رواية عمارة يعقوبيان /علاء الأسواني/ طرح
القضايــــا الخفيّـــــة في المجتمـــــع المصــــــري بجــــــرأة!!

الفيلم...كان غامضاً، وبُترت مشاهد متعددة منه!!
ماذا سيقدم المسلسل المُنتظر؟


ومن هذه العمارة...بدأت أحداث الرواية واستمد الكاتب من سكانها سمات شخوصه وأبطاله والأحداث السياسية، التي عاصرت مصر خلال خمسين عاماً المنصرمة...ما يميّز الرواية الجرأة بطرح القضايا والخفايا المسكوت عنها، والتي تطال المجتمع المصري ضمن ثلاثية الأبعاد «(السياسية، الدين، الجنس»)... فتطرق الى الفجوة التي حدثت بعد أحداث الثورة التي قادها /جمال عبد الناصر/ والانقلاب الذي حدث وسط القاهرة، بعدما كان مسرحاً لصفوة الباشاوات والاقطاعيين والصناعيين، الذين درسوا في أوروبا وحملوا معهم أفكار المجتمع الغربي ثم عادوا الى مصر ليعيشوا عرباً بأفكار غربية بسلوكهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية الحضارية..وبالتالي سيطرتهم على مقاليد الحكم...فجأةً بعد الثورة قدم رجالها وأغلبهم من الريف بعد معاناة الفقر والحرمان ليأخذوا مواضعهم الجديدة، ويشاركوا في مواقع اتخاذ القرار، فسكنوا في العمارة بدلاً من سكانها الأصلاء، الذين غادر أغلبهم الى أوروبا، وحلت مظاهر الحياة الصاخبة بدلاً من المظاهر الحضارية، فنقل لنا الكاتب مادار في هذه الفترة الزمنية من تطورات حياتية، وحراك اجتماعي لكثير من الشخصيات التي اتصفت بالانحلال الأخلاقي والفساد بكل أشكاله واستشرت الرشاوى والسرقات..
تُعدّ رواية (عمارة يعقوبيان) من الروايات الواقعية الاجتماعية التي تشدّ القارىء وتجعله لا يحيد بتفكيره عن أسطرها وما تحمله من كوامن وغموض، وهي نوع من الرواية التسجيلة التفريعية، التي تربط الأحداث بمسارات متعددة، وتكون الحبكة فيها متفرعةً مفككةً غير محكمة، امتلك الكاتب قدرة كبيرة على السرد والتنقُل من حدث الى حدث...ومن شخصية الى أخرى ..ففي كل لحظة يفاجئك بالجديد..ليترك القارىء بلحظة ادهاش..ليعود السارد بسرد جديد وحدث آخر، هذا التنقُل المفاجىء والسريع جعل الرواية تمضي بمسار سريع لمختلف الشخصيات، وإذا عدّنا الى الخصائص الفنية للقصّ، نجدها تفتقر الى جمالية التراكيب المعقدة والعبارات المتتالية الغنية بالاستعارات والكنايات والمجاز، بالاستعارات والكنايات والمجاز، اعتمد الكاتب(السارد) اللغة الواقعية وفق مختلف مستويات السرد الواقعي والمتخيّل الذي يتم عبر المونولوج الداخلي، والبوح العميق بين الشخصية وذاتها... وتباينت لغة السرد وفق مجرى الحدث بين الرقة والشدة، هذا لا يعني ان لغتها افتقرت الى الرومانسية، بل جاءت مغرقةً بالشفافية والملامح الرومانسية... لا سيما في وصف اللحظات الخاصة والمتفردة في حياة الانسان، التي تغيّر مسار الحدث وحياة الشخصية لتنقلها من مستوى حياتي معيّن الى آخر، وقد أبدع الكاتب بالتوغل بعمق الحالة النفسية، ورسم ملامح الشخصية وسماتها الداخلية والخارجية، وايضاح الخطوط الخفية التي تحاول الشخصية إخفاءَها ما عبر الخط الخفي للحدث...وعبرالفضاء الروائي... نوّع الكاتب بالبيئات المكانية والامتداد الزمني لتجسّيد شرائح اجتماعية متناقضة، توحي بما يدور في الشارع والمقهى والمكتب والجامعة والمنزل والمعسكر، ليعرض التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية/ تضافرت في الرواية الشخصيات الرئيسية والثانوية والهامشية لتشابك خيوط المغامرة الحدثية، منها (الرئيسية: زكي بك الدسوقي، طه الشاذلي، حاتم رشيد، الحاج عزام، بثينة السيد، والثانوية: كرستين، دولت، سعاد جابر، عبده، أبسخرون، والهامشية: الشيخ بلال، الضابط، ملاك، الفولي، رضوى...» .
ودمج الكاتب لغة السرد بالحوار بين الشخصيات، والذي جاء باللهجة المصرية المحكية، ليضع القارىء بصورة المشهد الحواري، واختارألفاظاً مأنوسة، وكان للمرأة حضور كبير في أسطر الرواية ولا سيما شخصية بثينة السيد.
السيدة التي لعبت دوراً كبيراً في حياة طه الشاذلي..لكن الدور الأكبر كان في حياة زكي بك الدسوقي، وهي شابة جميلة حاصلة على دبلوم تجارة، مات والدها بالبهارسيا وترك لها مسؤولية إخوتها ووالدتها والديون، يقطنون معاً إحدى الحجرات الحديدية في سطح العمارة، عانت من الفقر والحرمان انتقلت من عمل الى آخر، لأنها ترفض التنازل من أجل المال، لكن وضعها الحياتي أجبرها على ذلك...ومن هنا بدأت علاقتها بطه الشاذلي بالذبول«إن بثينة قد تغيّرت ناحيته وأن هذه حقيقة لا جدوى من تجاهلها، إنه يعرفها جيداً وتكفيه نظرة واحدة لكي ينفذ الى أعماقها،..»ص35.
وعَبْر عتبات السرد، والتنقُل بين الشخصيات أراد الكاتب اظهار المفارقات والفجوة بين الطبقة الثرية المترفة، التي تقطن طوابق العمارة والطبقة الفقيرة المسحوقة، التي كوّنت لنفسها عالم السطوح، واحتلت الحجرات الحديدية، هذا التفاوت الكبير الذي يحكم المجتمع المصري بكل فوارقه وتناقضاته... وبدا واضحاً بشخصية بثينة وطه، وملاك وسعاد جابرمع زكي الدسوقي، والحاج عزام، وحاتم رشيد... ولعل الشخصية الأكثر اهتماماً والرئيسية كانت شخصية زكي بك الدسوقي والذي يشغل أحد الطوابق ليس للسكن، وانما كان مكتباً رئيساً له، هذا في بداية الرواية، ثم تكشف الأحداث أنه يقطنه ليصبح مكتباً ومنزلاً في آنٍ واحدٍ، وهو من أقدم سكان سليمان باشا، سليل عائلة ثرية أرستقراطي، درس في فرنسا، كان يحلم بمستقبل ومنصب حكومي لائق...لكن أحداث الثورة، قضت علىآماله وأحلامه، وجعلته محطماً مهمشاً يعيش على موارد أملاكه المتبقية، ويلاحق النساء ..«شخصية فلكلورية محببة عندما يظهر عليهم ببدلته الكاملة صيف شتاء، التي تخفي باتساعها جسده الضئيل الضامر، ومنديله الحكومي بعناية»،ص9.
تتفاعل شخصيته مع الأحداث، ليشتد الخلاف بينه وبين أخته دولت، فتطرده من شقة العائلة، التي تقطن فيها معه، وترفع ضده دعوى، كونها الوريثة الوحيدة له مع أولادها، كونه غير متزوج، فيعود الى مكتبه في العمارة ليسكن فيه ويعاني حزناً كبيراً وصدمة عميقة، لهذه الفجوة العائلية بينه وبين أخته..
وتظهر شخصية طه الشاذلي وهو ابن البواب، من سكان السطح عانى الذل والقهر من سكان العمارة ليحقق حلمه بالتفوق والنجاح، ويدخل كلية الشرطة، ارتبط بعلاقة حب مع بثينة التي تعيش الأوضاع ذاتها، لكن خيوط الحياة تفرقهما، لا سيما بعد انهيار حلم طه، بعدما رُفض من قِبل لجنة الضباط لأنه ابن البواب... وهنا تغيّر مجرى الحدث، ليضع طه في طريق آخر، إذ يدخل كلية الاقتصاد، ويتعرف الى جماعة المتطرفين الارهابيين يدخل عالمهم الغامض ويشترك في مظاهرات... تقوده الى الاعتقال... لتصل الحبكة الى ذروتها، عندما يصوّر الكاتب عذاب طه بالمعتقل، ليخرج بهاجس وحيد هو الانتقام فقط ممن أذاقوه الذل والعذاب، وانتهكوا عرضه، لاسيما الضابط المشرف، فيبتعد عن العمارة، وبثينة والجامعة ليلتحق بالمعسكر يدرس فنون القتال، ويتدرب على العمليات الهجومية، وهنا غدت لغة السرد قويةً مزامنةً لذاك الحدث «خلاص إنت حر...وكأنها كلمة السر ما ان نطق بها الضابط حتى انهالت الضربات من كل اتجاه على طه، ثم ألقوا به منكفئاً على الأرض» ص216، ومن الشخصيات الرئيسية أيضاً التي دارت حولها الأحداث شخصية حاتم رشيد، وهو رئيس تحرير جريدة «لوكير» الصادرة باللغة الفرنسية، وهو أرستقراطي عريق/ والدته فرنسية ووالده رجل قانون وعميد كلية الحقوق، أقحمه الكاتب بالأحداث ليعرض صوراً من عالم تيار خفي وراء مظاهر حضارية...عالم الشاذين جنسياً، يحب رجلاً مثله ويعيش معه مشاعر الأنثى يتألم ويتعذب ويشعر بالحنين له ووصف الكاتب ما يرافق الشاذ جنسياً من كآبة وأمراض نفسية حادة..
وقدعاد الكاتب الى عالمه الطفولي ليبيّن لنا أسباب جنوحه الشذوذ الجنسي، إذ رُبي وحيداً مع الخادم، والده مشغول بالعمل، وأمه فرنسية لم تتكيف مع المجتمع المصري، وخانت والده، فنحى به الخادم إدريس هذا المنحى الخاطىء، وبقي هاجسه يرافقه كل حياته ..«حاتم من الشواذ المحافظين، لا يبتذل نفسه، ولا يضع مساحيق على وجهه، وهو في مظهره وسلوكه يقف دائماً ببراعة بين الأناقة والتخنث».ص55.
يتعرف الى الجندي الصعيدي مفتول العضلات أسمر اللون الفقير، جاء الى القاهرة لخدمة العلم، يغريه بالمال ولحاجة الأخير يرضخ لرغباته، فيعيش حاتم حالة عشق ويمضي وقتاً من السعادة لا يُنسى بمفهومه..إلا ان تكشف خيوط الحبكة سراً خطيراً لتطوّر المغامرة الحدثية، وتصاعد المجريات، يقضي على حاتم، وبهذه الشخصية الغريبة تطرق الكاتب الى قضية اجتماعية هامة، عرضها بالتفصيل عبر أوراق المجموعة بكل ملابساتها وأشكالها..ثم ينتقل الكاتب الى شخصية الحاج عزام، وهو من الأثرياء حديثي العهد، أي لم يرثوا المال عن طريق الجذور وبدأ حياته صانع أحذية ثم غاب سنوات ليعود تاجراً ثرياً يملك معرضاً للسيارات، إضافةً الى أعمال أخرى، وهو ملتزم ديناً، يحضر جلسات العلم ويستمع الى شيخه، لكن مجرى الأحداث يكشف أنه يتستر بستار الدين، فهو تاجر مخدرات، ويتعاطى الحشيش، يكتشف فجأةً أنه بحاجة الى امرأة، لأن زوجته الحاجة لم تعد ترضيه فيتزوج سراً وبشروط صعبة من سعاد جابر، وهي شخصية ثانوية لعبت دوراً في تحريك مسار الحبكة، امرأة أرملة جميلة، لها ولد فقيرة، ترضى بشروط الحاج عزام خلاصاً من الفقر... ولتضمن مستقبل ابنها الذي تتركه عند خاله في الاسكندرية، تنضم الى عائلة سكان العمارة..لتقطن أحد الطوابق، تؤدي هذه الشخصية دوراً في تجسيد الواقع لمصلحتها، فتمثل دور الزوجة المحبة، وفي قرارة نفسها تحتقر زوجها، وتعيش بأعماقها مع ذكريات حبها لزوجها الأول الذي استشهد في العراق، بعدما سافر للعمل والهرب من الفقر، وتقارن بين شبابه وكهولة عزام، لتجد نفسها تعمل زوجة لديه، تخفي صفحات الرواية نيتها الدفينة بالانتقام لنفسها، فتخالف الشروط ، لتفرض وجودها وتأخذ حصتها من ثروة الحاج، وتضمن حقها، لا سميا بعد ولادة ابنها، وهنا يقع الخلاف بينها وبينه لتفقد بلعبة كل شيء، ويضعنا الكاتب أمام الحدث، ليثبت ان الحياة للأقوى دائماً..«الشعر أسود ناعم مسترسل..والشفتان مكتنزتان، نظيفة وعنايتها بتفاصيل جسدها فائقة كعادة السكندريات، أظافر اليدين والقدمين مقلمة ونظيفة..» ص76.
في القسم الثاني من الرواية، يعيد الكاتب بناء كل شخصية ويطوّرها وفق تصارع الأحداث، وتشابك خيوط الحبكة المفككة... وصولاً الى العقدة، ثم تلاشيها، يدخل الحاج عزام انتخابات المجلس النيابي، ويتعرف الى المسؤول الفولي، ويدفع له مليون جنيه مصري، ليضمن له دخوله المجلس النيابي، وبعدما تفاجئه سعاد بخبر حملها، يلجأ الى كل طرق الترهيب والترغيب والاقناع بأن تسقط حملها، ثم يهددها بالطلاق، لكنها ترفض لتنفيذ خطتها، فينتقم منها بخطة إذ يقتحم أربعة رجال شقتها ليلاً، يضربونها ثم يخدرونها...لتستيقظ في غرفة المشفى، وقد فقدت حملها مع مبلغ عشرين ألفَ جنيه وورقة طلاقها، ويتابع الحاج عزام رحلته مع الثراء الفاحش، فيحصل على توكيل سيارات ياباني، لكن الفولي يطلب ربع الأرباح، ويشتد الخلاف بينهما، فيطلب مقابلة الرجل الأكبر (المسؤول الكبير)..وهنا تصل الحبكة الى نهايتها عندما يفاجىء الحاج عزام بملف سلوكه وتجارته المخدرات الذي يودي به الى السجن أو الموافقة ، في النهاية يعالج الكاتب الزيف والتستر الديني الذي يخفي الفساد والتواطؤ مع المسؤولين لاكتساب المصالح وجمع الأموال«...افتح الملف المكتوب عليه اسمك..تلاقي صوراً من التقارير عن نشاطك..تحريات أمن دولة..ومكافحة مخدرات..ونسخة من عقد الشراكة بيننا»ص326.
أما طه الشاذلي، فينتقل الى المعسكر..ليتعلم فنون القتال وهناك يتزوج رضوى بأمر من الشيخ، وبعد قرابة سنة يتم تنفيذ العملية الارهابية(الانتقامية) أمام باب عمارة الضابط مع أفراد العملية..لكن طه عندما يرى الضابط يفقد صوابه ويخالف التعليمات فيقتل بعد ان يقتل الضابط وبمقتله تنتهي حياة شاب مكافح كانَ ضحية قانون جائر ضحية التطرف والمتطرفين الذين يقضون على حياة كثير من الشبان..«انطلقت فجأةً زخات متتابعة من البنادق الآلية، أصابت كلها جسد الضابط فسقط على الأرض والدم يسيل منه بغزارة، وخالف طه الخطة وظل واقفاً حتى يرى الضابط، وهو يصيح الله أكبر..» ص342.
الأحداث تنقلب فجأةً في احدى الشخصيات الثانوية، عبده حرّك دائرة الأحداث في شخصية حاتم رشيد، ليتعرض ابن عبده الصغير لوعكة صحية أثناء الليل حين كان يمضي الليل معه، وفي الصباح تطرق الباب زوجته مع الصغير خائفةً... يهرعون الى المشفى... لكن بعد فوات الأوان، يموت الصغير وهنا تصل العلاقة بين حاتم وعبده الى العقدة، إذ يعود عبده الى صوابه ويتخلى عن الحجرة الحديدية في السطح، وعن الكشك الذي منحه إياه حاتم، وينتقل مع زوجته الى سكن جديد..يعاني حاتم من الفراق والهجر، ويهجر كل شيء حتى الجريدة..الا ان يعثر على عبده بعد عذاب، يعود معه عبده مقابل الحصول على شيك وبعدها ينتهي كل شيء و...لكن صفحات الرواية تومىء بسر خطير، اذ يتصارع عبده معه ويرفض هذه العلاقة، وفي النهاية يقتله،«ظل عبده واقفاً في وسط الحجرة حتى استجمع الأمر في ذهنه..ثم أصدر صوتاً غليظاً، شبه بحشرجة حيوان متوحش..انقض على حاكم يركله ويلكمه..حتى أحسّ بدمه ينبثق حاراً..» ص334.
وكما بدأ الكاتب روايته بشخصية زكي بك الدسوقي، ينهي صفحاتها به أيضاً، إذ يحمل في أعماقه الى جانب صفحات الارستقراطية الحب والتواضع والانسانية وحب العطاء، يتعلق ببثينة السيد التي تعمل لديه سكرتيرة، ثم تتوطد العلاقة لتتحوّل الى صداقة..ومن ثم الى حب حميم، يمضيان جل الوقت معاً..وبالتالي تشعر بثينة تجاهه بعاطفة صادقة، تلوم نفسها لأنها اشتركت في مؤامرة مع ملاك شقيق أبسخرون الخادم الشخصي لزكي بك، والذي يقطن احدى الغرف، يحاول اقناع بثينة بتوقيع زكي بك على عقد الأجار لملاك، ليستفيد من الشقة بعد موته مقابل خمسة آلاف جنيه، لكنها ترفض حينما تلمس شفافية زكي بك، وتحزن لصدماته مع الحياة «ظل شعورها ناحيته يزداد قوةً حتى اكتشفت ذلك الصباح أنها تحبه، لا يمكن ان تصف إحساسها بغير هذه الكلمة، ليس الحب الحار المضطرم الذي كانت تحمله لطه، لكنه حب آخر مختلف..»ص264.
تشتد الحبكة عندما تحكم دولت خيوط مؤامرتها على زكي، فتراقب شقته، تقتحمها مع رجال الشرطة، ليجدوه متلبساً بعلاقة مع بثينة، يقودانهما الى المخفر..رغم محاولات زكي اثبات براءته بأن هذه العلاقة شخصية، لكنها تصرّ على اثبات واقعة الزنا، وفي الفجر يحصل زكي على وساطة أحد أصدقائه ويُفرج عنهما..«أعدّت دولت خطتها بعناية، واستطاعت بالوساطة والرشوة ان تجذب الضباط جميعاً الى صفها، فعاملوا زكي الدسوقي بمنتهى الفظاظة..»ص301.
وتنتهي الأحداث سريعاً دون ان يتطرق الكاتب لذكر ملابسات القضية، وسرد الأحداث المتعلقة بها، إذ ينتقل فجأةً ليصوّر لنا مشهد زواج زكي بك مع بثينة في مطعم كريستين- وهي صديقة قديمة لزكي بك ارتبط معها بقصة حب عاصف..سرعان ما خمد وحلت مكانه صداقة وطيدة، لم تستطع السنوات ان تقضي عليها، وهي أرمنية تزوجت عدة مرات، ما زالت تحتفظ بجمالها رغم بلوغها الستين ..«صاحبة بار مكسيك، مدام كريستين يونانية، ولدت وعاشت في مصر تجيد الرسم والعزف على البيانو والكمان..ينشغل زكي عنها شهوراً، وما ان يشعر بضيق حتى يذهب اليها..» ص150 وسط صيحات وضحكات أهالي عالم السطح وأصدقاء زكي بك..
ربما أراد الكاتب ان يعرض فكرة دمج المجتمعين في الحياة العامة، وان تسود مشاعر المحبة وتقضي على مشاعر الشر المستفحل.
وهكذا انتهت هذه الرواية بعد أن تجاوزت 360 صفحةً من القطع الكبير، وقد ملكت القدرة على تجسيد البيئة المحيطة، والوصف الدقيق للعلاقات الاجتماعية الخاصة، إضافةً الى جمالية الحدث، والمشاعر الصادقة البعيدة عن الافتعال.
« بدأت الفرقة الموسيقية تعزف مقطوعات الرقص الشرقي..كانت هذه اللحظة السحرية..اندمجت العروس في الرقص، وزكي بك الدسوقي يتأملها بنظرة محبة معجبة، ويصفق على الايقاع..» ص348.
وعلى الرغم من جمالية الرواية..إلا أن فيها بعض الهنات اللغوية مثل:
-ليالي طويلة والصواب ليالٍ طويلة ص315
وأخطاء في كتابة الهمزات على غرار أكثر الأدباء المصريين..ربما لاختلاف وجهات النظر في تأويل قاعدة الهمزات..
-جاءوا الصواب جاؤوا ص277
-كصحفي ومسئول الصواب ومسؤول ص255
-يبوءون والصواب يبوئون ص235
عمارة يعقوبيان- رواية -د.الأسواني: علاء-2006-ط

مِلده شويكاني
جريدة البعث