجود الوعي بانتهاك القاعدة.
و في الأخير، يمكن أن تحصل بعض مواد الاتفاقيات على قيمة القاعدة العرفية أو أن تقوم بعكس ذلك حيث تقوم بتقنين قاعدة عرفية بشكل مكتوب. و يمكن أن تشكل القواعد العرفية مجموعة من القواعد المكتوبة من خلال مسار التقنين. وفي هذه الحالة يجب أن تحترم جميع الدول هذه القواعد حتى و إن لم تصادق على الاتفاقية المعنية.
انشاء معاهدة أو اتفاقية:إن المعاهدة أو الاتفاقية مشابهة إلى عقد بين دولتين أو أكثر. و لا يلزم من حيث المبدأ إلا الدول التي صادقت عليه.
و يجري إبرام الاتفاقية على أربعة مراحل: المفاوضاتيمكن أن تأخذ المفاوضات أشكال متعددة. و تكون المفاوضات سهلة عندما يتعلق الأمر بمعاهدة ثنائية (مراسلات مكتوبة) في حين عندما يتعلق الأمر بمعاهدة متعددة الأطراف تكون المفاوضات إما خلال مؤتمر دولي أين يناقش الأمر من قبل الدول مباشرة أو في إطار منظمة دولية حيث تنتهي المفاوضات بالمصادقة على نص المعاهدة (التوطئة، مضمون النص، المرفقات المحتملة).التوقيع ( المادة 12 من اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات 1969)أثناء مرحلة تبني المعاهدة، يقوم التوقيع بإثبات نص المعاهدة. وفيما يتعلق بالمعاهدات المتعدّدة الأطراف يتم التبني عليها أثناء المؤتمر الدولي أو في إطار منظمة دولية قبل التوقيع عليها عن طريق ممثلي الدول. وتوقع الدولة على الاتفاقية بواسطة دبلوماسييها أو أحد أعضاء الحكومة للتعبير عن موافقتها المبدئية. و ليس للتوقيع آثار ملزمة إلا في الحالة التي تنص فيها المعاهدة على ذلك (المادة 12 الفقرة 1 من اتفاقية فيينا) و حينئذ يصبح للدولة إلزام معنوي و عليها أن تمتنع عن القيام بأي فعل يفقد المعاهدة مضمونها و هدفها (المادة 18 من اتفاقية فيينا)
و في الواقع يلزم التوقيع الكامل (او التوقيع بعد الاستفتاء) على المعاهدة الدولة بتطبيق الاتفاقية. و في حالات أخرى يجب أن تعبر الدولة عن رضاها للإلتزام بالمعاهدة من خلال التصديق عليها.
المصادقة، القبول ،الموافقة و الإنضمام ( المادة 14 من اتفاقية فيينا)يكون التزام الدولة من خلال تبادل آليات المصادقة إذا نصت المعاهدة على ذلك و هو الأسلوب الأكثر إتباعا. و تنص أغلب الدول على إجراء داخلي للمصادقة. يجب على العديد من الدول أن تخضع الاتفاقية لمصادقة أعلى سلطاتها مثل برلماناتها و حين تقع المصادقة محليا على المعاهدة يمكن للدولة أن تقوم بالمصادقة عليها. و بالمصادقة عليها تلتزم الدولة باحترامها.يتم إنضمام دولة إلى معاهدة عند عدم مشاركة الدولة في المفاوضات و تعبر عن رضاها للإلتزام بالمعاهدة بعد المفاوضات.الدخول حيز التنفيذ ( المادة 24 من اتفاقية فيينا)تدخل المعاهدات الثنائية حيز التنفيذ عند تبادل آليات المصادقة. و في حال المعاهدات المتعددة الأطراف، تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ حين مصادقة عدد من الدول عليها أو إثر زمن معين. و عند دخولها حيز التنفيذ، تكون المعاهدة ملزمة بالنسبة للدول التي صادقت عليها. و بالإضافة إلى ذلك، تنص بعض الاتفاقيات على آجل إضافي ( عموما من 1 إلى 3 أشهر) بعد المصادقة لكي تتمكن الدولة من تطبيق الاتفاقية. و يحمل انتهاك المعاهدة مسؤولية الدولة، حيث أن "العقد شريعة المتعاقدين".و تجدر الإشارة إلى أن شكل موافقة الدولة بالتزامها بمعاهدة ما يمكن أن يختلف حسب المعاهدة. ففي بعض الحالات يمكن أن يحدد الإجراء من خلال عدد من مواد المعاهدة. تنص اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات لسنة 1969 و بخلاف ذلك على الإجراء المتبع في عقد اتفاقية و دخولها حيز التنفيذ.التحفظاتيمكن للدول أن تقوم "بتحفظات" أثناء التوقيع أو المصادقة. و يتعلق الأمر بالإعلان الأحادي الجانب الذي يهدف إلى استبعاد أو تغيير الأثر القانوني للمعاهدة. فيمكن للدولة مثلا أن تلتزم باحترام الاتفاقية ما عدى بعض المواد التي تقدر بأنها تخالف قانونها الداخلي. و يمكن القيام بتحفظات إلا في حالة المعاهدات المتعددة الأطراف و يصاغ التحفظ بشكل مكتوب و يقع إعلام الدول به. توجد ثلاث قيود للقيام بتحفظ. فالمعاهدة يمكن أن تستبعد القيام بتحفظات كما يمكن أن يمنع عددا من أنواع التحفظات و يجب أن لا يكون التحفظ غير متطابق مع موضوع و هدف المعاهدة. ويهدف التحفظ لإستبعاد أو تغير محتوى المعاهدة بالنسبة للدولة المتحفظة ( المادة 21 الفقرة 1 أ من اتفاقية فيينا). يمكن للدول الاخرى ان توافق على التحفظات بعد مرور 12 شهرا في حالة عدم اعتراض أي دولة عليه.
و إذا قوبل التحفظ من قبل الدول الأخرى تصبح الدولة المتحفظة دولة طرفا. و في حالة اعتراض دولة على التحفظ تصبح الدولة الممانعة.
الإعلانات التأويليةالإعلانات التأويلية هي عبارة عن إعلان أحادي الجانب و اللذي يعطي تفسيرا للمعاهدة أو لبعض المواد. و هو يدقق أو يوضح معنى أو مدى قواعد المعاهدة.تقع الإعلانات التأويلية في أي وقت على خلاف التحفضات التي تتم إلا في حالة التوقيع أو التصديق على معاهدة. و في الواقع، تقوم الدول بإعلانات تأويلية تكون في الحقيقة "تحفظات مغلفة".خلاصةإن القانون الدولي في تطور مستمر وأصبحت الاتفاقيات الدولية تأخذ حيزا أكبر في النظام العالمي. ولكن في الواقع فإن الدول التي تصادق على اتفاقية معينة وتلتزم باحترامها لا تضعها دائما في حيز التنفيذ.
عن
المستشار القانوني منصور الرفاعي