على الأريكة .
ـــــــــــــــــــ
ألا ليت أني لم أر الأريكة ،،، ولم أرها .
ولا باغتتني سورة تغتالني ،،، وآه من حُمَيّاها .
كأني بِحَمَّارة القيظ أخطو حافيا ،،، أوّاه من رمضائها واها .
لكالمَسّ أحسسته في النُّهى ،،، فجهدتُ في الرُّقى حينا ، وأخرى في رقاها .
وكم نهدة صعَّدَتْها حسرة ،،، ومن خلال السُجُف أنظر ذا الزفرات فاها .
فحارت بي الدنيا وحرت ُ بها ،،، فلا مُلجما لها ولا ناهيا فينهاها .
فادْلَهَمّ ظلام واستوثق سواد ،،، فتلك دنياي ولم أدرِ ما دنياها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم عوى الذئب وقال : ما خطبك يا حسين ؟
قلت : أهلا أبا سرحان ،،، وما الذي جاء بك الساعة ؟
قال : كنتُ في الجوار ، فسمعتك تترنم بكلمات ما هي بشعر !! غير أنها لذيذة فأطربتني فأحببتُ المثول بين يديك ،،، لآنس ثم آنس .
قلت : هل أنت خرجت مني ! أم أنا خرجتُ منك ؟؟؟ .
قال : كلانا تَخَلّق بعضه من بعض ،،، أو كلانا كنُطاف أُصْهر في رحم كريمة ، فأجنّت بعد أن علِقَتْ ، فتقبَّب البطن ، فبلغ الأجل ، فخرجتَ أنت وخرجتُ أنا .
قلت : اقترب ،،، أريد أن أبعثك سفيراً .
قال : إلى أين ؟
قلت : إلى الورقاء .
قال : متى ؟
قلت : الساعة ،،، وعلى أن ترجع عليّ بخبرها بعد ساعة ! .
قال : وكيف أسْفُر بينك وبينها في ساعة ؟ .
قلت : شأنك يا ذئب .
قال : فأين عِفْرِيْتُ سُليمان !!! لِيُقلّني ؟؟؟ .
قلت : لا عفريت لديّ ،،، وهيا انطلق ،،، .
ــــــــــــــــــــــ
فانطلق يمرق الأرجاء ،،، كالسهم يتخلل الأحشاء ،،، ثم بعد ساعة عاد بالأنباء .
فقال : جئتك من سبأ بنبأ ،،، فهل لي من أجر ؟
قلت : لقد حلّ ذبح ذاك الحَمَل ،،، ولك منه ما شئت ،،، فهاتِ ما عندك ؟
قال : رأيت العجب العجاب ،،، ورأيتُ امرأة تطوف بصحن دارها ،،، فقلت ستقعد ،،، فلم تقعد ، حتى ظننتُ أنها ستطوف ما طاف الحجيج ،،، .
ثم أرسلتْ نظرة إلى أريكة كانت هناك ،،، فسحبتها رجلاها إليها ، ثم أدارت ومسكت المتّكئين براحتيها ، وجعلت تجلس بأناة وتؤدّة حتى أسلمت ظهرها للمسند ،،، وهي مديرة فمها ، شاخصة بصرها كأنها تتأمّل حدثا ما بمُخّها .
قلت : وماذا بعد ؟
قال : جلستْ ، واتّسَدَتْ يدها ، فجعلت راحتها على أيسر الحنك ،،، فضاق الخدّ وزاحم اللّمى حتى استدارت كخاتم من عقيق أحمر .
ثم أسدلتْ الجفنين على مُقلها ، فاحدودب ظاهرها ، ثم احمرّت رسومها ، فتبللتْ أشفارها ، فهتنتْ ما تيسر لها من تهتان .
وقد راع النظر من الأشفار ما يشبه ذيل الطير بجودة نَسَقه وحسن نظْمه ، غير أنه غاص في البحر يسترزق لينال قُوْته ،،، ثم أقلع والماء يتقطر منه ،،، فتجلّت صورة الأشفار مُتحدية الوصف والتشبيه .
ولعلّ الدمع بعد أن رضي بالأشفار ميزاباً ، جعل يَجِدّ في رسمه المراجيع ، حتى تآلف واقترن بصاحبه عند الحنك ،،، ثم جعل ينهمل ويقرّ في كأسٍ كان مزاجها .... الورقاء .
ثم راع النظر ألم اللّمى ،،، وعطشها للبكاء ، فكانت ترعد وترعد ، ولا زالت ترعد حتى هزّ القلب من جانبها باعث ،،، وحتى كِدتُ أن أجهش ، غير أنها سبَقَتْ فأجهشِتْ من خلال أوتار أرّقها الشجو .
ثم راع النظر وضع جبينها على الساعدين ، فتدلّى الشعر الحالك مظفوراً من هنا ، ومنفوشاً من هناك .
أما المظفور ، لكأنه الحبل الممرُوْر ، ولو شاءت أن تُطَوِّحه وتضرب به ، لكان أوْجع من السوط ! لفرط شدته وقوته .
وأما المنفوش ، فبما تذبذب قامت به اليد التي اتسدتها ما بين الحنك تارة وجانب الرأس أخرى ،،، فانتفش .
ثم راع النظر بعد أن أراحت صدغها الأيمن على ظاهر كفيها ما احمرّ من ذرفها ، وما جاد به الشأنان .
فأطلتُ النظر ، وإذا العين حمراء ، فأرتني الدمع أحمرا ، والدمع في حقيقته لا حمرة فيه ،،، وإن كادت لتتهالك نفسي لجسامة الأثر وسطوة الحزن ، لولا أن تداركني تماسك كنتُ أعدّه من مقوماتي كذئب .
ثم راع النظر عقارب شعرها المبتلة عرقا ودمعا ، وهي تداعب صفحة خدّها وطرفا من أنفها ، مولدة ما يشبه الحكّة ، فتحكّه ثم تتبعه شهقة تسلب النفس وتزهق الروح ، وإن كادت لتزهق لولا بقية من العمر إلى أجل مُغَيّب في ملكوت السماء .
ثم راع النظر بعد رشدها قيامها وإدبارها ، حيث ذكرتُ قول الأعرابية التي وصفت إحدى الحسان لأحد الملوك قائلة ( مَهِيْل الرّمل من ردفها ) ،،، أما والذي أمات وأحيا ، والذي أمره الأمر ،،، لكأني أرى الأعرابية وأسمع قولها الساعة .
ثم ذهبت تسير تلتمس الماء لتغتسل بعد أن قرّح الدمع عينيها ،،، ففعلتْ .
ثم راع النظر إقبالها ، وقد استحر الحسن واستفحل !!! فهممتُ أن أتوارى ،،، غير أنها رأتني فتدثّرتْ ثم قالت : من ؟؟؟
قلتُ : الذئب .
قالت : ذئب يوسف ؟
قلت : نعم .
فاقتربتُ منها وقلت : ما هذا البكاء يا ورقاء ؟
قالت منكرة الأمر : لم أبكِ !!! .
ابتسمتُ وقلت لها : ( ما استتر من قاد الجمل ) !!! .
ولكن ،،، حسبكِ الآن ،،، فأنا الذئب ولا زلتُ ( أسْتَفُّ التراب ولا أخضع لأحد على باب ) ،،، فكفكفي .
فقالت : من أرسلك يا ذئب ؟
قلت : آه ،،، ذكرت الآن من الأمور ما هي عاجلة ، وعليّ أن أذهب ،،، ألا تُشَيِّعيني بدعوات منبعها القلب ومحطّها السماء ؟
قالت : في أمان الله وحفظه
ـــــــــــــ
وها أنا ذا يا حسين ،،، فأين الحمَل ؟؟؟ .
قلت : أحسنت يا ذئب ،،، ودونك الحمل ، ولكن دعني أعالجه ذبحا بِدَجّ أوداجه أولا .
ثم كل منه حتى تشبع ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، .
ــــ إنتهى ــــــــ
حسين الطلاع
13/6/2009 م .
المملكة العربية السعودية - الجبيل