سطوة الجمال/ جان فرانسوا دورو تييه
جان فرانسوا دورو تييه: أستاذ باحث، مؤسس ومدير مجلة (العلوم الإنسانية)
ترجمة: أحمد الويزي: أستاذ اللغة العربية ـ المغرب.
مقدمة:
تتناول مقالة جان فرانسوا دورو تييه، بالدراسة والتحليل، طبيعة العلاقة الشائقة والشائكة معا، التي ربطت وما زالت تربط، بين الجميل (Le Beau) والدميم (La Laid)، من خلال تتبع مجموع التمثلات والتصورات الفنية والفكرية، التي كونها الإنسان عن هذين الموضوعين، على امتداد مسافة تاريخية لا يُستهان بها، تصل الى حدود اللحظة المعاصرة.
وقد قادت خطوات هذا السفر التحليلي في المقالة، الى كوكبة من الأسئلة، منها: كيف تم التعبير عن الجسد الجميل والدميم، في الفنون التشكيلية القديمة؟ وهل للجمال قيمة كونية ثابتة؟ ولماذا يتم الربط الفوري والتلقائي بين الجميل (Le Beau) والطيب (Le Bon)، وحسن الأخلاق (Le Bien)؟ وما مدى انعكاس جمال الإنسان ودمامته، على مساره الدراسي، وعلى حياته المهنية، وحتى علاقاته العاطفية والزوجية؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، اعتمد الدارس ـ تارة ـ على الخلفية التاريخية، التي تهتم بالتأريخ (المونوغرافي) لبعض الظواهر والقضايا الفكرية والذهنية (خصوصاً على أمبيرتو إيكو[Emberto Eco] في كتابيه: تاريخ الجمال وتاريخ الدمامة)، كما اعتمد على مجموعة من الدراسات السوسيولوجية المعاصرة تارة أخرى، سواء تلك المنجزة في فرنسا، أو خارجها: جورج فيغارليو وجان إيف بودوان وكارين ديون وإيلين بيرشيد الخ.
يتذكر (جان بول سارتر) في كتابه الذي يحمل عنوان (الكلمات 1964) ذلك اليوم الذي قفل فيه راجعاً من دكان (المُزيِن)، وهو آنذاك ابن السابعة، وكأنما هو يتذكر (رجة) نفسية لها وقع بالغ الصدمة حقاً، لقد كان سارتر الى ذلك الوقت بشعر طويل أشقر مجعد، يخفي جانباً من جبهته ووجهه، إلا أنه بعد تلك القَصَة سيجعل أهله غير مصدقين ببشاعة وقبح سارتر (لقد كان الطفل بول سارتر قبيح الوجه دميما بشكل فظيع).
ويذكر سارتر في الكتاب نفسه كيف استبد الهلع والذعر بجميع أفراد الأسرة، عند عودة الطفل قصير القامة من عند (الحلاق)، إذ ما كادت أمه تراه على تلك الحال حتى هرولت الى غرفة النوم وأغلقت عليها الباب لتختلي بنفسها وتبكي. أما الجد فقد أخرسه الذعر، ولم يجد من الكلمات ما يتفوه به (لأنه كان ـ حسب اعتقاده ـ قد وضع بين يدي الحلاق وديعة صغيرة في هيئة آية، فإذا بهذا الأخير يعيدها على شكل ضفدع بشع المنظر).
وإذا كانت الطبيعة قد حكمت على سارتر بأن يتحمل وزر الدمامة (ذلك أنه كان قصير القامة، وذا نظرات شزراء، وصوتٍ أخَن)، فإنه سرعان ما سيتمكن فيما بعد بفضل عبقريته ونبوغه بالذات، من التعويض عن دمامته وقبح خِلقته، لأنه ما فتئ أن غدا كائناً جذاباً وإغوائياً، بحقٍ وحقيقة.
إلا أن كافة أهل الدمامة والقبح الخِلقي ليسوا بالضرورة نوابغ ولا عباقرة، ولذلك فإن وقع المصيبة وثقلها صعب على نفسياتهم وحيواتهم، على اعتبار أن دمامة الجسد ظلت لحدود الأمس تُعدُ وِزراً مُعيقاً في سوق الحب، كما في سوق الشغل أيضاً.
ويورد أمبيرتو إيكوEmberto Eco في كتابه: تاريخ الدمامة(2007) كيف عانى هؤلاء الذين جردتهم الطبيعة من هذه المنة الكريمة، وقائع قدر غير محسودين عليه. إن التاريخ ليخبئ لكل من يولد مشوه الخِلقة، بشع الوجه، ولا سحر يُذكر له، مصيراً كسيفاً يدعو الى الرثاء.
لقد ظلت الدمامة ضمن نطاق فن الصباغة في الغرب لصيقة بالآلام، والمعاناة، وأجواء الجحيم، وكل ما تتسم به الكائنات الوحشية، كما ظلت ملازمة لأعمال الفاحشة والشيطنة والسحر والشعوذة، ولكل ما يمت بصلة الى الأعمال الشيطانية، ذلك أن الدمامة لا تستثير في النفس مجرد مشاعر القرف والتقزز وحسب، وإنما تدعو كذلك الى الخوف والهزء، كما تستدعي في أحسن الأحوال، أحاسيس الشفقة والرثاء لأحوال أصحابها.
ففي المتخيل الشعبي، ظلت الدمامة على الدوام لصيقة بأعمال الشر والجنون والخطيئة. إن (جيروم بوش) مثلاً قد رسم في لوحاته بعض المخلوقات الآدمية المشوهة، التي تخلد في الجحيم. أما الحكايات الشعبية، فقد ظلت دوماً تصور الساحرة على هيئة عجوز شريرة ودميمة أنفها معقوف وذقنها طويل. ونتيجة لذلك، غدت الدمامة متماثلة في الأغلب الأعم، مع كل ما هو معوج ومقوس ومجعد ومدعوك ومعروق ومهوش ومشجوج وبدين وقصير وسمين ومُسن.
يتبع
هامش:
أخذت تلك المقالة من مجلة إضافات الصادرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في عددها الثامن/خريف 2009