مجلة فارس العرب
العدد 152/153
1/12/ 2008
تتميز دمشق بالكثير من الأوابد والكنوز الأثرية الثمينة ذات القيمة التاريخية والحضارية والمعمارية، ومن الصعب جداً حصر وتعداد جميع الأماكن والمعالم الهامة التي يجب أن يراها الزائر.. فدمشق تكاد تكون كلها متحفاً لجميع حقب التاريخ التي مرت عليها خلال آلاف السنين.
ولعل البيمارستان القيمري أحد أبرز هذه المعالم الأثرية، والذي كان له دور كبير في الرعاية الصحية الشاملة.
والبيمارستان القيمري من أشهر الآثار العربية الإسلامية الباقية، ليس في دمشق بل أيضاً في العالم الإسلامي.. حيث لا يزال يحتفظ بالكثير من عناصره المعمارية والزخرفية والكتابية، ويعد مثلاً حياً معبراً عن التقدم العلمي والحضاري للعرب المسلمين.
منشئ البيمارستان:
شيده وأوقفه الأمير سيف الدين
أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس. ابن موسك القيمري الكردي. المتوفى سنة (653هـ - 1255م)، وهو أحد الأمراء الأيوبيين المشهورين وكان ذا ثروة ومال وهيبة واحترام.. وذلك أيام حكم الملك الصالح نجم الدين أيوب بين السنوات (646 – 656هـ/1248 – 1258م)، كما تشير الكتابة المسطرة فوق البيمارستان.
والبيمارستان القيمري من أكمل البيمارستانات الموجودة في العالم الإسلامي من حيث العناصر والوحدات المعمارية... وأنت جالس فيه تشعر بعبق الماضي في كل زاوية وركن وحجر، وممن ولي النظر على البيمارستان القيمري محمد بن قباد المعروف بالسكوني الدمشقي الحنفي، مفتي الشام، وكانت وفاته سنة (1053هـ) وقد خدم فيه من الأطباء: إبراهيم بن اسماعيل بن القاسم بن هبة الله بن المقداد القيسي، المتوفى سنة (741هـ - 1340م).
يقع البيمارستان القيمري أو الصالحية وسط حي الصالحية (القديمة) بجوار جامع الشيخ محيي الدين بن عربي، ومقابل التكية السليمية.
قصة بناء البيمارستان القيمري: يرجع السبب في بنائه إلى أن بانيه الأمير سيف الدين علي بن يوسف القيمري كان قد قدم صداقاً كبيراً لزوجته بنت الأمير عز الدين، فلما توفيت حمل صداقها إلى أبيها، فرفض أخذه، لأن ذلك لا يتوافق مع العادات والتقاليد، فقام سيف الدين بصرف المال كله في بناء البيمارستان.
_________
زيارة ميدانية
جوتيار تمر
خلال زيارتي الاخيرة لدمشق بحثا عن الاثار القيمرية ضمن الاعداد لرسالة ماجستير عن دورهم السياسي والحضاري ، وجدت بأن تاريخ القيمرية اصبح مهدد بالضياع والنسيان ، فأغلب المعالم الاثرية التي خلفها الامراء القيمريين اصبحت شبهة منسية ، فالبيمارستان لايفتح ابوابه الا للزوار الاجانب ، مع اهمال تام لمعالمه وعدم القيام باية ترميمات تجعل من صورته تتناسب وقيمته الفعلية بكونه احد ابرز المعالم الاثرية الاسلامية في دمشق ، اما القبة القيمرية( التربة) القريبة منها ببضع امتار فهي بحق تبكي على نفسها ، لانها اصبحت مكانا للنفايات ، ولم يعد هناك من يهتم بها ، حتى الناس هناك اشتكوا من الاهمال الحاصل تجاهها ، وضمن الاثار القيمرية التي لاقت اهتماما قليلا في دمشق هي المدرسة القيمرية الكبرى التي حولت احدى اطرافها الى مسجد قائم لحد الان في حي القيمرية ، اما الحمام القيمري فانه هو الاخر لم يزل يستعمل خلال النهار للنساء والمساء للرجال لكن دون ابراز معالمه والاهتمام الفعلي به ، اما المدرسة القيمرية الصغرى فقد تلاشت اثارها نهائيا ولم يعد يعرف اين هي بالضبط .
كباحث وكمحب للاثار ومهتم بالتاريخ اضع صورا رصدتها بكاميرتي الشخصية لأوثق ما انقله هنا ، واطالب المهتمين بمناقشة الامر هذا بصورة تتناسب والقيمة الفعلية لهذا الاثار .
فتاريخ القيمرية حافل بالانجازات ، سواء على الصعيد الداخلي ام الخارجي ، فالمصادر التاريخية لاتنسى مقولة ناصر الدين القيمري للسلطان قطز المملوكي عندما ناقش الجميع مسألة مواجهة المغول ام طلب الامان منهم ، حيث كان صوت الاغلبية بطلب الامان وعدم المواجهة لكنه قال مقولته المشهورة في التاريخ بان المغول لاامان لهم ، وليس لنا غير القتال ، كما ان بعض المؤرخين المنصفين لايتوانون بقول ان الله حفظ الاسلام بالمماليك والقيمرية.