سوريا
***
شعر
صبري الصبري
***
سوريْا العروس تهيأت لزفافِ = وتزينت بحضارة الأسلافِ
وتضوعت بالمسك طيَّب ثغرها = وردائها بحريره الهفهافِ
وتمخَّرَت ريح الأوائل يممت = وجها لهم بمحاسن الإتحافِ
واستنشقت من روضهم بجمالها= ما بالنسيم من الأريج الضافي
وتمخترت بقوامها وبقدها = سحرٌ تحدَّر من جبين تعافي
غسلت بشط فراتها وجها لها= وتظللت بالتينِ والصفصافِ
وبنهر بردى أمعنت في نزهة = سوريِّة الملاَّح والمجدافِ
وتطلعت للنور يغمر أرضها= منذ انبلاج مشارق الإرهافِ
فهي الجميلة أينعت بزهورها= ما واجهت جدب الثرى بجفافِ
فمنابت الأشجار ينبت بالحيا= يهمي عليها من خلال مصافي
في خضرة الأوراق أفنان بها= إسعافنا بمباهج الإسعافِ
ومراتع الترحال في أرجائها= يسري بنا في سعينا الطوَّافِ
بدمشق (جِلَّق) كم تناهى ذكرها= بالدهر واسأل غوطة بعفافِ
تحوي البساتين النضيرة حولها= وتبث فحوى أنسها المضيافِ
وتنير ذكرى ما تقادم جهرة= للفكر فيها أوضح الكشَّافِ
فدمشق تاريخ الحضارة أضرمت= فينا اشتياق القلب والأعطافِ
نهفو إليها نستريح بحضنها= ونقيم فيها منتدى الآلافِ
هبوا إليها مغرمين بأهلها= أهل المكارم مكرمي الأضيافِ
والجامع الأموي يبدو شامخا= بتناسق الردهات والأكتافِ
إيهٍ .. إليها الفاتحون تدفقوا= من كل صوب بانطلاق وافي
في يوم يرموك المفاخر كبروا= بـ(النصر) كانت جانب (الأعرافِ)
و(أبو عبيدة) والجنود و(خالد)= كانوا رجال الحق والإنصافِ
وتقهقر الرومان جروا خزيهم= جرا ونالوا خيبة الإضعافِ
واستشرفت سورْيْا الأبية عزها= من نور ربك واهب الألطافِ
وتبوأت أعلى المعالي قدرها= يسمو بذروة قمة الأشرافِ
تأبى المظالم كلها لا ترتضي= ضيما لها من عصبة الأجلافِ
تمضي تثور على العتاة بعزمها= من قلبها وبمجمل الأطرافِ
تنقض كالشهب السريعة فجأة= نحو الغزاة بصعقة الإرجافِ
عبر الزمان رجالها ونساؤها= فخر العروبة في أتم تعافي
واقرأ تواريخا لديك عديدة= عنهم توافي أحسن الأصدافِ
كاللؤلؤ المكنون في نهر جرى= للفكر يهدي سلسبيل مشافي
جودي بوصلك يا حبيبة إنني= أشتاق فيك رقائق استلطافِ
وأود حسنك هل أَبَحْتِ لعاشقٍ= قبلي هواكِ المستكين الخافي ؟!
أنا عازف الألحان جئت مغردا= شطر الجمال بفكري الوقَّافِ
عند الجمال مُقَدِّرا أوصافه= ومعبّرا عن ومضهِ الخَطَّافِ
أنت العروس تعطرت بعطورها= بالجيد والأهداب بالإسرافِ
بالتبر تلبس بالشذا خلخالها= تختار أجمل لمسة لخِفافِ
لتدوس كل مكابر ومعاند= ومجاهر بالسوء والإجحافِ
فيها مكامن قوة وإرادة= في مستطاع الفعل والإشرافِ
ولها حماةٌ مخلصون تدفقوا= طول الزمان بصولة لخِفافِ
ما نال منها معتدٍ أطماعه= أو قام فيها هانئ الأوقافِ
يرتد بالخذلان يهوي حاسرا= يلقى الهوان بخيبة وكفافِ
فهم الأشاوس أهل سنة (أحمد)= طه (محمد) كامل الأوصافِ
لا يأبهون بغاصبٍ أو سالبٍ= أو ضارب بمعاول الإتلافِ
مهما تطاولت السنون وأمعنت= زمر العدو بسوءة الإسفافِ
هم أهل شام والشوام بحكمة= وبضاعة من أجود الأصنافِ !
وهم الأباة الصامدون وخصمهم= يحيا بجبن المارق الخوَّافِ
وهم التقاة الصابرون علومهم= فاضت كشهد عبقري صافي
لازلت أرجو من لدنهم نهضة = بكياسة بتضاعف الأضعافِ
لتحرر الجولان .. تطرد عصبة = تحيا برجفة لعنة لضعافِ
وتقاوم الطغيان في بهتانه = ظن المكانَ حظيرة لخرافِ
أعني العروبة أرضها وديارها = وانساب بين اللحم والأصوافِ
إني لآمل في العروبة ثورة = عظمى تقض مضاجع الأحلافِ
وتكون في صفو بألفتها كما=كانت وتنهي نكبة لخلافِ
وتعيد جولانا وقدسا مثلما= كانا بماضي العز والإيلافِ
ويعود زيتون الطهارة صادحا = للتين في عصر له شفَّافِ
يا عرس شام والعروس هي التي= كانت لديَّ بألطف استظرافِ !
حتما أحبك والشواهد كلها = تحكي محبة مغرم بـ(عفافِ) !
فعروسنا بالشام آن أوانها= لتنال فرحة بهجة بزفافِ !