الشعر الجاهلي
نشاة الشعر الجاهلي :
إذا كان الأدب يمثـل التعبيــر عــن الحياة والكـون والنفــس بلغـة فنية تعتمـــــد البيـان والتصوير الإيحاء فإنّـه يقســــم إلى قسمين :
أ?- الشعر . ب- النثــــــــر .
ولســــــنا فـــــي صدد التفـــــريق بين الجنســــــــين الأدبيين بقــــدر ما نريـــــــــد أن نتبين الطفولةالأولىللشـعرالجاهلــــــي الـذي وصل إلينا بصورة مكتملـة ، إذ أنّ القـارئ لقصـائد الشـعر الجاهلـي يرى صروحاً عظيمـة مكتملــة البنــاء . فالقصيدة الجاهلية بناء متماسك ، ونهج قويم يكشف عــن عبقرية أ دبية لــم يستطع أحد إلى يومنا هــذا أن يصـل إلـى موازاتها . وفـي بحثنا عن أوليات الشــعرالجاهلـــــي تجد أنّ أقدم نص وصل إلينا لا يتجاوز مئة وخمسـون عــام أو مئتي عــام قبل مبعث النبــي صلــى الله عليـه وسلّم ، وإنّ أقدم هـــذه النصوص كان لامرىء القيس والمهلهـل بن ربيعـة ، وإن كانت عادة الوقـوف علـى الأطـلال أخذت مـن شـاعـر سـماه الشـعراء الجاهليـون باســم " ابن حـزام " ولكننا لا نجـد واحداً لهـذا الشاعر وقدأشـار إلــى ميلاد الشــعر ( الجاهلـــي ) الجاحــظ واعتبره ميلاداً حديثاً ، وما يزال النقاد يسـتغربون كون حـرب البسـوس هي البداية للشعرالجاهلي لأنّ قانون النشوء والارتقاء ينطبق على الشعر . ويعلل النقاد السـبب المباشرالمؤثر فــي عدم اكتشاف طفـولـة الشعر الجاهلي هــو الرواية الشفوية للأدب الجاهلـــي حيث تعرّض قسم كبيرمـن هـذا الشـــعرللنسيان والإهمـال كما أنّ الرسول عليـــه السلام قـد نهـى عـن رواية نوعين من الشعر:
1- الشعر الذي يحمل صفات الإقناع .
2- الشعر الذي يحمل الفحش والإساءة الخلقية للمرأة .
كما أنّـه لا يمكن أن ننسى النكبات التـي حدثت فــي الجزيرة المتمثلة بزحـف الرمـال ، وتفجـر البراكين قــد رافقهـا تقهقـراقتصادي تراجعت خلالـه حركــة الشــعر وقـــــد زعم بعض النقاد أنّ قصيدة عبيد بن الأبرص الأسدي التـي مطلعها :
أقفرمن أهله ملحوب فالقطبيات فالذنوب
هــي قصيدة مضطربة الوزن وأنّها مـن أوليات الشـــعرإذ أنّ الشاعر بناها علــى وزن
مخلّع البسيط (مستفعل/ فاعل/ فعـول ).ولكن الرد على ذلك أنّ الشاعر له من القصائ ما يدلّ علـى براعته وزعم نقاد آخرون أنّ بدايات الشــعر العربــي هـي " الأراجيز " المتناغمة مع سيرالابل : ( مســتفعـل/ مستفعل/ مستفعل ). وهو وزن شعبيّ سماه الشعراء ( حمار الشـــعراء ) ، وزعم نقاد آخرون أنّ بدايات الشــعر الجاهلـي هي الأدعية الدينية والابتهالات للآلهة ، ولكن ذلك ليس دقيقاً كما زعم قـوم أنّ بداية الشـعر الجاهلي حديثة وليس لدينا مـن الوثائق ما يدلّ علـى ذلك ، وما نعرفه أنّ العرب نسبوا الشعر إلى الشـياطين ، وأنّ بعضهم يفخر بأن ّشيطانه ذكر وليس انثى :
إني وكل شاعر من البشر شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وقد زعم قوم أنّ بعض أوزان الشعر العربي كوزن ( الرمل والمتقارب والخفيف ) ، قــد أخذ من الأوزان الفارسية وهو زعم غير صحيح ومع ذلك بقي سر طفولـة الشعرالجاهلي أو العربي مكتوماً.
وقد علل النقاد عوامل ازدهار الشعر العربي في المئتي عام قبل الإسلام بما يلي:
1- الحروب التي دارت بين عرب الشمال وعرب الجنوب حرب البسوس- حــــرب داحس والغبراء – وقائع تغلب والمناذرة – ذي قار – حروب الأوس والخزرج ) .
2 - هجرة عرب الجنوب واختلاطهم بعرب الشمال .
3- وجود الأسواق التجارية والأدبية ، مثل عكاظ- ذي المجاز- ذي المجنّة) حيث كان الشعراء يتفاخرون بقبائلهم في تلك الأسواق.
4- تنافس القبائل في تقريب الشــــعراء والإغداق عليهم بالعطايا كما صنع الغساسنة مـع حسان بن ثابت ، والمناذرة مع النابغة الذبياني .
5- سؤ توزيع الثروةالاقتصادية واحتكارسادة القبائل لهــا، مما جعــل بعض الشـــعراء يتكسبون بمدح هؤلاء الزعماء .
ملاحظة :
في الشعر الجاهلي قصائد منحولة نسبت إلى شعراء من باب التنافس القبلي ، أو من باب زيادة الرواة لبعض الأبيات ، وقد أثار الدكتور" طه حسين" في كتابه " الأدب الجاهلي"الشك حول نسبة الكثيرمن الشــعرالجاهلـي إلى شعراء بأعينهم وقد تصدى له بعض الباحثين يردون أخطاؤه التاريخيةكما صنع " ناصر الدين الأسدي " في كتابه " مصادر الشــعر الجاهلــــــــي وقيمتهاالتاريخية.
أغراض الشعر الجاهلي
بقي الشعر الجاهلي أسير نزعات ورغبات وأهواء الإنسان في العصر الجاهلــي ، يمثل نفسيـة هذا الإنسان وما يخالجهــا مـن عواطـف وأحاسـيس ، ولذلك أطلـق عليـــــه مصطلح ( الغنائية والوجدانية ) لأنّـه رافق المغنين والمنشدين، ولم يستقل عن الغناء إلا مع بداية
الإسلام. يقول حسان بن ثابت: تغن بالشعر إما أنت قائلـه إنّ الغناء لهذا الشعر مضمار
وقد أطلق على الشعرالجاهلي ديوان العرب ، لأنّه يمثل حياتهم ويصورمآثرهم أدق تصوير ، فكان الشعر بمثابة الصحافة اليوم , حيث كان الشاعر الجاهلي صحفيّ قوميّ ، أو وزيرإعلام لقبيلته ينقل إلىالآخرين كل ما يتعلّق بمفاخرالقوم وقد كتب الشعراء الجاهليون في الأغراض التالية :
1- الشعرالحماسي: وهوالشعرالمتحدث عن تشجيع أفراد القبيلة لقتال العدو، وهـويمثل حقيقة الصراع القبلـي علـى أرض الجزيرة ، وما يحدث مـن وقائع بين تلك القبائل ، حيث يتطرق الشـاعر إلـى المثــل العليا المتمثلة بالشجاعة ، البطولـة ، وخوض معامـع المــوت واستهانـة الإنسان الجاهلـي بأعدائه . والمتصفح لقصائد الجاهليين يجد أنّ معظم قصائدهم تتطرق إلـى غرض الحماسة كما عنـد الشـاعرعبدالشارق عبد العزى في وصف معركة جرت بين قبيلتي جهينة و بهثة :
ردينة لـو رأيتِ غداةَ جئنـا علـى أضحاتنا وقـــد اجتوينا
فأرسـلنا أبا عمــرو ربيئنا فقال : ألا أنعَموا بالقوم عينا
فناد َوا يالبهثــة أذرأونــــا فقلنا : احسني ضــرباً جهينا
فآبوا بالرماح مكسّـــراتٍ وأبنا بالســيوف قـــد انحنينا
فباتوا بالصّعيد لهم أماحٌ ولو خفّت لنا الكلمى سَرَينا
سمات الحماسة في الشعر الجاهلي:
• الحديث عن البطولة .
• وصف ضخامة العدو .
• الحديث عن الشجاعة .
• الاستهانة بالموت .
• الدفاع عن حُرم القبيلة .
2- الفخــــــــــــــــر: وهو ذكر محاسن الإنسان والاعتزاز بهذه المحاسن ، وهو نوعان :
1- فخر ذاتي . 2- فخر قبلي .
الفخر الذاتي : ويتمحور حول المفتخر بنفسه مع المبالغة فيها أحياناً كأن يصور الشاعر نفسه أحياناً بأنّه بطل شجاع قوي ، يتسم بالقيم الحسنة ، يغيث الملهوف ، ويعين صاحب الحاجة ويحمي المرأة . يقول طرفة بن العبد في معلقته :
إذا القوم قالوا من فتىً خلتُ أنني عنيت فلـم أكســـل ولـم أتبلّدِ
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش كرأس الحية المتوقدِ
الفخر القبلي : وهوافتخار الشــاعر بصنائع قبيلته البطولية مع تعصب للقبيلة كمــــا صنــــع الأعشى في الإشادة بأبطال قبيلته بكر عندما وقفوا في وجه كسرى في معركة ذي قار :
وجند كسرى غداة الحِنو صبَحهم منّا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
وخيل بكر فـما تنفكّ تطحنهــــــم حتـى تولّوا وكـاد اليــوم ينتصــف
وبين الحماسة والفخر وشائج قربى لأنّ كلا الأمرين يبرز قيم الجاهلية وقد عبّر الصعـــا ليك
الجاهليون عن رفضهم للفقر وافتخروا بصبرهم على الجوع كما قال الشنفرى :
وأستفُ تُرْبَ الأرض كي لا يرى له عليّ من الطول امرؤ متطوّل
3- الهجـــــــــــاء: وغرضه التقليل مـن قيمة المهجو ومحاولـة نزع القيــم الايجابيـة عنــــه ويعتمد علــى الصفات السلبية كالبخل والجبن والغدر والتقاعس عـن طلب الثأروالخيانة والفرار مـن الحرب وكان الشــاعر الجاهلــي الهجّاء يحصل على ما يريد اتقاء لشره ، يقول زهير بن أبي سلمى :
وما أدري وسوف إخال أدري أقـوم آل حصن أم نســاء
ويقول حسّان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طولٍ وعرض جسم البغال وأحلام العصافير
ولم يكن الشعر الجاهلي المعتمد على الهجاء فاحشاً كما فعل المتنبي مع فاتك الأسدي حيث قال :
ما أنصف القوم حنبهْ وأمّه الطرطبهْ
أو كما قال شعراء النقائض :
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم قالوا لأمهم بولي على النار
وقد أنكر النابغة الإفحاش في السباب والهجاء :
فإن يك عامر قد قال جهلاً فإنّ فطنة الجهـل السِّبــاب
فلا يذهبْ بلبْكَ طائشات من الخيلاء ليس لهنّ باب
وقد يصل الهجاء بالشاعر أن يهجو نفسه أو والديه كما فعل الحطيئة .
4- المـــــــــــــدح : يعتبرالإنسان المـدح كظاهرة نفسية جزءا مهما من حياته ، وهــو بطبعه مفطورعلـى ذلك ، يحب مـن امتدحه ، ويبغض مـن هجاه وظاهــرة المـدح عنــدالشـــــعراء
الجاهليين بدأت مكافأة ومحبة وانتهت تكســباً وبحثاً عـن العطايا ، وإذا كان العربــــي نزّاعاً للأخلاق الحميـدة ، والشــمائل الســامية ، فإنّــه أعجب كشــاعر بممدوحــه لـوجـود صفات الشجاعة والرأي السـديد والكرم والعفة وغير ذلك مـن الصفات المتناسبـة بالبيئة الجاهليـة ، وقــد يتداخل المدح بالفخر حينما يثني الشـاعر علـى فرسان القبيلة وأبطالها ، وربما تداخــل بالغزل حينما يريد الشاعر أن يصف أخلاق امرأة ما ، ولمّـا صارت ظاهرة المدح ظاهـــرة تكسب ، قَدِم الشعراء على الملوك الذين قدّموا لهـم الأعطيات ، وجعلوا مكانتهم مكانة سامية كما صنع الغساسنة والمناذرة مع النابغة وحسان والشعراء الآخرين ، وقد وصف مدح زهير بالصدق إذ لـم يكن يمدح الرجل إلا بما فيه . يقول زهير فـي مدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان اللذين تحملا ديات القتلـــى بين عبس وذبيان فــي حربهم التــي استمرت ما يقارب (40) عام :
يميناً لنعم الســـيدان وجدتما على كلّ حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشــم
وقـد كان مـدح الأعشى مختلفاً إذ أنّه كان متكسـباً فــي شــعره علــى حـد اعترافاته كمـا قال لممدوحه قيس بن معد يكرب :
فجئتـك تـرتاد مـا خبـروا ولولا الذي خبّروا لم ترنْ
فلا تحرمني بذاك الجزيلَ فإنـي امرؤ قبلكم لــم أهـنْ
أما حسان بن ثابت في جاهليته ، فقد كان يأتي من المدينة إلى منطقة الخمان في حوران لمدح
الغساسنة ، وقدأبرز صفاتهم العربية أيما ابراز وذلك في قوله :
لله درُّ عصابــــة نادمتهــــــم يوماً بجلّق فـي الزمان الأولِ
بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمّ الأنوف من الطراز الأول 5-الاعتـــــــــــــــــذار: وقدنشأهــذاالفن تحت ظلال المديح وتفرع عنه ، واتخذ مـن صفات الممدوح مطية له ، ويعد النابغة المؤسس الأول لهذا الفن بـد خلافه مع النعمان بن المنذروقد روى في ذلك أنّ النابغة قد اطلع على عورة الملك النعمان ، ونظم بذلك قصيدة يعرّض فيها
بصفات زوجة النعمان ، ومطلعها :
سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتناولته ، واتّقتنا باليد !
مما جعل النعمان ينقم على الشاعر ويهدر دمه فيفر النابغة بإرسال القصائد معتذراً إليه وقد
تميز الاعتذار بما يلي :
1- تداخل عاطفة الخوف والشكر والرجاء .
2- التلطف والتذلل والاسترحام .
3- اظهار الحرص على المودة .
يقول النابغة معتذراً :
فبت كأنـي ساورتني ضئيلـة مـــن الرّقش في أنيابها السمّ ناقع
فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع
وقـد كان الشــاعر بشر بن أبي حازم قد اعتذر مـن أوس بن حارثة الطائي بعـد أن هجاه الأول وأهدر دمه فاعتذر الشاعر عندما وقع في يده أسيراً :
وإني لراج منك يا أوس نعمة وإني لأخرى منك يا أوس راهب
فهل ينفعني اليوم إن قلت إنني سأشكر إن أنعمت والشكر واجب
6- الرثاء: وهـو فن لا يختلف مـن المديح إلا بكون الممدوح ميتاً اللهم إلا أن ذكرصفات
المرثي الحميدة تقترن بالحزن والأسى واللوعة على افتقاده، ولو رحنا نستعرض المراثي الجاهلية لوجدنا أن الشعراء قـد رثوا أشخاصاً يتميزون بالسيادة أو بالقرى ، فالخنساء قـد رثت أخاها صخرا حيث قالت :
وإنّ صخراً لتأتم الهداة بــه كأنـه علـمٌ فـي رأسـه نار
كما أنا نجد أبا ذؤيب الهذلي يرثي أولاده الذين فقدهم ، يقول :
أمن المنون وريبها تتوجــع والدهر ليس بمعتب من يجزعُ
كما أن المهلهل قد رثى أخاه كليب الذي قتله جساس المري في حرب البسوس ،يقول:
دعـوتك يا كليب فلم تجبني وكيف يجبنـي البلــدالقفارُ
سقاك الغيث إنك كنت غيثاً ويسراً حين يلتمس اليسارُ
ويتسم الرثاء عند الجاهليين بما يلي :
1- التفجع على فقدان المرثي .
2- اتصاف المرثي بالبطولة " حمّال ألوية، هبّـاط أودية " ...
3- اتصافه بالقيادة " للجيش جرّار" .
4- اتصافه بالسيادة وقت الأمن : " وإن صخراً لوالينا وسيدنا " .
5- اتصافه بالكرم في أيام الشتاء .
يقول دريد بن الصمة راثياً أخاه : لأن يك عبد الله خلا مكانه فما كان وقافاً ولا طائش اليد أما رثاء الشـعراء الصعاليك فقـد اتسم بالغضب والثورة وطلب الثأر كمـا صنـع الشــــــاعر الصعلوك تأبط شراً :
إن بالشـعب الذي دون سلع لقتيـلاً دمــه مـا يطـلّ
خلّف العبء عليّ ثم ولّــى أنا بالعبء لـه مسـتقل
ووراء الثأر مني ابن أخت مصقع عقدته ما تحـلُّ
7- الحكمـــــة: استقلت الحكمة كغرض من أغراض الشعرالجاهلي وكانت نتيجة للتجربة والبيئة المحيطة ولـم تكن صادرة عــن فلسفة مستقلة إذ أن الموت والاعتبار به قـد أفرز ظاهرة الحكمـة عنـد الشــعراء ولذلك نجد أن الشـاعر زهير بن جناب الكلبـي يوصـي أولاده بعد أن طال عمره وصايا أبرزها : " الموت مع شىء من العزة والقوة أفضل من الحياة مع الضعف " .
والموت خير للفتـى فليهلكنْ وبــه بقيــة من أن يرى الشيخ وقد يهادى بالعشية ، يقول علقمة بن عَبَدَه :
والحمد لا يشترى إلا له ثمن مما يضنُّ به الأقوام معلومُ
والجـود نافيـة للمال مهلكـة والبخل باقٍ لأهليه ومذموم ويقول طرفة بن العبد في وصف الموت :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد ويقول زهير :
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطىء يعمّر فيهرم وقد بلغت الحكمة في معلقته مبلغاً عظيماً فقد كانت فطرية بيئية متناسبة مع الحياة الجاهلية ولكنها مستقاة من الحنيفية دين ابراهيم :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمِ 8- الغزل والنسيب: وهو الغرض الذي أكثر الشعراء من الحديث عنه نظراً لتعلقه بالمرأة وما
تتصف به من محاسن ، والإنسان بطبعه يميل إلى المرأة أو العكس ، وقد اتسم الغزل والنسيب
بما يلي :
1- وصف المفاتن الجسدية للمرأة .
2- وصف الخصال المعنوية .
3- التودد إليها .
4- بث العواطف نحوها .
5- الشكوى من هجرانها .
وقد اتخذ هذا الغزل عند الجاهليين صوراً متعددة :
أ?- البكاء على الديار وذكر المرأة من خلال ذلك "مطالع المعلقات" كقول امرىء القيس :
قفا نبكي من ذكر حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل ب- صورة وصف الرحيل المتمثل بالنساء الراحلات ، يقول المثقب العبدي :
وهــن علــــى الجائــز مطلّبات طويلاتُ الذوائب والقــــــــرون
أرين محاســــناً وكنن أخــرى مــن الأجياد والبشـرَ المصـــون
جـ ـ صورة وصف مفاتن المرأة الجسدية ، يقول الأعشى :
غراء فرعاء مصقولٌ عوارضهـــا تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها مــن بيت جارتهــــــــا مـر الســــحابة ، لا ريث ولا عجــــــلُ
د ـ وصف الصفات النفسية كالعفة والحياء ، يقول الأعشى :
ليست كمـن يكـره الجيران طلعتها و لا تـراهـا بسـر الجـار تختتــــــــــل
هـ - وصف جرأة اقتحام الأخطار من أجل الوصول إلى المرأة ، يقول امرؤ القيس :
سـموت إليها بعـد ما نام أهلهـــــا ســمو حباب المـاء حالاًعلــى حــــال
والغزل الجاهلي مادي أحياناً وعفيف أحياناً أخرى وهما مدرستان انبثق عنهما الغزل العمري والغزل العذري ، يقول عنترة واصفاً شدة حبه :
وقــد ذكرتك والـرماح نواهـــــل مني وبيض الهنــد تقطر مـن دمـي
فوددتُ تقبيــل الســـيوف لأنّهـــا لمعــت كبــارق ثغــرك المُبَسِّـــــم
9ـ الوصف :
توزع غرض الوصف في الشعر الجاهلي في ثنايا قصائد الشعراء فكان وصفاً لما وقعت عليه عيون الشاعر وقد وصف هذا الشعر الجاهلي الناقة والفرس والأسد والليل وغير ذلك .
يقول عنترة يصف ناقته :
فوقفت فيها ناقتي وكأنها فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
ويقول امرؤ القيس في وصف الفرس :
مكـرّ مفـرّ مقبل مدبـرٍ معـاً كجلمود صخرٍ حطه السيل من علِ ِِ
كما أن الجاهليين وصفوا المرأة و وصفوا الطبيعة و وصفوا الحمرالوحشية ،
يقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرقٌ زجلُ
ويقول الأعشى في الخمرة :
وقد غدوت إلـى الحانوت يتبعني شاوٍ مشلٌ شلولٌ شُلشُل شوِلُ
نازعْتُهم ُقضبُ الريحــان متكئاً و قهوةً مُرةً راووقُها خضـل
يسعى بها ذو زجاجات له تطف مقلّص أسفل السربال معتمـل
امرؤ القيس
أ- نشأته وحياته : تذكر مصادر الأدب أنه كان في الجاهلية ستة عشر شاعراً تسموا باسم امرئ القيس ، والقيس فــي اللغة الصنم ، أما شاعرنا حندج بـن حجر ملك بنـي أسـد الملقـب بالملك الضليل أوبذي القروح ، فقد ولد عام اثنين وعشرين بعد المئة قبل الهجرة وتوفي عام اثنين وثمانين قبـل الهجرة أي ما يقارب من 500-540 للميلاد ، وهـو مـن قبيلة كنـدة اليمنية ، أبـوه حجـر أحـد ملوك نجـد وأمـه فاطمة ابنة ربيعة أخـت كليـــب ومهلهل التغلبيين. عاش حياته لاهياً منصرفاً إلى الشراب والصيد والنساء وقد قتل أبوه وهو مخمور فقال قولته المشهورة : " اليوم خمر وغداً أمر ، ضيعني صغيراً ، وحمّلني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ولا سكر في غد" . ثم أنشد قائلاً : خليليّ لا في اليوم حمل لشارب ولا في غد إذ ذاك ما كان يشرب
وقد لجأ امؤ القيس إلى قيصر الروم ومر في حوران ، فأنشد قصيدته المشهورة والتي منها: فلمـا بدت حوران والآل دونهـا نظرت فلـم تنظـر بعينيك منظرا وعاد راجعا بالفشل فحرض بعد خروجه من القسطنطينية فأنشد بعدها قائلا :
أجارتنا إنّ المزار قـريـب وإنـي مقيم مـا أقام عسيـب
أجارتنا إنا غريبان ها هنا وكل غريب للغريب نسيب
ب- شخصيته : أسهم في تكوين شخصية الشاعر تربيته في بيت والده كملك ومجالسته عليّة القوم واطلاعه على خفايا أمور لم يطلع عليها من هم في سنه ، وأثر في تكوين هذهالشخصية عاملان أساسيان :
الأول : حياة اللهو والعبث التي عاشها الشاعر ، والتي تمثلت في معلقته التي يقول فيها :
أفاطـم مهـلاً بعض هـــــذا التــدلل وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وإن كنت قـد ساء تك مني خليقــة فسلِ ثيابــي مـن ثيابك تنســــــــــــل
وقوله :
ويوم دخلت الخدر خـدر عنيــزة فقالت لك الويلات إنك مرجلـــــــــي
والثاني : مقتل أبيه ، الذي جعلـه ينهض مـن اللهو إلى طلب الثأر ولكن بنـي أسد الذين قتلوا والده لم يكترثوا لذلك فانطلق الشاعر يبحث عن وسائل النصرة وإن فشل في منتهاها ، يقول
مفتخرا بعزيمته على أخذ الثأر :
فدع ذا وسل الهــم عنك بجسـرة ذمول إذا صام النهار وهجّرا
عليها فتىً لم تحمل الأرض مثله أبر ّبميثاقٍ وأوفـى و أ صبرا
وقد فلسف خيبة أمله بقوله :
وقـد طوفت فـي الآفاق حتـى رضيت مـن الغنيمة بالإياب
ج- جوانب شــعره :وقـد نظـم امرؤ القيس فـي معظم الأغراض الشــعرية ، ولكنــه تفرّد بالوصف والغزل والصيد .
أ?- الوصف: امتلك الشاعر خيالاً واسعاً وثاقباً فـي الوصف واستطاع مـن خلال قصائده أن يصف لنا معظم مظاهـــر الصحـراء المحيطة بـه ، وأكثر ما ظهـر وصفه فــي وصـف الحصان حيث قال :
وقد أغتدي و الطير في وكناتها بمنجـردٍ قيــــد الأوابـــد هيكلـــــي
مكـرٍّ، مفـرٍّّ، مقبلٍ ، مدبرٍ معاً كجلمودِ صخرٍ حطّه السيل من علِ
و في وصف الطير الصطادة في بعض الأعشاش :
كأن قلوب الطير رطباً و يابساً لدى وكرها العناب و الخشف البالي
و في وصف الليل حيث قال :
و ليلٍ كموج البحر أرخى سد وله علــيّ بأنواع الهمــوم لِيبتلــــــــــي
و في وصف المفاتن الجسدية عند المرأة قال :
وجيـدٍ كجيــد الرّئم ليس بفاحشٍ إذا هي نصّتْــــه ولا بمعطّــــــــــــلِ
ب ـ الغزل عند امرىء القيس :
أجاد امرؤ القيس في وصف مغامراته و الحديث عن النساء إجادة كبيرة لأنه متفرغ لذلك فقد وصف الأطلال وصفاً بارعاً و تحدث عمّا تركته من أثرٍ في نفسه :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخـول فحـومــل
كما أنه يبدو معاتباً رقيقاً :
أغـرك منـي أن حبك قاتلـــــــي وإنك مهمـا تأمـري القلـب يفعــــل
وهو محب لمفاتن المرأة أكثر من حبه للقيم المعنوية :
إلــى مثلها يرنو الحليم صبابة إذا ما أسبكرت بين درع ومجول
و تضحي فتيت المسك فوق فراشها نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل
د ـ الحكم على شعر امرىء القيس :
يعد امرؤ القيس من شعراء الطبقة الأولى ، كما صنفه صاحب طبقات فحول الشعراء "ابن سلام" لتحيزه بما يلي :
1ـ أول من فتح الشعر .
2ـ أول من بكى الدمن و وصف الديار .
3ـ أول من قيد الأوابد .
4 ـ خسف للشعراء عين الشعراء على حد قول عمر بن الخطاب .
و ما يزال شعر امرىء القيس يقرأ إلى يومنا هذا و يدرس في الجامعات العربية و الأجنبية بعد ترجمته ، إذا أنه رائد من رواد الشعر العربي .
* * *
الوظيفة
ارجع إلى ديوان امرئ القيس واستخرج الأبيات الدالة على وصف الوادي ، الفرس ، الصيد ، البرق ، المطر ، السيول .
الحـــل:
المطر: سقـى واردات ، والقليب ولعلعـا مُلِثٌّ سماكـي مهضبة أيهبــا
فخرّ على الخبتين : خبتي عنيزة فذات النقاع فانتحى وتصوّبا
فلمــا تـدلّــى مـن أعالــي طميّـةٍ وأبسّت به ريح الصبا فتحلّبا
الفرس : قد أشهد الغادة الشعواء تحملني جرداء معروفة اللحيين سرحوب
كأن صاحبها ، إذ قام يلجمهــــا فغد على بكرة زوراء منصــوب
إذا تبصّرهــا الراؤون مقبلــــة لاحـت لهــم عزة منهــا وتجيــب
وقا منها ضَرِمٌ وجريهـا جـذم ولحمهــا زيم والبطـن مقبــــوب
يصف ذهابه إلى الصيد :
ألا عم صباحاً أيها الربع وانطق وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق
وحدث بأن زالت بليل حمولهـم كنخل مــن الأعراض غيــــــــر متبقِ
جعلـت حوايا واقتعدن قعائــــداً وحففـن مـــن حـوْك العـــراق النمّــق
وفــوق الحــوايا غـزلة وجاآذرٌ تضمخن مــن مســكٍ ذكــي وزنبـــق
ما تبعتهم طرفي وقد حال دونهم غـوا رب رمــلٍ ذي الاء وشــــبرق
* * *
الذبيانيابغ النة
آ ـ حياته و نشأته :
لم يستطع أن يحدد مؤرخو الأدب سنة ولادة النابغة و إن كانت وفاته في السنة الثامنة عشرة للهجرة حـوالي 604 م و قــد سمي بالنابغة لأن ذكائه برز بعـد سن الأربعين و هـو زياد بن معاوية بـن جناب يكنى أبا أمامة "أبا غامة" باسم ابنته ، وقـد اشتهر بعـلاقتـه ببلاط المناذرة أولاً والغسـاسـنة ثانياً،فقــد كان يمـدح امراءهم كالنعمان بـن المنــذر، وعمـرو بـن الحــارث وقد حدثت بين الشاعر والمناذرة جفوة بسبب قصيدته المسـماة " المتجـردة" وإن كـان بعض الرواة يقولون إن هناك شكاً فـي نسبة هـذه القصيدة لهذا الشاعر ، ومـن ثم عادت العلاقة بين الشاعر والملك النعمان .
ب?- شخصيته:
امتلك النابغة خصائص جعلته ذا مكانـة متميزة بيـن أدباء عصره ، فهـو رجـــل يميل إلـــى الاتزان ويمتلك كياسة وحسن التصرف إضافة إلــى حصافة أدبية وفكرية جعلته صاحــــب مشورة في قضيتين هامتين : قضية اجتماعية وقضية أدبية .
القضية الأجتماعة : إذ كان سفيراً لقومهم يمثلهـم فــي المناقشات و المعاهدات كمـا أنـه كان صاحب مشورة في تصنيف الشعراء إذ كانت تنصب له خيمة في سوق عكاظ يحكم بها بين الشعراء . يقـول النابغة محذراً قومه بعـدم الاقتراب مـن الأرض التي قـد حماها الغساسنة "وادي أقر" :
لقـد نهيت بنـي ذبيان عــن أمــر و عن تربعهم في كل أصفار
و قلت : يا قوم إن الليث منقبض علـى براثنه لوثبةِ الضـّاري
ج- شعره وأغراضه :
كتب النابغة في معظم أغراض الشعر وأجاد إجادة كبيرة في غرضي المديح والاعتذار ، ويتصف شعر النابغة بالصفات التالية :
1- البراعة في القول .
2- حسن اختيار الألفاظ .
3- تنوع المعاني.
4- الصورة الفنية الجميلة
وقد اتضح ذلك في قوله :
كليني لهمٍ يا أميمة ناصب وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعـى النجوم بآيب
وقوله:
فإنك كالليل الذي هـو مدركـي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
ويقول:
فإنك شمس والملوك كواكـب إذا طلعت لـم يبد منهن كوكــب
المديح عـندالنابغة : برع النابغة في غرض المديح ونظم في هذا الغرض الكثير من قصائده وقد مدح النعمان بن المنذر وعمرو بن الحارث ومن ذلك قوله في مدح الغساسنة :
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير عوازب
رقاق النعال ، طيب حجزاتهم يحيـون بالريحان يـوم السباسـب
ويقول في مدح النعمان :
فإنك شمس والملوك كواكـب إذا طلعت لـم يبد منهن كوكـب
ويقول أيضاً في مدح النعمان :
فما الفرات إذا هبَّ الرياح له ترمـي أواذيّه العبريـن بالزبــد
يوماً بأجـود منـه سيب نافلـةٍ ولا يحول عطاء اليوم دون غدِ
الاعتذار عند النابغة :
يعـد النابغـة الذبياني المؤسس الأول لفـن الاعتذار إذ أنـه برع فــي اعتذارياته للنعمان بعــــد القطيعة التي جرت بينهما وقد كان النابغة يقدم الاعتذار تلو الاعتذارويدبّج القصائد ليرضــى عنه النعمان ، يقول النابغة في داليته :
فلا لعمـر الـذي مسّحـتُ كعبتـه وما هريق على الأنصاب من جسد
ما قلت مـن سيّءٍ مما أتيت بـه إذن فلا رفعت سوطــي إلــيّ يـدي
ويقول أيضاً :
أتاني - أبيت اللعن- أنك لمتني وتلك التـــي أهتم منهــا وأنصـب
فبتّ كأنّ العائدات فـرشن لـي هراساً ، به يعلـى فراشي ويقشب
أماغزل النابغة فيعتمد النسيب والوقوف على الأطلال ، ولم ينسب للشاعر أنه كان متعلقاً بامرأة ما :
يا دار مية بالعلياء فالسنــــــد أقوت ، وطال عليها سالف الأمد
كليني لهمٍ يا أميمة ناصــــب وليلٍ أقاسـيه بطـيء الكـواكـــب
* * *
الوظيفة: قيل إن النابغة أحسن الجاهليين ديباجة وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتاًوأوضحهم كلاماً وأقلهم سقطاً وحشواً وأجودهم مقاطع وأحسنهم نطالع . ناقش هذا القول مبينا خصائص أسلوب النابغة من خلال ( المعاني ، الألفاظ ، التراكيب ، الصور ). مستشهداً بما في ديوان الشاعر من شواهد .
*
الأعشى (صناجة العرب)
نشأته وحياته:
ولد الأعشى ميمون بن قيس من قبيلة بكر بن وائل فــي منطقة اليمامة ، وكني بأبي بصير أو الأعشى لضعف بصره ، وليس هناك معلومات دقيقة عـن نشأته أكثـر مـن كونـه كان أعرابياً بدوياً لا تختلف نشأته عن نشأة أي بدوي من أفراد القبيلة وقد كان الأعشى كثير التجول يمدح شيوخ العـرب وأشرافهم متكسباً فــي شعره ، يراعـي مصالح قـومــه ويناصـر قبيلته ، أدرك الإسلام ولكنه لم يسلم ومات قرب اليمامة في السنة السابعة بعد الهجرة (629) .م
شخصيته:
عاش الأعشى شخصيته المعهودة بين الناس وعبّر من خلال شعره عن القضايا التي عاشهـا قومه دون أن يكون هناك أي عوائق في البيئة النفسية لهذه الشخصية حتى أن ضعف البصـر لديه لم يؤثر فيه ولـم يترك أي انعكاس سلبي علـى حياته فقـد بدأ حياته لمحبة اللهـو والغنـاء وانكب على شرب الخمرة ، ووصفها ولكنه لما أسنّ طرح الهوى وبحث عن الحكمة .
شعره ومعلقته:
امتازميمون بن قيس بنظم القصائد الطوال وبتحدثه عن فنون الشعر( المدح،الهجاء ،الفخـر، وصف الخمرة ، الغزل ). وقـد كان مدحه مبالغاً فيه ، يسرف فــي وصف الممدوح بالشجاعة والكرم وقــوة الشكيمة ، يقول الأعشى فـي مدح قيس بن معـد يكرب واصفاً إياه بالجرأة والشجاعة واقتحام الحــرب
أعزلاً :
وإذا تجـيء كتيبـة ملمومــــة خرساء يخشى الدارعون نزالها
كنت المقدّم غيــر لابس جُنّةً بالسيف تضرب معلماً أبطالهـــا
أما هجاء الأعشى فهو سخرية وتهديد ، يقول هاجياً يزيد الشيباني ومهدداً إياه :
ألست منتهياً عـن نحت أثلتنا ولست ضائرها ما أطت الإبــل
كناطحٍ صخرةٍ يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوغل
أما فخر الأعشى فقد اتضحت معالمه في معركة (ذي قار) وهو يوم انتصر فيه العرب على الفرس :
وخيل بكرٍ فما تنفك تطحنهم حتى تولوا وكاد اليوم ينتصف
وقد برع الأعشى فـي وصف الرياض ووصف الخمرة ، يقول فـي وصف صاحبته مشبهاً إياها بروضة خضراء :
ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل
يوما ًبأطيب منهــا نشـــر رائحـــــة ولا بأحسن منهــا إذ دنا الأصل
ويقول في وصف الخمرة :
وكأسٍ شربت علــــى لذةٍ وأخرى تداويت منها بها
لكي يعلم الناس أني امرؤ أتيت المعيشة مـــن بابها
وقد اقتبس أبو نواس هذا المعنى قائلاً :
دع عنك لومي فإن اللوم اغراء وداوي بالتي كانت هي الداء
وتعتبر معلقة الأعشى من شعر الطبقة الأولى عند العرب إذ وصفها ابن سلام طبقات فحول الشعراء في المرتبة الأولى ، وكان يونس ابن حبيب راوية العرب إذ سئل من أشعر الناس قال " امرؤ القيس إذا ركب ، والنابغة إذا رهب ،وزهير إذا رغب ، والأعشى إذا طرب " .
وقد قال المفضل الضبي : " من زعم أن أحداً أشعر من الأعشى فليس يعرف الشعر" .
*
معلقة الأعشى - ودع هـريـرة إن الركب مرتحــل وهــــــــل تطيق وداعاً أيهـا الرجــــلُ
- غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
- كأن مشيتها مــن بيت جارتهـــــا مـرّ السحابــة لا ريث ولا عجـــــــــــل
- تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كمــا استعـان بريح عشــرق زجـــــــل
- ليست كمن يكره الجيران طلعتها ولا تـراهــــــا لســرّ الجــار تختتــــــل
- يكاد يصــرعها لــولا تشددهــــا إذا تقـوم إلـــــــى جارتهــــا الكســــــل
- إذا تقـوم يضيع المسـك أصورة والزنبـق الـورد مــن أردانهــا شمــــل
- ما روضة من رياض الحزن معشبة خضـــراء جاد عليهــا مســبل هطـل
- يضاحك الشمس منها كوكب شرق مـؤزر بعميــم النبــت مكتهـــــــــــــل
- يوماً بأطيب منهــا نشــر رائحـة ولا بأحسن منهــا إذ دنا الأصــــــــــل
- قالت هريرة لما جئت زائرهــا ويلــي عليــك وويلــي منـك يا رجــل
- وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني شاو مشــل شــلـول شــلشـل شــــــول
- في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كـل مـن يحفـــى وينتعـــــــل
- نازعته قضـب الريحان متكئــاً وقهـوة مـزة راووقهـا خضـــــــــــــل
- سائل بني أسد عنا فقـد علمــــوا أن ســــوف يأتيك مــن أبنائنا شــــكل
- واسأل قشيرا وعبد الله قل : لهم واســأل ربيعة عنـا كيـف نفتعـــــــــل
*
عمروبن كلثوم
حياته ونشأته:
يعتقدأن عمرو بن كلثوم قـد ولد في مساكن الجزيرة السورية ، وهـو مـن بني مالك مـن قبيلة تغلب وهـي القبيلة المتعالية القوية التي قيل فيها لـو أبطأ الإسلام لأكلت بنو تغلب الناس. وقـد ولد الشاعر في بداية القرن السادس وأصبح سيداً لقومه في الخامسة عشرة ويعد من الشعراء الفرسان ، عاش ما يزيد على المئة عام ، وقد توفي حوالي الأربعين قبل الهجرة .
شخصية عمرو:
أسهم في بناء شخصية عمرو بن كلثوم عاملان أساسيان :
1- بيت الملك والمجد والسؤدد الذي تربى في كنفه الشاعر .
2- قتله للملك عمرو بن هند في مجلس الملك نفسه عندما أراد أن يجعل من أم الشاعر ليلى بنت المهلهل خادمة لأمه .
وقد بدا عمرو بعد ذلك شاعراً فارساً عزيز الجانب .
شعره ومعلقته :
نظم عمرو بن كلثوم في أغراض كثيرة منها: ( الفخر ، الغزل ، وصف الخمرة ، الحكم ... )
ولم ينظم في المديح لمكانته من قومه ، يقول مفتخراً بنفسه :
ألا لا يجهلن أحـــد علينــا فنجهل فوق جهل الجاهلين
إذا بلغ الفطام لنا صبــــي تخــرّ لــه الجبابر ساجدين
ويقول :
ورثنا المجد قد علمت معدٌّ نطاعـن دونه حتـــى يبنيا
أما معلقة الشاعر فتعد من روائع الشعر العربي ،وقد كانت قبيلة تغلب تعظم هذه المعلقة والتي تعتبر من عيون الشعر العربي حتى أن العرب كانوا يعلقونها مع المعلقات على أستار الكعبة المشرفة .
يعد شعر عمرو بن كلثوم حسن السبك ، واضح المعاني ، صافي الديباجة يصدر عن طبع غير متصنع وتبلغ معلقته مئة بيت مطلعها :
ألا هبي بصحنك وأصبحينا ولا تبقـي خمـور الأندرينا
طرفة بن العبد
حياته ونشأته :
ولد الشاعر طرفة بن العبد المسمى " عمرو بن العبد " في منطقة البحرين وقــد توفي والـده وهو طفل فكفله أعمامه ، وقضى طفولته راعياً للابل يميل إلـى البطالة واللهو وقول الشعر ، وقد هجا الملك عمرو بن هند فأضمر له السوء وحمّله رسالة إلى واليه في البحرين متضمنة قتل طرفة وفعلا قتله الوالي عام 62ق.هـ .
شخصية طرفة بن العبد:
تميز طرفة بشخصية ذات أبعاد متوثبة إذ كان شاباً ذكياً طموحاً وإن عاش حياة التشرد والضياع ، ويبدو ذلك في قوله :
وما زال تشرابي الخمور ولذتي وبيعي وانفاقي طريفـي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلهــــا وأفردت افراد البعير المعبــــــد
وقد كان الفارس الشجاع الذي يقف مدافعاً عن قبيلته وفي ذلك يقول :
إذا القوم قالوا : من فتى ؟ خلت أنني عنيت فلـــم أكسل ولـم أتبلــــــد
شعره ومعلقته :
يعد طرفة من الشعراء المقلين نظراً لحياته القصيرة ، فقد توفي فـي السادسة والعشرين مـن عمره وإن كان قد طرق موضوعات : الفخر ، الهجاء ، الوصف . أعظم ما في معلقته حكمه الخالدة في الموت والحياة ، يقول مفتخراً بنفسه:
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشــاش كـرأس الحية المتوقـــد
ويقول في ذكر الموت :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطولـي المرخى وثنياه باليـد
ويقول :
أرى العيش كنزاً ناقصا كل ليلة وما تنقص الأيام والدهــر ينفـد
ويقول واصفاً أطلال خولة :
لخــولة أطلال ببـرقـة ثهـمــــد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
ويعــد طرفة مـن الشــعراء المطبوعين ومـن ذوي الطبقة الأولى الذين ذكرهم ابن سلام فـي كتابــه .
عروة بن الورد
حياته ونشأته :
ينتسب عروة بن الورد إلى قبيلة عبس ، ويعد والده من أشراف القبيلة وشجعانها وكذلك كان عروة نفسه . أما أمه فتنتسب إلــى قضاعة وقــد امتهن عروة الصعلكة واعتبر زعيماً شعبياً للصعاليك لرعايته لهـم ومساعدته إياهم فـــي المواقف الضنكة ، إذ أنه يمتلك نفساً أبية تحمل الطوابع الإنسانية وقد تزوج من امرأة اسمها سلمى كان قد سباها فـي احدى غزواته . توفـي عروة في العام السابع قبل الهجرة .
جوانب شخصيته :
أثر في شخصية عروة عاملان رئيسيان دفعاه إلى الصعلكة :
1- مكانة أمه من قبيلة قضاعة التي كانت أقلّ شرفاً من قبيلة عبس إذ أن الشاعركان يحس بالعار من خلال انتساب أمه إلى نهد قضاعة :
وما فيّ من عار إخال علمته سوى أن أخوالي إذا نسبوا نهد
1- الواقـع الاجتماعي الذي عاشه الجاهليون الذي يميـز الإنسان عـن أخيه الانسان ويعطــي صفات لاناس دون اناس تبعـا للقبيلة أو للمال إذ أن ذلك دفــع قســما مـن الشــعراء إلــى الخــروج عـن التبعية للقبيلة وامتهان الصعلكة كـرد فعـل علـى هـذا الواقــع وعروة كان صعلـوكا قائـدا لجماعته لم يمتهن الصعلكة فقرا و انما نقمة على واقعه .
شعره :
تميز شعر عروة بالأنفة والكبرياء فهو مغامر لا يثنيه عن هدفه شىء ما ، وهو مجسد للفقر بصــوره البشعة تجسيداً رائعاً وهـو فـي الوقت نفسه إنساني اجتماعـي ، بطبعـه يميل إلــى مشاركته الناس فـي طعامه ، يقول عروة فـي معلقته واصفاً الفقر فـي نفوس أهله ومخاطباً زوجته التي كانت تقف حائلا بينه وبين السفر وتركها :
ذريني أطوف في البلاد لعلني أخليك أو أغنيك عن سوء محضري
ذريني للفتى أسعى فإنــــــــي رأيت النـــاس شـــرهــم الفقيـــــــر
ويقول أيضا واصفا حياة الصعاليك :
لحى الله صعلوكاً إذا جنّ ليله مضى في المشاش آلفاً كلّ مجزر
يعـد الغنى مـن نفسه كل ليلة أصـاب قـراهـا مـن صـديق ميسر
ينام عشاء ثــم يصبح طاوياً يحـت الحصى عـن جنبه المتعفـر
قليــل التماس الزاد إلا لنفسه إذا هو أمسى كالعريش المجور
يعين نساء الحـــي ما يستعنه ويمسي طليحا كالبعير المحسر
ويبدو أن المشاركة الاجتماعية كانت من صفاته ، إذ أنه كان يفتخر بأن طعامه مقدم للناس جميعاً ، يقول :
إني امرؤ عافي إنائي شركـة وأنت امرؤ عافـي إنائك واحـد
أقسم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد
وقد أعجب عبد الملك بن مروان بعروة وتمنى أن يكون من نسله ، كما أن معاوية تمنى أن يكون لعروة ذرية حتى يتزوج إليهم .
وظيفة : يعد المديح من أهم أغراض الشعر العربي في العصر الجاهلي ، لما يمتلكه من ابراز لمظاهر الممدوح وصفاته الاجتماعية والنفسية .
ادرس ظاهرة المدح في الشعر الجاهلي من حيث المعاني والصفات التي أضفاها المادح على ممدوحه من خلال شعر النابغة والاعشى .
*
بنية القصيدة الجاهلية
آ- مضامين القصيدة الجاهلية :
بصرف النظــرعـن اختلاف النقاد حـول طفـولة الشعر الجاهلـي أو وصول هـذا الشعر إلينا خالياً مـن العيوب ‘ فإن القصيدة الجاهلية التـي وصلت إلينا كانت متقنة الصنـع تتبـع أسلـوباً متميزاً وتنحو طريقاً متعارفاً عليه . وهذه القصيدة التي تولدت لدى الشعراء الجاهليين أتعبت في سيرها ومضمونها خطة تتمثل في :
1- المقدمة الطللية :
تكاد معظم القصائد الجاهلية تبدأ مطالعهـــا بالوقوف علـى الأطلال لما لذلك مـن علوقٍ فــي النفس إذا أن الأطلال : "الديار التي هجـرهـا الأحبة ، و أقاموا فـي مكان آخر" تمثل ما لدى الشاعر مـن تطلعات و أحاسيس تتعلق بالمرأة و النفوس كمـا يقـول ابن قتيبة محبة للغــزل ، ولايكاد يخلـو أحدٌ مـن أن يكون متعلقاً بالغزل أو مرتبطاً به ولذلك اعتمـده الشعراء لاستمالة أذان المتلقين وقـد علل النقاد الظاهرة الطللية عنـد العـرب بمسألة الانهـدام الحضــاري الذي أصاب الجزيرة العــربية فأصبحت دياراً خربة بعد أن كانت حضارة معمورة ومـن هنا بكى الشــعراء علـى أيام التألق وأصبح ذلك عادة عنـد الشـعراء ، وهـو يشبـه الحديث عــن بنات الأولمب من اليونان . يقول امرؤ القيس في مطلع معلقته متحدثاً عن أطلال محبوبته :
قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحومل فتوضح فالمقراةَ لم يعف رسمها لما نسجتهه مـــن جنوب وشمأل وقوفاً بها صحبي علــى مطيهم يقـولـون : لاتهلك أسىً وتجمــّل
ويقول زهير في مطلع معلقته : أمن أمِّ أومن دمنة لم تكلمـــــي بحـومانــة الـدّراج فالمتثلـــــم
وقفت بها من بعد عشرين حِجة فلأياً عرفت الدار بعــد توهــم
فلما عرفت الدار قلت لربعهــا ألا عمّ صباحاً أيها الربع واسلمِ
ويقول النابغة الذبياني :
يا دارمية بالعلياء فالسنـــــــد أقوت وطال عليها سالف الأبــد
وقفت فيها أصيلاً كي أسائلها عيّت جواباً وما بالربع مـن أحـد
2 ـ وصف مشاهد التحمل والارتحال :
وفي هـذا القسم تحدث الشعراء الجاهليون عن انعكاس أثر هـذا الرحيل الذي ارتبط بالأطلال والذي بزخر بالحبِّ والحزن والحنين بحيث نرى الشعراء يصفون رحلة النساء على الهوادج والجمال ، وما لذلك من أثرٍ في نفوسهم ، يقول زهير بن أبي سلمى :
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملّن بالعلياء من فوق جرثم علــون بأنماطٍ عتـــاقٍ وكِلّــــــــة ورادٍ حواشيـــها مشاكهة الـدم
بكرن بكوراً واستحرن بسحــرةٍ فهن ووادي الرَّسّ كاليد للفــم
ويقول عنترة في وصف الراحلة : إن كنت أزمعت الفراق فإنما زممت ركابكم بليلٍ مظلـــــــــمِ ما راعني إلا حمولة أهلهــا وسط الديار تسف حب الحمحم فيها اثنتان وأربعون حلوبة سوداً كحامية الغراب الأسحم
ويقول الشاعر بشر بن أبي حازم : ألا بان الخليط ولـم يزاروا وقلبك في الظعائن مستعــــار أسائل صاحبي ولقد أراني بصيراً بالظعائنِ حيث ساروا
3 ـ وصف المحاسن :
يتحدث الشعراء في هذا القسم عن وصف محاسن المرأة وجمالها الجسدي والمعنوي ، يقول الأعشى :
غراء فرعاء مصقول عوارضها تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
ويقول النابغة : نظـرت بمقلةِ شادنٍ متربّـــب أحــوى أحم المقلتين مُقَلــَّدِ
صفراء كالسّيراء أُكملَ خلقها كالغصنِ في غلوائه المتأوّد
4ـ وصف الرحلة والراحلة والطريق :
وقد تضمن ذلك رسم صورة الفرس والناقة اللتين هما وسائل النقل في ذلك العصر. وقد وفر الشعراء لهذه الوسائل صفات الصلابة والقوة والفخامة والشدة والصبر ، يقـول امرؤ القيس في وصف الفرس :
وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجــردٍ قيـد الأوابــدِ هيكــــــــــلِ
مكــرٍّ مفــرٍّ مقبلٍ مدبــرٍ معــاً كجلمود صخرٍ حطّه السيل من علِ
إذاً فحصان الشاعر يتميز بصفات مختلفة عن صفات مثيله فهو يستطيع في لحظة واحدة أن يتحرك حركات مختلفة بين الإدبار والإقبال إضافة إلى أنه منتخب الصفات :
له أيطلا ظبـــي وساقا نعامـــة وإرخاء سرحان وتقريب تتفلِ
ويقول طرفة في وصف ناقته :
وإني لأمضي الهمَّ عند احتضاره بعوجاء مرقالٍ ، تروح وتغتدي
أمونٍ كألواح الإران نصأتُهــــــا علــى لاحـبٍ كأنه ظهرُ برجــدِِِ
5 ـ الغرض الذي كتبت من أجله القصيدة :
وقد يكون هذا العرض مدحاً أو حكمة أو فخراً بنفسٍ أو قبيلةٍ ، يقول زهير بن أبي سلمى في الحكمة :
ومـــن يك ذا فضل فيبخل بفضله علــى قومه يستغن عنــه ويذمـم
ومهما تكن عند امرىء من خليقة وان خالها تخفى على الناس تعلم
ويقول عمرو بن كلثوم في معلقته مفتخرا بقبيلته :
ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا ووجه البحر غلؤه سفينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخرّ له الجبابر ساجدينا
*
بنية القصيدة الجاهلية ( نظرية عمود الشعر العربي )
يطلق مصطلح عمود الشعر العربي عند النقادالقدامى على الميزان والمعيار الرصين للشعر وقد تعارف العرب على أجزاء هذه النظرية واعتبروا أن الشعراء الذين حققوا عناصر هذه النظرية هم الشعراء المجيدون وقد ساهم في بلورة هذه النظرية نقاد : ( الآمدي ، القاضــي الجرجاني ، المرزوقي ). وتتألف هذه النظرية من
1- شرف المعنى وصحته : ومعياره عرض هذا المعنى على العقل الصحيح والفهم الثاقب ، فإذا قبله كان المعنى شريفاً:
أماويّ إن المال غادٍ ورائـــح ولا يبقى من المال إلا الأحاديث والذكر
2- جزالة اللفظ واستقامته : ومعياره الطبع والرواية والاستعمال ، كقول امرىء القيس:
وقدأغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكـــل
3-الإصابة في الوصف: ومعياره الذكاء وحسن التمييز ، كقول امرئ القيس :
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب وبحشف البالي
4-المقاربة في التشبيه : ومعياره الفطنة وحسن التقدير من خلال اشتراك المشبه والمشبه به في الصفة ( وجه الاستشهاد ) كقول الأعشى :
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل
5- غزارة البديهة : ومعياره سرعة استجابة الشاعر لموقف من المواقف .
6- كثـرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة : ومعيار الأمثال السائـــرة استعمال الناس لهذه الأبيات المتضمنة لها ، أما معيار الأبيات الشاردة استشهاد أهل النقد والشعر بهذه الأبيات ، كقول حسان بن ثابت :
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصــافير
وقول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
وقد زاد المرزوقي على عناصر الشعر ثلاثة .
7- التحام أجزاء النظم وائتلافها على تخير من لذيذ الوزن : ومعياره الطبع واللسان بحيث لايتعثرالطبع بأبنيته ، قال طرفه :
أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه خشاش ٌكرأس الحيــة المتـوقــد
8- مناسبة المستعار منه للمستعار له : وهــو ما سميناه المقاربة فــي التشبيه ومعياره الذهـن والفطنة .
9- مشاركة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائها للقافية : ومعياره كثرة مراس الشاعروطول الدربة، والمدارسة لديه بحيث يجعل الألفاظ مقسمة على رتب المعاني ، ويجعل الأحسن مـن الألفاظ للأحسن من المعاني بحيث تكون القافية كالموعود المنتظر الذي يتشوق الإنسان للقائه .
وعدت وكأن الخلف منك سجيةً مواعد عرقوب أخاه بيثربٍ
وقفت وما في الموت شك لوقف الفاظ خاصة لمعاني خاصة
لاتشتر العبد إلا والعصا معه الفاظ خسيسة لمعاني خسيس
* * *
زهير بن أبي سلمى
حياته ونشأته :
ولد زهير بن أبي سلمى عام (530) م وتوفي عام (627)م عن عمر يناهز(97) سنة وكان مولده في منطقة نجد عند بني ربيعة بن رباح المزني المجاورين لقبيلة غطفان ، وقد تربى في هذه القبيلة ، فالشاعر بشامة بن الغدير خالة وكان زوج أمه" أوس بن حجر " وقد تزوج مرتين فكانت امرأته الأولى " أم أوفى" والثانيـة "كبشة بنت عمار الغطفانية " وولد له : كعب ، بجير ، سالم ، وكانت له أختان هما : سلمى ، والخنساء وهما شاعرتان .
شخصيته :
تميزت شخصية زهيربالاتزان والرصانة والحكمة ساعده على ذلك تلقيه الشعر من خاله بشامة بن الغدير وزوج أمه أوس بن حجر ، اضافة إلى امتلاكه عقلا راجحا جعله يتبوأ منزلة عالية مع أسياد القبائل ، يدعو إلى الخير والصلاح ويعتقد أنه كان من الشعراء المتألهين : " الذين يدينون بالحنيفية " التي تعود الى سيدنا ابراهيم كما أن شخصيته الرزينة جعلته متعففا .وأبرز ما في شخصية زهير مدحه غير المتكسب ، وأنه كما قال فيه عمر بن الخطاب : "لا يقول بالرجل إلا بما فيه " .
معلقته:
تعد معلقة زهير من المعلقات " المصمتات" التي أثرت وحفظت منقبل العرب لذكرها أمرين هامين ، الاول : ذكر الصلح بين قبيلتي عبس وذبيان بعد حرب داحس والغبراء وما أداه سيدي بني مرّة هرم بن سنان والحارث بن عوف من ديات القتلى التي بلغت ثلاثة آلاف بعير .أما الأمر الثاني ما اشتملت عليه هذه المعلقة من حكم جليلة وآراء صائبة وضحت فلسفة العرب في جاهليتهم ، ووصفت حياتهم وطريقة عيشهم .
أقسام المعلقـة :
1- الوقوف على الأطلال .
2- وصف مشاهد التحمل والارتحال .
3- المديح .
4- وصف الحرب وويلاتها .
5- الحكم والأمثال .
الوقوف على الأطلال :
أمن أم أوفــى دمنة لـم تكلــــــم بحــومانـة الــدراج فالمتثلــــــم
ودار لــها بالرقمتين كأنــــــــها مراجع وشم فـي نواشر معصـم
بها العين والآرام يمشين خلفــة وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وقفت بها من بعد عشرين حجة فلأياً عـرفت الـدار بعـد تـوهــم
أثافي سفعاً فـي معرس مرجــل ونـؤياً كجلم الحـوض لـم يتثلــم
فلما عرفت الدار قلت لربعــها ألا عم صباحاً أيها الربع واسلـم
المقدمة الطللية ترمز عند الشاعر زهير الى الماضي المحبب لديه خاصة أنه يتحدث عن زوجته السابقة أم أوفى التي طلقها وبقي متعلقاً بها . إنها ترمز إلى حياة العرب المتنقلة ، وما يحدثه ذلك التنقل من فراغ في النفس يبعث الحزن والشجا ومن هنا كان الشعر الجاهلي عاطفي أو وجداني تتمحور عاطفته على الجانب الإنساني ، ان ما رآه الشاعر في تلك الديار المقفرة ليعيد إليه صورة البقر الوحشي والظباء وأولادها اللواتي كنَ يبعثن الحركة والحياة في النفس والوجود والتي تحولت بعد ذلك إلى بقايا حجارة سوداء تذكر بمراجل الطبخ التي يكاد لا يميزها الشاعر إلا بصعوبة كبيرة ، والصور والأخيلة في هذه المقدمة تبدو صادقة لأنها تعبر عن واقع يعيشه الشاعر أبرزه لنا بصورته الصحيحة .
وصف مشاهد التحمل والارتحال :
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن تحملن بالعلياء من فوق جرثم
جعلن القنان عن يمين وحـزنــــه وكم بالقنان من محل ومحرم
علـــون بأنمـاط عتـــاق وكلّـــــة وراد حواشيها مشاكـــهة الدم
ظهرن من السوبان ثم جزعنــــه علــى كــلّ قيني قشيب ومفأم
وورّكن في السوبان يعلون متنه عليهـن دلَ النـاعــم المتنعـــم
كأن فتات العهن فـي كـل منزل نزلن به حـبّ الفنا لـــم يحطــم بكرن بكورا واستحرن بسحرة فهــن ووادي الرس كاليد للفـــم
فلمــا وردن الماء زرقا حجامه وضعن عصي الحاضرالمتخيم
وفيهن ملـهى للطيف ومنظــــر أنيــق لـعين الناظـــر المتــوسم
المستوى المعنوي :
الشاعر استقى معانيه من البيئة المحيطة به ، وهي معاني ليست جديدة ولا تحتاج إلى إعمال الفكر من أجل فهمها ، وهي شريفة لأن العقل الصحيح والمنطق السليم لا ينفر منــها ، ذلك أنه لـم يتعرض فـي معانيه للمـرأة مباشرة ، بل وصفــها مـن خلال صورة متكاملة وليست مرتبطة بالمغامرات كما عند طرفة وامرئ القيس .
المستوى العاطفي والخيالي :
بدت عاطفة الشاعر عاطفة حب تنطلق من ذاته وتعبر عن مكنونات نفسه ، وهي عاطفة صادقة لأنـها تعبـر عـن غريزة إنسانية شريفة ، وتنظر للمرأة علــى أنـها عنصر جمالي وروحي في هـذه الطبيعة . صوّر الشاعر ثياب النسوة المرتحلات باللـون الأحمـر وجعــل فتات العهن أيضاً بهـذا اللون ، كما صور اليد مـن الفم ، وصــوره بـدت روحية لا جسدية تشكل هـذه الصـــورة لــوحة فنية وهــي تهتــم بالجزئيات وتتصف بالواقعية لأنـها عبرت بأسلوب التشبيه عـن واقع صورة من صور الارتحال العربي .
المستوى الأسلوبي :
بدت ألفاظ الشاعــر جزلة لأن حروف كلماته تملأ الفـم ( اللام ، الميم ، الكاف ، القاف ... ) وهي مستقاة من الواقع الصحراوي الذي يرمز الى صعوبة الكلمات ومع ذلك فقد خدمت هـذه الألفاظ معانـي الشاعـر وعبـرت عـن مكنونات نفسه ، واللغـة عنـد الشاعر موجزة وهـي لغة تعبيرية وتصويرية فـي جـوانب أخرى ، ولهذه الألفاظ طاقة موسيقية تريح الأذن عنــد سماعــها . أما التراكيب فقـد غلب علـى جملها الطابـع الخبـري ، وهـي فـي معظمها قصيرة الطول رسمت معاني وعواطف الشاعر بشكل دقيق .
المستوى المعنوي :
وصف الحرب بأنها آلة تقتل الناس وتترك أولادهم ضعافاً ، وأن قيام الحرب لم تكن برأي حصين بن ضمضم فقد ستر ما عرفه عن حقيقة تلك الحرب ولـم يقتل ذلك العبسي إلا بمفرده . وهـي معان شريفة أراد الشاعـر منها أن ينفر مـن حالة الحـرب وأن يبعد شبح الحرب عن قبيلتي عبس وذبيان ، والعقل السليم بما أشار إليه زهير .
المستوى العاطفي :
حملت أبيات الشاعر إنسانية مفعمة بالمحبة والشفقة على فناء أهل القبيلتين وعلى ما يحدث لأبنائهم مـن تشرد ووصف . وهـي عاطفة صادقة لأن الشاعـر لا يقول بالرجل إلا بما فيه .
المستوى الخيالي والتصويري :
اكتظت الأبيات بالاستعارات التي أبرزت المعاني بشكلها المعبر والملفت للإنتباه فالحـرب نار تحرق ورحى تطحن وتعـرك وناقة تحمل توأمين وناقة تنتج غلمـان الشؤم وهـي أرض تغل بالقتلى كما أن الرجـل الذي قتله حصين بن ضمضم يشبه الأسد واستعمل كناية أم قشعم ، وبذلك بدا الخيال عند الشاعر آلة تصوير حساسة تلتقط أدق الصور الواقعية التي تجعل النفس تتقزز ذكر الحرب .
المستوى الأسلوبي :
نظـراً لكـون زهير أحـد أركان المدرسة الأوسية التـي تعتمـد المحاكاة فـي الشعر واختيار الألفاظ المعبـرة الجـزلة فقـد كانت ألفاظـه خادمة للمعانـي بحيث جعـــل الحـرب طعاما يذاق وصفه ندم ، ونادرا ما يحس حـرارتـها . وهــي ألفاظ جزلة حروف ( اللام ، الميم ، الكاف، القاف ـ ذقتم ، تعرككم ، تلقح ـ تضلل، ضمضم)
أما تراكيبه فقـد كانت متناوبة بين الطول والقصر فمـن التراكيب القصيرة ( تلقح كشافا ، ترضع ، تفطم ) ومن التراكيب الطويلة : ( جرئ مني يظلم يعاقب بظلم)
( إذا طلعت إحدى الليالي بمعظم ).
الحكمة والأمثال:
لعلّ كونه من الشعراء الحنفاء جعله يبثّ حكمته في تضاعيف شعره ، ويدعو المتلقين لشعره في قبيلته وبين القبائل الأخرى إلى التعقل والتأني والصبر وأخذ الأمور بموازين الرضى بالأقدار ومصانعة الناس واظهار القوة والشجاعة والتجلد ، يقول زهير في وصف القضاء والقدر :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه وإن طال أسباب السماء بسلم
ويقول في وصف ضرورة مداراة الناس ومجاملتهم والتعاون معهم :
ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضّرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ويقول زهير في وصف دور الشجاعة والقوة والدفاع عن النفس والقبيلة :
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم
وقد تميزت حكمة زهير بأنها مستقاة من التجربة الواقعية وليس من الخلفية الفلسفية ومن هنا أعجب عمر بن الخطاب بزهير وخاصة بيته القائل:
إنّ الحقّ مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء
الخصائص الفنية والشعرية لشعر زهير بن أبي سلمى :
نظراً لكون زهير من مدرسة عبيد الشعر : ( بشامة بن الغدير ، وابناه كعب وبجير ، الحطيئة ، وجميل بن معمر ) . فإنه اهتم بالصناعة الشعرية لديه اهتماما كبيرا ، حتى قيل إن زهير يكتب القصائد الحولية المحككة ، ولو أن استقينا الخصائص الفنية عند هذا الشاعر لوجدنا أنه يتميز بميزات جعلته من شعراء الطبقة الأولى كما ذكر ابن سّلام .
1-الخصائص الفنية للمعاني : طرق زهير معظم أغراض الشعر وعبّر عن أغراضه بمعان شريفة سامية جليلة ، فهو اذا مدح ارتقى وإذا تغزّل تعقل في غزله، وإذا عرض تجاربه كانت حكماً وأمثالاً والشواهد معروفة لدينا .
2-الخصائص الفنية للألفاظ : عبّر زهير عن معانيه السالفة الذكر بألفاظ تميل إلى التجميل (الإيجاز ) في الألفاظ ، واختيار هذه الألفاظ اختياراً عقلياً وعاطفياً وشعورياً بحيث تكون مستقاة من بيئة الشاعر الجاهلية فلا يذكر في المدح إلا ألفاظاً تتلبس معاني الممدوح تلبساً واقعياً وهي ألفاظ جزلة في موطن الجزالة ورقيقة في موطن الرقة ( بكرن بكورا ، استحرن بسحرة ، أطراف الزجاج ).
3-الخصائص الفنية للخيال والصور: امتلك زهير خيالاً واسعاً اعتمد عليه في رسم صوره وإن غلّب التشبيه على هذه الصور كما هو الحال في معظم الشعر الجاهلي ومن ذلك قوله : فهن ووادي الرس كاليد للفم . وهو تشبيه حسي مجسم : فتعرككم عرك الرحى بثفالها . استعارة تعتمد على التخيل المجسم الواقعي : يضرّس بأنياب ويوطأبمنسم . كناية عن الذم والإذلال : أي الرجال المهذب . ايجاز فيه من الحذف.
4-خصائص الشعور والعاطفة : تميزت مشاعر زهير تجاه ممدوحيه بالصدق ، والصدق الفني بحيث بدت عاطفته صادقة ، لا تفارق ولا تغاير ما وقع في أحاسيسه تجاه هؤلاء الممدوحين .
عنترة بن شداد
حياته ونشأته :
ينتسب عنترة إلى قبيلة عبس التي تسكن في منطقة نجد ، يكنى بأبي غلس ، ولقب بالفلحاء لشق في شفته السفلى ، كانت أمه أمة حبشية سوداء ، وكان أبوه من سادات عبس رعى عنترة الخيل ودرّب نفسه على الفروسية ، فكان فارساً لا يشق له غبار ، اضطر والده للاعتراف به وألحقه به بعد انتصاراته المذهلة ، أحبّ ابنة عمه وتعلّق بها وأمضى حياته مسترضياً إياها وتوفي بعد حياةٍ حافلةٍ بالفروسية من سهم أصيب به في احدى غاراته وقيل انه مات برداً ، وقد عمّر على الاغلب ووصل الى سن التسعين .
شخصيته :
تميزت شخصية عنترة بالقوة والشجاعة والفروسية وأثر في تكوين هذه الشخصية عاملان رئيسيان : الأول شدة سواده وانعكاس ذلك على الجانب الاجتماعي والثاني : تعلقه بابنة عمه ومحاولاته إثبات تفرده وتميزه ليمضي بقبولها يقول عنترة :
إن كنت في عدد العبيد فهمتي فوق الثريا والسّمال الأعزل
آثاره :
ترك عنترة قصائد شعرية جمعت في ديوان تجاوز(1500) بيت في الحبّ والفروسية والشجاعة وأكثر أشعاره نضجاً معلقته التي تجاوزت السبعين بيتاً وشرحها الزوزني وغيره .
معلقته :
كتب عنترة معلقة كغيره من شعراء المعلقات وأظهر فيها براعة في النسج ، اضافة إلى أنه رسم فيها معالم شخصيته وطموحه وقد قسمت المعلقة إلى الأقسام التالية :
أ-الوقوف على الأطلال .
ب-مشاهد التحمل والارتحال .
ج-وصف المحاسن .
د-وصف الناقة.
هـ-البطولة والفروسية
و-خاتمـــة.
الوقوف على الأطلال : وقف عنترة العبسي كغيره من الشعراء على أطلال محبوبته فبكى الديار مستفهماً ومتسائلاً ومعبراً عن مكنونات نفسه التي تعلقت بالأحبة تعلقاً شديداً :
يا دارعبلة با لجواء تكلمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعــــد أمّ الهيثــــــــم
ويمثل هذا الوقوف على الأطلال عند عنترة ظاهرة الحب الحقيقي لا التقليد الأعمى ، فهو محب صادق مخلص يتفانى في سبيل إثبات الوجود وانتزاع التقدير من المحب :
ولقد نزلت فلا تظني غيره منّي بمنزلة المحب المكرم
مشاهدالتحمل والارتحال : إذا كان عنترة العبسي من الشعراء المخلصين الصادقين بحبهــم فإنه يتعلّق بمحبوبته تعلقاً شديداً يجعل عليه من الصعب أن يرى بأم عينيه رحيل أحبته دون أن يستوقفه ذلك المشهد الحزين ولذا وجد لزاماً عليه أن ينقل لنا هذه المشاعر الفياضة التي تبرز لحظة الفراق ليلاً مظلماً : إن كنت أزمعت الفراق فإنما زمّت ركائبكــم بلــيل مظلـــــم ما راعني إلا حمولة أهلـــها وسط الديار تسف حَبّ الخمخم
إنه يشعر بالهلــع والخوف أمام هــذا المشهد الذي يجعله يعود إلـــى الظلام النفسي المغترب والمقترن بالغربان السود .
وصف المحاسن : وصف عنترة محاسن عبلة وصفاً برعاً وأبرزها بين نظيراتهــا شخصية متميزة بصفات الكمال التي تنظر إلى المرأة على أنها عنصر انساني لا تستقيم الحياة إلا به ، لا علــى أنها مفاتن جسدية تتعلـق بالغرائز والشهوات وهــذه سمة مـن سمات أكثر الغـــــزل الجاهلــي الذي يعتمــد الحشمة والوقار فلا يصف مـن المرأة إلا مبسمها ورائحة المسك التـي تتضوع من عارضيها :
إذ تستبك بذي غروب واضح عـذب مقبلــه لذيــذ المطعـــــم
وكأن فارة تاجر بقســــــيمة سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفاً تضمّن نبتهـا غيت قليل الّدمن ليس بمعلــــم
وصف الناقة : أسقط عنترة على ناقته التي اسعفته بالوصول إلى دارعبلة صفات انموذجية ، فهــي ناقة قــد ترعرعت بمنطقة الشدينة التي لا تنتج الا الابل المميزة وهــي تمشــي مشيــة متميزة تهشم ما يقع تحت خفيها ، وهي ناقته الأنوفة لا تقبل أن تشرب إلا من حياض العرب فإذا بركت على الأرض أحدثت صوتاً مجلجلاً وكنا ننتظر من هذا الفارس أن يصف فرسه أو حصانه الذي يشتكي أحياناً إليه من خوضه غمار الحرب دون أن يشتكي فارسه :
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علــم الكلام مكلمـــــي
وهي من قصيدة مطلعها :
يا دار عبلـة بالجــواء تكلمــــي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
وصف البطولة الفروسية الخلقية والحربية : تميز عنترة العبسي واشتهــــــر بالبطـولة والتضحية ، إذ أنه فارس يحمل أخلاق الفرسان العرب في السلم والحرب فهويته في السلم تتمثل في :
1- رفض الضيم . 2-إنفاق المال . 3-شرب الخمور دون إضاعة العقل 4- صوت العرض. 5- يحمي المرأة . 6- لا يطلـــع علــى أسرار الجارات والجيران.
أما صفاته في الحرب: 1- يمتطي صهوة جواده دائماً . 2- لا ينازل إلا الأبطال الشجعان . 3- يهزم الجيش العرمرم . 4- لا يهرب حين البأس . 5- لا يستسلم حين يحزن .
6-يعاجل نزيله بطعنة قاتلة . 7- يترك قتيله جزر السباع . 8- يتعفف عند الغنائم.
الخصائص الفنية لشعر عنترة :
تميز شعر عنترة العبسي بالخصائص الفنية التالية :
1- الذاتية : ( الغنائية ، الوجدانية ) : وتتمثل فــي حديث الشاعـر عـن خصائصـه النفسية والخلقية والاجتماعية فهو فارس بطل مغامر مخلص في حبه مدافع عـن قومه :
ناديت عبساً فاستجابوا بالقنا وبكل أبيض صارم لـم يبخل
2-الصدق والواقعية : لم يكن عنترة في وصفه لنفسه ولشدة حبّه لعبلة مبالغاً فقـد كان صادقاً واقعياً في رسمه لعواطفه ولنفسيته :
ولقد نزلت فلا تظني غيره منّي بمنزلة المحبّ المكرم
3-استخدام روح الحكاية والسرد : إذ أنّ عنترة قد روى حوادث بطولاته ومواقفه البطولية والغرامية على شكل حوار :
فتركته جزر السباع ينشنه ما بين قلة رأسه والمعصم
4-الاهتمام باللوحات التصويرية : إذ أن عنترة عرض بطولاته على شكل لوحات تتألف مـن جزئيات فنية متكاملة من الألوان والأصوات والحركة :
والخيل تعلم والفوارس أنني فرّقت جمعهم بطعنة فيصل
والخيل ساهمة الوجود كأنما تسقى فوارسها نقيع الحنظل
الموضوعات الشعرية عند عنترة :
كتب عنترة العبسي معظم أشعاره في موضعين رئيسين هما : ( الفخر ـ الحب ).
أولاً-الفخر عند عنترة : استدعت حالة عنترة العبسي المتمثلة فــي سواده وكونـه ابن أمة ،أن ينهض بنفسه وأن يحاول أن يجعــل مـن شخصيته شخصيــة متفـردة ومتميــزة ، والأهم مـن الشجاعــة فـي ذلك العصر ، إن القوة وخـوض المعارك عـوامل مهمة فــي تكوين الشخصية ونظراً لكـون عنترة قـد أحبّ ابنة عمه فقـد أظهر مـن الشجاعة ليثبت أمامها تميزه ومـن هنا نجده يفتخر بشخصيته ويكثر مــن ذلك حينما يريد أن يعبر لعبلة عـن مكنونات نفسه وحبّه ، يقول عنترة مفتخراً بنفسه:
أثني عليّ بما علمت فإننـــي سمح مخالقتي إذا لم أظلـــــــــم
فإذا ظلمت فإن ظلمــي باسل مـرّ مذاقتـه كطعــــم العلقـــــــم
ويقول أيضاً في وصف شجاعته :
هلا سألت الخيــل ياابنة مالك إن كنت جاهلة بما لــم تعلمــــي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وإذا كان الفخر الذاتي قد طغى على شعره فإن فخره بقبيلته كان نزراً قليلاً ، كما في معركة عراعر :
فإن يك عز في قضاعة ثابت فإن لنـــا بـرحرحان وأسقف
كتاتب شبها ًفـوق كلّ كتيبـة لواء كطلّ الطائر المتصرف
ويقول مفتخراً بقبيلته :
وفوارس لـي قـد علمتهـــم صبر علــى التكرار والكلــم
كم مـن فتىً فيهم أخـي ثقة حـر ّأغـرّ كغـرّة الـريــــــــم
الحب عند عنترة : لم يكن الحب عند عنترة تقليداً من التقاليد بقدر ما كان تعبيراً عن عاطفة صادقة تجاه عبلة فقــد أحب الشاعر ابنة عمه وخاض غمار المـوت ليثبت لها حبه وأعلن في معلقته أن منزلتها في قلبه منزلة عظيمة :
ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم
وكثيراً ما اشتكى عنترة من البعد عن محبوبته فقال :
ياعبل كم يشجى فؤادي بالنوى ويروعني صوت الغراب الأسود
ولم يكن عنترة ينسى ذكر محبوبته حتى في ساحات الموت :
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعـت كبارق ثغرك المتبســم
النثر في العصر الجاهلي
تعريفه : يقصـد بكلمة النثر كل ما قيل مـن كلام غيـر موزون وغير مقفى ، وهـو ضربان : نثر عادي ـ نثر فني .
فالنثر العادي ما عبـر عـن قضايا بلغـة لا تحمل قيما بلاغية والنثر الفنـي ما عبـر عـن مـواقف بلـغة فنية بلاغية مقصودة والنثـر فـي العصـر الجاهلــي إذا ما قيس بالشعـر كان نزيرا لأسباب متعددة إضافة إلى أن حظ العرب في العصر الجاهلـي
كان قليلاً فـي الكتابة والتأريخ والأدب في حقيقته تأريخ بلغة فنية . ولا تعرف من الكتابة عند العرب إلا ما كان يصفه أمية بن أبي الصلت وهو من الشعراء الحنفاء الذين كانوا يكتبون الكتاب العبراني ( يترجمون الكتاب المقدس مـن العبرية إلـى العربية ، وما ورد عـن ورقة بن نوفل الذي كان أيضاً يكتب الكتاب العبرانـي ) .
ميزات النثر الجاهلي : 1- أنه وليد الطبع . 2- بعيد عن الصنعة والزخرف والغلو. 3- اعتماده على السجع 4- قوة الألفاظ ومتانة التراكيب 5- سطحي الفكرة 6- لا توجد روابط بين الأفكار 7- ينزع إلى الإيجاز والموسيقا في الجملة والأسلوب .
فنون النثر الجاهلي :
اعتمد الجاهليون فـي حياتهم علـى الشعر والنثر واعتبروا أن النثر وسيلة للتفكـه والتعليم والعمل الاجتماعي والسياسي وأهم فنونه :
1-المثل والحكم : المثل عبارة تضـرب لحوادث مشبهة للحوادث الأصلية وقـــد اهتم المفضل الضبي وأبو عبيدة وأبو هلال العسكري فـي كتابه جمهرة الأمثال. والزمخشري في كتابه الأمثال ، وقد رتبت على حروف الهجاء ( المعجم ) مع ذكر القصص المتعلقة به ومن الأمثال التي ضربتها العرب والتي خالفت قواعد النحو :
- مكره أخاك لا بطل 0 - اعط القوس باديها .
ومن الأمثال الجاهلية :
- تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها . - مفضل الرجل بين فكيه . - أسمع جعجعة ولا أرى طحنا . - من أجدب أنتج .
وممن اشتهر بضرب الأمثال لقمان المنسوب إلى عاد التميمي .
الحكمـــة : قول رائع موافق للحق ، سالم من الحشو ،يأتي نتيجة الخبرة ومن أشهر الحكماء : أكثم بن صيفي وعامر بن الضرب العدواني ، ومن أقوال أكثم في الحكمة :
- ويل للشجي من الخلي . - لم يذهب مالك ما وعظك . - ادّرعوا الليل فإنه لخفي للويل. - إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد . - ليس من العدل سرعة العذل .
ومن حكم العرب :
سوء الظن منجاة وحسن الظن ورطة .
ظلم اللسان أنكى من السنان
الخطأ زاد العجول
من ضاق صدره اتسع لسانه .
و قد يكون المثل في الأصل حكمة درجت على ألسنة الناس كثيراً .
الخطابـــة
للخطابة شأن عظيم عند الجاهليين يضاهي الشعر ، إذ أن هذه الخطابة كانت نظرا لعدموجود قوانين مدونة ، ونظم حكومية يلجأ إليها للدفاع عـن النفس والقوم والقبيلة ومفاخــــرة القبائل الأخرى والدعوة إلى الصلح في المواسم والمحافل . وقد اختلف الدارسون في منزلة الخطيب فاعتبرها البعض كعمروبن العلاء فوق منزلة الشاعر نظرا لتكسب الشعراء بشعرهم ،وردها الجاحظ إلى كثرة الشعراء وقد كان للعرب الجاهليين سنن خاصة فـي خطابتهم كأن يخطبون وهم يركبون رواحلهم في المواسم أو أن يقفوا على نثر من الأرض وأن يشيروا أثناء خطبهم بالعصي والقسي والقنا وقـد امتدح الدارسون فــي الخطيب جهارة الصـوت وفخامته وظهـور المحبة وثبات الجنان وذموا البهر عند الخطيب والارتعاش والرعدة والحصر والعـي وأهـــم ميزات الخطابة الجاهلية قصر العبارة وكثرة الحكـم والأمثال واللجوء إلـــى السجــع القصير الفواصل مع الإحاطة بالتجويد والصور ومخارج الكلمة ومن أشهر الخطباء الجاهليين عمرو بن معد يكرب ،عمرو بن كلثوم ، أكثم بن صيفي ، عمرو بن الأهتم المحقري وتعد قبيلة تميم من أشهر القبائل العربية خطابة .
الـوصايا : وهـي قطعة نثرية تشبه الخطبة تحمل في طياتها تجربة من التجارب تقال علـى شكل حكم ونصائح قد تكون من أب إلى أبنائه ، أو من أم إلى ابنتها ، أو مـن زعيم إلى أفراد قبيلته ، كوصية أمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس عند زواجها .
سجع الكهان : وهـو نوع مـن الكلام يعتمد إلــى الجمـل المترادفة والمتوازنة والمتزاوجـة يستخدمه الكاهن الذي يدعي معرفة الغيب في قضية من القضايا التي تعترض فردا أوجماعة تلجأ إليه ويزعم هذا الكاهن أنه ينطق باسم الآلهة ، وأن الجن مسخرة له يحركها كيفما أراد وقد ذم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف الذهاب الى الكهان ونفى القرآن الكريم صفة الكهانة عن الرسول عليه السلام ومن أشهر المتكهنين فـي الجاهلية : سطيح الذئبي ، وابن مصعب الأغاري وعزّى سلمة ، المأمـور الحارثـي ، خنافـر الحميري ، عـوف بن ربيعــة الأسدي ، ومسلمة الخزاعي .
القصص : لم تكن قصص العرب الجاهليين تحمل في طياتها أكثر من أحاديث السنة ، وأيام الحروب والوقائـع كيوم داحس والغبراء ويوم ذي قار، تحمــل هـذه القصص الكثيــرة مـــن الخرافات والأساطير وقد صور كتاب شرح النقائض لأبي عبيدة وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني لأيام العــرب فـي حروبهم وسلمهم وقــد حرّف الرواة الكثيرمـن هـــذه القصص وزادوا فيها وأدخلوا فيــها خرافات الحيوانات وقصص الجن ، والعفاريت والشياطين .
***
الشعر في صدر الإسلام
1-الواقـع السياسي : كانت الجـزيرة العـربية مقسمة مـن الجانب السياسي إلى مناطق تتحكم فيها القبائل ، وإذا كانت إمارات كنـدة والغساسنة والمناذرة قــد بـدأ الضعف يدب فيهــا . فإنّ مكة المكـرّمة إبان نزول وحــي السمــاء إليها لـم تكـن لتشكل مملكـة أو دولة مستقلـة ، إذ أن التجـار يتحكمون بــها ويديرون سؤونـها السياسية فيعقدون الأحلاف ويخـوضون الحـروب ، ويحمـون تجارتهـم إلــى الشام واليمـن بأنفسهم ، بينما كانت المدينة المنورة ، يهيئ فيها عبـد الله بن أبي سلول ليتوج ملكاً عليها ، وكان يسكن المدينة فئات مـن اليهـود وتتمثل فـي قبائل : النفير ، قينو قاع قـريضة . وقـد كانت الحياة السياسية فـي كلا المصرين قائمة علـى زعامة القبائل ولـم يتعد ذلك ، فلما جاء الإسلام واستقر الرسول فــي المدينة أنشأ أول دولـة عربية تستمــد قوانينها مـن القـرآن الكــريم وتقيم نظـاما سياسيا قائما علـى مبدأ الشورى ومساواة الحاكــم للمحكــوم ، واعتبـار المنصب السياسي مسؤولية وعبء كبيــر يتحمله الخليفة أو الأمير ضمن قاعدة : (الإمارة تكليف لا تشريف ).
2-الواقع الاجتماعي : نزل القرآن الكريـم فـي مدة تتجاوز اثنين وعشرين عاما علـى قـوم انتشرت بينهــم عادات سميت فيما بعـد بالعادات الجاهلية ، تعتمـد هــذه العادات علــى مبـدأ الصراع الاجتماعـي القائـم علـى الأخـذ بالثأر واعتبـار المرأة غنيمة ، وعـدم توريث النساء إضافة إلـى انتشار عادات شرب الخمـور ، واتخـاذ الحياة واللهو فيها غاية بحد ذاتها . وقـد استطاع القرآن الكريم بمفاهيمه الجديدة أن ينزع مـن نفوس هؤلاء الأعراب الرواسب التـي ذكرنا ها وأن يعيـد بناء الجانب الاجتماعي من حياة الإنسان بناء سليما أثر فيما بعد بالشعراء والأدباء وأسهم في نقل الفرد العربي من حياة إلى أخرى .
الواقع الفكري والأدبي : لقـد كان العرب أثناء وقبل نزول آيات القرآن الكريم قوما يؤمنون بالسحر والكهانة ويقيمون حياتهم الفكرية علــى مجموعة من الأساطير ويعتقدون أن الشعر مستمد من الجن الذي تسكن وادي عبقر وأن لكل شاعر جني ذكر أو أنثى يمده بما يقول من أشعار ، وقـد كان بعض الشعراء يتفاخرون بأن جنيّه ذكر وأن الجن الذي يمدون غيره مـن الإناث إضافة إلى أن القلة من العرب
تؤمن بالنصرانية واليهودية بينما الأغلـب يقيم على الشرك ، ويعتقـد أن الملائكة بنات الله ، وأن الأصنام والأوثان ما هـي إلا آلهـة صغيـرة تشفع لهـم عنـد الإلـه الأكبر ، وأن البيت الحرام كان يحتوي على ثلاثة منه وستين صنـم ، وقـد يصنع العربي الجاهلي صنمه مـن التمـر ، فإذا ما جاع أكله . وبمجيء الإسلام ونزول القـرآن انبهـر العـرب بهـذه البلاغـة التـي يحملها فانصرفـوا عـن الشعـر وبدؤوا يحاولون فهـم هـذا الكتاب الجديـد إضافة إلـى أن الفتوحات الإسلامية قــد جعلت الشعر تكدس سوقه قليلا ، خاصة وأن خيرات البلاد الأخرى قـد انفتحت عليهم ، وأن هؤلاء العرب بدؤوا يحملــون هـذا القرآن إلــى الأقوام الأخرى ولم نعـد نسمع ذكرا للشعر إلا ما كان يأتي عفو الخاطر يتحدث عن وقائع العرب إذا خلا هؤلاء القوم إلى الحديث عن ذكرياتهم ، ومع ذلك فإن هذا العصر ( عصر الإسلام ) لم يتجاوز أربعين عاما إلا أنه حفل بأكثر من مئة شاعر .
* * *
الخنســـــــاء
-حياتها ونشأتها : ولدت الخنساء عام 575 م ـ وتوفيت عام 644 م على أفضل التقادير وهي تما ضر بنت عمــرو بن الشريد مـن بني سليم تربت فــي بيت سيادة ، إذ أن أباها وأخويهــــا معاوية وصخرمن سادات القبيلة ، وقد تزوجت من رواحة ابن عبد العزيزالسلمي ابن عمها، ثم انفصلت عنه بعد أن أنجبت منه ولدا ، ثم تزوجت مر داس بن أبي عامر وأنجبت منه يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة ، فجعت الشاعــرة بفقــد أخويها معاوية وصخر وبكتهما بكاء مرا ، أدركت الخنساء الإسلام ووفدت علــى الرسول عليه السلام مـع قومها وأنشدته مــن شعرهـا ودفعت أولادها الأربعة للمشاركة في معركة القادسية ، فلم تجزع عليهم جزعها على أخويها لأنـهـا كانت تدرك أنهـم فـي الجنـة ، وقـد توفيت الخنساء فـي أول خلافـة عثمـان بن عفـان رضي الله عنه .
لقبت الخنساء ولتأخــر أنفها عـن الوجه مـع ارتفاع قليل فـــي الأرنبة . وهـي صفة أكثر ما تكون في الظباء 0
وقد رفضت الخنساء بعد موت زوجها مر داس بن أبي عامر الزواج من الشاعر در يد بن الصمّة معللة ذلك بكبر عمره .
شخصيتها : تميزت الخنساء بامتزاج صفتي لين الأنوثة وشدة الرجولة مع عاطفة جياشة ، إذ أنها كانت فــي الجاهلية تفد إلــى سوق عكاظ وتنشد أشعارها فــي خيمة النابغة تسابق حسان والأعشى ، ولكـن موت أخيها صخـر الذي كان العون الكبير لهـا جعل عاطفتها تتفجر حزنا عليه مما جعل بعض النقاد المعاصرين : يوسف سامي اليوسف يطلق عليها:/ الكستراالعرب/ تقول الخنساء :
يذكرني طلوع الشمس صخرا وأذكره لكل غروب شمس
حتى أنها لتكاد تقتل نفسها أسفا عليه :
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
والسبب في تفجع الشاعرة على أخيها صخر وعدم نسيانه أنه كان يمنحها شطر ماله كلما أتلف زوجها ماله :
فلا والله ما أنســــاك حتــى أفارق مهجتي ويشق رمسي
فقد ودّعت يوم فراق صخر أبــي حسّــان لذّاتـي وأُنسـي
وقد أدى بها كثرة البكاء إلى أن تصاب بالعمى فتتحول إلى امرأة صبور لا تملك إلا أن تقول عند سماع خبر مقتل أبنائها الأربعة : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ...وأرجو أن يجمعني بهم في مستقر رحمته .
شعر الخنساء : تشير الباحثة الدكتورة عائشة عبـد الرحمن إلى أن الخنساء شاعـرة جاهلية كانت تفد إلى خيمة النابغة وتنشد أشعارهم بينما يشير مؤرخو الأدب إلى أن الخنساء شاعرة مخضرمة عاشت العصرين الجاهلي والإسلامي وقالت شعرا في كلا العصرين ولكن شعرها في رثاء أخيها صخر قد غلب على معظم شعرها تقول:
أعنــي جـودا ولا تجمــــدا ألا تبكيان لصخـر الندى
ألا تبكيان الجريء الجميل ألا تبكيان الفتــى السيـدا
وتجمع الشاعرة في مراثيها بين الحزن والفخر:
قذىً بعينك أم بالعين عــوّار أم ذرّفت ، إذ خلت من أهلها الدار
وإن صخرا لتأتم الهداة بــه كأنــه علـــم فــــــي رأســـه نــار
ومـن أروع ما روي عـن الخنساء قصيــدة رائية صـورت مشهـد سباق بين أبيها وأخيها صخر سبق الأب فيها الابن :
جارى أباه فأقبلا وهمـــــا يتعـاوران ملاءة الفخـــــــر
حتى إذا نزت القلوب وقـد لزّت هناك العــذر بالعـــذر
برزت صفيحة وجه والده ومضى على غلوائه يجري
وهمـا كأنهمـا وقــد بـرزا صقران قــد حطّا علـى وكر
حسان بن ثابت
نشأته وحياته : ولد حسان بن ثابت بن المنذر بن حزام النجاري ، الخزرجي فـي المدينة المنورة عام سبعين قبل الهجرة ، وتوفـي فـي زمـن معــاوية عام 54هـ ـ 674م وقد عاش مئة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام وهو شاعر مخضرم وفد على الغساسنة في الشام ، ووفد على المناذرة فــي الحيرة ثم وقف شعره بعد قدوم الرسول إلى المدينة على المنافحة عن الدين الجديد .
شخصيته : كان حسان بن ثابت فارسا لا يشق له غبار ، بنى شخصيته الشعـريـة مـن القيم التـي استقاها أيام جاهليته ، وبعــد إسلامه ، ولكنـه بقـي متميـزا بسرعة الانفعال والاعتزاز الشديد بنفسه والمبالغة في التعصب لقومه ، اتهمه بعض النقاد بالجبن لعدم مشاركته مع الرسول في غزواته مع أنه كان مصابا بعلة إضافة إلـى كبر سنّه منعاه من ذلك ، وقد وصفه الرسول عليه السلام بالأسد قائلا : قـد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضاري بذنبه . داعيا حسان لقتال المشركين .
شعره : كتب حسان في معظم أغراض الشعر العربي مدحا وهجاء وفخرا ورثاء وخمرا وغزلا ، ومن مديحه ، يقول :
لله درّ عصــابة نادمتهــــــم يوما بجلــق في الزمان الأول
بيض الوجوه كريمة أنسابهم شم الأنوف من الطراز الأول
ومن شعره في الفخر والهجاء قوله في هجاء ابن الأسلت أحد سادة الأوس :
ألا أبلـــغ أبا قيس رســــولا إذا ألقـــى لـــها سمعـا تبين
نسيت الجسر يوم أبي عقيل وعنـدك مـن وقائعنــا يقين
تشيب الناهـد العـذراء فيهـا ويسقط من مخافتها الجنين
قتلتــم واحــدا منّا بألـــــف هلا لله ذا الظفــــــر المبين
ومن هجائه لأبي سفيان حين تعرض للرسول عليه السلام ، يقول :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجـــوه ولست له بكفء فشركما لخيــركما الفداء
يغلب على أسلوب حسان الرقة وسلاسة التعبير فهو حضري شعره مشوب بالعاطفة والانفعال الظاهر جعله ابن سلام أشعر الشعراء الإسلاميين .
الحطيئة
نشأته وحياته : هو جرول بن أوس العبسي ، لــم يضبط تاريخ ميلاده وإن كانت وفاته في 59 هـ ـ 678م يقال إن أمه بضراء وهي أمة من الإماء ، وقيل أن نسبه كان مغمورا ، فكان ينتقل بنسبه بين القبائل ، أسلم في أواخر حياة الرسول ، ثم ارتد مع المرتدين من قومه ، ثم عاد بعد عودة المرتدين . لقب بالحطيئة لقصره ودمامة وجهه .
شصيته : عاش الحطيئة شاعرا هجاء أثر في شخصيته عاملان مهمان الأول قصره وضعف جسمه وقبح وجهه ، والثانــي اضطـراب نسبه فليس لــه أب معين وأمه جارية ، عاش حياته ناقما على المجتمع مقذعا في هجائه ، ولم يسلم من هجائه أمه التي قال عنها :
جزاك الله شرا مـن عجــوز ولقاك العقوق من البنين
أغر بالا إذا استودعت سرا وكانونا علـى المتحدثين
ثم أنه هجا نفسه وسبب ذلك حرمانه من عطف الأب وحنان الأم ورعاية المجتمع دفعه إلى التكسب بشعــره فقره وامتناع أخوته لأبيه مــن مشاركته بمالهم ، وصفه بعضهــم بالجشـع والإلحاف ولكنه كان محبا لزوجته (أم مليكة ) وأولاده حبا شديدا فإذا ما صفت نفسه ، دعا إلى التقوى واعتبرها مفتاح السعادة :
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقــى هـــو السعيــد
وتقوى الله خيـــر الزاد ذخرا وعنــد الله للأتقــى مزيـــد
وقد اولع الشاعر بالسخرية حتى قيل أنه عندما حضرته الوفاة طلب أن يحمل على أقان ، لأن الكريم لا يموت في فراشه .
شعره : كتب الحطيئة معظم شعره في المديح والهجاء وأجاد في كليهما ، فإذا ما تحدث ومدح ذكر المآثر والمفاخر كما في مدحه أحد أشراف بني شماس : يسوسون أحلاما بعيـــدا أناتهــــــــا وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدّ مطاعين في الهيجا مكاشيف للدجى بنـى لهـم آباؤهـم ، وبنـى الجـــدّ
ويقول في مدح بني أنف الناقة :
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
أما هجاؤه فقد كان مقذعا كما في قوله في هجاء الزبرقان :
دع المكارم لا ترحــــل لبغيتها واقعــد فأنت الطاعــم الكاســـي
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
وقد سجنه عمر بن الخطاب بعد أن شكاه الزبرقان فقال مستعطفا :
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاعفو ـ عليك سلام الله ـ يا عمــر
وقد أخرجه عمر بن الخطاب واشترى منه أعراض الناس بخمسة آلاف درهم . يعد الحطيئة أول من كتب القصة الشعرية عند العرب وذلك عندما قال قصيدته التي مطلعها :
وطاوي ثلاث عاصب البطن مرمل ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما
وهــو أحــد فحـول الشعـراء إذ أن شعره متين السبك ، جيد العبــارة جزل الألفاظ ، وعميق المعاني .
*
الأخطـل الكبير
نشأته وحياته : ولد الأخطل الكبير غياث بن عوف التغلبي في البادية الحيرة سنة 201هـ ـ 640 م وتربى في أحضان زوجة أبيه بعد أن فقـد أمه صغيرا ، فأساءت معاملته وقــد كانت نشأته فــي أرض الجزيرة السورية حيث يقطن التغالبة ، وظهـر الشعــر مبكرا عنـده فهــاج مجموعة من الشعراء كعب بن جعيل ، ودافع عن السيدة رملة بنت معاوية حين تعـرض لهـا عبـد الـرحمن بن حسان بن ثابت فـي شعـره فهجا الأخطل بطلب من يزيد بن معاويةالأنصار قائلا :
ذهبت قريش بالمكارم والعلا واللؤم تحت عمائم الأنصار
وقد تميز الأخطل بأنه شاعر الخليفة عبد الملك بن مروان وأنه كان أحد الشعراء الثلاثة الذين شكلـوا فـن النقائض توفي غياث بن غوث فـي خلافة الوليد بن عبـد الملك سنة 92هـ ـ 710م
شخصيته : علـى الرغم من صلة الأخطل بملوك بني أمية فقد بقيت نظرته إلـى الحياة نظرة البدوي الذي يهوى التنقل ، ويرفض الإقامة في دمشق . وقد أثر في شخصيته عاملان : الأول : الانتساب إلى قبيلة تغلب وقد كان ذاك مدعاة للأنفة والتعالي عندهم . والثاني : سوء المعاملة التي لقيها من زوج أبيه ، وقد دفعه ذلك إلى الهجاء منذ الصغر .
جوانب شعره : كتب الأخطل في الأغراض الهامة ، فمدح وافتخر وهجا ووصف الخمرة .
مديحه: اتجه مديح الأخطل إلى الأمويين أصحاب السلطة والمكانة وزعماء العرب ودافع عن حقيقتهم في الخلافة وأشار إلـى مكانتهم وإلـى عظمة خلفائهم وهـو أحـد أعلام شعراء الحزب الأموي الذين كانوا دعاة لسياسة الأمويين يقول الأخطل مادحا الأمويين :
حشد على الحق ، عيافو الخنا أنف إذا ألمت بهـم مكروهة صبروا
أعطاهــــم الله جدّا ينصـــرون به لا جدّ إلا صغيـر بعــد محتقـــر
شمس العداوة حتى يستقاد لهـــــم وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا
وهذه الصفات التي أضفاها الشاعر على الأمويين هي صفات المدح عند الجاهليين ، مما يدل علـى أن القيم فـي الدين الجديد لم تخترق نفس الشاعر بعـد مرور ثلاثة أرباع قرن من الزمن علـى انتشار الإسلام ، فهـم يستحقون الخلافة لا لأنهم عادلـون ، منصفـون ، يقيمـون شعـائر الدين ، بل لأنهم ينتسبون إلى جدّ كان زعيما من زعماء العرب .
فخــــره : نظرا لاعتداد الشاعـر بانتسابه إلـى قبيلة تغلب فقـد افتخـر الشاعـر بشجاعة أبناء قبيلته الذين انتصروا على قبيلة تميم في منطقة الكلاب قرب البصرة وفي ذلك يفتخر الأخطل رادا على جرير :
ردت تميم بالكلاب لو أنــــها باعـت هناك زمانــها بزمان
والخيل تردي بالكماة كأنـــها يوم الكلاب ، كواسر العقبان
برجال تغلب كالأسودومعشر قتلوا طريفا فـي بنـي شيبان
وليس لفخر الشاعر أي مزية جديدة ، تدل على تأثره بالواقع التراثي الجديد .
هجاؤه : توجه شاعرنا الأخطل بهجائه إلـى جرير غالبا وإلـى عشيرته كليب ، فإذا ما هجا تحير هجاؤه بالفحش والإقذاع ، كقوله :
أما كليب بن يربوع فليس لهم عند التفارط إيراد ولا صدر
قوم أنابت إليهم كل مخزية وكل فاحشة سبت بها مصرو
ومن هجائه لقوم جرير قوله :
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم قالوا لأمهم بولي علـى النار
الخمرة عند الأخطل : اهتم الشاعر بوصف الخمرة وذكرها في شعره على الرغم من الواقع الاجتماعي الذين تميز النظرة إلـى الخمرة واعتبرها حـدا مـن حدود الله يعاقب شاربها ومـن ذلك قوله مادحا إياها :
وكأس مثل عين الديك صرف تنسي الشاربين لــها العقولا
إذا شـرب الفتـى منـها ثلاثـــا بغير الماء حاول أن يطـولا
ميزات شعر الأخطل : تميز شعره بجزالة الألفاظ وصعوبتها ووضوح المعاني ، وقد اعتبره النقاد تلميذا نجيبا للنابغة الذبياني ، فقد طبع هذا الشاعر وقال شعره دون تكلف .
***
الفرز د ق
نشأته وحياته : ولـد الفرز دق ، همام بـن غالب بـن صعصعة التميمــي سنة ولادة الأخطل 20هـ ـ 641م ونشأ بين مدينة البصــرة والبادية فجــده صعصعة محيـي الموؤدات إذ كـان يفتديهن بالمال وقد عرضه والده على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأشار عليه أن يعلمه القرآن . ولقب بالفرز دق لغلظ فـي وجـهه ، والفـرز دق هـو العجين غيــر الخامـر . لــم يكن الفرزدق مناصرا للأمويين من أعماقه إلا أنه كان يتردد على عاصمتهم دمشق ثم ما يلبث أن يعود إلى البادية . توفي الفرزدق عام 114 هـ - 732م .
شخصيته : طغت البداوة علـى شخصية الفرزدق ، فكان يحـمل نفسا خشنة تمتـــد بنشأتــها وبأصالة نسبها فقـد كان يتمسك بمآثر قـومه ، فيبيع ابله وينثر أموالها على الناس ، وقد يجير كما يصنع آباؤه مـن يطلب الاجارة علـى قبر أبيه ، تميز الفرزدق بأنـه فاحش النطـق خبيث الهجاء ، ضعيف الانتماء ، لأنه تقلب بانتمائه بين الأحزاب السياسية في العصر الأموي .
شعره : تطرق الفرزدق بشعره إلى معظم الموضوعات والأغراض ولكنه لم يفلح إلا في فني المديح والهجاء . المديح عند الفرزدق كان مواليا في أعماقه بني هاشم وإن أبدى مسالمة لبني أمية ، ويظهر ذلك من مدحه لعلي بن الحسين زين ( زين العابدين ) حيث يقول :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هـذا ابن خير عباد الله كلهـــــم هذا التقي النقي الطاهر العلـم
ما قال لا قط إلا فـــــي تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعـــم
الفخر عند الفرزدق : نظرا لاعتداد الشاعر بمكانة آبائه وأجداده ، فقد برع في محاولة ابرازه والاتكاء عليهم في اثبات وجوده ، يقول مفتخرا بقوله :
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول
أحلامنا تـزن الجبال رزانة وتخالنا جنا إذا ما نجهل
الهجاء عند الفرز دق : إن كون الفرزدق أحد شعراء النقائض الذين دارت بينهم معارك في المهاجاة جعلته يهتم بهذا الفـن اهتماما كبيرا ويبرع فيه بحيث برز كشاعرهجــاء تبوء المنزلة العالية يقــول الفرزدق مهاجيا جرير :
ضربت عليك العنكبوت بنسجها وقضى عليك به الكتاب المنزل
إن الزحام لغيركــــم فتحينـــوا ورد العشي إليه يصفــو المنهل
يابن المراغة : أين خالك إنني خالـي جيش ذو الفعال الأفضل
القصة الشعرية عند الفرزدق : كتب الفرزدق القصة الشعرية في محاورة جرت بينه وبين ذئب جائع جسد فيه هذا الشاعر شخص (جسد ) هذا الذئب وجعله محاورا محبب إلى القلب على الرغم من شراسته :
وأطلس عسال وما كان صاحبا دعوت بناري موهنا فأتاني
فلما دنا قلت : أدن دونك إنني وإياك في زادي لمشتركان
يتسم شعـر الفرزدق بمتانة الألفاظ وكثرة الغـريب فيها وشعـره موطـن اجتماع لعـلماء اللغة وديوانه سجل لأيام العرب ومناقبهم ومثالبهم ولولا شعر الفرزدق لذهب نصف أخبار الناس وقد قيل : جرير يغرف من بحر ، والفرزدق ينحت في صخر .
جميل بن معمر
حياته ونشأته : ولد جميل بن معمرالعذري سنة 40هـ -660م في منطقة وادي القرى شمال الحجاز، بالقرب من المدينة المنورة في منطقة تسمى اليوم العلى – وهي مدائن صالح – وتوفي عام 82هـ ـ 701م فـي مصر بعـد أن ترك الحجاز بسبب فشله فـي الوصول إلـى ما أراد من الزواج من ابنة عمه بثينة . وعادة قبيلة عذرة أنه إذا اشتهر الحب بين رجل وامرأة رفض أهلهــــــا تلك المرأة لذلك الرجل وهذا ما حدث مع جميل ، حيث تزوجت بثينة وعاد إلى ذكرها في شعره مشكاة أهلها إلى الوالي الذي أهدر دمه فرحل إلى الشام ثم إلى مصر .
شخصيته : يحمــل جميل بن معمــر نفسية صريحة تتسم بالبساطة والسذاجة والوضــوح اهتـــم بالجانب الروحي مــن العشق وكرّس حياته دون أن يصل إلى الهدف ، وقد وصفه مؤرخو الأدب بأنه عاشق متيم عصف الحب بقلبه وعبر عن ذلك بأشعار تدل على توحده في القضية التي يبحث عنها. وقد حلل النقاد المهتمون بالجانب النفسي من الأدب شخصيات الشعراء العذريين فذهب بعضهم إلــى أن هذا النوع من العشق والغرام ما هو إلا عقدة نفسية لم يستطع هؤلاء الشعراء التخلص منها ، وهــي من وجهة نظرهم ظاهرة نقص ، لا ظاهرة كمال . وذهب آخرون إلى أن العذريين أكثر الناس صدقا فهــم قــد بلغــوا بذلك بعض الكمال الإنساني مــن حيث الوفاء للقضية التي يدافعون عنها .
جوانب شعره : صوّر جميل بن معمر في معظم أشعاره صورة معشوقته بثينة بأجمل تصوير ، وعبّر عن عواطفه الصادقة تجاهها وبكى واشتكى مما كان يلاقيه من العنت والعذاب والمرارة أثناء ابتعاده عنها فهو شاعر يحمل الفتى الغزل الذي يقنع من دنياه بالقليل من الحب ، ولو كان ذلك بكلمة (لا) أو كلمة ( أن ) ، أو بالمنى وبالأمل أو بالنظرة الواحدة :
وإنــي لأرضــى مــن بثينة بالـذي لو بصره الواشي لقرّت بلابله
بلا وبأن لا أستطيـــــع وبالمنـــــى وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله
وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي أواخـره لا نلتقـي وأوائلـــــــه
وجميل محب يملك قلبه الحب على الرغم من مطالبته بالقليل :
لها في سواد القلب بالحب ميتة هي الموت أوكادت على الموت تشرف
وما ذكرتك النفس يا بثن مـرة مـــن الـدهـــــــر إلا كادت النفس تتلف
وكثيرا ما كان شاعرنا يتمنى بعد غيابه عن وادي القرى أن يبات ليلة واحدة في مسقط رأسه وأن يلتقي ولو مرة واحدة بثينة :
ألا ليت شعري هل ابيتنّ ليلة بوادي القرى إني اذن لسعيد
وهـــــل ألقينْ فــردا بثينة مــرّة تجـود لنا مـن ودّها ونجــود
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل إلى اليوم ينمي حبّها ويزيــد
وقد كان الشاعر يتمنى أن يزداد عمر بثينة ولو كان ذلك نقصا من عمره ، ويعتبر أن شفاؤه وسعادته معلقة بيدها حتى أن الناس إذا رأوه هزيلا نسبوا ذلك إلى بثينة :
وددت علـى حب الحياة لــو أنـــها يزداد لها من عمرها من حياتيا
وأنت التـي إن شئت كدرت عيشي وإن شئت بعــد الله أنعمت باليـا
وأنت التي ما من صديق ولا عدى يرى يفنو ما أبقيت إلا رثى ليـا
وفي الوقت الذي كان فيه بنو أمية مشغولين بالجهاد والفتوح كان جميل ينشد بعض أشعاره لائما إياهم على دعوته للجهاد :
يقولون جاهد ياجميل بغزوة وأي جهاد غيرهن أريـــد
لكـــل حديث عندهن بشاشة وكــل قتيل بينهن شهيــــد
ولم يتغنى جميل بحب بثينه إلا بعاطفة صادقة ولسان عفيف وصبابة مشوبة بنغمة حزن تملئ نفس الشاعر وتأخذ قلبه كلّه .
عمر بن أبي ربيعة
حياته ونشأته : فـي أجواء مكة المكرمة وفـــي بيئة كثر فيهــا الجواري الفارسيات والروميات وانتشر فيهـــا الغناء وتدفقت أموال الفتوحات ، ولـد الشاعر عمـر بن أبي ربيعة المخزومي سنة 23هـ مـن أسرة ثرية وتوفي أبوه قبل أن يتجاوز عمره( 12) فتربى في كنف أمه تربية دلال ونعيم فـي المأكل والملبس وشابا أنيقا جميلا تدفق ينبوع الشعرعلى لسانه، ابتعد عـن الأحزاب السياسية فـي عصره ، وتجول فـي الحجاز واليمـن والعراق والشام ، وأصبـح هـذا الشاعـــر شخصية خيالية واضطربت أخباره كاضطـراب شخصية عنترة . وقــد انقطع فــي أواخـر حياته عــن اللهو والطيش وحلف ألا يقول بيت شعر إلا أعتق رقبة .
توفي عمر بن أبي ربيعة سنة 93هـ له ديوان شعر يشتمل على بضعة آلاف بيت أغلبها فـي الغزل .
الأغراض الشعرية عنده: علـى اعتبار أن الشاعر عمر بن أبـي ربيعة قـد انصرف عن السياسة واتجه إلـى حياة اللهـو والترف فإن شعره قـد انصب علـى المرأة وما يتعلق بها مـن محاسن ومجالس انس ووقوف على الأطلال .
1ـ الوقوف على الأطلال : لم يحاول الشاعر في معظم قصائده أن يلتزم نهج القصيدة الجاهلية ، وإن حرص أحيانا في أن يكون مقلدا في وقوفه على الأطلال ، فهـو فـي بعض قصائده يطيل الوقوف علـى هــذه الأطلال وفي بعضها الآخر يهمل تلك الوقفة وقد يقف على الأطلال في نهاية القصيدة :
أعرفت يوم لوى سويقة دارا هاجت عليك رسومها استعبارا
وذكرت هندا فاشتكت صبابة لولا تكفكف دمــع عينيك مارا
ويقول أيضا منهيا بعض قصائده بالوقوف على الأطلال :
يا ليتني مت ومات الهــوى ومات قبل الملتقى واصل
يا دار أمست دارسا رسمها وحشا قفارا ما بها آهـــل
قــد جرّت الريح بـها ذيلها واستنّ في أطلالها وابـل
وأطلال الشاعر عمر بن أبي ربيعة تذكره بحكاياته مع صاحباته فتتسم هذه الأطلال بالفرح والسرور على عكس أطلال الشاعر الذي تظهر رائحة الحزن من وقوفه على الأطلال ، كما أن أطلال الشاعر من رموز دارسة إلى أماكن حية تتحول مرتبطة بمشاعر ومناسك الحج في مكة المكرمة والمدينة المنورة ، يقول عمر بن أبي ربيعة :
فوالله ما أدري وإن كنت داريا سبـع رمين الجمـر أم بثمان
ألم ترْبع على الطلل المريب عفا بين المحصّب فالطلـــوب
حيّ المنازل قد تركن خرابا بين الجرير وبين ركن كسابا
فالمحصّب والطلوب وجرير وكساب أمكنة واقعية زارها عمر بين مكة والمدينة .
2ـ وصف المحاسن : أكثر الشاعر عمر بن ربيعة من وصف محاسن النساء ، قل أن تمرّ قصيدة دون أن يتعرض فيها الشاعر إلى وصف محاسن النساء :
تنكل ّعــن واضح الأنياب متسق عذب المقبّل ، مصقول له أشر
كالمسك شيب بذوب النحل يخلطه بلج بصهباء ممـا عتقت جـدر
ويقول أيضا في وصف العيون :
سحرتني الزرقاء من مارون إنما السحر عند زرق العيون
ويقول أيضا في وصف مجموعة نساء:
وحسانا جـواريا خفـــــرات حافظات عند الهوى الأحسابا
ويقول أيضا في وصف عطور بعض النساء :
وتضوع المسك الذكي وعنبر من جيبها قد شابه كافـــــــور
يفوح القرنفـل مـــــــن جيبها وريــح اليلنجـوجـوالعنبـــــر
والشيء المميز أنه أجـرى علــى لسان النسوة وصف حسنه وجماله وشبابه وهــذا ما يسمــى بالنرجسية :
وأنـــها حلـفت بـالله جـاهــــــدة وما أهلّ به الحجاج واعتمروا
ما وافق النفس في شيء تسربه وأعجب العين إلا فوقه عمـــر
و لا ندري مبلغ الصدق الذي يكتنف قصائد عمر ، والأوصاف التي وصفها في شعره .
3ـ وصف حكاياته : اتخــذ الشاعـر عمـر بن أبي ربيعة لشعـره مـوضـوعات اعتمــدت علــى القص والحكاية ، وما يظهر خلال ذلك مـن مفاجآت ومغامـرات مـرتبطة بالـزمان والمكان ، والمتصفح لديوان عمر بن أبي ربيعة يجد أن هناك قصصا وحكايات بعضهـــا استمدها الشاعـــر مـن الواقـــع والبعض الآخر نسجه مـن بنات خياله وأضفى عليه عنصر التشويق ، يقول عمـر في وصف بعض حكاياته :
فبت ّ رقيبا للــرفاق علـــــى شفاً أحاذر منهـم مـن يطوف وأنظـر
أ ليهم متـى يستمكن النوم منهـــم ولي مجلس ـ لولا اللبانة ـ أوعر
فلما فقدت الصوت منهم وأطفئت مصابيـــح شبت بالعشاء وأنؤر
فحيين إذ ما فاجأتها فتولهت وكادت لمخصوص التحية تجهر
4ـ الفخــر : لم يكن عمر بن أبي ربيعة في موضوع الفخر قصائد كثيرة ولكنه تعرض لوصف قومه إذأنه ينتسب إلــى قبيلة مخزوم ، وهــي قبيلة تتزعم الكثير مـن القبائل ، ولها مكانتها المرموقة في مكة المكرمة ، وعند قبائل العـرب ذلك أنهــا ذات عز ومنعة ونفوذ وفعــال كريمة وخصـال حميدة نشرت الأمن والطمأنينة والنعم والفضل والأعطيات :
فهـــلا تسألـــــي أفناء سعــد وقـــــد تبدو التجارب للبيب
سبقنــا بالمكـارم واستبحنـــا قرىً ما بين مأرب فالدروب
نقيـم علــى الحفاظ فلن ترانا نشل نخاف عاقبة الخطـوب
ويمنع سربنا في الحرب شمٌّ مصاليت مساعر للحــروب
لغة عمر بن أبي ربيعة الشعرية : على اعتبار عمر يكتب لعامة الناس فإنه يستخدم لغة الحياة اليومية المعتمدة علـى السهولة والرقة واللين والألفاظ التي يتبادلها المحبون مبتعـداعن النفور والغلظة والثقل ، ساعده علـى ذلك انتشار الغناء فـي حواضر الحجاز وسعــي المغنين لغنــاء أبياته التي كان يقولها في صواحبه ، كقوله :
ليت هنــداً أنجـزتنا ما تعـــد وشفـت أنفسنــــا ممـا تجـــــــــــد
واستبـدت مـرة واحـــــــــدة إنما العاجز مـن لا يستبد وأيضا :
ثم قالوا : تحبها ؟ قلت: بهراً عـدد الرمل ، والحصى ،والتـراب
ومن ذلك نجد أن لغة عمر هي اللغة التي ما زالت تعيش إلى يومنا هذا وكأن القصائد قد قيلت في عصرنا الحاضر .
أهم الطوابع الشعرية في الغزل العمري :
الآنية والتجدد: إذ أن كلّ قصيدة من قصائد الشاعر هي حبّ جديد يغطي الحبّ السابق وينزل منزلته ، فهـو في قصيدة يتعرف وجها جديدا يفتن بجماله،عاطفته ثم لا تلبث أن تهدأ وهكذا.. . وهذه الصفة تعاكس صفة الديمومة والعمق التي يتصف بها الشعراء العذريون :
ثم قالت للتي معـــــها لا تديمي نحوه النظرا
إنه يا أخت يصر منا إن قضى من حاجة وطرا
الاستعلاء والفخر : وقــد جاءت هــذه الصفة للشاعر مـن كونه ينتسب إلى بيت سيادة وتجتمع فيه الثروة والترف والشباب والجمــال والفراغ وكل ذلك قــد يؤدي بالإنسان أن ينحـو به نحـــو النرجسيـة فيبدو مستعليا على الآخرين مفتخرا بما لديه من صفات :
قالت لها أختها تعابثها لنفسدن الطواف في عمر
قومي تصدي له ليعرفنا ثم اغمزيه يا أخت فـــي خفر
قالت لها: قد غمزته فأبى ثم اسبطرّت تسعى على أثري
إيثار الليل : نظر عمر إلى الليل على أنه مصدر السعادة والسرور بعكس المحبين الذين كانوا يرون فيه مصدر الهموم والآلام والأحزان، فليله كما يقول مرح وعبث ولقاء يتمنى أن يطول :
سمون يقلن ألا ليتنا نرى ليلنا دائما أشهرا
الحضريــة: وتبدو هــذه الصفة ، صفة التحضر والمدنية والابتعاد عــن البداوة مــن خلال وصف الشاعر للباس وحديث وعطـور وزينة صواحبه، يقــول عمــر فـي وصف رسالة كتبهــا إليــه إحدى صواحبه :
أتاني كتاب لم ير الناس مثله أحدّ بكافور ٍومسكٍ وعنبرُ
التفاؤل : يبدو عمر بعكس الشعراء الذين كانوا يبكون ويتألمون بسبب البعد والحرمان فهـــو محب متفاءل إذ أنه قد يترك واحدة لينتقل إلى أخرى ، والنساء وافرة في المجتمع الحضري .
النثر في عصر صدر الإسلام
وعهد بني أمية
تطـور فـن النثر عمّا كان عليه فـي الجاهليـة بفضل نزول القرآن الكريــم والحديث النبــوي الشريف ، وما نتج عنهمـا مـن دراسات جاءت لتفسر وتوضـح وتبين ما فــي هـذين الكتـابين ونشأ تبعا لذلك فنون نثرية جديدة وتطورت فنون نثرية كانت موجودة في الجاهلية :
القرآن الكريم : وهو كلام الله الذي أنزله على عبده محمد بواسطة جبريل المنقول من اللوح المحفــوظ فــي السماء السابعة ، وهـو كتاب العربيــة المعجز فــي كونيا ته ، والنثر الخـالــد المحتوي على أسرار كثيرة ، وقد نزل من السماء السابعة إلى السماء الدنيا دفعة واحـدة ، ثم نزل منجما حسب المقتضيات والوقائع والأحـداث والتدرج والتكاليف والفرائض بمـدة زمنية تصل إلى 23سنة. نقل العرب نقلة نوعية من حياة البداوة والتخلف والجهل والظلام إلى حياة التحضر والعلم ، وأول سورة نزلت هي: اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق.. وآخر آية نزلت: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون" وقـد نزلت قبل وفاة الرسول عليـه السلام بتسع ليالٍ ، وكان محفـوظا فــي الصـدور ، ثم نقله الصحابة إلــى السطور ، وقـد رتب جبريل عليه السلام بوحي من الله سوره وآياته كما نراها اليوم ، وجمع علـى الجلود و الليحاف والعظام في زمن الرسول ، وأسرع أبو بكر وعمر إلى كتابته بعـد مقتل سبعين قارئا من حفاظه ثم جمع عثمان القرآن في مصحف واحد ونسخه إلى خمس نسخ وزعها على الأمصار قسم القرآن إلى ثلاثين جزءا ثم أحزاب لتسهيل حفظه . قام بتفسيره مجموعة من الصحابة كابن عباس ـ سعيد ـ عطاء بن رباح ، ثم تدرج تفسيره إلى أن بلغ عـدد التفاسير نحـو/ 1700/ ونيف . نزل قسم منه في مكة وقسم في المدينة ، وقدأحصى السيوطي في كتابه : البرهان في علوم القرآن . أكثر من تسعين فنا وعلما متعلق بـه . اهتمت سوره المكيــه بالحساب والعـذاب ونفــي عبادة الأوثان وقصص الأمـم السابقة ، بينما اهتمت السور المدنية بالتشريـع الدينـي والسياسـي، والعسكـري ونظام الأسرة والميراث والطلاق والزواج والبيـع والشراء والزكاة . جُمع على لهجة قريش ، ووحد اللغة العربية وحفظها من الانقراض وما تزال كنوزه تستخرج بفضل العلوم الحديثة .
الغزل العذري والغزل الصريح
والطوابع الأساسية
الغزل العذري غزل نقي طاهــر ممعن فـي النقاوة والطهارة وهـو يعود إلى بني عذرة إحدى قبائل قضاعة ولم تقتصرموجة الغزل العذري على قبيلة عذرة وحدها بل شاع في بوادي نجد والحجازحتى أصبح ظاهرة عامة ، ويرجع تفسير انتشار هذا الغزل يعود إلى ظهور الإسلام الذي طهّر النفوس وبرأها من كل إثم ، ومن أهم السمات التي تطبع هـذا الغزل لوعة المحبين وظمأهم إلـى رؤية معشوقاتهم ظمأ لا يقف عنـد حدّ ظمأ نحس فيه ضربا مـن التصوف وهـو دائم بدوام الحياة ومرافق للحياة حتى الممات كقول الشاعر قيس بن ذريح:
تعلّق روحي روحها قبل خلقنا ومن بعد ما كنا نطافا وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح ناميا وليس إذا متنا بمنصرم العهد
ولكنه باقٍ علـى كلّ حادث وزائرنا فـي ظلمة القبر واللحد
على عكس الغزل الصريح الذي يتسم بالآنية والتجدد وعدم الصدق في العاطفة كقول عمربن أبي ربيعة :
ثم قالت للتي معهــا لا تديمي نحـوه النظـرا
إنه يا أخت يصر منا إن قضى من حاجة وطرا
أما الليل عند شعراء الغزل العذري فهو مصدر الهموم والآلام واللوعة والأحزان حتى أنهم يمضـون الليل كله يحلمـون بالأحبة ويتمنـون أن تتحـول الأحلام إلـى حقيقة فيقـول قيس بن ذريح:
وإني لأهوى النوم في غير حينه لعلّ لقــاء فــي المنام يكــون
تحدثنـي الأحـلام أنـي أراكم فيا ليت أحلام المنام يقين
أما عند الشعراء الصريحين فالليل ليل الفرح واللعب والعبث حتى أنهم تحنوا أن يطول أكثر لأن الحب عاش في هذه الليالي ونما في ظلامها كقول عمر بن أبي ربيعة :
سمون يقلن ألا ليتنا نرى ليلنا دائما أشهرا
أما الصفة الأساسية الفارقة بين الغزلين تتضـح مـن خلال إقبال الشعراء الصريحـون إلـى وصف المحـاسن الجسدية والتغني بالتلذذ بهـا فتطــرقوا إلــى وصف لباسهن وحديثهن وعطورهن وزينتهن كقول عمر بن أبي ربيعة :
وحسانا جـواريا خفـرات حافظات عند الهوى الأحسابا
سحرتني الزرقاء من مارون إنما السحر عنـد زرق العيون
وتضوع المسك الذكي وعنبر مــن جيبها قــد شابه كافــــور
أما الشعراء العذريون فلم يهتموا بهذه الأمور بل اقتصروا على وصف مشاعرهم وعذابهم ولوعتهم في الحب لقول قيس بن ذريح :
لقــد عذبتني ياحبّ ليلـــى فقع إما بمــوت أو حيــاة
فإن الموت أروح من حياة تدوم على التباعد والشتات
والحب عند العذريين مصدر الشقاء والحرمان والألم والحرارة كقول قيس بن ذريح :
إلى الله أشكو ما ألاقيمن الهوى ومــن حُـرَقٍ تعتاد ني وزفيـر
ومن ألم للحب في باطن الحشا وليل طويل الحزن غير قصير
ولكنه لا يشكل أي ألم أو لوعة للشعراء الصريحيين بل أنه مصدر المتعة والترف والترويح عن النفس وبذلك يتحلى بعدم صدق العاطفة كما أنهم لا يكتفون بمحبوبة واحدة . من ذلك كله نخلص إلى القول أن الغزل الصريح غزل يعتمد الحب الذي يؤمن باللحظة ، ولا يفكر بالديمومة يؤمن باللهو والعبث ويكره الجد والمعاناة بعكس الغزل العذري الذي يتسم بالبقاء واللوعة والألم الغزير الذي يلحق بالمحبين وهو غزل عفيف لا يتطرق إلى المسائل المادية التي تطرق لها الغزل الصريح ، وبها يسمو العذري فوق الصريح ، ويعلو عليه ويكون تأثيره في النفوس أقوى وأوجع وأقرب إلى النفوس السامعة أو القارئة .
الحديث الشريف
مقدمة : يطلق مصطلح الحديث النبوي الشريف ، أو السنة النبوية عند المحدثين على كل ما صدر عن النبي عليه السلام من قول أو فعل أو تقرير،فمن قوله عليه السلام : عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر . ومن أفعاله التي نقلت عن السيدة عائشة أنه كان يصلي الضحى أربعــا ويزيد ما شاء الله ، ومن تقريره عليه السلام عدم إنكاره علـــــى خالد بن الوليــد عندمــا أكل الضب أمامه ، وقد رفض عليه السلام أكل الضب قائلا : إنّ نفسي تعافه وهو ليس في أرض قومي ، وتعود أهمية الحديث من كونه مفصلا ومفسرا وموضحا ومكملا لما جاء في القرآن الكريم وقد حفظ الكثير من الناس أحاديث الرسول وسجل بعضهم الكثير منها في حياته وإن كان قد نهى عليه السلام من كتابة الحديث حتى لا تختلط بكلام القرآن . وممن كتبوا في حياته : عبد الله بن عمر بن العاص فـي صحيفة أسماها الصادقة وقــد مرّ تدوين القرآن في ثلاث مراحل :
1-مرحلة الصحف والأجزاء الصغيرة : وبقيت منتشرة حتى عصر أوائل التابعين .
2-مرحلة ضم التسجيلات المتفرقة : وقد استمرت حتى أوائل القرن الثاني الهجري بدعم من الأمويين وبفضل ابن شهاب الزهري .
3-مرحلة تصنيف الأحاديث في فصول وأبواب : ومن أشهر المصنفات في هذه المرحلة الموطأ لمالك بن أنس ثم أفردت الأحاديث في مؤلفات خاصة تسمى بالمساند وتخلو من فتاوى الصحابة والتابعين كمسند الإمام أحمد بن حنبل ثم دونت كتب الصحاح كصحيح مسلم والبخاري وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة . أثر الحديث في اللغة والأدب والثقافة : لا تتعدى أغراض وموضوعات القرآن وموضوعاته المتركزة حول العقيدة والعبارة والمعاملات وشؤون الحياة الاجتماعية والسياسية والعسكرية وقد رويت أحاديث كثيرة بمعانيها لا بألفاظها مما جعل الروايات تختلف في الحديث الواحد ، بالإضافة إلى ما صنعه الأعاجم من تغيير في هذه الروايات من تعديل وابدال ألفاظ بألفاظ أخرى ، مما جعل المفسرون ، لا يحتمون بها في اللغة والاستدلال بقواعدها وإن كان البعض قد أجاز ذلك ومن أمثلة الأحاديث التي رويت رواية تواتر بلفظها ومعانيها ، قال عليه السلام مخاطبا الأنصار : أما والله ما علمتكم إلا لتقلّون عند الطمع ، وتكثرون عند الفزع . وقال عليه السلام : أوصاني ربي بتسع : أوصاني بالاخلاص في السر والعلانية ، وبالعدل في الرضا والغضب ، وبالقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمّن ظلمني ، وأعطي من حرمني ،وأصل من قطعني ، وأن يكون ضمتي فكرا ونطقي ذكرا ونظري عبرا .
وقوله : حمى الوطيس . وقد دارت بعض أحاديثه دوران الأمثال كقوله : لا يلسع المؤمن من جحر مرتين . ويعد الرسول عليه السلام من فصحاء العرب وهو القائل : أنا أفصح العرب بيد أني من قريش. وكان الرسول الكريم عليه السلام يخاطب القبائل العربية بلهجاتها .
أعـــــــلام النثـر
ازداد الاهتمام فــي عصر صدر الإسلام والعصر الأمـوي بالكتابة النثرية مـن خلال الحكـم والوصايا والرسائل والخطابة وقد برز في هذا العصر مجموعة من الخطباء والواعظين من أهمهم :
1-أبو بكر الصديق " عبد الله بن أبي قحافة " : ولد في مكة عام (55) ق0هـ - (568) م من أسرة قرشية وجيهة احتلت مكانة مرموقة في قومه وقد عمل تاجرا وكان أسرع الناس إلى الإيمان بعد السيدة خديجة وعلي بن أبي طالب ،اختير خليفة بعد الرسول وقضى أثناء خلافته على المرتدين وبدأ بفتح العراق والشام توفي عام (13) هـ بعد أن قضى سنتين في الخلافة .
2-عمر بن الخطاب: ولد الفاروق عمر بن الخطاب عام أربعين قبل الهجرة في مكة المكرمة
وقد كان رجلا شجاعا جريئا عادلا حازما تسلم الخلافة بعد أبي بكر ومكث فيـها عشرة سنين دوّن فيها الدواوين وأكمل فتــح العراق والشام ومصر وفارس قتله غيلة أبو لؤلؤة المجـوسي سنة (23)هـ اهتم بالشعراء وكان خطيبا وفقيها مجتهدا . و من أشهر أعماله : رسالة إلى أبي موسى الأشعري يعرّفه فيها أصول الحكم والقضاء بين الناس .
3-الأحنف بن قيس : هـو أبو بحــر ، صخـر بـن قيس بـن معاوية التميمي ، لقـب بالأحنـف لاعوجاج فــي رجله ، ولد بالبصرة سنة ( 3) ق0هـ وتوفي ( 67) هـ كان حليما فقيهـا عالما ساهم في الجهاد وفتح سمرقند واشترك إلى جانب علي في معركة صفين .
4-الحسن البصري : ولد الحسن البصري بن يسار في المدينة المنورة سنة (21) هـ مـن أب أعجمـي ونشأ فـي وادي القـرى ( مدينة العلا ) شمالـي الحجاز حفظ القـرآن صغيـرا وتعلّــم الكتابة ونزح عـن البصرة ثم عاد إليها بعـد أن تولى القضاء وتوفـي فـي السنة (110) وكان واعظا متميزا يدعو إلى الزهد والانصراف عن متاع الدنيا .
***
الخطـــابة فــي الإسلام
مقدمة : نهضت الخطابة في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي لدواع دينية أو اجتماعية وسياسية ، ولكون الإسلام قد أوجب خطبة الجمعة وسنّ خطب الأعياد والخسوف والكسوف فقـد تطور هـذا الفن و تفشى فشوا عظيما وحفلت به النوادي وحفلت فيهـا المجالس والقصور وأماكن القضاء إذ كان الخلفاء والقادة يعتمدون عليها اعتمادا كبيرا فـي إيصال ما يريـدون إصاله ، وزاد مـن أهمية الخطابة انتشار الأحزاب السياسية والفـرق والثورات التـي تحاول إثبات أحقية الخلافة لفئة دون فئة ، ومن هنا فقد تفرعت الخطابة إلى ثلاثة أنواع .
أنواع الخطابة :
1-الخطبة السياسية : وقــد تبلور هــذا النوع مـن الخطب مـن خلال تكـون الأحزاب السياسية التي تمثل الفـــــرق الإسلامية بحيث ظهر من خطباء الخوارج : قطري بن الفجاءة ، أبو حمزة الخارجي ، وزيد بن جندب الأزرقي ، عمران بن حطّان . وظهر من خطباء الشيعة : الحسين بن أبي طالب ، زيد بن علي ، المختار الثقفي .
وظهر من الخطباء الأمويين : خالد القصري ، يوسف بن عمر سعيد بن العاص.
وظهر من الخطباء الزبيريين : عبد الله بن الزبير .
2- خطبة المحافل : وقــد ترعرعت هــذه الخطبة بسبب انتشار الوفود التــي تأتي إلى الخلفاء أو الأمراء مهنئة أو معزية أو لحاجة من الحاجات ، وقــد استقبل الرسول عليه السلام الوفــود التــي قدمت معلنة إسلامها وسمي بعام الوفود . فلذلك كان معاوية وعبد الملك يستقبلان الوفود فقـد قـدم علـــى معاوية النجاد وعمرو بن سعيد الأشدق وممن وفدوا على عبد الملك سعيد بن عمرو والهيثـم بن الأسود بن العريان ولم يكن خليفة من الخلفاء يتولىالخلافة إلا قدمت عليه الوفود .
3-الخطابة الدينية والوعظ والمناظرات : وقد ازدهر هذا النوع من الخطب مـــع وجود خطبة الجمعة ، وانتشر إبّان ذلك القصاص والوعاظ الذين يقصون فـي المساجد وأمام الجيوش والذين يمزجون قصصهــم بالقرآن والحديث والمواعظ مثل : رجاء بن حبوة ، الأوزاعي ، سعيد بـن المسيب ، سلمة بــن دينار ، عبد الله بن عمر بن العاص ، وأكبر الوعاظ الحسن البصري .
القيمة الفنية للخطابة في الإسلام :
اعتمد الخطباء في خطبهم علـــــى :
1- استخدام النزعة الدينية .
2- الاتكاء على معاني القرآن والأحاديث النبوية .
3- توظيف العاطفة الدينية والحزبية .
4- الإكثار من أساليب التهديد والتوبيخ والوعيد والإنذار .
5- اتخاذ الحجة والجدل وسيلة لاقناع الخصم .
6- الاعتماد على الألفاظ المنغمة والتراكيب المموسقة ( السجع 000) .
7- الإيجاز والإجمال في توصيل الغرض من الخطبة .
***
أبرز أعلام الخطابة
في العصر الإسلامي والأموي
1-علي بن أبي طالب : ولــد الإمام علي بن أبي طالب ونشأ في حجر الرسول عليه السلام وشهد الغزوات كلهـا إلا غزوة تبوك ، لقب بسيف الإسلام لشدة بأسه ، تزوج فاطمة بنت الرسول وغيرها فولدت له فاطمة الحسن والحسين ، ثم تولى الخلافة بعد أبي بكر وعمر وعثمان وكان لهم جميعا ظهيرا ومعينا بعكس ما أبدى الكثير بأنه لم يكن راضيا عن خلافته بويع بالخلافة عام(35)هـ وخاض معركتي الجمل وصفين وكاد أن يتغلب في معركة صفين على معاوية وجيشه لـــولا مكيدة التحكيم، استشهد بسيف عبد الرحمن بن ملجم الخارجي و هو يصلي الصبح فـي مسجد الكوفة . مـن أبرع الخطباء وأشعرالشعراء ، وأحكم الحكماء بعـد الرسول وقدجمعت خطبه وحكمه ومواعظه في نهج البلاغة ، وشرحها الشيخ محمد عبدو ، فهو عميق المعاني ، دقيق الأفكار، بعيد عن الاضطرابات والضعف ، واسع الخيال والآفاق ، لغته جاهلية صقلهاالقرآن
2- زياد بن أبيه : ولد على الأغلب في السنة الأولى للهجرة ، والدته سمية جارية مـن الطائف ويقال إن والـده أبو سفيان ، فلما أنكره سمي زياد بن أبيه ، ويعد زيادا إداريا حازما ، وسياسيا فريدا ، وأديبـا بارعا ، وهو أحد دهاة العرب : ( معاوية ، المغيرة ، عمر بن العاص ، زياد بن أبيه ) . كـان واليا لعلــي فــي منطقة فارس ، حاول معاوية أن يستميله فرفض ولما استشهد الإمام علــي ألحقه معاوية بنسبه وولاه على البصرة والكوفة والعراق خمس سنوات وقـد كان حليما كيّسا يتسم أسلـوبه بالجـزالة وألفاظـه بالفصاحـة ، وتراكيبه بالـوضوح ، توفــي عــــام (53)هـ .
3- الحجاج بـن يوسف الثقفي : ولــد الحجاج فـي الطائف ، ونشأ بين والد وأخ كانا معلميـن التحـق بالجيش الأموي وارتقى فـي المراتب ، كلفه عبد الملك بن مروان بقتال عبد الله بن الزبير ، فقتله وحاصر الكعبـــة بالمنجنيق ، ثم ضربهـــا ، فكافئه عبد الملك بتوليته الحجـــــــاز واليمن ثم العـــراق ، قضى الحجاج علــى الخوارج وقام بإصلاحات إدارية وعمرانية ، وبنـى مدينة واسط بالعــــــراق وحفــر الأقنية ، وأوجد المكاييل والمقاييس والموازين ، ونقل الدواوين مـن الفارسية إلــــى العـــربية ، وسك عملة عربية ، ثم نظّم الجيش وجعل الخدمة فيه إجبارية فتــح معظـــم بلاد المشرق ووصل إلى بلخ وطخارستان وفرغانة والسند ، ثم إلــى حدود الصين ، وبموتــه بسرطان القرحة توقفت فتوح المسلمين ، لم يخلّف إلا سيفا ومصحفا وعشرة دراهــم فضة . سياسي قدير ، واداري حازم ومثقف واسـع الخبرة ، تميز بالقسوة ، كان خطيبا بارعا ، تميزت خطبه بقوة المعانــي ، وذكـر الموت والضرب والقتل ‘ جـزل اللفظ متين العبارة ، قصير الجمل . ولد عام (42) هـ وتوفى عام (95) هـ .
الكتابة في العصر الأموي
ودور عبد الحميد الكاتب وابن المقفع
عرف العرب فـي الجاهلية الكتابة بشكل قليل ، ولكنهـم لـم يدونوا فـي هـذا العصر الجاهلـــي معارفهم وعلومهم وإن كانت قليلة ، وإنما نقلوها لنا مشافهة .
آ-الكتابة في صدر الإسلام : إن كون معجزة الرسول الخالدة هي القرآن فقـد استدعى ذلك مــن الرسول عليــــه السلام أن يشجع علـى تعلـم القراءة والكتابة وبعـد نزول أول آية : " اقـرأ باسم ربك الـذي خلق ". فقـد طلب الرسول فداء لأسرى قريش أن يعلم كل أسير عشرة مـن صبيان المسلمين واتخـذ كتابا للوحي ودفع بعض أصحابه لتعلـــم اللغة العبرانية ، ثم تبعه الخلفاء فكانـوا يهتمون بالرسائل والمكاتبات كما كان يصنع الرسول وسجلت الدواوين للخراج والجند .
ب-الكتابة في العصر الأموي : ازداد الاهتمام بالكتابة ، فــي هذا العصر بعد تعقد الحياة وتكاثر المشكلات وتحضر العـرب واقتباسهم من النظم الموجودة عند الأمم الأخرى ، وقد انقسمت الثقافة فـي هذا العصر إلــى ثلاثة تيارات :
1- التيار العربي الجاهلي : وكان يتمثل في أشعار العرب وأيامهم .
2- التيار الإسلامي : يتمثل بتسجيل تاريخ الإسلام وسيرة الرسول وغزواته وسير الخلفاء والفتوح والأحزاب السياسية التي سجلت نظرياتها في الحكم .
3- تيار أجنبي : يتمثل ثقافة الأمم المفتوحة ونظمها السياسية والاجتماعية فقد اتخذ عمر بن الخطاب ديوان العطاء والجيش وطلب خالد بن يزيد بن معاوية ترجمة كتب الطب وألف العرب كتبا في مختلف الموضوعات ، واعتمدوا صيغ الجمال الفني في سكب العبارات واختلطت في نهاية هذا العصر الثقافة العربية بالثقافـة الدينية والثقافة الأجنبية المترجمة والتي سيقطف ثمارها خلفاء العصر العباسي .
ج- دور عبد الحميد الكاتب في تطور فن الكتابة : يروى أن عبد الحميد من أصل فارسي من الأنبار ، انتقل إلى ديوان الرسائل في دمشق بعــد أن كان معلما في الكتاتيب ، عمل لدى هشام واتصل بمروان بن محمد الذي ولاه على ديوانه عندما أصبح خليفة وقد قتل عبد الحميد مع نهاية الخلافة الأموية بعد أن ألقي القبض عليه أبو العباس السفاح ، يعـد عبد الحميد أبلــغ كتاب الدواوين فقـد فتحت الرسائل بـــه وختمت بابن العميد ، سهل طرق البلاغة واستخدم التحميدات فصيح اللسان قـوي التعبير والبيان فخــم العبارة واسع الثقافة تأثر بالأدب الفارسي واليوناني وتمثل الثقافة العربية ، تتميز فنية نثره بجودة التقسيم ودقة المنطق والطباق والمقابلات والصور والاستعادات والترادف الموسيقي والإيقاع الصوتي .
د- دور ابن المقفع : يعـد عبد الله بن المقفع من الكتاب البارزين الذين ما تزال ثقافتهم يقتبس منـــها فـي أدبنا وفـي الآداب الأجنبية ، فقـد كــان والــده فارسيا مجوسيا ما نويا تبعـه ابنـه وقــد كـان هـذا الولــــد فصيحا بليغا كتب لعمـر بـن هبيرة ولابنه يزيد ثم لعيسى بن علــي عم المنصور وأسلـم علـى يديه وتسمى بعبد الله وبقي فـي خدمته حتى قتله سفيان بـن معاوية والـي البصرة مـن قبـــل المنصور. لقب والده بالمقفع لاختلاسه مالا فضربه الحجاج حتى تقفعت يده ، وترجع أهمية ابن المقفــع المترجمان لكتب مزدك ، وسير الملــوك ، أنظمة الملك ، سيرة أنوشروان ، مقولات أرسطو ، كليلة ودمنة ، الأدب الكبير ، الأدب الصغير . تميز بالفصاحة والبلاغة وقوة الحجة ووضوح الأسلوب والبعد عن التعقيد والنفور من الاغراب والتوعر في الألفاظ .
***
سمات الشعر في عصر صدر الإسلام
والعصر الأموي
تتمثل سمات الشعر في هذا العصر على الأحكام العامة المختصة بالشعر في شكله وأهدافه وأساليبه وأغراضه وقد اتسم هذا الشعر بالسمات الآتية :
1-ونعني بهذه السمة الأهواء والآراء الخاصة والمشاعر الذاتية التي تترجم الأفراح والأتراح وقد بدا الشعر في هذا العصر معبرا عن ذات الفرد بسبب سقوط النظام القبلي وبسبب القهر الذي عاشه الناس بعد انتقال السلطة إلى الأمويين ، فانكب كل شاعر يتحدث عن همومه الخاصة ومشاعره الذاتية كما عند جميل الذي يقول :
يقولون جاهد يا جميل بغزوة وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث بينهـن بشاشـــة وكل قتيــل بينهـن شهيـد
ولم يخرج معظم الشعراء عن هذه الذاتية التي عبروا عنها بألفاظ جزلة أحيانا وغريبة أحيانا أخرى ، وفخمة من جهة ثالثة .
2- التعبير الجمالي : إذ بقي الشعر مهتما بالتعابير البليغة ومعتمدا علــــــى قوة الشاعرية ومترسما طريقة القدماء في تحكيك الشعر وتنقيحه والاعتناء به لفظا ومعنـى علـــى الطريقة الأوسية . كما عند : كعب بن زهير والحطيئة والأخطل والفرز دق وجرير . من ذلك اعتذارية الحطيئة إلى عمر بن الخطاب من سجنه لهجائه الزبرقان:
أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ألقت إليك مقاليد النهي والأمر
لــم يؤثروك بـها إذ آثروك لهــا لكن لأنفسهــم كانت بك الأثـر
3-القوة والاتساع المكاني : وقــد حافظ شعراء الإسلام والعصر الأموي علـى قـوة النص الأدبي على الرغم من اتساع الرفعة المكانية له بحيث امتدت خارج الجزيرة العربيــة إلــى الشام ومصر وخوزستان ولم يضعف الشعر كما يزعم المستشرقين والباحثين بل رقّ وما في شعر حسان من ضعف إنما بسبب الوضع الذي ألصق به حيث قيلت أبيات وهنة على لسان غيره ونسبت له . ومن ذلك ما قاله حسان يوم الفتح الأكبر :
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدهـــا كداء
وكما في قول كعب بن زهير :
إن الرسول لضوء يستفاد به مهند من سيوف الله مسلول
وما ذم القرآن الكريم من الشعراء إلا الذين خرجوا عن المنهج الإسلامي حيث يقولون ما لا يعرفون ، ومعروف كم كان يقول الرسول لحسان : اهجهم حسان وروح القدس معك .
4- الثنائية : التي تمثلت في شعر المدن والبادية ، وثنائية معارك شعراء المسلمين كحسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وشعراء المشركين كعبـــد الله وأبي سفيان وثنائية الغزل الحسي والعذري ، وما يتميز من سمات في كل منهما ، وثنائية السهولة والغرابة كمــا في شعر جرير والفرزدق ، وثنائية استخدام القصيد من جهة والرجز من جهة .
يقول عبد الله بن الزبعرى متحدثا عن انتصارات المشركين يوم أحد بعـد أن قتل المسلمـــون من زعمائهم في بدر ما قتلوا :
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
فقبلنا النصف من ساد اتهم وعدلنا ميل بــدر فاعتدل
ويقول حسان رادا عليه :
ذهبت بابن الزبعرى وقعة كان منّا الفصل فيها لو عدل
ولقــد نلتم ونلنا منكـم وكذلك الحرب أحيانا دول
ومن ثنائيات الغزل قول جميل بن معمر :
وما ذكرتك النفس يابثن مرة من الدهر إلا عادت النفس تتلف
تسوّف ديني وهي ذات يسارة فحتى متى ديني لديها يسوّف
بينما يقول عمر بن أبي ربيعة :
ليت هندا أنجزتنا ما تعد وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدت مرة واحدة إنما العاجز من لا يستبد
5- التعمق والتخصص : وقد جاءت هذه الخصيصة من اختلاف ثقافة الشاعر مما كانت عليه ومـن انتشار الأحزاب السياسية ، فكانت القصائد الهاشمية والأموية والخارجية ، كل ٌّ بحسب معتقده وفكره إضافة إلـى أن شعراء آخرين تخصصوا فـي موضوعات معينة كتخصص ابن ربيعة بالغـزل وذي الرمة بالوصف والخوارج بالسياسة الخاصة بالملك وكذلك جعـل الشعـر يستمر في نموه وارتقائه .
أغراض الشعر في العصر الأموي
وعصر صدر الإسلام
نظرا لتغيير القيم الاجتماعية والإنسانية في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي عمّا كانت عليه ونظرا لاستمرار قسم من هذه القيم فقد استمر الشعراء في الحديث عن أغراض متنوعة منها ما هو تقليدي ، ومنها ما هو مستحدث تبعا لمدى التأثر الذي طرأ على شخصية الشاعر وأهم الأغراض التي كتب بها الشعراء في هذا العصر :
1- الفخر والحماسة : نقصد بالحماسة التعبير عن عمق الشجاعة والجرأة لدى الشاعر ونقصد بالفخر ذكر الصفات التي يتمايز بهـــا الناس ضمن أعراف معينة وقــد اتجه الفخر عنــد شعـــراء عصر الإسلام والعصر الأموي اتجاهين ، اتجاه تشرب بروح الإسلام وترك وراءه الولاء القبلي ولـــم يعـد يفتخر بالعصبية القبلية بل ركز على معان جديدة للفخر تتمثل في :
أ?- الحرص على نيل الشهادة .
ب?- الفخر بانتصار المؤمنين.
ج- الافتخار بتأييد الملائكة .
بالإضافة إلى القيم التي أبقى عليها الإسلام والتي جاء الرسول عليه السلام متمما لها : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . مثل إكرام الضيف والعفة والشجاعة ... وغيرها ، يقول كعب بن ما لك مفتخرا بيوم بدر :
ويوم بدر لقيناكم لنا مـدد فيه مع النصر ميكال وجبريل
إن تقتلونا فدين الله فطرتنا والقتل في الحقّ عند الله تفضيل
ويقول حسان بن ثابت مفتخرا بجند الأنصار :
وقال الله قد يسرت جنـدا هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم مـن معـدّ سباب أو قتال أو هجـاء
ويقول بيهس بن صهيب مفتخرا باستقبال الضيوف :
ما ينبح الكلب حنيفي قد أُسبّ إذا ولا أقول لأهل أطفئوا النارا
من خشية أن يراها جائع صرد إني أخاف عقاب الله و النلرا
ويقول أبو الأسود الدؤلي مترفعا عن الجهل :
إني ليثنيني عن الجهل والحنا وعن شتم ذي القربى خلائق أربع
حياء وإسلام وبقيا وأنني كريم ومثلي قد يضرّ وينفع
واتجاه عاد إلى التفاخر بالآباء في الجاهلية وذلك في العصر الأموي بعد أن أعاد الأمويون نزعات القيسية واليمانية ، يقول الطّرمّاح بن حكيم مفتخرا بقومه الأسد واليمنية :
لنا من مجازي طيّء كلّ معقل عـزيـز إذا دار الأذلين حلـت
لنا نسوة لـم يجـر فيهن مقسم إذا ما العذارى بالرماح استحلت
إلى أن يمدح قومه قائلا:
بهم نصر الله النبي وأثبتت عرى عقد الإسلام حتى استمرت
وهذا أبو محجن الثقفي يفخر بكرم السيوف ، واسباغ الدروع وبوقائع عشيرته في القادسية
لقد علمت ثقيف غير فخر بأنا نحـن أكـرمهـم سيوفا
وأكثرهم دروعا سابغات وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا
أما الخوارج فقد تنكروا للعصبية القبلية وللتفاخر بالأنساب وأن لا شرف للمرء إلا بتقواه :
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا هتفـوا ببكـر أو تميـم
دعيّ القوم ينصر مُدّ عيه فيلحقه بذي النّسب الصميم
وما كرم ولو شرفت جدود ولكنّ التقيّ أخو الكريـــم
2- المديح : جاء الإسلام لينفي وليبعد صفة التكسب عن الشعراء من خلال قول الرسول عليه السلام ( احثوا في وجوه المادحين التراب ) . ولكن المدح توجــه بفضل القيم الجديدة باتجـــاه الطريق الأسلم فكان مدحا دون تكسب ولا يعدو صفات الممدوح ، كما في قصيدة كعب بن زهير :
إن الرسول لنور يستضاء به وصارم من سيوف الله مسلول
و كذلك ما صنعه الأعشى الذي اتجه إلى المدينة ليمدح الرسول فاعترضته قريش و أغرته بمئة ناقة , و الذي عكفا راجعاً دون أن يعلن إسلامه فروي عنه في مدح الرسول :
أجدّك لم تسمع وحداة محمدٍ نبيّ الإله حين أوضى و أشهدا
نبيّ يرى مالا ترون و ذكره أغاد لعمري في البلاد و أنجد
أما فـي العصر الأموي فقد اتجه المدح إلـى الخلفاء و الولاة والأمراء و أخفى الشعراء على ممدوحيهم صفات التقى و الورع و حماية المسلمين و الذوذ عن حرماتهم , و إن بقي المدح أحياناً يشرئب إلى صفات المدح عند الجاهليين , يقول الأخطل مادحاً بني أمية :
حشد على الحقّ عيافو الخنا , أنف إذا ألمت بهم مكروهة صبروا
أعطاهم الله جدّاً ينصرون به لا جدّ إلاّ صغير بعـد محتقرو
و تقول ليلة الأخيلية مادحة الحجاج :
إذا هبط الحجـــاج أرضاً مريضة تتبّع أقضى دائـها فشفاهــا
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هزّ القناة سقاهـــا
و قد استنكر عمران بن حطّان المدح التكسبي :
أيهـا المادح العابـد ليعطــــى إن لله مــا بأيــدي العبـــاد
لا تقل في الجواد ما ليس فيه و تسمّي البخيل باسم الجواد
3- الهجــــــاء : نظرا لاشتداد المعركة بين طرفي الإيمان من جهة " الرسول ومن معه من المؤمنين والأتباع " . والكفر من جهة أخرى " أبو سفيان وأتباعه وعبد الله بن أبــي وحــــزن المنافقين " . فقد شجع الرسول عليه السلام الهجاء وبرز من الشعراء المنافحين عن الدعوة الإسلامية حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة ، وبرز مــن الشعراء المدافعين عن حزبي الكفر والنفاق أبو سفيان وعبد الله بن الزبعرى ، فازدهر الهجاء الفردي والهجاء الجماعي وانتهج طريقا مغايرا في معانيه عن الهجاء الجاهلي فكف عن أعراض الناس وعن شتمهم وقذفهم وتوجه إلى هجاء الذين ضلوا عن طريق الحقّ وإن كان بعض الشعراء الذين توجهوا إلى المشركين لم يترسموا خطا بشكل دقيق وبقي ما وصل إلينا من هجاء هذا العصر استمرارا لأسلوب الجاهليين في التعبير بالإلقاء والتعيير بالأخلاق الشخصية ولذلك فقد أجاب حسان من قال له كيف تهجو قريشا رسول الله منهم ؟ فقال : أسله كما تسل ّ الشعرة من العجين . وهذا ما دفع الرسول عليه السلام إلى أن يطلب منه أن يذهب إلى أبي بكر ليعلم منه أنساب قريش لذلك نجده ، يقول :
لنا في كل ّ يوم من معدّ سباب أو قتال أو هجــاء
فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء
وقد خرج حسّان بين الهجاء الفردي والجماعي ، وجمع بين منهجي الجاهلية والإسلام ، فكان يعيّر المشركين بفرارهم من أمام المسلمين :
تظلّ جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء
ويقول حسان أيضا مستلهما روح الإسلام وأسلوب القرآن مخاطبا أبا سفيان :
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفـداء
وقد نهى الإسلام عن الهجاء المقذع فقال الرسول : " من قال في الإسلام شعرا مقذعا فلسانه هدر " .
وموقف عمر بن الخطاب من الخطيئة فقد سجنه بعد أن هجا الزبرقان وكذلك موقف عثمان ابن عفان مـن عمر بن ضابئ البر جمي حيث هجا قوما أعاروه كلبا للصيد ، فحبس الكلب وألحوا في طلبه فردّه وهجاهم هجاء فاحشا حيث رمى أمهم بالكلب فقال عثمان : ما رأيت أحدا رمى قوما بكلب قبلك . يقول عمر بن ضابئ:
فأرد متهم كلبا فراحوا كأنهم حباهم بتاج المرزبان أمير
فأحكـم لا تتركوها وكلبكـم فإن عقوق الوالدات كبير
أما الأمويون فقد غضوا الطرف عن هجاء من خالف سياستهم بل شجعوا هذا الفن بصورته القبلية الذي فرّخ لنا فن النقائض والذي هو من أشبع صور الهجاء العربي ، فهذا هو يزيد بن معاوية يشجع الأخطل التغلبي على هجاء الأنصار وأمّنه من غضب والده معاوية :
خلو المكارم لستم من أهلها وخذوا مساحيكم من النجاد
ذهبت قريش بالمكارم كلّها واللؤم تحت عمائم الأنصار
وهكذا عادت العصبية القبلية ، وما تحمله من هجاء قبلي مثله الطرماح بن الحكيم الطائي عندما هجا بني تميم قوم الفرزدق بعد أن خضعت هذه القبيلة ليزيد بن المهلب :
أقرّت تميم لابن دحمة حكمه وكانت إذا سبّت هوانا أمرّت
أفخـرا تميمـا إذا فتنة خبت ولؤما إذا ما المشرفية سلّت
ولـو خـرج الدجال ينشر دينه لزالت تميم حوله واحزألت
لعمري لقد سادت سجاح بقومها فلمـــا أتت اليمامــة حلـــّت
كما أن الهجاء بين الأحزاب السياسية استعرت ناره وتحول إلى نقاش سياسي .
فـن النقائض
النقيضة قصيدة يقولها شاعر من الشعراء في هجاء شاعر آخر مع قومه ، فيزد الشاعر الثاني بنقيضة أخرى تظهر مخازي الأول وقومه تكون على الروي نفسه والقافية ذاتها ، وإن اختلفت بعض الحركات والقوافي أحيانا . وموضوعها الشتم والسباب والقذف وعدم مراعاة الحُرم والأعراف ، وقد كان استمرارا لما حدث في العصر الجاهلي من نقائض ، كما حصل بين حسان والزبعرى ، عندما ذكر ابن الزبعرى أخت حسان بن ثابت ( عمرة ) وقـد نشأ هذا الفن وتطور في العصر الأموي بفعل عوامل اجتماعية وسياسية وعقلية . أما العوامل الاجتماعية فتنطلق مـن الفراغ الداخلي الذي أحدثه الأمويون فــي نفـوس الناس ، فمالوا إلى الفراغ . أما العوامل العقلية فتتمثل في نمـو العقل العربي ونمو الجدل والمناظرة في العقائد والتشريع وأحقية الخلافة . وأما العوامل السياسية فتمثل في محاولة الأمويين صرف الناس عن أمور الحكم واشغال بعضهم ببعض . وقد كان السبب المباشر في ظهور هذه النقائض أن شاعرا يربوعيا هجا جرير فانقض عليه جرير بالهجاء فاستغاث اليربوعي بالبعيث المجاشعي فأغاثه فهجا جريرا ، فانصب جرير على مجاشع وأفحش بذكر النساء فاستغاثت نساء مجاشع بالفرزدق فهجا جريرا وهكذا تكاملت حلقة المناظرة وأصبح هذا الفن الذي دام خمسين عاما من أقبح فنون الشعر العربي بحيث أبرز هذا الفن مدى التراجع الذي حلّ للشعر العربي بعد مرور خمسين عاما على دعوة الرسول عليه السلام ، يقول الفرزدق مفتخرا بشرفه وأصله وعزة بيته :
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعــز وأطــول
بيتا بناه المليك وما بنــى حكـــم السماء فإنه لا ينقل
بيتا زراة محتب بفنائه ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
وقد أجابه جريرا قائلاً :
أخزى الذي سمك السماء مجاشعا وبنى بناءك في الحضيض الأسفل
إنـي بنـى لـي فـي المكارم أولــي ونفخت كيرك في الزمان الأول
ومن المناقضات التي انتشرت في ذلك العصر ما قاله الفرزدق معتدا بعقول قومه الراجحة في أيام السلم وشجاعتهم في أيام الحرب :
أحلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جنا إذا ما نجهـل
وقد نقض جرير ذلك في قصيدة :
أبلغ بني وقبان أن حلومهم حفّت فما يزنون حبة خردل
وقد كان الفرزدق هجاء مقذعا يجاهر بما لا يحلّ من النساء فيذكر في هجائه كما حصل معه في المدينة المنورة ما لا يصح أن يصح أن يذكر من ذلك :
هما دلتاني مـن ثمانين قامة كما انقض باز أقتم الريش كاسره
فردّ جرير متهكما وساخرا :
تدليت تزني من ثمانين قامة وقصرت عن باع العلا والمكارم
ويقال أن الأخطل التغلبي قد حكم للفرزدق بالسبق على جرير بعد أن أغراه بشر بن مروان والي العراق بأن ينحاز إلى الفرزدق بعد أن حكم بالسبق لجرير ، يقول الأخطل :
اخسأ إليك كليب إن مجاشعا وأبا الفوارس نهشلا أخوان
وإذا سمعت بدارم قد أقبلوا فاهرب إليك مخافة الطوفان
فيرد عليه جرير :
يا ذا الغباوة إن بشرا قد قضى ألا تجوز حكومة النشوان
تدعوا الحكومة لستم من أهلها إن الحكومة في بني شيبان
4- الرثاء : وهو فن استمر فيه شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي على ما كان معروفا عند الجاهليين ، فندبوا وأنّبوهم وعزّوا أحياءهم وإن تغيرت مناقب التأبين وتبدلت شمائلها فأصبح المرثي يتصف بالتقوى والإيمان والخير والبر والرحمة والهداية والطهر ومن ذلك تأبين حسان بن ثابت للرسول عليه السلام :
بالله ما حملت أنثــى ولا وضعت مثل النبي رسول الرحمة الهادي
ولا مشى فوق ظهر الأرض من أحد أوفــى بذمــة جاد أو بميعـــاد
مـن الـذي كان نـورا يستضاء به مبارك الأمر ذا حـزم و إرشاد
ومن ذلك رثاء الشماخ بن ضرار الغطفاني لعمر بن الخطاب بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي :
جزى الله خيرا من أمير وباركت عد الله فـي ذاك الأديم الممزق
فمن يجر أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت مثلها بوائح فــي أكمامها لـم تفتق
ومن ذلك رثاء متممبن نويرة لأخيه مالك الذي استشهد في حروب الردة :
لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك
فقال : أتبكي كل قبـر رأيته لقبر ثوى بين اللوى فالدوالك
فقلت له : إن الشجا يبعث الشجا فدعني فهذا كلّه قبـــــر مالك
وقد يتناول الرثاء زوجة محببة لدى الشاعر تمنعه العادات أن يزور قبرها فيقول :
لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار
ولهت قلبي إذ علتني كبرة وذوو التمائم من بنيك صغار
صلى الملائكة الذين تخيروا والصالحون عليك والأبرار
أما رثاء الخوارج فيصف مناقب العُباد من قيام الليل وصيام النهار ، يقول عمر بن الحصين راثيا عبد الله بن يحي وأبا حمزة الخارجي :
كم من أخ لك قد فجعت به قوّام ليلته إلــى الفجـــر
متأوه يتلــو قو ارع مــن آي القرآن مفرّع الصــدر
وأبرز ما يقع عليه المرء من الرثاء ، رثاء مالك لنفسه قبل أن يموت :
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا برابيـــــة إنـــي مقيــم ، ليا ليا
خذاني فجرّاني ببرد إليكمـــــــــا فقــد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
تذكرت مـن يبكي عليّ فلــم أجـــد سوى السيف والرمح الرديني باكيا
5- نظرا لكثرة الغزوات والحروب الداخلية والخارجية التي خاضها العرب بعد الإسلام ، فقد كتب الشعراء الذين خاضوا تلك المعارك قصائد تمثل الانتصارات . من ذلك قول كعب ابن مالك بعد أن فتح الرسول خيبر :
قضينا مـن تهامة كل وتـر وخيبر ثم أحجمنا السيوفا
نخيّرها ولـــو نطقت لقالت قواطعنّ دوسا أو ثقيفا
فلست لحاصنٍ إن لم تروها بساحة داركم منا ألوفا
فننتزع العروش ببطن وجِّ ونترك داركم منا خلوفا
ونردي اللات والعزى وودا ونسلبها القلائد والشنوفا
ومن ذلك ما قاله حسان في فتح مكة :
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء
يبارين الأسنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء
تظلّ جيادنا متمطّرات تلطّمهنّ بالخمر النساء
ومن ذلك قول عبد الله بن رواحة مصورا شوقه للاستشهاد مخاطبا ناقته :
إذا أنيتني وحملت رحلـي مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك أنعم وخلاك ذمّ ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مشهور الثواء
أما أبو محجن الثقفي فيصور بلاء قومه في القادسية قائلا :
إذا ما فـرغنا قــراع كتيبة دلفنا لأخرى كالجبال تسير
ترى القوم فيها واجحين كانهم جمال بأحمال لهن زفير
وإذا كان المستشرقون يزعمون أن فتوحات المسلمين كانت من أجل الغنائم فإن النابغة الجعدي يرد عليهم مخاطبا زوجه التي تأثرت لهجرته : يابنة عمي كتاب الله أخرجني طوعا وهل امنعنّ الله ما فعلا ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني أو ضارعا من ضنى لم يستطع حولا
6- شعر الشكوى : عبر الشعراء في عصر صدر الإسلام عن التظلّم واليأس من سوء العلاقات الاجتماعية وتوزيع الأموال والمناصب السياسية إذ أن المجتمع الإسلامـــي ابتداء مـن موت الرسول عليه السلام قـد أخذ بالتحول البطيء باتجاه التخلي عـن القيم الإيجابية التي كان الإسلام قـد بدأ بغرسها فـي نفوس الناس ، فهـذا شاعـر لا يستسيــغ خلافة أبي بكر الصديق ويرفض أن تتحول الخلافة إليه أو إلى أحد أبنائه :
رضينا رسول الله ما كان بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكر
أيرثنا بكرا إذا مات بعده وتلك لعمر الله قاصمة الظهر
وهذا الشاعر يزيد بن الصّعق يذكّر الخليفة عمر بمكانته ومسؤوليته تجاه الولاة الذين يختلسون الأموال قائلا :
أبلغ أمير المؤمنين رسالة فأنت أمين الله فـــــي النهي والأمر
فلا تدعن أهل الرساتق والقرى يسيغون مال الله فــــــي الأدم الوفر
فقاسمهم ـ نفسي فداؤك ـ إنهـم سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر
وهذا هو الراعي النجدي يتوجه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان منشدا إياه شكواه الشعرية من جباة الضرائب الذين جلدوا قومهم بالسياط لعجزهم عن دفع الضرائب :
أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
عرب نرى لله فــي أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا
إن السعاة عصوك يوم دعوتهم وأتوا دواهي لو علمت ونحولا
أخذوا العريف فقطعوا حيزومه بالأصبحية قائما مغلـــولا
إن الذين أمرتهم أن يعدلـوا لم يفعلـوا مما أمــرت فتيلا
وهذا الشاعر كعب الأشقري يستغيث بعمر بن عبد العزيز متظلما من عماله :
إن كنت تحفظ ما يليك فإنما عمال أرضك بالبلاد ذئاب
لن يستجيبوا للذي تدعو له حتى تجلّد بالسيوف رقاب
7- الغـــزل : إذا كان الشاعر الجاهلي يعيش متمثلا الفروسية والمرأة فإن الشاعر في صدر الإسلام والعصر الأموي قد عايش مبدأ جديدا رفع شأن المرأة وبوأها مكانة مرموقة من خلال النصوص القرآنية :" وعاشروهن بالمعروف " . " وهو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " .
من خلال ذلك وبسبب انتشار الغناء وكثرة الفراغ والثراء الذي جاء إلى المجتمع الإسلامي بسبب الفتوح فقد شاع ثلاثة أنواع من الغزل : العفيف ـ الصريح ـ التقليدي .
آـ الغزل العفيف : وينسب إلى قبيلة عذرة القضاعية اليمنية التي كانت تنزل وادي القرى شمال الحجاز والتي كان أبناؤها مشهورين بهذا النوع من الغزل وقد ذكر ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء " . أن الجمال والعشق في عذرة كثير وهو امتزاج للظاهرة البدوية مع العفة الإسلامية بحيث جعلت هذه الظاهرة منزهة عن الدوافع الجسدية ، وهو يختلف عن الحب الأفلاطوني الذي يقوم على النظرة الفلسفية كما يختلف عن الحب الصوفي الذي يتجه فيه المحب إلى الذات الإلهية وقد رأى الباحثين أن هذا الحب تجسيد لعقدة المازوخية القائمة على التلذذ بالألم والعذاب وإن كان البعض يروي أو يرى أن في هذا الحب سموا من خلال سماته التي تتمثل بالعفة وتوقد العاطفة والديمومة والوحدانية والمعاناة والشكوى والخضوع المطلق لسلطان المحبوب وتعني ملازمته والحرص على رضاه والقناعة به والإعراض عن أقوال العذال فيه واكبار المرأة من خلال وصف محاسنها القيمية لا الجسدية ، يقول جميل بثينة :
لا والذي تسجد الجباه له مالي بما دون ثوبها خبـــر
ولا بفيها ولا هممت به ما كان إلا الحديث والنظر
ويقول كثير عزة :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لليلي بكل سبيل
ويقول جميل بثينة :
لقد فضلت حسنا على الناس مثلما على ألف شهر فضلت ليلة القدر
ويقول ابن حزام :
وإني لأهوى الحشر إذا قيل إنني وعفراء يوم الحشر ملتقياني
فيا ليت محيانا جميعا وليتنـــا إذا نحن متنا ضمّنا كفنان
ويقول جميل بثينة :
وماذا دها الواشون إلا كرامة عليّ وما زالت مودتها عندي
ب ـ الغزل الصريح : نظرا لاعتماد الأمويين صرف الناس عن الخلافة فقد أغدقوا على أبناء الحجاز الأموال وأعادوا خارطة العصبية القبلية إلى واقع الجزيرة فاتجه قسم كبير من أبناء الحجاز إلى اللهو والترف والتألق فــي المأكل والملبس والمسكن فانتشر الغناء وكثرة المغنيات وغلب علـى قسم كبير مـن شعراء مكة والمدينة الغزل الصـريـح الذي يتحسس جمال المرأة ، ولكنه على رأي الأدباء بقي أسير دوافع جمالية لا دوافع جنسية ، إذ أن كثيرا من هؤلاء الشعراء يجدون متعة في مجالسة النساء والتحدث إليهن ، ولا يتعدون ذلك ، و قد اتسم هذا الغزل الصريح بسماتٍ متمثلة بالصراحة في وصف علاقة الشاعر بفتاته و تصوير محاسنها ، ووصف معاناته بعاطفة سطحية سريعة الانطفاء ، ذلك أن هؤلاء الشعراء تعلقوا بأكثر من امرأة واحدة ، إضافة إلى نزعة الاستعلاء التي تستحوذ على نفوسهم ، من ذلك قول عمر بن أبي ربيعة في محاسن محبوبته :
غادة تفتر عن أشنبها حين تجلوه أقاح ٍ أوبرد
و لها عينان في طرفيهما حورٌ منها و في الجيد غيد
و أيضاً قوله :
ثم قالت للتي معها لا تديمي نحــوه النظـرا
خاليسيه يا أخت في خفر فـوعيت القـــول إذ وقــرا
إنه يا أخت يصرمنا إن قضى من حاجة وطرا
وقد برز من شعراء هذا الاتجاه : عمر بن أبي ربيعة ، عبد الله بن عمر العرجى ، الحارث بن خالد المخزومي ، أبو دهبل الجمحي ، عبد الله بن محمد الأنصاري .
8 ـ الشعر السياسي :
ليس لدى الجاهليين شعر سياسي بالمفهوم العصري لمعنى كلمة سياسة ، إذ أن القبيلة هي الدولة المصغرة التي ينتمي إليها الإنسان الجاهلي و دفاعه عنها دفاع عن حدود مناطق الرعي فيها ، و إذا كان هناك بعض الممالك قد بدأت تتبلور فإن الإسلام قد جاء و قطع الطريق عليها ، فأنشأ نظاماً جديداً للحياة السياسية المتمثلة بإيجاد خليفة واحد يدافع عن حمى الأرض التي فتحت ، و لكن خلاف المسلمين حول مفهوم الخلافة ، هذه الخلافة لمن تكون و كيف تكون جعل المسلمين ينقسمون إلى أحزاب اتخذت طابعاً سياسياً تمثل في :
آ ـ الحزب الخارجي .
بـ ـ الحزب الأموي .
جـ ـ الحزب الزبيري .
د ـ الحزب الهاشمي .
و لو عدنا إلى بدايات الدعوة الإسلامية لوجدنا أن مسألة تبليغ الرسالة الدينية قد أخذت طابعاً سياسياً مثله حسّان بن ثابت في مخاطبته لأبي سفيان و تهديده للمشركين قبل فتح مكة حين قال :
ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقـد برح الخفاء
بأن سيوفنا تركت عبداً و عبد الدار سادتها الإماء
و قوله أيضاً مفتخراً أو هاجياً لعبد الله بن الزبعرى و مشيراً إلى مقتل أصحاب اللواء يوم أحد :
و ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ أم لحاني بظهر غيب لئيم
تلك أفعالنا ، و فعل الزبعرى خامل فــــي صديقه مذموم
و قريش تلوذ منّا لواذاً لم يقيموا وخفّ منها الحلوم
لم تطق حمله العواتق منهم إغا تحمل اللواء النجوم
شعر الخوارج السياسي :
الخوارج هم شيعة علي بن أبي طالب الذين خرجوا عن صفه بعد أن قبل بمسألة التحكيم بينهم و بين معاوية ، ذلك أن معركة صفين قد أوشكت نهايتها على فوز جيش علي ممّا جعل معاوية و جماعته يرفعون المصاحف طلباً للتحكيم ، و قد زعم هؤلاء الخوارج الذين انشقوا عن علي أن مسألة التحكيم خدعة ، و لكنّ علي قَبِلَ به لأنها تطلب تحكيم القرآن الكريم في هذا الخلاف ، و ما كان لخليفة مثل علي أن يرفض التحكيم و قد شكلت هذه الفئة من المسلمين خيشاً عنيداً صلباً رأى بالجهاد ركناً أساسياً من أركان الإسلام و اعتقد أصحاب هذا الحزب الذين تسموا : " الشُّراة ، المحكمة ، الخوارج ، الحَروريّة " أنّه لاحكم إلاّ لله ، و أنه لا يجوز تعيين خليفة للمسلمين و قد خرجوا إلى بلاد ما وراء النهر ، و قد انقسم الخوارج إلى طوائف متعددة منهم : النجدات ، الأزارقة و الأباضية و الشفرية و أشدهم تعنتا الأزارقة الذين يرون أن القعود عن الجهاد اثم كبير وان الخلافة ليست بالضرورة ان تكون من القرشيين أو من العرب .
و قد مثل هؤلاء من الخوارج حزبهم أكبر تمثيل ، فنبذوا كلّ تعصب يقوم على الأسرة أو الجنس ، فقد كانوا مجموعة أفراد ينتمون إلى فئات متعددة ، ومن أشهر و أهم شعراء الخوارج : " قطري بن فجاءة ، الطّرمّاح بن حكيم الطائي ، عمران بن حطّان ، و عمرو بن الحصين ، يزيد بن حسباء " . وقد جمع قطري بين رقة النفس والحماسة للعقيدة ، وعبر عن رؤية الخوارج في القتال فقال :
لعمرك إني فــي الحياة لزاهـــد وفـــــي العيش مالم ألق أمّ حكيم
من الخفرات البيض لـم ير مثلها شفاء لذي بثّ ولا لسقيـــــــــم
لعمرك إني يوم ألطم وجههــا علـــى نائبات الدّهــــر جدّ لئيم
ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت طعان فتى فـي الحرب غير ذميم
ويقول عيسى بن فاتك الحبطي حينما هزم أربعون من الخوارج ، ألفين من جند عبيد بن زياد في معركة آساه :
أألفا مؤمـن فيمـا زعمتم ويهزمهـم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخــوارج مؤمنونا
هم الفئة القليلة غير شكّ على الفئة الكثيرة ينصرونا
ويقول مصقلة بن عتبان يفتخر على بني أمية بأنصاره الخارجين كسويد والبطين وقعنب وشبيب وغزالة التي نذرت أن تدخل مسجد الكوفة وتصلي فيه ركعتين ووفت بوعدها وصلت والحجاج لا يجرؤ على الخروج إليها :
و أبلغ أمير المؤمنين رسالة و ذو النصح إن لم يربح منك قريب
فمنا سويد و البطين و قعنبٌ و منا أميــر المؤمنين شبيــب
غزالة ذات النذر منا حميدةً لها في سهام المسلمين نصيبُ
9 ـ شعر الزهد : فلسف الإسلام النظرة إلى الحياة الدنيا من منطلق بسيط يدعو إلى أن يكتفي الإنسان بالقليل مـن متاعها و النظر و التركيز علــى ما بعــد الموت لأن فيه الحياة الأبدية و السرمدية :" و اتبع فيمـا أتاك الله الدار الآخــرة ، و لا تنس نصيبك مـن الدنيا و أحسن كمـا أحسن الله إليك " و قوله تعالى : " ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " .
و من هذا المنطق تبنى عدد من الشعراء المسلمين في عصر صدر الإسلام و العصر الأموي هذه الفلسفة و دعوا إلى طرح الدنيا و الإقبال على الآخرة و التوكل على الله و الثقة به و الإيمان بأنه متكفلٌ برزق الجميع ، و من هؤلاء الشعراء الذين دعوا إلى ذلك:
" أبو الأسود الدؤلي تلميذ الإمام علي كرم الله وجهه ، مالك بن دينار ، عروة بن أذينة ، سابق البربري " .
يقول عروة بن أذينة :
لقد علمت، و ما الإسراف من خلقي إن الذي هو رزقي سوف يأتني
أسغى إليه ميعنيني تطّلبه و لـــو قعدت أتاني لايعنيني
ويقول أبو الأسود الدؤلي داعياً إلى السعي من أجل العيش القائم على الحياة الكريمة :
وما طلب المعيشة بالتمنــي ولكن ألق دلوك فــي الدلاء
ولا تقعد على كسل تمنـــى تحيل على المقادر والقضاء
وينتقد الشاعر سابق البربري انصراف الأغنياء إلى جمع المال :
فحتى متى تلهو بمنزل باطل كأنك فيه ثابت الأصل قاطن
وتجمع ما لا تأكل الدهر دائبا كأنك في الدنيا لغيرك خازن
وكما وإن شعراء الزهد في هذا العصر قد أكثروا من ذكر الموت وتحدثوا عن هاجسه المفزع :
فويحي من الموت الذي هو واقع وللموت باب أنت لا بد داخله
وكيف يلذّ العيش مـن هـو عالــم بأن إله الخلق لا بدّ سائله
وهذا هو الفرزدق يذكر الموت وعذاب الله في الآخرة في حوار مع الحسن البصري في يوم جنازة زوجه النوار :
أخاف وراء القبر إن لــم يعافني أشدّ مــن القبــر التهابا وأضيقا
إذا جاء فــي يـوم القيامة قائـــــــد عنيف وسوّاق يسوق الفـرزدقا
لقد خاب من أولاد دارم من مشى إلـى النار مغلول القلادة موثقا
10 – شعر الرجز : الرجز طريقة شعرية مختلفة عن طريقة القصيد ، اتخذها مجموعة من الشعراء مركبا ذلولا لنقل عواطفهم ومشاعرهم تجاه الحياة والمجتمع ، وهذا الشعر يقوم من حيث شكله على نقطتين : انجاه وزن بحر الرجز أساسا له والذي يتكون من ست تفعيلات في البت الشعري الواحد قائما على تكرار تفعيلة ( مستفعلن ) كما أنه يراعي التصريع ، وقد تكون قافية كل بيت مختلفة عن قافية البيت الذي يليه ، وقد تكون للأبيات قافية واحدة ، وبعد العجاج وابنه رؤبة أول من حوّل شعر الرجز من البيئة الشعبية إلى البيئة المثقفة بحيث أصبح رجزهما يحتج به في اللغة والأدب بعد أن كان هذا الرجز فنا شعبيا يتناوله العامة في مجالسهم وعمله من ذلك ما قاله العجاج :
أقلّي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن
وقد كان الرجز في أمله ينظم ارتجالا ويعد الأغلب العجلي أول من أطاله وجعله كالقصيد ، كما أن شعراء الأراجيز تناولوا الأغراض الشعرية كالهجاء ، المديح ، الفخر ... ونهجوا أحيانا نهج القصائد العربية كالوقوف على الأطلال والرحلة إلى الممدوح ، يقول أبو النجم العجلي يصف فهودا لعبد الملك بن مروان في موقعة صيد :
إنا نزلنا خير منزلات بين الحميرات المباركات
في لحم وحش وحباريات وإن أردنا الصيد واللذات
جاء مطيعا لمطاو عات عُلّمن أو قد كن عالمات
ومن الأراجيز التي كتبت للتندر والدعابة ما قاله أبو النجم العجلي موصيا ابنته عند زواجها واصفا الزوجة والحماة في موقف الحشر طالبا منها أن لا تتوانى في الخصام :
أوحيت مــــن برّة قلبا مرّا بالكلب خيرا والحماة شرا
لا تسأمي ضربا لها وجرّا حتى ترى حلو الحياة مرّا
وإن كستك ذهبــــــا ودرّا والحي عميّهم بشر ّطرّا
وقد امتدح علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه : ( الوساطة بين المتنبي وخصومه ) تعريب الرجّاز للكلمات الفارسية والحبشية كاستعمال كلمة ( البردجا) واستعمال (تسجا ) بمعنى التفّ . وقد أصبحت الأرجوزة في نهاية المطاف نصا أدبيا يعتمد عليه النحاة واللغويون في شواهدهم .
11- شعر الطبيعة : نظرا لنزوح العرب بين حياة الصحراء وحياة الحضارة الجديدة فقد بقي عالقا في أذهان الشعراء مجال الصحراء وما تحمله من ذكريات بما فيها من خيام ونوق وخيول وحيوانات ونجوم ، وبقي كثير من الشعراء يفضل حياة الصحراء على حياة المدن كما عند الفرزدق عندما قارن بين طبيعة الصحراء ونهر وجبل وبين الناقة في تلك الصحراء والسفينة في نهر :
لفلح وصحراواه لو سرت فيهما أحب إلينا مــــن دجيل وأفضل
وراحلة قد عوّدوني ركوبهـــــا وما كنت رعابا لها حين ترحل
قوائمها أيدي الرجال إذا أنتجت وتحمل من فيها قعودا وتحمل
إذا ما تلقاها الأواذي شقهــــــــا لها جؤجؤلا يسترع وكلكـــل
إذا رفعوا فيها الشراع كأنهـــا قلوص نعام أوظليم شمردل
ويعد الشاعر ذو الرمة من أكبر الشعراء الذين عشقوا الصحراء وأيامها وما فيها ورأى ما في الصحراء مسلاة في اطار ذكره لمية تلك المرأة التي أفلتت من يده فجعلته يذوب في رمال الصحراء ، يقول ذو الرمة في وصف حيوان الصحراء بظبية وابنها عاكسا عواطف الإنسان عليهما :
إذا استودعت صفصفا أو صريحة تنحت ونصت جيدها بالمناظر
حذارا على وسنان يصرعه الكرى بكل مقيل عـن ضعاف فـواتـر
وتهجره إلا اختلاسات نهارهـــــــا وكم من محب رهبة العين هاجر
***
التحولات التي طرأت على الشعر
في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي
إذا كانت الحياة الجاهلية التي عاشها العرب في صحراء الجزيرة العربية وأطراف الشام والعراق حياة بسيطة غير معقدة ، قد نتج عنها أدب بسيط لا يحمل من الفكر إلآّ النزر اليسير ولا تبطن الفلسفة ولا العقائد الدينية باستثناء ما جاء على لسان الشعراء المتألهين كأمية بن أبي الصلت الذين ذكروا في شعرهم قضية التوحيد الإلهي بمفهومه البسيط ، فإن الحياة في العصر الإسلامي قد حملت معها رؤى جديدة وأشكالا مختلفة للقضايا السياسية والاجتماعية والفكرية ومن هنا بدأ التحول يأخذ مجراه في الأدب وخاصة في الشعر ، وقد أسهم في ابراز هذه التحولات سببان رئيسيان :
1ـ التجربة الذاتية : التي تعطي للعالم الداخلي عند الإنسان الأولوية من حيث : المشاعر.... وقد مثّل ذلك شعراء العذرية وحمل لنا شعرهم رغبات وانفعالات تعبر عن موقف يعقدعلى الكره والحب لمختلف هذه القضايا .
2ـ التجربة الفكرية : القائمة على التوحيد في الفكر علــى اعتبار أن الشعر هــو أحد وسائل الفكر ، وقــد مثل ذلك شعراء الخوارج الذين حملوا لنا في شعــرهــــم الصراعات الفكرية حــول مفهومي العبــادة والسلطة .
ومن هنا فإن تحولا جديدا قـد طرأ على مضمون الشعـــر تمثل فــي إحداث أغراض جـديدة كالشعر الديني الذي يتحدث عن عقائد الدين والمثل العليا التي ينطلق منها وكشعــــر الوعظ الذي يدعو إلى التقوى وينهى النفس عن الهوى ، بالإضافة إلى شعر الفتوحات الذي يتحدث عن انتصارات العرب المسلمين على الأقوام الأخرى كفارس وبيزنطا .... ومـن ثـم شعـر الشكوى الذي فضح ممارسات الولاة وشعر المذاهب السياسية الذي نشأ بفعل نشوء الأحزاب السياسية المتصارعة على السلطة ، والشعر العذري الذي يتناول المرأة مضمونا إنسانيا لا شكلا مـن أشكال الجمال فـي الحياة . أما مـن حيث الشكل فقـد بدأ الشعـــراء الإسلاميون يتحررون من المقدمة الطللية ومن الابتداء القائم على مخاطبة شخصين: ( قفا نبك ـ خليليّ) وبدأ هؤلاء الشعراء بكتابة مقدمات دينية كما في شعر عبد الله بن الأحمر الأسدي :
صحوت وودعت الصبا والقوافيا وقلت لأصحابي أجيبوا المناديا
وقولوا له إذ قام يدعو إلى الهدى وقبل الدعا : لبيك لبيك داعيا
ولو رجعنا إلى شعر عمر بن أبي ربيعة ، وجميل بن معمر ، وشعراء المذاهب السياسية لوجدنا مقدماتهم ليست بالمقدمات الطللية . فهاهو الكميت على تعلقه العاطفي بآل البيت وانصرافه إلى حبهم وتحمل الأذى من أجلهم ، نافيا التغزل :
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب
ولـــم تلهنــــي دارٌ ولا رسم منزلٍ ولــــم يتطربنـي بنان مخضب
ولكن إلـى أهـل الفضائل والنهــى وخير بني حواء والخير يطلب
وقد تأثر الشعراء بأسلوب الجدل الذي كان قائما على الاقناع وأكثر الشعراء في هذا العصر من استخدام تراكيب : ( ياراكبا إما عرضت فبلغن ـ أبلغ ) .
كقول حسان بن ثابت :
يا راكبا إما عرضت فبلغن على الناس في عبد شمس وهاشما
وقول حسان :
ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء
وقد ساهم أسلوب القرآن في تصاعد الاعتماد على أسلوب المناقشات والاقناع الفكري ، وأسلوب الحوار القصصي المعتمد عند شعراء الخوارج على : ( قلت ، قالت ) ، كقول عمر ابن ربيعة :
كلما قلت : متى ميعادنا ضحكت هند وقالت بعد غدِ
يضاف إلى ذلك استخدام صيغ وعبارات جديدة مستوحاة من المعاني الإسلامية مثل : ( الإيمان ، الكفر ، الزكاة ، الصلاة ، الوحي ، القيامة ، التقوى ، الجهاد ، الشهداء ، الحرام ، الحلال ... ) . يقول عمرو بن قريط العامري :
ثقلت صلاة المسلمين عليكم بني عامر والحق جدّ ثقيل
واتبعوهـــــــا بالزكاة وقلتم ألا لا تقروا منهـــــا بفتيل
وقول حسان :
وما فقد الماضون مثل محمد ولا مثله حتى القيامة يفقد
أو كقول جرير :
إن الذي حرم المكارم تلعبا جعل النبوة والخلافة فينا
وأخذت ألفاظ جديدة تكتسي معان جديدة لم تكن تحملها سابقا ، كالحزم الذي أصبح بمعنى التقى : كقول مروة بن نوفل :
ولقد علمت وخير العلم أنفعه أن السعيد الذي ينجو من النار
ويقول الفرزدق متكئا على معاني القرآن في مخاطبة زوجته نوار:
وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين لجّ به الضرار
كما أن الصور الخيالية ازدادت خصوبة كقول الشاعر :
كأن القلب ليلة قيل يفدى بليلة العامرية أو يراح
قطاة عزها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناح
لها فرخان قد تركا بوكر فعشهما تصفقه الرياح
مصادر البحث ومراجعه
في الشعر العربي
1- دواوين الشعراء الجاهليين
2- كتب تاريخ الأدب العربي ........................................ الرافعي
3- الأغاني .................................................. ........... الأصبهاني
4- الشعر والشعراء.......................................... ......... لابن قتيبة
5- رجال المعلقات.......................................... ......... للغلاييني
6- شرح المعلقات .................................................. . للزوزني
7- مختارات من الشعر الجاهلي .................................. النفاخ
8- المعلقات العشر .................................................. . الشنقيطي
9- الشعراء الصعاليك في الجاهلية .............................. يوسف خليف
10- بحوث في المعلقات ....................................... يوسف اليوسف
11- مقالات في الشعر الجاهلي .............................. يوسف اليوسف
12- بنية الشعر العربي ........................................ عمر عزام
13- الفروسية في الشعر الجاهلي ........................... د0 نوري القيسي
14- تاريخ العرب قبل الاسلام ................................ جواد علي
15- الفن ومذاهبه في النثر العربي ............................ شوقي ضيف
الفهرس
- الشعر الجاهلي 1 - الغزل العذري والصريح 61
- أغراض الشعر الجاهلي 2 - الحديث الشريف 63
- امرؤ القيس 10 - اعلام النثر 64
- النابغة الذبياني 14 - الخطابة في الاسلام 65
- الاعشى 17 - القيمة الفنيةللخطابة في الاسلام 66
- معلقة الاعشى 19 - اعلام الخطابة( الاسلام- الاموي) 67
- عمرو بن كلثوم 20 - الكتابة( ودور عبد الحميدالكاتب وابنالمقفع) 68
- طرفة بن العبد 22 - سمات الشعر (الاسلامي والاموي) 70
- بنية القصيدة الجاهلية 24 - أغراض الشعر ( = = ) 72
- نظرية عمود الشعر 27 - النقائض 76
- زهير بن ابي سلمى 29 - التحولات في الشعر(= =) 87
- عنترة 34 - مصادر البحث 90
- النثر في العصر الجاهلي 39 - الفهرس 91
- الخطابة 41
- الشعر في صدر الاسلام 43
- الخنساء 45
- حسان بن ثابت 47
- الحطيئة 48
- الاخطل الكبير 50
- الفرزدق 52
- جميل بن معمر 54
- عمر بن أبي ربيعة 56
- النثر( الاسلام ،بني امية ) 60
من هم العرب
أ – العمق التاريخي للعرب :
ليست هناك نصوص تتوغــل فــي التاريخ ، بحيث تشير إلــى أكثر من قبيلة ، جرهم التــي جاورتها السيدة هاجر وابنها اسماعيل في وادي القرى في مكة ، بحيث تكلمت اللغة العربية وتعلم اسماعيل هذه اللغة من هذه القبيلة .
ب – القيم الخلقية الإيجابية والسلبية للعرب :
تمتع العرب بمجموعة من القيم الإيجابية ، كالمروءة ، والوفاء ، والعزة ، والنبل ، والكـرم والشجاعة ، والبطولة ، كما سيطرت على العرب قيم سلبية تتمثل في التعصب القبلي ، والاعتماد في الرزق على الإغارة ، وحيازة ميراث المرأة مالا ونفسا ، والوأد . وجميعها تنطلق من البيئة الصحراوية التي تفرض ما يناسب مع واقعها .
ج – صورة العرب في المصادر الدينية والتاريخية :
1 – ورد ذكر العرب في القرآن الكريم من خلال وصف القرآن بأنه عربي ، وبوصف قبائل
الأعراب المنافقة : قال تعالى : " إنا جعلناه قرأنا عربيا لعلكم تعقلون " .
2 – ورد ذكرهم في الحديث الشريف ، قال صلى الله عليه وسلم : أحبوا العرب لثلاث : "لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي ".
3 – ورد ذكرهم في الأدب الجاهلي من خلال كتب : " الاصمعيات ، المفضليات ، المعلقات ، كتب الحماسة ، دواوين الشعراء الجاهليين " .
4 – ورد ذكرهم في كتب اللغة والمعاجم : " كتاب فقه اللغة للثعالبي ، كتاب ابن سيده المخصص ، لسان العرب لابن منظور ، قاموس المحيط للفيروز ابادي " .
5 – في كتب التاريخ والأدب والجغرافيا : " كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة ، والأغاني للأصفهاني " .
*
أقسام شبه الجزيرة العربية
1 – بلاد اليمن : وتضم حضرموت وعمان وصنعاء وظفار ومأرب .
2 – الحجاز : وتضم مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف .
3 – تهامة : وتقع بين اليمن والحجاز .
4 – نجد : وتضم ما سمي بمنطقة القصيم .
5 – اليمامة : صحراء بين نجد والبحرين .
الثروات المعدنية والنباتات والحيوانات
1 – الثروات : البترول ، الذهب ، الفضة ، الحديد ، الرصاص ، النحاس ، الغاز .
2 – النباتات : النخيل ، التين ، الزيتون ، الرمان ، الحنظل ، الآس ، الدوم ، الطرفاء ، الأثل الشيح ، القبصوم ، العنب ، الطلح .
3 – الحيوان : الجمــل ، الحصان ، الحمار ، البغــل ، الشاء ، الكلب ، القط ، الظباء ، الحمر الوحشية ، الوعــل ، الأرنب ، القنفـذ ، الضب ، اليربوع ، الجراد ، الفهـد ، الضبع ، الذئب ، النسر ، العقاب ، الصقـر ، الحباري ، الهدهـد ، الغـراب ، الحمــام ، اليمـام ، بالإضافة إلــى الحشرات والحيات والعقارب – سمك القرش.
*
العرب 900 ق.م
تشير الوثائق القديمة المكتوبة والمنقوشة إلــى أن ذكـر العـرب قــد ورد بأخبـار قليلة بمـا لا يتجاوز القرن التاسع قبل الميلاد في الحديث عن الحميريين والسبئيين والمعنيين ، وقد تفرع عـن هؤلاء شعـــوب سكنت بلاد الشمــال والعــراق وشمــال أفريقيا كا لاكاديين والبابليين والآراميين والفينيقيين والآشوريين والسومريين وقــد كانت هــذه الشعــوب تشترك بجـــذور المفردات والضمائر والأسماء والأعداد وأعضاء الجسم وتسمى كل هؤلاء بالشعوب السامية واقدم نص آشوري تحدث عــن كلمة عـرب كان أيام الملك شلمنصر الثالث ويعني : العــرب يساوي البداوة أو المشيخة . وفي الآثار البابلية وردت كلمة " ماتوا أدبي " وتساوي الأعراب أو البادية . وعند اليونان تحدث هيروديت عن العرب وبلادهم التي تضم البادية وطور سيناء . وفــــي اللغة العربية المعتمدة علـى النصوص العربية ، وردت كلمة أعرب بمعنى أعراب ، وليس لهذه الكلمة أية علاقة بالنظرية القومية . وفـي الشعر الجاهلي لا نجد ما يدل علـى النظرة القومية لكلمة عرب ، فقد دلت كلمة عرب على المعاني التالية :
عرب : ظهر وبان ووضح .
الإعراب : الإفصاح والإبانة .
العربي : شعير أبيض .
العرب : النشاط والماء الكثير والصافي سواء أكان من النهر أم من البئر .
وفي القرآن الكريم :المرأة العروب : المتحببة إلى زوجها ( عرب + أتراب ) .
ووردت كلمة عربي ( 11) مرة نعتا للغة القرآنية وللرسول محمد عليه السلام ولم تتعد هذه الكلمة نقطة التبدي .
أقسام العرب
1 – العرب البائدة : ( عاد ، ثمود، طسم ، جديس ، كيسان ) .
2 – العرب الباقية : وهم ( القحطانيون والعدنانيون ). وقد وصفت العرب البائدة بالعرب الخلص ، بينما وصفت العرب الباقية بالمستعربة . وتقسم العرب الباقية إلى قسمين :
أ – عرب الشمال : وقد كانوا أصفى أنسابا وأقل اختلاطا بالفرس والروم وحياتهم بدوية .
ب – عرب الجنوب : وقد أكثروا من الاختلاط بالفرس والروم وبالأفارقة والهنود .وقد كان عــرب الجنوب أبرع مــن عــرب الشمال فــي الصناعة والتجارة أما اللغة التــي تحدث بها الشماليون والجنوبيون فهي العربية التـي لمّ شملها القرآن الكريم تحت لسان قريش ، وقـد سكنت القبائل العربية مجموعة من المدن ، فبنو تغلب سكنوا يثرب ومنهم الاوس والخزرج وخزاعة سكنت مكة . وسكنت لخم الحيرة وأسست دويلة الناذرة ونزل الغساسنة الشــــام ، وسكنت طئ جبلي أجأ وسلمى ، وظهرت ممالك معين وسبأ وحمير في اليمن ، ومملكة كندة في نجد ودويلة تدمر في حمص ، والمناذرة والغساسنة في الشام والعراق .
أحوال العرب الاجتماعية
يقسم العرب اجتماعيا الى قسمين :
1 – الحضر : وهم سكان المدن .
2 – البدو : وهم الذين انتشروا في الصحراء .
وقد عمل أهل المدن في الصناعة والتجارة والزراعة بينما تفرد البدو بالرعــي ، ولـم يكن للعرب إلا علم قليل بالحساب والنجوم والكواكب مع بعض المعرفة الهندسية عنـد عـــــرب الجنوب . والعربي من خلال سلوكه نزّاع إلـى الحرية والاستقلال ، شجاع بسبب الظروف القاسية الصحراوية ، وجواد كريم ويحرص علــى العهــد والحقوق ، ويحب الأنفة ويكــره الضيم .
*****
عن موقع شمس كربلاء