وكالة أنباء الشعر / أحمد الصويري
http://www.alapn.com/index.php?mod=a...&article=14128
من الضوء والغربة رسمت بمفرداتها حدود الحياة وأبعادها بلمسات ملؤها الحس المرهف واللون الذي يحكي هدوء مفرداتها الغالب على صخب الحياة وضجيج معتركاتها ، ترفرف بأجنحة الروح ، فتشعل في النفس شموعاً تنزف الندى معطراً بشذى الياسمين المسافر معها من عيني بحرٍ غازلتاها طويلاً إلى حيث تصير كل غربة وطناً يقتفي آثار خطوها ، اتّشحت أنفاسها بآلام وآمال الإنسان ، فحملت على عاتقها رسالةً تفوح من سطورها الأمومة ، أحست بالعراق وفلسطين فكانت أشعارها نزفاً لجراح القضية وشفاءً لمرضاها ، رسمت للأطفال المستقبل بكلمات تداعب أحلامهم لتوقد أمام عيونهم مشاعل تنير أفكارهم كي يروا غداً واضحاً مليئاً بالسلام ، سجلت حضوراً واثقاً للمرأة العربية الشاعرة فكانت نموذجاً حضارياً يعكس ثقافة المرأة العربية في عيون الغرب ، الشاعرة السورية إباء إسماعيل تفتح أبواب روحها في حديث خاص لوكالة أنباء الشعر العربي ...
· بعد مشوار شعري بدأ رسمياً قبل ربع قرن أين ترى إباء إسماعيل نفسها اليوم وما أبرز المحطات
التي أثرت في تحديد ملامح مسيرتها الشعرية ؟
صحيح. كانت انطلاقتي الأدبية قبل ربع قرن من الجامعة حيث شاركت في عدة مهرجانات أدبية للأدباء الشباب برعاية اتحاد الطلبة واتحاد الكتاب العرب ونشرت في بعض الصحف السورية واللبنانية حينذاك ، وبعد تخرجي من الجامعة وسفري إلى الولايات المتحدة عام 1986 لم أتوقف عن الكتابة بشكلٍ مطلق ولكن تباطأت خطاي وتبعثرتْ روحي الشاعرة وشعرت بحالة موت يتلبسني أو حالة ضياع أختصرها بمفردة " الغربة" . عشر سنوات على الأقل من الضياع الشعري سرقتها مني الغربة أحذفها من الربع القرن الذي مضى. أعدتُ نفضَ غبار قصائدي وجمّعتُ أضواء ذاتي وأشلاء روحي المبعثرة لأبدأ من جديد .. أعلم جيداً أنني و حتى قبل صدور مجموعتي الشعرية الأولى " خيول الضوء والغربة" عن وزارة الثقافة السورية عام 1999 أنّ الشِّعر هو توأم روحي الذي يستوطن في داخلي مهما هربت منه أو هُيِّء لي. تتلاشى قِيَم الزمان والمكان حين يسكننا هاجس الشعر ويحمي نداءاتنا الداخلية ليقول كلمته الأخيرة. وأعتقد بأن إصداري الأول هو المحطة الأهم التي أطلقت أجنحتي لتشق طريقها في فضاء الشعر. وأَشْعَرتني بوجودي على الساحة الشعرية وتوقدت شعلة الشعر في داخلي لأواظب من جديد على حفر خطاي في هذا الطريق الصعب والمدهش. وتوالت إصدارتي الشعرية وأعتبر بأن كل قصيدة تكتبني ، تنشر وجودي الشعري وتُخرجني من ضباب الغربة – يبدو أنني كنتُ أعيش في سنوات الضياع غربتين: غربتي عن الوطن، وغربة ابتعادي عن عوالمي الشعرية الحقيقية. ومازلتُ حتى اللحظة أرى نفسي في بداية الطريق ، فكلُّ قصيدة محطة والسفر طويل...
· أحاديث ودراسات عديدة تحدثت عمّ أطلق عليها اصطلاحاً الأدب النسائي ، سأتكلم هنا عن هذا الأدب كحركة تحررية ، ما القيود التي كانت تقف أمامه واستطاع التحرر منها ؟ وهل من قيود أخرى ما زال يحاول التحرر منها اليوم ؟
أتطلع إلى مصطلح الأدب النسائي بمنظور آخر ، لا كما هو مُتعارَف عليه. نعم. هو حركة تحررية، ولكن ممّن؟!! وكيف. لنحدد هذا أولاً كي نتمكن من فكِّ قيوده إن وُجِدَت. الأدب النسائي ليس فقط ذلك الأدب الذي يؤَطِّر تجربة المرأة المبدعة لتتحرر من خلال أدبها من سلطة الرجل أو لتحرير جسدها وروحها أو لتحرير بنات جنسها بحل مشاكلهن وتسليط الأضواء عليهن عبر القلم. صحيح انَّ الأدب النسائي مصدره الأقلام النسائية، وله خصوصيته وتفرُّده حيث تكمن قيمته في الدخول إلى جوهر إبداع وأحاسيس المرأة وقدرتها على تأكيد ذاتها وتحرير رغباتها وأحلامها ولكن الأهم من كل هذا ، تحرير وتحقيق ذاتها والآخَرمعاً – ليس بالضرورة عبر الآخَر- . من هنا تكمن أهمية الأدب النسائي الذي لايتوقع من الآخر أن يحررها ويحميها فقط بل يسعى لتحرير وحماية الآخَر أيضاً. الأدب النسائي يجب أن يسعى لتحرير الرجل أولاً من قيوده المجتمعية وما يتبعه من فقر و ظلم وقهر واستعباد وتبعية لينهضا معاً ويأخذ كلٌّ منهما بيد الآخَر نحو أفقٍ جديد. والعائق الذي يقف في طريقها أحياناً هو المساحة الضيقة من الثقة والحرية المعطاة للمرأة من قِبل المجتمع الذكوري لتحقيق هذا الهدف . ويخف هذا العائق كلما ازدادت ثقافة الرجل وزاد وعيه وثقته بنفسه وبالآخَر. إن الأدب النسائي كحركة تحررية عالمية منبثقة من الأنثوية العالمية لايمكننا أن نفيد منها إلا في حدود ضمن مجتمعاتنا العربية لأنها ليست بالضرورة منبثقة عن قيَم ثقافية أو أخلاقية تناسب مجتمعاتنا ، بل قائمة أكثر على حريات وأهواء ورغبات وأحلام فردية وما إلى هنالك. خذ منها على سبيل المثال لا الحصر، تأثرها بالماركسية و البرجوازية والفرويدية والتركيبية.
· من خلال مشاركاتك أدبياً في الولايات المتحدة الأمريكية ، كيف تجدين صدى الكلمة العربية لدى المثقف الأمريكي ؟
إسمح لي فقط أن أستبدل عبارة " صدى الكلمة العربية" بـ " صدى الثقافة العربية والابداع العربي " لأن مسألة توصيل إبداعاتنا الشِّعرية والأدبية للمتَلَقي الأمريكي مهمة ولا تأتي إلا عبر نقلنا لإبداعاتنا وثقافتنا إلى اللغة الانكليزية. إن نسيج المجتمع الأمريكي الإثني ، بمعنى أنه لايوجد تقريباً مواطن أمريكي أصيل إلا إذا كان من الهنود الحمر ! ... في هذا المجتمع، المنطلق من مبدأ تعددية الأجناس العرقية والإثنية ، يجد المبدع العربي ذاته قادراً على أن يقول كلمته ، ويعبِّر عن ثقافته وفكره وإبداعه وفنه بحريّة لاأستطيع أن أقول بأنها غير مشروطة بشكلٍ مطلق، لأن السياسة الأمريكية تضع ثقلها على المواطن الأمريكي سواءً كان مثقفاً أو غير ذلك. وتؤطِّر المجتمع عبر شبكات الإعلام والإعلان . وهو متشرِّب بهذا الفكر ومتقوقع إلى حدٍّ بعيد. بالتأكيد يتعاطف مع القضايا الإنسانية ولكن السؤال الذي يطرح ذاته: كيف يتم إيصال القضايا الإنسانية العادلة له دون تشويه ، ليدرك معناها الحقيقي؟ هنا تكمن المشكلة. عندما يكون متشرباً بفكر مشوّه عن العرب وعن الحضارة العربية وعن الثقافة العربية وعن القضايا العربية كقضية فلسطين أو العراق مثلاً ، نأتي نحن ونقدِّم له جرعة ثقيلة من الشعر يصعب عليه احتواءها أو التعاطف معها بشكلٍ صحيح. طبعاً الابداع الانساني في العالم وفي أية لغة كان ، يترك بصمته ويفرض وجوده في أية بيئة خصبة ينبت فيها كما هو الحال في أمريكا!
وهل لهذا التواصل دور فاعل في إبراز هويتنا الأدبية كعرب وإيصال ثقافتنا إلى المجتمعات الأخرى؟
دون شك. شرط أن لايتنكّر المبدعون العرب في الخارج لها – وهذا يحدث كثيراً - . بمعنى آخر، أن لايذوبوا أو يتماهوا مع ثقافة المجتمعات التي هاجروا إليها. هذا التماهي الناشئ من عقدة الخوف أن لايتقبلهم الآخَر والرغبة في الخروج من ذواتهم كعرب والبحث عن انتمائهم كأمريكان مثلاً هو الذي يُفقِد أهمية دورهم الحقيقي الفاعِل في إبراز هويتنا وإيصال ثقافتنا إلى المجتمع الأمريكي.
· وأنت في مكان آخر من العالم كيف ترين اليوم الواقع الأدبي والنسوي منه بشكل خاص في بلادنا العربية ؟
أنا أقيم في مكان آخَر من العالم. هل يحق لي أن أرصد الواقع الأدبي في بلادنا العربية؟!! لستُ أدري. وهل شبكة الانترنيت والاعلام العربي وبعض ما يتسرب إلينا من مطبوعات يعكسون لنا صورة واضحة وحقيقية عن هذا الواقع ؟!! لاأعلم. لكن كانطباع لا أكثر أقول بأنّه يوجد كم ونوع من المبدعات على مساحة الوطن العربي جديرات بحمل رسالة الأدب العربي ليس فقط ضمن الوطن العربي ، بل إلى العالم أيضاً. شاعرات وروائيات عربيات لايمكن عدّهنَّ على الأصابع كما كان في العقود الماضية ، خلقن حالة إبداع مٌُرعِبة وموازية للمبدعين العرب من الشعراء والروائيين على حدٍّ سواء.ولكن بقى الكمّ ضئيل نسبياً مقارنةً مع المبدعين داخل العالم العربي، وأيضاً ضئيل مقارنةً مع إبداعات النساء في الولايات المتحدة مثلاً. ويبقى لدي خوف من حالة مَرَضية تطفو على السطح نتمنى أن نجد لها مخرجاً ما .. وهي انتشار أسماء كثيرة ممن يتم الترويج لهن كشاعرات أو أديبات ، تخلو أقلامهن من حالة الابداع الحقيقي. الترويج الاعلامي والتشجيع الزائف لتلك الأصوات لأسباب لاعلاقة لها بالأدب ، يؤذي الثقافة والأدب العربي ... لن يؤدي إلى ضحالته لأن الأصيل دائماً يغوص في الأعماق ، ولكنه يخلق حالة تشويش على الابداعات الحقيقية التي قد لاتأخذ فرصتها في الظهور .
· وهل من أحداث ثقافية عربية تستقطب اهتمام المثقف الأمريكي ؟
هذا تحدده قوة الإيصال الإعلامي لتلك الفعاليات. المثقف الأمريكي لن يفتح أية محطة عربية أو موقع ألكتروني عربي ليعرف. يريد أن يتابع بلغته الأم مايحدث. وجود قناة الجزيرة باللغة الانكليزية مثلاً ، سهّل مهمة وصول الخبر ثقافياً كان أم سياسياً إلى المشاهد في الغرب . المثقف الأمريكي ممكن أن يهتم بأي حدث ثقافي عربي ولكن يجب أن يصل إليه ليستقطبه وهنا تكمن أهمية تقوية الإعلام العربي ونشره عالمياً بشكل رئيسي.
· دخل مفهوم الحداثة على أدبنا منذ سنين ، فرفع مفاهيم وأسقط أخرى ، ولعلّنا اليوم نعيش ما بعد الحداثة ، إلى أي حدّ طوّرت هذه الموجة في موروثنا الثقافي وما السلبيات التي خلفتها برأيك ؟
إذا كانت الحداثة قد تحققت في ادبنا العربي ، فلم تتحقق برأيي بمفهومها الغربي بشكلٍ مطلق . وبالتالي لم يتحقق ما بعد الحداثة أو لربما ظهرت منها بوادر لا أكثر، فأين نحن من تطبيق النظرية التفكيكية على أدبنا ؟!
الأفضل أن نأخذ من معطيات الحداثة الغربية ما يتناسب وشرقية روحنا العربية ومفاهيمنا التي تنسجم معها . مَن يتعمق بالحداثة الغربية كتنظيرات نقدية واتجاهات أدبية ، يدرك بأنها لايمكن أن تتحقق في بلادنا العربية - كما يراها الغرب- إلا إذا قبلنا بنسف تراثنا وجذورنا و معتقداتنا وحتى تفتيت اللغة العربية !!! إذا كانت " الفوضى الخلاقة " من معطيات ما بعد الحداثة وإن جاءت في سياق غير أدبي وكونها مستوردة من الغرب ، هل نقبل بها كما هي ؟ أم نحتفظ بالـ ـ " خلاّقة" ونعيد النظرأو نرفض مفهوم " الفوضى" مثلاً ؟!! إذن. لنخلق حداثتنا وما بعد حداثتنا الأدبية والمجتمعية وفقاً لطبيعة أدبنا وثقافتنا ولغتنا وهويتنا.
· بين الإبداع والنقد مسافة كبيرة نسبياً ، وبحكم عدم وجود ملامح نقدية شاملة للإبداع العربي هل يمكن تطبيق الأطر النقدية الغربية على الإبداعات العربية ؟
أرى بأنه في أدبنا العربي كما هو الحال في النقد الأدبي العربي، اتجاهات متعددة يمكن أن أسميها – تجاوزاً " مدارس" . ومن الملاحظ أن هذه المدارس التي تنقسم بين الكلاسيكية أو الأصولية الأدبية تستقي من مخزون الأدب العربي و النقد الأدبي العربي عبر العصور . وتشكِّل هذه ركيزتها الأساسية في مجال النقد. أي أنّها مؤطّرة أو مُحصَّنة في سياقاتها الإبداعية الكلاسيكية بشكلٍ لايمكن أن تُطَبَّق عليها الأطر النقدية الغربية. يتجلّى هذا بوضوح أكبر في الشّعر العربي. فلايمكن تطبيق الأطر النقدية الغربية على الشعر العمودي مثلاً لأنه ببساطة كلاسيكي. وهذا أيضاً ينطبق على كلاسيكيات الشعر الانكليزي مثلاً. أو حتى على شعر الشعراء الكلاسيكيين المعاصرين في الأدب الغربي. وأيضاً لايمكن تطبيق النقد العربي الكلاسيكي على نصوص عربية حَداثية. إذن النقد الأدبي الغربي - الذي بات يتغلغل في الفكر العربي المعاصر تدريجياً - والذي يتناول الحداثة وما بعد الحداثة منهجاً له، يمكنه أن يضع الابداعات العربية الحداثية تحت تلك الأطر النقدية الغربية إلى حدٍّ ما. وكلَّما كان المبدع أقرب في ثقافته وابداعه ميلاً إلى هذا الاتجاه، تحققت إمكانية تطبيق هذه الأطر النقدية الغربية على تجربته الابداعية بشكلٍ عام.
· أصدرت من بين إصداراتك ديواناً للأطفال ، كيف وجدت التوجّه للطفل في تجربتك الخاصة ؟ وما الذي نحتاجه بشكل عام كأدباء كي يمكننا توجيه أطفالنا ثقافياً بشكل ينعكس على حياتهم المستقبلية إيجاباً ؟
بكل بساطة، حين أتورَّط في حالة شِعرية ما طفولية، يكون نتاجها قصيدة للأطفال، لاأشعر حينها بأنني أتوجه فيها للطفل. بل أنطلق منه ، أقيم فيه من الداخل .. مما يحب أو يكره، مما يريد أن يحقق ... مني ، من ذلك البُعد الانساني الذي عشته يوماً أو حلمتُ بأن أعيشه، أو أحلم أن يعيش في الأطفال الآخرين .. أعيش معهم اللحظة الحاضِرة والمستقبلية .. أعيشه حلماً أولاً ثم أنقل العدوى لغيري من الأطفال.
علينا كأدباء وشعراء حين نتوجه بإبداعاتنا للأطفال، أن نضع أنفسنا مكانهم ، ونعيش زمانهم ، و أن نعمل على خلق حالة وعي لديهم ، وعي بإحساسهم الجَّمالي والانساني والوجودي والثقافي بالعالم ، بالكون ، بالطبيعة، بالتراث، باللغة، بالحضارة، بزرع ثقتهم بأنفسهم وبانتماءاتهم لأوطانهم. أن نزرع فيهم قيَماً كالمحبة والتعاون والحق والصدق والصداقة ووو ولقد تطرَّق لمثل هذا الكثير من الأدباء والشعراء ، ولكن من المهم أيضاً أن تحمل ابداعاتنا أساليباً جذابة لاتخلو من الطرافة والمتعة كي لا تكون مباشرة أو مَواعظية ، لأنها ستنفِّر الأطفال من قراءة الأدب أو اقتناء الكتب وقراءتها وهذا يشكل خطراً على جيل المستقبل.
· في عصر الأرقام والمعلوماتية باتت الشاشات وأجهزة الحاسب هي المكتبة والإذاعة ودار النشر كيف ترين دور وسائل الإعلام الإلكترونية وهل تفوقت على الوسائل التقليدية برأيك ؟
إن دور وسائل الاعلام الألكترونية في هذا العصر هام جداً. لولاها لما كان هذا الحوار !!..
أرى بأن العالم كله في حالة تطوُّر مستمر. حتى وسائل الاعلام التي نعتبرها تقليدية ، لم تعد تقليدية بل هي الأخرى تتطور وتواكب العصر وتجذب القارئ والمُشاهِد والمستمع. لهذا السبب ، فوسائل الإعلام الألكترونية لن تكون البديل، بل ستكون موازية للوسائل الاعلامية المتعارف عليها.
الكتاب المقروء ورقياً وألكترونياً سيتآلفان تحت عنوان " الثقافة" إن شئت وهي الغاية وهُما الوسيلة. هناك في العالم العربي مَن هم غير قادرين على سد نفقات الانترنيت مثلاً ولكن الكتب في متناول أيديهم بأسعار مقبولة بسبب قربهم الجغرافي من مراكز بيع الكتب والمعارض المنتشرة في الوطن العربي والتي تتيح شراء الكتاب بأسعار معقولة والعكس بالعكس ، فالمغترب في الخارج، يجد شبكة الانترنيت نافذة ثقافية تحقق له ما لم يتمكن من تحقيقه وهو في وطنه الأم، فيتابع ويقرأ ماينشر من الصحف والمجلات وحتى الكتب الألكترونية وغيرها . فكلاهما إذن يضيء دور الآخَر في جزئه المظلم.
· ونحن في هذا الصدد أطلقت وكالة أنباء الشعر العربي قبل فترة نسخة باللغة الإنجليزية ، كيف تنظرين إلى هذه الخطوة كأديبة عربية أمريكية ؟ وما الذي من شأن مثل هذه الخطوة أن تقدمه بوصفها الوكالة الوحيدة المهتمة بشأن الشعر ؟
هذه بِشارة خير. اللغة الانكليزية هي من أكثر اللغات انتشاراً في العالم. أتمنى أن يكون القائمين على الوكالة بنسختها الانكليزية من المتمكنين والراسخين في الثقافتين العربية والانكليزية معاً. لأنّ هذا سيحصد أفضل النتائج. هناك عدد كبير من الشعراء الأمريكان من جذور عربية ناطقين بالانكليزية فقط. هذه الانطلاقة الجديدة ستوسِّع الدائرة المعرفية للوكالة ولهم على حدٍّ سواء. بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الجامعات الأمريكية ممن يبحثون عن مرجعية ما موثوقة وموثّقة للشعراء العرب المعاصرين ونتاجاتهم وحِراكهم الابداعي والثقافي. وماتناولته الشاعرة ناتالي حنظل في موسوعتها حول الشاعرات العربيات في داخل الوطن العربي وخارجه قبل عدة سنوات ، لاقى نجاحاً منقطع النظير لدى القارئ والباحث الأمريكي رغم عدم شموليته للكثير من الأسماء الشعرية الهامة، بسبب عدم تمكنها من الوصول إليهن أثناء انجاز الموسوعة، ولكنه أعطى فكرة عن بعض سير حياة الشاعرات العربيات وترجمة لبعض نتاجهن الشعري.
وكالة أنباء الشعر العربي بنسختها الانكليزية أتوقع لها أن تتفوق في هذا المجال ، و ممكن أن تدخل من أبواب كثيرة و تصل إلى شعوب كثيرة، وتخلق حوارات كثيرة مع المبدعين والشعراء الأجانب و العرب في الخارج ، ويمكنها تغيير مفاهيم كثيرة خاطئة حول الأدب العربي والثقافة العربية الحديثة التي يراها الغرب في العديد من مجتمعاته المتقوقعة لاأكثر من تراث كـ " ألف ليلة وليلة" و " علاء الدين ومصباحه السحري " وغيرهما ....
· هل هناك مشروع أدبي خاص بإباء إسماعيل ينتظر النور ؟
Form The East of The White Wave (من شرق الموج الأبيض)
هو آخر إصداراتي في مجال الترجمة من العربية إلى الانكليزية . نُشِرَ لتوِّه وهو مجموعة شعرية للأطفال للشاعر محمد سمير جعارة – عضو اتحاد الكتاب العرب- تم نشر الكتاب باللغتين العربية الانكليزية .
لدي أيضاً :
تحت الطبع: " أنتَ طفولتي في القصيدة" ديوان شِعر للكبار. وهو المجموعة الشعرية السادسة.
كما أضع الرتوش الأخيرة على مجموعة شعرية جديدة للأطفال
· الوطن والغربة المستمرة ربما طرفان في معادلة صعبة نوعاً ما ، كيف تحلين هذه المعادلة بعد سنين من الغربة ؟ وأين هو الوطن منك الآن ؟
لم يخلُ أي حوار صحفي أو غير صحفي أيقظ ملائكة أعماقي في زمان ما أو مكان ما إلا وبعثر معه مفردات غربتي بحثاً عن وطن، ولملم حقائب وطني بحثاً عن غربة.... بالصدق اللامتناهي أعترف بأنَّ الغربة باتت تحتلني كالمرض المزمن أينما رحلتُ في عمق المكان أو متاهات الزمان... اختلطت اوراقي لدرجة غريبة .. كل مكان من العالم أصبح وطني الذي أعشقه .. وكل مكان هو غربتي التي أعشقها أيضاً .. هل هو منطق الحب، أم منطق اللاانتماء ؟ بل لعله الانتماء للعالم بأسره ، أو ربما منطق الفراشات أو منطق الشِّعر ذاته ، لستُ أدري!!
أين هو الوطن منّي الآن؟!!
هو الحلم الذي حين يصبح أمامي حقيقة ، يقيّدني بكل حرية، لكأنني الفراشة التي كانت تتوق للضوء، وحين فوجئت به ، اكتشفت بأنها اعتادت الظلام ...
هو القصيدة التي مازلت أهجئ سنابلها الذهبية وياسمينها الدمشقي المجبول بسحرالخرافة والحداثة و الأزل ..
وهو البحر بكل إبائه حين أشبهه ، وأخافه حين أنظر في عينيه المباركتين كنبيٍ يعيشُ في داخلي وأتوق لرؤيته ... أتصفحُ رؤاه وأدرك بأني نجمته التي غاصت في متاهاته المائية دون غرق..
· لكلّ منّا رسالة يحملها ويعمل على تأديتها ، فليكن الحديث عن رسالة إباء إسماعيل مسك ختام هذا الحوار ...
همّي أن أبعثر بعض الخراب في هذا الكون ، أن أزرع بذرةً صغيرةً تكبر وتنمو ولا يعرف الموت لها طريقاً ، أن أخترق نبض الانسان ووجدانه وروحه عبر أحرفي وعبر موقفي من هذا العالم المليء بالمآسي والحروب والحصارات والمجاعات والكوارث ، أن أصنع معجزةً صغيرة تشبه الشمعة التي تضيء العالم ولكنها لاتذوب ولاتنطفئ مهما تكاثف الظلام ..
همّي ورسالتي الانسان. وأحياناً الشّعر لايكفي بالوصول إلى الكثير من رسائلنا التي نحاول التعبير عنها بالأحرف ولاتصل كما نريد... إذن .. نحاول بطرق أخرى
كانت لي محاولات شتى للتعبير عن رسالتي الانسانية ، توحّد فيها قلمي مع حلمي .
منذ أول إصدار شعري لي " خيول الضوء والغربة" الصادر عام 1999 خصصت أي مبلغ – مهما كان صغيراً أو كبيراً – أحصل عليه من حفل توقيع كتابي، لأطفال العراق الذين كانوا في ذلك الحين تحت الحصار .. كذلك الحال في ديواني الثاني " أغنيات الروح" الصادر عام 2001 كانت مخصصه موارده لأطفال الانتفاضة الفلسطينية . وديوان الأطفال " ضوء بلادي" الصادر عام 2005 خصصته لأطفال جنوب لبنان.
وتوالت الاصدارات و أؤكد رسالتي الابداعية التي تنسجم تماماً مع رسالتي الانسانية قلباً وقالباً . هما في الواقع همٌّ واحد وأتابع حمل هذه الرسالة رغم الصعوبات المكانية لتحقيق هذا الهدف.