مصدر في حوض الفرات:الطريق خاص بالقناة ولا يمكن تسويرها
لم يكن جمعة العطو سائق السيارة الشاحنة العابرة لقرية غبشة شرقي حلب يتوقع أن تحل فاجعة كالتي حصلت ويغرق في سيارته خمسة أطفال أكبرهم في الثانية عشرة من عمرها ليمضي وقته في السجن موقوفاً بتهمة التسبب بوفاة من تطوع لنقلهم بسيارته في صباح ماطر بحسن نية ولم يتمكن من إنقاذهم .
عزاء شعبي
الوافدون إلى بيت العزاء المشترك لعائلتي الأطفال الخمسة الذي أقيم في القرية قدموا من مناطق بعيدة فالخبر انتشر في كل مكان وبات الأهالي يعبرون من خلال تكافلهم بالعزاء عن غضب حقيقي تجاه الوافد الذي حسن حياتهم لكن مع ضريبة باهظة،فالقناة التي تم شقها تبتلع أطفالهم وشبانهم وسط ما يقولون أنه إهمال حكومي يركز على الأرباح ولا يبالي بالضحايا الناجمين عن التطور.
الفاجعة التي حلت بتلاميذ قرية غبشة التابعة لمنطقة السفيرة جنوب شرقي حلب صباح الثلاثاء كانت شديدة فبعض الأهالي شاهدوا الشاحنة تنزلق وتسقط في القناة، فركضوا نحوها،ولكن ليس بالإمكان فعل أي شيء لا أحد منهم يتقن السباحة ويمكنه إنقاذهم .
وكان قاتلاً بالنسبة لمحمد دوس أن يرى أطفاله وقد غرقوا أمامه وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً ولا أن يسحب جثثهم من الماء.
في بيت العزاء المنصوب أمام منزل عائلتي ديب ودوس جلس العشرات يواسون ذوي الضحايا ،وهم خمسة أطفال من الأسرتين.
محمد دوس الذي فقد ثلاثة من أطفاله وهم حليمة وبصرة وعبد الوهاب انتقد التقصير في تجهيز الطريق وقال "فقدت أبنائي اليوم بسبب القناة التي هي خير للناس جميعاً ،ولكن ألا يمكن أن تتخذ إجراءات للحد من الوفيات،استملكوا 35 مترا على جانبيها كحرم فلماذا يجعلون الطريق ملاصق تماماً لحافتها ولماذا لا يزفتونه القناة تدر أرباحاً وجزء منها يكفي لإبعاد الخطر" .
الحاضرون سارعوا لتقديم اقتراحاتهم أحدهم قال نريد أن يكون الأمر عليه مثل دول العالم الأخرى هل يوجد طريق ملاصق قناة جر كبرى دون تزفيت لو كان مزفتاً لم يقع الحادث .
محمد دوس تابع كلامه " لقد استملكت أرضي بسبب القناة ولم أعوض بليرة واحدة لا أنا ولا الكثيرين،واليوم فقدنا خمسة أطفال متى ستتحرك الحكومة وتنهي المخاطر التي تواجهنا "
في عزاء السيدات
لم يختلف كلام النسوة في عزائهن عن كلام الرجال وقالت أم جمعة التي فقدت ابنيها عبد الوهاب وتركية " الخير للناس جاء مع القناة وسيكون الضرر منها هذا قضاء الله وقدره مثلما استفاد الناس منها سيتضررون ونحن نؤمن بقضاء الله ونسلم به لكن تستطيع الدولة تزفيت الطريق وإقامة حاجز "أما والدهما محمد ديب فكان عاجزاً عن الكلام يلوذ بالصمت عند أي سؤال يوجه إليه.
أم عبد الجبار التي فقدت ثلاثة أطفال قالت " لاشيء يعبر عن الحزن أطفال مثل الزهور ماتوا وهم بلباس المدرسة نسلم أمرنا لله ونتمنى ألا يموت أي طفل آخر في هذه القناة "
أم حسين التي كانت تواسي جارتها قالت "هل إذا استفاد الناس من قناة المياه يجب أن يموت الأطفال على المسئولين أن يسمعوا رأي المجتمع، الأسبوع الماضي غرق شابان عندما انزلقت سيارة إلى القناة ،ونحن نطالبهم بوضع حاجز إسمنتي أو شبك معدني "
الشقيق الذي نجا
عبد الرحمن في الصف السابع وهو الشقيق الأكبر لعبد الوهاب دوس نجا من الغرق غادر قبل أشقائه إلى المدرسة ،أخبره مدير المدرسة بأن والده اتصل وطلب منه العودة إلى البيت وعندما عاد فوجئ بما حصل وقال عبد الرحمن " كل يوم نسير إلى مدرستينا أنا أسير إلى جانب القناة وإخوتي يذهبون من طريق زراعي أقرب لمدرستهم ولكن عند المطر يستحيل السير فيضطرون لسلوك الطريق الذي أسلكه أنا وهو أطول بكثير وبسبب المطر قام السائق بإيصالهم وحصل الحادث "
وطالب عمه سامي دوس بتزفيت الطريق الموازي للقناة وتعبيد الطريق الذي يصل بين بيوتهم و مدرسة غبشة و هو طريق ترابي لا يمكن عبوره شتاء بسبب الوحل الشديد وقال " الحرم 35 متر لماذا لا يكون الطريق بعيداً عن القناة عشرة أمتار أو على طرف الحرم من جهة الأراضي الزراعية ، الحوادث تتكرر ولا أحد يهتم ، وهو مفروش بالبحص الفراتي وهذا النوع يتسبب بالانزلاق الشديد عند هطول المطر "
عبد الله قاسم هو أحد مالكي الشاحنة التي غرقت قال " الحادث مؤسف جزء من ملكية الشاحنة يعود لعائلة الضحايا فقدوا أطفالهم وخسروا الشاحنة ومدخولهم منها ،وسائقها الآن في السجن وهي محجوزة لدى الشرطة "
الجهة المنفذة والمشرفة
لكن المهندس عبد المجيد المصري مدير حوض الفرات الأعلى وهي الجهة المصممة والمنفذة للقناة قال لسيريانيوز "نحن صممنا ونفذنا مشروع القناة وفق المعايير العالمية وسلمناها لمديرية التشغيل والصيانة التي تتولى الإشراف عليها وصيانتها وصيانة الطريق الموازي لها "
وذكر المصري أنه في كل دول العالم " لا يوجد حواجز على الأقنية إلا في المدن ،في تركيا مثلاً وهي بلد جار لنا هنالك قناة طولها 200 كم تتجه من سد أتاتورك إلى أورفة ، وهي غير مسورة إلا داخل المدينة وكذلك في كل دول العالم "
مصدر طلب عدم نشر اسمه في مديرية التشغيل و الصيانة قال "الطريق الموازي للقناة هو طريق خاص بنا نحن فقط،وهو ليس طريقاً خدمياً المسؤلية تقع أولاً وأخيراً على السائقين والحالة الفنية لسياراتهم بعضهم مخمور يسقط في القناة أو متهور في القيادة ،أو يقود شاحنة ثقيلة على طرف القناة بسرعة "
وأضاف المصدر " مع مواساتنا الحارة لذوي الضحايا لدينا خمس آليات تجوب الطريق على مدار الساعة ،ومنذ عشرين سنة نعمل في صيانة أقنية مشروع الفرات ولم تسقط سيارة واحدة من سياراتنا في أي قناة بالإضافة لسيارات الصيانة والتعزيل "
واعتبر المصدر أن القناة "تعتبر بمثابة نهر طبيعي ولا يُتصور أن يتم تسوير أي نهر "وحول مطالبة الأهالي بإقامة الطريق بعيداً عن طرف البحيرة قال " أوكد أن الطريق ليس طريقاً خدمياً وهو غير موضوع على خرائط الخدمات الفنية كطريق والهدف منه هو الصيانة لذلك يجب أن يكون محاذ تماماً للقناة،لا يمكننا منع الإخوة المواطنين من استخدامه،لكن عليهم توخي الحذر أثناء القيادة كما يفعل سائقونا ".
رأي قانوني
المحامي تامر وتي قال لسيريانيوز نصت مواد قانون السير على أنه يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر وحتى السنة وبغرامة من خمسين ألف حتى مائة ألف ليرة سورية إذا تسبب سائق المركبة أثناء قيادتها بوفاة إنسان .
أما بالنسبة للمسؤولية المدنية فمالك المركبة الآلية وسائقها مسئولان مدنيا عن الأضرار الجسدية والمادية التي تنتج عن من جراء استعمال مركبته بالتكافل والتضامن .
ويعفى المالك والسائق من هذه المسؤولية إذا ثبت أن الأضرار كان بسبب قوة قاهرة أو خطا جسيم من المتضرر أو من شخص ثالث دون أن يرتكب هو أو الأشخاص المسوؤل عنهم خطا ما .
و بالنسبة لمسؤولية مؤسسة التأمين فيشمل التأمين الإلزامي الأضرار الجسدية للغير دون الركاب ويجب الرجوع إلى عقد التأمين الموقع مع مؤسسة التأمين لمعرفة مدى مسؤولية المؤسسة وهل يشمل العقد الأضرار لغير الراكبين في السيارة في حال كونها غير معدة لنقل الركاب.
حوادث متكررة
حادثة قرية غبشة هي الأقسى من نوعها منذ نحو ثلاث سنوات عندما شهدت منطقة المهدوم غرق خمسة أشخاص بينهم طفل وسيدتان حاملان بعد سقوط جرار زراعي كان يقلهم في القناة بعد أن فقد سائقه التحكم به إثر انكسار في "ميزانيته " .
و ذكر مصدر في فوج إطفاء حلب الذي يتولى إنتشال الجثث أن حالات الغرق في الصيف الماضي كانت بمعدل غريق في اليوم الواحد و خاصة في قناة الجر الرئيسية كونها غير محمية و غير مسورة إضافة إلى قربها من المنازل حيث يهمل الأهالي الرقابة على أطفالهم.
وقبل أقل من أسبوعين سقطت سيارة تقل شابين في منقطة قريبة من غبشة ما أدى إلى وفاتهما فوراً.
جدير ذكره أن قناة الجر المائية التي يبلغ عرضها ثلاثين مترا وعمقها 8 أمتار تشهد ثلث حالات الغرق في محافظة حلب، إذ يقصدها آلاف الأطفال والفتيان من مدينة حلب وجوارها, وخاصة في فصل الصيف.
باسل ديوب - سيريانيوز - حلب