لم يكمل تعليمه الجامعي
ستيف جوبز: قصة نجاح تجمع بين العبقرية والمثابرة
مؤسس شركة ابل ومخترع أول نموذج لكمبيوتر شخصي في العالم تركته والدته وهو رضيع وعاش مع عائلة بالتبني.
ميدل ايست اونلاين
واشنطن- من محمود عبده علي
تتعدد قصص النجاح، وتتنوع أسبابها، ولكن قليل منها يستحق التوقف عنده، خاصة وإذا كانت قصة النجاح تجمع بين العبقرية والمثابرة. فقد تتوافر العبقرية لدى أناس، ولكن بلا مثابرة، وقد توجد المثابرة ولكن بلا عبقرية، أما أن يتوافر الاثنان في قصة نجاح، فلن تكون هذه القصة سوى قصة نجاح ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة "آبل".
تنشئة اجتماعية صعبة
ولد ستيف جوبز في 24 فبراير1955 في مدينة سان فرانسيسكو، عرضته والدته للتبني بعد ولادته لأنها لم تكن متزوجة وطالبة في الجامعة، وكان شرطها أن يكون من يتبناه حاصلا على مؤهل جامعي، وتبنى الزوجان بول وكلارا جوبز المولود، على الرغم من عدم تلبيتهما للشرط المذكور، وذلك بعد تعهدهما بإرساله إلى الجامعة.
تدرج جوبز في المراحل الدراسية المختلفة وما إن وصل إلى مرحلة الصفوف الثانوية، حتى ابتكر أول شريحة الكترونية في حياته. ومرة، أراد الحصول على قطعة نادرة تصنعها شركة هوليت باكرد لمتابعة أحد مشاريعه. فوجه إلى أحد مؤسسي الشركة، طالبا فيها إرسال القطعة. فلم يكتف مسوؤل الشركة بتسليمه ما يريد، بل دعاه للعمل في مصنع شركته خلال الإجازة المدرسية في الصيف. هناك، التقى جوبز لأول مرة بستيفن وزنياك أحد المهندسين الإلكترونيين.
وفي عام 1972، تخرج جوبز من ثانوية 'هوم ستيد' في كاليفورنيا ودخل إلى جامعة ريد في ولاية أوريجون. لكنه رسب في الفصل الأول، فقرر عدم متابعة دراسته الجامعية لكنه بقي في محيط الكلية يلتقط بعض دروس الفلسفة والثقافات الأجنبية.
يقول جوبز عن السنة الأولى التى قضاها في كليته "بعد ستة شهور لم أجد لها قيمة، لم يكن لدي تصور عن الهدف الذي أريد تحقيقه في حياتي، ولا عن فائدة الجامعة في تحقيق هذا الهدف، كما إنني انفق كل ما ادخره والداي طوال حياتهما، ولذلك قررت التوقف. لقد كان الأمر مخيفا وقتها، لكنني أرى الآن انه أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي".
بدايات العمل وانطلاقة "آبل"
وبعد عام تقريبا، قدم 'المبتكر الصغير' ورقة عن أفكاره في قطاع الالكترونيات إلى شركة أتاري، الرائدة في صناعة ألعاب الفيديو. وما لبث أن حصل على وظيفة فيها. وقضى جوبز جزءً من عام 1974 كمصمم للألعاب.
وبعد جمعه بعض الأموال، توجه جوبز إلى الهند ليدرس وصديقه دان كوتكي روحانيات شرقية. وما هي إلا أشهر حتى بدأ يعاني من مرض أجبره على العودة إلى الولايات المتحدة، حيث عاش لفترة قصيرة في مزرعة، قبل العودة إلى بيت أهله وإلى عمله السابق في 'أتاري'.
في عام 1975، انضم جوبز إلى 'هومبرو كمبيوتر' وهو ناد لمطوري أجهزة الكمبيوترات الشخصية، من بين أعضائه وزنياك الذي تعرف عليه في 'أتش بي' فشجع جوبز صديقه على ترك وظيفته كمهندس في 'أتش بي'، لينضم إليه في مغامرة تتعلق بالكمبيوتر الشخصي.
وسجل التاريخ عام 1976 بداية انطلاق شركة آبل، فجوبز، ابن الـ21 ربيعا، ووزنياك، الذي يكبره بأربع سنوات، صنعا أول نموذج لكمبيوتر شخصي وحمل الاختراع الجديد اسم 'آبل 1'. وأول ما بدأ جوبز بيع كمبيوتره، أقنع متجرا للالكترونيات بشراء 50 كمبيوترا شخصيا ليبيعها لتلاميذ المدرسة، وبسعر 666.6 دولارا للجهاز، انتهى جوبز ووزنياك ببيع أكثر من 600 كمبيوتر محققين ثروة تقدر بنحو 774 ألف دولار.
وفي عام 1977، قرر الرئيس التنفيذي السابق لشركة انتل مايك ماركولا الاستثمار في 'آبل'، ليصبح رئيس مجلس إدارتها ويدخل معه استثمارات رجال أعمال عديدين. في هذا العام، خرج 'آبل 2' إلى الضوء. ومع قدرة جوبز على اقناع الشركات لشراء كمبيوتره، أصبح 'آبل 2' أنجح كمبيوتر شخصي في السوق الأميركي.
نجح جوبز في بيع مئات الأجهزة من 'آبل 2'. وكذلك في الدمج بين ابتكار الالكترونيات عالية الجودة والبيزنس اليومي. ولم يكتب لوزنياك الاستمتاع بنجاح الشركة، فتعرض لجراح بالغة إثر تحطم طائرته الخاصة. فقرر التفرغ لحياته الأسرية والمشاريع الاجتماعية والتعليم.
وفي ديسمبر عام 1980، طرحت 'آبل' في اكتتاب عام أولي بسعر 22 دولارا للسهم. وسرعان ما قفز السعر إلى 29 دولار، لتصبح قيمة 'آبل' السوقية 1.2 مليار دولار.
وكان جوبز المساهم الرئيسي في الشركة مع حصة 15 في المائة من الأسهم.
في العام نفسه، أنتجت الشركة "آبل3"، لكن استعادت الكمية الأولى من 14 ألف جهاز من السوق بسبب بعض المشاكل التقنية مثل عدم القدرة على وصل الجهاز الجديد بأجهزة 'آبل 2'. فبقي الأخير المفضل لدى الزبائن في عام 1981 .
وفي عام 1982، أتى جوبز بجون سكولي من شركة بيبسي ليكون الرئيس التنفيذي لـ 'آبل'. وفي العام نفسه، ربحت "آبل" للمرة الأولى مليار دولار. وبعد إطلاق جهاز 'ليزا' عام 1983 الفاشل نسبياً بسبب سعره المرتفع وتقنيته المرتفعة، وضع جوبز وسكولي خطة لتطوير جهاز جديد اسمه 'ماكنتوش'، حيث استخدمت تكنولوجيا 'ليزا' نفسها، لكن بأسلوب أبسط. وفي عام 1984، أطلق أول كمبيوتر 'ماكنتوش'، أصبح فيما بعد معيارا للكمبيوترات في العالم. وشكل الجهاز الجديد، الذي بيع بـ 2495 دولارا، ضربة موفقة.
الرحيل من آبل
يعتبر جوبز موظفا جيدا للكفاءات. لكنه يملك نزعة للسخرية من موظفين بعد إدخالهم إلى فريق العمل. وعانى سكولي نفسه من مزاجية جوبز. فأقنع مجلس الإدارة في انتخابه رئيسا للمجلس دون أي سلطات. ووافقه زملاؤه الرأي، فوجد جوبز نفسه دون عمل ينجزه.
وفي عام 1985، ترك مؤسس 'آبل' مؤسسته وباع كامل حصته ليخسر حينها 500 مليون دولار بسبب انخفاض مؤشر سوق المال. لكنه خرج محملا بـ 250 مليون دولار.
جوبز يبدأ الرحلة مجدداً
وما هي إلا أيام حتى دخل في مغامرة علامة جديدة. فأسس جوبز شركة تصنيع كمبيوترات بـ7 ملايين دولار من أمواله الخاصة أسماها 'نكست ستيب' (أي الخطوة التالية)، لأنه كان مؤمنا بقدراته على تغيير الصناعة.
واكتشف جوبز أن كبار رجال الاعمال ومصنعي التكنولوجيا في وادي السليكون لا يزالون يقدرونه. فبعد مشاهدة جوبز في فيلم وثائقي تلفزيوني، قرر الملياردير روس بيرو تمويل 'نكست'، وتبعه الكثير من أصحاب الثروات، مما سمح لجوبز بجمع رأسمال تخطى مليون دولار .
ولم يكتف جوبز الطموح بابتكاراته التقنية، وقرر دخول عالم أفلام الكارتون. وفي عام 1986، اشترى استديو للرسوم المتحركة من جورج لوكاس بحوالى10 ملايين دولار منقذا الشركة من الانهيار. وتحت اسم 'بيكسار أنيميشن ستوديوز'، وجدت الشركة الجديدة بجوبز رئيسا تنفيذيا ورئيس مجلس إدارة يفهم أفكار المبدعين ويريد دمج فن الرسوم المتحركة مع تكنولوجيا الكمبيوترات.
وبعد ذلك أنتج جوبز أول كمبيوتر 'نكست'، الذي كان متفوقا تقنيا لكنه فشل تجاريا بسبب سعره المرتفع (9950 دولار)، فلم يبع بين عامي 1989 و1992 أكثر من 50 ألف جهاز.
وخلال إلقائه محاضرة في جامعة ستانفرود عام 1989، التقى جوبز بطالبة دكتوراه اسمها لورين باول. وما لبث أن تزوجها بعد عامين، وأنجبت له 3 أولاد. وبسبب الخسائر وسوء الإدارة، أقفل جوبز مصنع 'نكست' في فبراير 1993 مسرحا نصف عدد موظفيه. وتوقف بعدها عن تصنيع الكمبيوترات ليركز على البرامج.
في هذه الأثناء، كانت 'آبل' تسير في طريق الانهيار. إذ لم تتعد حصتها من سوق الكمبيوترات الخاصة عام 1993 حوالي 8%. فطرد سكولي من الرئاسة التنفيذية وعين مكانه مايكل سبندلير.
عام 1995 عام الانتصارات
وفي عام 1995، خلف سبندلير جيلبرت أميليو، الذي تولى رئاسة مجلس الإدارة أيضا. ووجد أميليو شركة منهارة يائسة: يدعو لاجتماعات دون أن يجد آذانا صاغية، كما رفض الموظفون الامتثال لأوامره والتعاون معه. فسقطت حصة 'آبل' من السوق إلى 5.4 في المائة.
قاد اليأس أميليو ليسأل جوبز العودة والانضمام إلى مجلس إدارة 'آبل' كمستشار عام 1995 الذي كان عاما ناجحا بكل المقاييس بالنسبة لجوبز فلأول مرة، تحقق 'نكست' أرباحا، وبدأ تعاون مع 'مايكروسوفت' شركة صديقه بيل غيتس، لتصميم برنامج 'ويندوز أن تي'.
وفي 22 نوفمبر من العام نفسه، أطلق فيلم 'توي ستوري' من إنتاج 'بيكسار' و'ولت ديزني'، ليحصد إيرادات تخطت الـ360 مليون دولار. وبعد أسبوع فقط، أي في 29 نوفمبر عام 1995، طرحت الشركة في اكتتاب عام أولي. فبيع السهم بـ 22 دولارا سرعان ما قفز إلى 39 دولار. وامتلك جوبز 80 مليون سهم وأصبح مليارديرا.
وفي ديسمبر 1995، اشترت 'آبل' شركة "نكست" بـ400 مليون دولار. بعدها، عين جوبز عام 1997 رئيسا تنفيذيا مؤقتا لـ'آبل' براتب دولار واحد سنويا، مما أدخله في مجموعة غينيس للأرقام القياسية كأقل الرؤساء التنفيذيين تقاضيا للراتب في العالم. وهذا الراتب يعتبر احتيالا على الدولة لعدم خصم الضرائب منه ، في حين أن جوبز يملك أسهما يتقاضى أرباحها كلما زاد نشاط الشركة.
ومع استمرار الثقة بنفسه، تغير أسلوب جوبز الإداري بطريقة كبيرة عما كان عليه عام 1985، فأصبح أكثر انفتاحا على الأفكار وأحاط نفسه بخبراء تنفيذيين في القطاعات كافة. وفي أغسطس عام 1998، أطلق جوبز الـ'أي ماك' IMAC أحد أكثر المنتجات مخاطرة. تميز الكمبيوتر الجديد بتصميمه الانسيابي، واستخدم حرف الـ'أي' للدلالة على الانترنت. بعد بيع 278 ألف وحدة في 6 أسابيع فقط، لم يبد 'أي ماك' في البداية كاف لانتشال 'آبل' من قعر الخسائر. لكن سرعان ما بيع 6 ملايين جهاز، لتعود شركة جوبز لاعبا أساسيا في سوق الكمبيوترات الشخصية. وأصبح 'مؤسس آبل للمرة ثانية' رئيسا تنفيذيا دائما للشركة في يناير عام 2000، ومالكا 30 مليون سهم فيها. وحصدت الشركة المتجددة في العام نفسه إيرادات تخطت الـ7.9 مليارات دولار مع 786 مليون دولار كانت ربحا صافيا.
وفي عام 2001، بدأ جوبز بافتتاح سلسلة متاجر 'آبل' للتجزئة، حيث يمكن للزبائن اختبار الكمبيوترات واختيار البرامج بمساعدة أشخاص متخصصين. وما هي إلا سنتان حتى بدأت هذه المتاجر تدر أرباحا.
التوجه إلى تكنولوجيا الموسيقي
أراد جوبز خوض جولة أخرى من الثورة في صناعة جديدة. هذه المرة كانت صناعة الموسيقى. فابتكر ال'أي بود'، جهاز الموسيقى المحمول، في أكتوبر من عام 2001 ليصبح حديث الناس بشكله الفريد وقدرته على تحميل ألاف الأغاني الـ MP3 في البداية، اقتصرت عملية التحميل على كمبيوترات 'آبل'. لكن بعد عام، أصبح تحميل الأغاني ممكنا عبر كمبيوترات 'أي بي أم' أيضا، لينتشر المنتج المبتكر بقوة بسعر 399 دولارا. في أكثر المراحل نجاحا في مسيرته كمسوق للإلكترونيات، أقنع جوبز معظم شركات تسجيل الأغاني بمنحه حقوق تسويق أغانيها على الانترنت، خصوصا أن هذه الشركات كانت تعتبر الشبكة العنكبوتية مرتعا للصوص والقراصنة.
وفي أبريل عام 2003، أسس جوبز 'أي تيون' iTunes، وهو برنامج موسيقي رقمي يبيع الأغاني ويحملها على الـ'أي بود' عبر الانترنت بسعر 99 سنتا فقط للأغنية، 10 سنتات فقط منها لشركة 'آبل'، التي استفادت من انتشار الـ'أي بود' بهذه العملية أكثر من حقوق الأغاني.
ومؤخرا طرح جوبز وآبل أحد أهم إنجازاتهم التكنولوجية متمثلا في الـ آي فون.
ويعيش جوبز اليوم، بعد شفائه من ورم سرطاني في الكبد عام 2004، في وادي السليكون مع عائلته محبا للموسيقى الكلاسيكية لا يأكل اللحم والدجاج ويكتفي ببعض السمك والخضار. (تقرير واشنطن)