“العرب” أمة مظلومة، و”العروبة” قيمة مُشَوَّهَة مكلومة، و”الإسلام” دين مُفُترى عليه من قبل أتباعه ومعتنقيه، قبل أعدائه ومناوئيه” (!!) بقلم أسامة عكنان
تكمن مشكلة المشاكل في عدم التفريق بين:
العربي بالدم، والعربي بالتاريخ، والعربي بالعروبة؟!
والمسلم بالدم، والمسلم بالتاريخ، والمسلم بالعروبة؟!مقدمة (!!)سيكون هذا المقال بمثابة حلقة أولى في سلسلة مقالات تعالجُ مسألة العلاقة بين "العروبة" و"النبوة"، تندرجُ تحت عنوان كبير هو "أن الأمة العربية هي أكثر أمة ظُلِمَت عبرَ التاريخ"، وأن "العروبة" هي أكثر قيمة تمَّ تشويهها ثقافيا وتاريخيا وعلى معظم الصُّعُد. وسوف تتم المعالجة في هذه السلسلة من المقالات عبر مسارين: الأول: وهو ذلك المسار الذي يكشف عن أن الكثير من أعداءَ النبوة والإسلام أقاموا عداءَهم لهما على مبدإ هدم وتشويه حَمَلَتِه وهم "العرب"، وعلى هدم وتشويه وتسفيه قيمته الأساس وهي "العروبة"، لأنهم لم يستطعوا معاداتِهما بتشويهِهما هما ذاتِهما، أي النبوة والإسلام. أما المسار الثاني الذي ستنتهجه هذه المعالجة وتلك المقالات: فهو ذلك الذي يكشف عن طبيعة التحريف الذي حصل في الإسلام ذاتِه من حيث طبيعتُه ورسالتُه وأهدافُه وغاياتُه ومشاريعُه وبرامجُه المحلية والإقليمية والعالمية، والذي أصبح مع الأسف موروثا ثقيلا ومُعرقلا أسَّسَ له الإسلام السياسي المعاصر وتبناه ودافع عنه على مدى الأعوام المائة الأخيرة، وكأنه هو الإسلام، وكأنه هو ما أراده الله من البشر ومن العرب بوصفهم طليعة هؤلاء البشر في تجسيد تلك الإرادة.. إنه التحريف الذي انتزع "العروبة" من قلب البُنيَة السياسية للإسلام وللنبوة، لتصبحَ – أي هذه العروبة – كماًّ مهملا يُعادَى ويُحارَب كلما حاولت – أي العروبة مرة أخرى – أن تستعيدَ مكانتَها في قلب الرسالة الإسلامية، بصفتها مُكَوِّنا أساسا من مكوناته لا ينفصم عنه ولا يقوم بدونه. مفاهيم أساس لا غنى عن توضيحها (!!)العربي بالدم، هو الشخص الذي ينتسب للعرب برابطة "الولادة"..والعربي بالتاريخ، هو الشخص الذي ينتسب للعرب برابطة "الثقافة"..أما العربي بالعروبة، فهو الشخص الذي ينتسب للعرب برابطة "القيمة"..المسلم بالدم، هو الشخص الذي تربطه بالإسلام "شهادة ميلاده"، وانتسابه إلى "أب مسلم"، قد يكون اكتسب إسلامَه بالطريقة نفسِها..والمسلم بالتاريخ، هو الشخص الذي تربطه بالإسلام، مُكَوِّنات المسلمين وموروثاتهم "الثقافية"..أما المسلم بالعروبة، فهو الشخص الذي تربطه بالإسلام رابطة "القيمة"..ولكن.. ما هي "القيمة" التي تجعل العربي عربيا بـ "عربيةٍ" أكبر من مجرد "الدم" و"الثقافة"؟!وما هي "القيمة" التي تجعل المسلم مسلما بـ "إسلام" أكبر من مجرد "الدم" و"الثقافة"؟!إنها في الحالتين قيمة واحدة، هي قيمة "العروبة" التي تكونت من خلال تفاعل تاريخي مع "النبوة"، دام أكثر من ألفي سنة..بدءا بـالنبي "إبراهيم" وانتهاء بالنبي "محمد" عليهما السلام..فخلافا لكل القوميات في العالم، ترتكز القومية العربية على ثلاث ركائز، بدل ركيزتين اثنتين..فكل قومية تقوم على ركيزتين فقط هما، "العرق" و"الثقافة"..مع الأخذ في الاعتبار أن "اللغة" وما يطلقُ عليه "العادات والتقاليد" هي مُكَوِّنات أساس في ثقافة كل قومية..ماعدا القومية العربية، التي تقوم على ثلاث ركائز هي..العرق"، و"الثقافة"، و"القيمة"..العرق هو "العرب"، والثقافة هي "العربية"، والقيمة هي "العروبة"..وقيمة "العروبة" هي أهم عنصر في القومية العربية.. إن قيمة "العروبة"، هي ذلك التلاقح التاريخي بين "العرق العربي وثقافته ولغته وتقاليده وعاداته بالتالي" من جهة، وبين أكثر من ألفي سنة من النبوات من جهة أخرى..إن العرق العربي والثقافة العربية ومنها اللغة العربية والعادات والتقاليد العربية، تطورت في حاضنة "النبوة" على مدى أكثر من ألفي سنة.. كما أن "النبوة" تطورت ونمت وتفعلت، في بيئة العرق العربي، وعبر ذاكرة الثقافة واللغة العربيتين، على مدى الألفي سنة التي عاشتها "النبوة" من "إبراهيم" إلى "محمد" عليهما السلام..إن هذا التفاعل وتبادل التأثير بين "العرب" و"العربية" من جهة، و"النبوة" من جهة أخرى، ولَّد قيمةً تطورت على مدى الألفي سنة من النبوات، هي "العروبة"..والعروبة بهذا المعنى، هي ذلك المنتج القِيَمي الذي تلون بألوان "العرق العربي وثقافته ولغته"، وهي تختلط بألوان "ثقافة النبوة"، في الجغرافيا العربية..فلقد كان "العرب" يتلونون بألوان "النبوة"، وكانت "النبوة" تتلون بألوان "العرب"، من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى آخر..
فكانت "العروبة" التي هي ذلك المنتج القِيَمي، هي صفة "العرب"، وهي صفة "النبوة"، في الوقت ذاته، لا تنفصل في إحداهما عنها في الأخرى..فلا "النبوة" يمكنها أن تُقرأَ بمعزل عن "العروبة"، ولا "العروبة" يمكنها أن تُقرأَ بمعزل عن "النبوة"..فكل معتنق للنبوة ومندمج في معطاها القِيَمي، هو من حيث أراد أو لم يرد، من حيث علم أو لم يعلم، مجبول بقيمة العروبة..أي، لا "عروبة" يمكنها أن تتشكل، إلا و"النبوة" في روحها، ولا "نبوة" يمكنها أن تتجسَّد، إلا و"العروبة" في بُنيتها..فالباكستاني المسلم هو باكستاني من حيث قوميته "عرقا" و"ثقافة/تقاليد ولغة"، لكن ولأنه مسلم، فهو رغما عنه مجبول بالعروبة بمقتضى إسلامه..والألماني المسلم هو ألماني من حيث قوميته "عرقا" و"ثقافة/تقاليد ولغة"، لكن ولأنه مسلم، فهو رغما عنه مجبول بالعروبة بمقتضى إسلامه..وهكذا دواليك.. ولأن "النبوة" لم تنقطع ببعثة آخر رسول إلى البشرية وهو محمد عليه السلام، إلا بمعنى انقطاع "الوحي"، في حين أنها استمرت في "العقل" إلى الأبد..فإن "العروبة" التي بدأت مغ بزوغ فجر النبوات، وتطورت معها في مسيرتها الطويلة، ما تزال تتطور مع تطور مسيرة "نبوة العقل"..المفهوم الحقيقي للقومي العربي بناء على التوصيف السابق (!!)وإذن، فما هي مواصفات "القومي العربي" الذي نقرَّ له بقوميته في سياقها المتكامل والموضوعي والمُنْتِج، في ضوء تلك الرؤية التفاعلية بين قيمة "العروبة" وظاهرة "النبوة"؟!إنه بتعبير واضح "الإنسان العروبي"..وبالتالي فالقومي العربي ليس هو ذلك الشخص الذي يعمل فقط على نهضة ووحدة وحرية "العرب بالدم"، والعرب بالتاريخ"..بل هو ذلك الشخص الذي يعمل على إعادة إنتاج "العرب بالدم"، و"العرب بالتاريخ"، في حاضنة "العروبة"..وهو لكي ينجز هذه المهمة، أو لكي يسير على طريق إنجازها، فإن عليه أن يعيَ دلالات وآفاق وفضاءات ومكونات "قيمة العروبة" أولا..وإنه إذا لم يعِ ذلك، فإنه سيتخبَّط، ولن يكون "قوميا عربيا"، من حيث يظن أنه كذلك، لأنه لم يتمكن من أن يكون "إنسانا عروبيا" في الأساس..وهو سيعمل عندئذٍ على نهضة ووحدة وحرية أمة يُطْلِقُ عليها هو اسم "الأمة العربية"..
فيما هي بعيدة كل البعد عن "العروبة" التي تعتبر الركيزة الثالثة والأهم لـ "القومية العربية".. وهو عندئذٍ لن يكون إلا قوميا داعيا لأمة، لا يجمعها جامع سوى "الدم" و"التاريخ" المنسوبين إلى عربٍ انتزعت منهم "عروبتهم"..ولأن "العروبة" هي مُنتج قِيَمي، تشكَّلَ عبر تفاعل طويل مع ظاهرة "النبوة"، فلا وجود إذن لقومية عربية بمعزل عن هذه الظاهرة..وإن كل من اعتبروا أنفسهم قوميين عربا، ومع ذلك عملوا على إنتاج وتجسيد "القومية العربية"، عبر عزلها عزلا كاملا عن قيمة "العروبة"، المجبولة بظاهرة "النبوة"، لم يكونوا في واقعِ الحال سوى قوميين عرب، بمعنى "الدم" و"التاريخ" فقط، ولذلك فهم قد فشلوا في تجسيد مشروعهم، وسيستمرون في الفشل كلما أصروا على التعامي عن علاقة التفاعل التي لا تنفصم بين "العروبة" و"النبوة"..وفي هذا إساءة بالغة للقومية العربية..
وتغييب كامل لإطار تكوُّنِها القِيَمي..
وحرف خطير للفعل القومي العربي عن سكته الصحيحة..
عبر جعله فعلا يجسِّد "الدم" و"الثقافة"، ولا يجسِّد "القيمة"..ونكرر هنا للأهمية، أن هذا هو ما جعل كافة دعاة "القومية العربية" الذين من هذا الصنف يعجزون "عن"، ويفشلون "في"، تجسيد هذه القومية على أرض الواقع.. لأنهم في حقيقة الأمر حاولوا ذلك، من خلال عزلها عن روحها ومبرر كينونتها القيمي، ألا وهو "النبوة"..
إن ما قاموا به يشبه تماما ما يقوم به من يريد نقلَ إنسان من مكان إلى مكان، بالإبقاء على جلده في مكانه الأول، دون نقله مع باقي جسده إلى المكان الثاني..إن من يحاول فِعْلَ ذلك، إن نجح فيه بكل الألم الفاجع المترتب عليه، لن ينقل إنسانا، بل هو ينقل كائنا مسخا عديمَ المقاومة..
وهو الأمر الذي يعني موتَه حتما..هذا هو على وجه التحديد ما حدث لكل محاولات تجسيد الأمة العربية في حاضنة "قومية عربية"، تمَّ فيها عزل "العرق العربي"، و"التاريخ العربي"، عن "قيمة العروبة"، كمنتج تفاعلي مع "ظاهرة النبوة"..وهو ما يدعونا إلى التأكيد على أن "الأمة العربية" لن تتجسَّد كظاهرة قومية عربية "عروبية الطابع"..
إلا بإعادة إنتاج "النبوة"، وتنقيتها من كل شوائب التاريخ وعبث البشر التي علقت بها..
ليعاد بذلك إنتاج "قيمة العروبة".. عبر تنقيتها هي أيضا من الشوائب والعوالق، التي جعلت دعاة القومية "قوميين عربا، وبعثيين، وناصريين"، يعجزون عن إخراج رؤاهم لتجسيد "الأمة القومية"، من إطار الدعوة إلى قومية "الدم والتاريخ"، إلى إطار الدعوة إلى قومية "العروبة" بمكونها "النُبُوِّي"..لن نكون عربا كاملي "العربية" إلا إذا كنا "عروبيين"..
ولن نكون "عروبيين" إلا إذا أدركنا أن "عروبيتنا" هذه، هي منتج تفاعلي مع ظاهرة "النبوة"..
وهذا هو جوهر رسالتنا إلى العالم..
بل هذا هو جوهر ما يجعلنا أمةً تحمل رسالة كلِّفت بنشرها في العالم..وذا لم يكن هذا هو جوهر "الرسالة الخالدة" التي دعا ويدعو إليها "البعثيون"، فماذا يمكنها أن تكون؟!
وإذا لم يكن هذا هو جوهر "الدعوة الناصرية"، فماذا يمكن لهذه الدعوة أن تقدم للعرب بدون عروبة جبلتها النبوة غير علاقة الدم والثقافة؟!وبالتالي فما الفرق بين قوميتنا العربية "اللاعروبية" هذه إن أمكن تجسيدها على هذا النحو، وبين أيِّ قومية أخرى في العالم، لا تملك غير تجسيد نفسها كإطار للحياة وللتعايش مع الآخرين بعيدا عن أيِّ رسالية في مضمون التجسُّد القومي؟!
إن جوهر "رساليتنا" إذن ليس هو أن ننقل إلى العالم هذه "النبوة الموروثة" التي عزلتنا عن "العروبة" مئات السنين، عندما اعتمدناها إطارا لتجسيد ذاتنا "العربية"، بشكلها الذي نزعنا عنه "تاريخيتَه"..بل هو – أي جوهر رساليتنا – أن نُثْبِتَ للعالم أننا على الدوام أمة "النبوة التاريخية/أي المتطورة دائما وباستمرار"، التي تمكنت من التطور في حاضنة "الوحي" أكثر من ألفي عام، منتقلة بالعروبة من طور إلى طور أصبحت قادرة بموجب حصيلتها على حمل رسالة "الله" إلى العالم، لتستمر في التطور إلى الأبد في حاضنة "العقل"، منتقلة بالإنسانية من طور إلى طور، في مسيرة نماء وتكامل لا تنتهي..لقد أكرمت "النبوة" عربَ "الدم" و"الثقافة" بأن طورتهم، منتجة لهم قيمة "العروبة" على مدى الألفي سنة التي تفاعلت فيها معهم، مخلصة "دمهم" و"ثقافتهم" من فجاجتهما في التعبير عن "الأنا القومية"، وناقلة إياهما إلى مرحلة الاقتدار على التفاعل مع "الآخر" في ضوء مضامين متطورة للرسالية..لكن "العرب" غير "العروبيين"، لم يردوا الجميل لـ "النبوة"..فبدل أن يطوروها، أي بدل أن يطوروا "النبوة"، بعد اختفاء حاضنتها الأولى ألا وهي "الوحي"، الذي تطورت "العروبة" به ومعه وفي قلبه، مطوِّرَةً "العرب" بتطورها ذاك "عرقا" و"ثقافة"..
فإنهم ثبتوها وجمدوها وحجموها وقزموها وخنقوها ومنعوها من التطور..
فكانوا أكبر المسيئين لها، ليكونوا من ثمَّ أكبر المسيئين للعروبة بصفتها مُنْتِجَها التفاعلي..المؤامرة التاريخية على العرب والعروبة، وعلى الإسلام من ثمَّ (!!)وهكذا حدثت المؤامرة التاريخية على "العرب العروبيين"، الذين رحل الرسول الكريم محمد عليه السلام، وقد استكمل إعدادَهم ليكونوا حملة رسالة "الإسلام العروبي"، و"العروبة المسلمة" إلى العالم..وكان جوهر المؤامرة هو أن يتمَّ تغييب هؤلاء "العروبيين" عن ساحة "الفعل الرسالي"، ليتحول خلفاؤهم الذين سيحلون محلهم ويسرقون مهمتهم، من "عرب رساليين" يحافظون على "قيمة العروبة" بصفتها قيمةً جوهرية في رسالتهم، إلى "عرب إمبراطوريين" يضربون بـ "قيمة العروبة" عرض الحائط، ويعودون بالعرب إلى "عربية الدم" بالدرجة الأولى، و"عربية الثقافة" الموغلة في القدم بدرجة ثانية، فتفقد "الرسالية" أهم مكون من مكوناتها، لتفقد "النبوة" بالتالي أهم حاضنة لها قادرة على تطويرها بعد انقطاع "الوحي"، ألا وهي حاضنة "العقل"..فبدأت "العروبة تتراجع وتضمحل، مع كل ضربة توجه لظاهرة "النبوة"، تمنعها من التطور في حاضنة العقل، وتجمدها في ثلاجات الماضي..ومنذ ظهر "العرب الإمبراطوريون"، و"العروبة" و"النبوة" في تراجع، إلى أن غدا من الصحيح أن نقول..
إن عرب اليوم هم فقط "عرب الدم"، و"عرب الثقافة"، التي بدأت بالتكون منذ أن تمَّ تغييب "عرب الرسالية"، بانتصار الأمويين على النخبة والصفوة من الصحابة الكرام..وبعد مرور أكثر من ألف وأربع مائة عام، قضتها "العروبة" وبرفقتها حتما وبالضرورة "النبوة"، في تراجع وانكفاء وتشويه وتغييب.. فقد كان من الطبيعي أن نرى عربا لا علاقة لهم بالعروبة..
ومسلمين لا علاقة لهم بالنبوة..
وجميعهم يعيشون في وهمِ أنهم يجسدون "العروبة النقية" و"النبوة الصحيحة"..
وهنا مكمن الكارثة.. إن بداية الطريق في مسيرة نهضتنا "القومية العربية العروبية"، هي في استعادة "عروبتنا" التي تم تغييبها بالتآمر عليها، مع بدء عصر "العرب الأباطرة" الذين انتصروا على "العرب الرساليين" في "الجمل وصفين/علي بن أبي طالب"، وعلى بقاياهم في "عام الجماعة/الحسن"، و"كربلاء/الحسين".. ولن تتحقَّق استعادة تلك "العروبة" ابتداءً، إلا عبر استعادة "نبوتنا" التي تمَّ تشويهها بالتآمر عليها مع بدء العصرِ نفسه، بمنعها من التطور في حاضنة "العقل" و"العلم"، ودفنها في مقابر "الفقه" و"العقيدة" و"أصول الفقه" و"أصول الدين" و"علم الحديث ومصطلحه" و"السيرة النبوية" و"علوم القرآن" و"التفسير".. إلخ، من على قواعد "الفرز الديني" الذي احتاجته "النزعة الإمبراطورية" كي تتجسَّد وتنمو وتهيمن بعربية "الدم" وبعربية "الثقافة"..وهو الفرز الذي أدت إليه ودفعت باتجاهه تخندقات "التشيُّع" المعارض بمنتهى الرجعية والنكوص والتماهي السياسي والفكري مع كل المعتقدات الغنوصية والسياسات العدائية للأمة، و"التَّسَنُّن" السلطوي بمنتهى الدموية الإمبراطورية، التي استخدمت "الإسلام" وبالتالي "النبوة" أبشعَ استخدام، إلى درجة "التزييف" و"التزوير" و"التحريف" و"التشويه" و"التجيير" و"التوظيف".. مع تبادل محدود في المواقع من وقت لآخر بين "المتشيعين" و"المتسننين"، اقتضته تقلبات موازين القوى بين خنادق "التَّشَيُّع" و"التَّسَنُّن" ذاتها..وإذا لم تبدأ مسيرة النهضة "القومية العربية العروبية"، من هذه النقطة المركزية، فلن تحدث هناك نهضة، ولن تكون هناك "أمة عربية"..وكل ما سيحدث – إن حدث – هو "فوضى نهضوية"، لأمة "غير عربية"، إلا بالدم والثقافة..
ولعل المائة عام الماضية من تاريخنا هي أوضح دليل على ذلك..
فلنتأملها جيدا بعقل القارئ الفاحص للتاريخ، وبروح الباحث عن مواطن استنهاضه الحقيقية..لا بعقل المقلد الأعمى لنماذج تجسيد قوميات، نشأت وتشكَّلَت في بيئاتٍ غير بيئاتنا، وفي سياقاتِ سيرورةٍ تاريخية مختلفة كل الاختلاف عن سيروراتنا التاريخية..ملخص تاريخي يُمَهِّد لقراءة تاريخ "العروبة" في علاقتها بـ "النبوة" بشكل موضوعي (!!)نستطيع أن نستقرئ أن "العروبة" مرت منذ بزوغ فجرها وحتى اليوم بثماني مراحل كبرى، تفصل بينها منعطفات ثقافية وفلسفية عميقة، كانت تنتقل العروبة بموجبها من مرحلة إلى أخرى. ويمكننا حصر هذه المراحل الثماني في الآتي..أولا.. مرحلة ما قبل التكوين.. وهي المرحلة التي تمتد من أقدم تاريخ لجزيرة العرب، إلى مرحلة بدء عصر النبوات بإبراهيم عليه السلام..ثانيا.. مرحلة التكوين.. وهي المرحلة التي تمتد على مدى عصر النبوات كاملا، بدءا بـ "إيراهيم"، وانتهاء بـ "محمد" عليهما السلام..ثالثا.. مرحلة الرسالة.. وهي المرحلة التي تبدأ بلحظة انتقال الرسول الكريم "محمد بن عبد الله" عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، وحتى حدوث الانقلاب الأموي..رابعا.. مرحلة الإمبراطورية.. وهي المرحلة التي تبدأ بانتصار "معاوية بن أبي سفيان" على "علي بن أبي طالب"، ولغاية بدء هيمنة الأعراق غير العربية على دولة الخلافة.. خامسا.. مرحلة الانزواء.. وهي المرحلة التي تبدأ بانحسار العرب عن حكم الدولة العباسية وانتقاله إلى الأعراق غير العربية، كالسلاجقة، والبويهيين، والعبيديين، والغزنويين، والخوارزميين، والأتراك، والمماليك.. إلخ.. وحتى سقوط الدولة العثمانية..
سادسا.. مرحلة الاحتلال.. وهي المرحلة التي سيطرت فيها على الجغرافيا العربية الدول الاستعمارية الأوربية..سابعا.. مرحلة الوظيفية.. وهي المرحلة التي سيطرت فيها على الجغرافيا العربية، أنظمة وظيفية حكمتها بعد الاستقلال السياسي الشكلي عن الاستعمار..ثامنا.. مرحلة عودة الوعي.. وهي المرحلة التي بدأت إرهاصاتها ومعالم مخاضها بالحالة العربية الراهنة..
ومع أن لكل مرحلة من تلك المراحل ظروفها ومواصفاتها وقوانين دراستها وأدوات التعرف عليها..إلا أن القاسم المشترك بينها جميعها، هو أننا حيثما وجدنا "العروبة" مُغَيَّبَة، فإن العرب مُغَيَّبين، ولا تكون "العروبة" مغيبة إلا إذا كانت "النبوة" مغيبة، وأكبر مظهر من مظاهر تغييب النبوة هو تحريفها وتشويهها لتحضر في الحياة بهذا التشويه وبذلك التحريف..وبالتالي فنحن في مرحلة استعادة وعينا القومي العربي، يجب أن نخوض معاركنا على جبهة تنقية "النبوة"، لتنقية "العروبة"، بالدرجة الأولى..فلا أمة عربية بدون مكونات "قيمة العروبة" الحقيقية، ولا "قيمة عروبة" حقيقية، بدون "نبوة العقل"، ولا "نبوة للعقل" بدون تنقية "نبوة الوحي" من كل الشوائب التي علقت بها على مدار التاريخ، في سياق معارك معاداة "العروبة" و"النبوة" على حدٍّ سواء..… يتبع في مقال لاحق