باسل نبهان with Fadi Ghassan Al Sabouni and 97 others
أصدقائي الكرام....
اليوم البوست مخصص لـ هندسة البيت الدمشقي
سنتحدث اليوم عن البيت الدمشقي ولماذا يُبنى مثل (المطبقية أو السفرطاس) على حد تعبير الظرفاء أي من قبو وأرضي وعلالي وطيارة، وكلها في مساحة صغيرة، والسبب كما أوضحته ضيق المساحة ضمن سور المدينة فيضطر السكان للتكيف ضمن المساحة المحدودة إذا تكاثر عددهم، وعجز مواد البناء عن أن تؤمن أكثر من هذا الارتفاع الشاقولي.
وأضيف الآن أن النجّار العربي كان في ذلك الحين مهندساً، ولم يكن في البلاد مهندسون إلاّ في مصالح الجيش العثماني، فالدار الدمشقية القديمة كلها من خشب إلاّ بعض الجدران الحجرية في البيوت الكبيرة، وهي تُبنى أول ما تُبنى هيكلاً من أعمدة الحور كالقفص.
وكانت عملية بناء الهيكل وحسن توجيهه وتوازنهُ وإحكام شد أجزائه بعضها إلى بعض ببراعة ودقةٍ بالغتين، تُسمى "صَلبْ" في تعابير النجّارين. فإذا تم لب الدار بالخشب الرومي أو الحور حُشيت فراغات ما بين الأعمدة لَبِناً، وغُطيت السقوف من فوق بالخشب والتراب، ومن الأسفل بألواح مصقولة من الخشب تُسمى "الطوان" ولم يكن الاسمنت المسلّح لا مستعملاً ولا ضرورياً، أما الطينة فكانت من الكلس المقّوى بقشر القنِّب أو من الطين مع التبن، وأما الأرض فكانت من (العدسة) وهي مزيج من الكلس و(القصرمل) الناتج عن حرق الزبل في قميم الحمامات و(الكتكت) وهو من خيطان القنِّب المندوفة ثم تُدق حتى ترص وتصبح ناعمة، وكان هذا قبل أن يوجد البلاط، أما الأغنياء فيستخدمون الرخام أو الحجارة الملونة، كان طراز البناء الدمشقي متفقاً مع الإقليم الشامي القاري الرطب، أي عازلاً للحرارة في الصيف ومانعاً للبرد والرطوبة في الشتاء، وكان البيت مشتى ومصيفاً: قاعاته و"مربعاته" والمياه المتدفقة فيه تجعل الدار صيفاً في برودة الراوند، وقصوره وعلاليه ومخادعه، دائرة شتوية كاملة.
وكان واحدهم يُحسنُ توجيه البيت نحو القبلة لتدخل الشمس إلى غرفِهِ شتاءً ولا تدخل إليها صيفاً، ويُحسنُ دوزنة الأرض حتى يأتي الماء إلى الدار من نظام المياه العجيب في دمشق الذي يجعل بردى يتوزع بالانسياب الحر في كل منازلها على الإطلاق، وكان الواحد من هؤلاء النجارين المهندسين إذا أوشك بيت قديم على التهدم والتداعي بأن انكسرت خشبة السقف المستعرضة، يُحسنُ تعليق السقف بأعمدة تدعمها باستخدام (المخل)، ولذلك فنٌ مرهفٌ يجمعُ بين القوة ودقة الحس إذ تؤدي حركةٌ بسيطة غير محسوبة إلى الانهيار الكامل. وإنّ هذا البيت كان فيه غالباً قبو وهو يُعد للمؤونة حتى تكون رطوبته حافظاً لها من التلف.
بيت المؤونة:
الدمشقي يشتري الحاجات في موسمها لأنها مقبولة الثمن، ولسببٍ آخر هو أنَّ الحاجيات لم تكن توجد في كل وقت، ومن اهتمامه بطعامه يحفظهُ أيام لم تكن هناك برادات ولا خضار تأتي في غير موسمها، فيُجفف الكوسا والباذنجان والبامياء والفول والجوز والحمّص والبصل والثوم وسواها، ويحفظ ورق العنب (مشروشاً) بالملح، ويُغلى الجبن مع حبّة البركة وملح قوي ويحفظه طول العام، ويضع الزيتون في الزيت، ويكّبس المكدوس، وهو الباذنجان المحشو بالجور والثوم ويُشكِّل غذاءً فاخراً ومغذياً جداً، ويصنع أنواعاً من المربى أو كما يسميه الدمشقيون (المعقود) بالمشمش والسفرجل والباذنجان والتفاح والكبّاد والنارنج.
الليوان والقاعة
وفي الطابق الأرضي تكون هناك غالباً قاعتان، وقد تكون إحداهما أكبر من الأخرى بينهما جزء مغطى من فوق ولكنه مكشوف على (الديار) اسمه في دمشق (الليوان) تحريفاً لكلمة الإيوان، والقاعة قسمان الأول ويُدعى العتبة منخفض على سوية البيت وفيه غالباً بحرة ماء تؤمِّن ضمن الغرفة المنظر الجميل والرطوبة وتكون مصنوعة من الرخام الملّون بأشكال هندسية جميلة، أما القسم الثاني فهو أعلى بنحو 30 أو 40 سنتمترا ويُسمى (الطرز) ويكون مفروشاً من أطرافه الثلاثة بمقاعد ومساند وسجّاد، وبعض القاعات الشامية فيها خشب مشغول مدهون جدراناً وسقفاً، وكلها تحتوي على قليل أو كثير من التحف تُوضع في خزائن في الجدران مكشوفة تُسمى واحدتها (كتبية) كأنما هي رفوف مكتبة وعليها مصابيح (الأوبالين) الفاخرة وزبادي الصيني والصحون مثلها وغيرها، وحتى الفقراء كان في جهازهم بعض هذه المقتنيات التي تُبذل للضيف النادر عند الاستعمال وما عدا ذلك فهي للفرجة والزينة.
ثم إذا كان البيت أكبر وجدت فيه (مربعات) والمربع هو الاسم الذي يُطلق عادةً على الغرفة في الطابق الأرضي المطلّة على (الديار)، ويسكنها بعض أفراد العائلة ولكن هناك دائماً درج –من حجر أو خشب- يصعد به إلى القسم الأعلى حيث الغرف تُسمى واحدتها (فرنكة) وكانت الدار الدمشقية موجهة نحو القبلة لتدخلها الشمس شتاءً حتى صدر الغرفة فتدفئها بينما هي صيفاً لا تدخل الغرفة مطلقاً. وبين الغرف تكون (مشرقة) وهي فسحة سماوية علوية مكشوفة من ناحية السقف، وتُحيط بها الجدران من ثلاثة الأطراف المتصلة بالجوار، ولكنها تطل على الديار، وغالباً ما تكون فيها دالية العنب، وفيها يكون نشر الغسيل، ومنها تكون منادمة الجارات.
وإذا كان البيت فيه قسم أعلى ثالث، فهو غرفةٌ علوية تُسمى (طيارة).
وبذلك يكون البيت الدمشقي يُشكِّل في نفس الوقت مشتى تدفئه الشمس وتعزلهُ عن البرد الخارجي جدران من الخشب واللِّبن اللذين يمنعان البرد والحر، ومصيفاً إذ أن ساحة دياره لا سيما حين تشطفها الصبايا من ماء البحرة، وقاعاته، تكون كلها في برودة الراوند.
*********************
باسل نبهان