تقول راوية القصة: بالأمس كنت حاضرة في محاضرة دينية في بيت الشيخ حميد النعيمي .. وكانت محاضرة تتكلم عن الصحابي الجليل أبو الدرداء وكانت تلك أول مرة أرتاح فيها للمرأة التي تحاضر , والحق يقال: كان أسلوبها مشوقاً ورائعاً أطال الله في عمرها وجعل ذلك في ميزان حسناتها..
لقد شد انتباهي قصة أحزنتني على حالنا وحال شبابنا أسأل الله أن يهديني ويهديهم أجمعين.
لن أطيل عليكم ودعوني أبدأ في سرد أحداث هذه القصة الواقعية..
وقعت أحداث هذه القصة في الشام في حواري دمشق..حيث كانت هنالك فتاة يافعة في متقبل العمر تذهب كل يوم إلى الجامعة لتنهل من العلوم وتستزيد من الآداب وكان والدها رئيس شعبة في هذه الجامعة
في يوم من الأيام كانت الدنيا باردة وكانت السماء ملبدة بالغيوم وما إن أتى المساء حتى أرعدت السماء وبدأ المطر في الانهمار والبرد ذو الحبات الكبيرة التي تكاد تخرق رؤوس الناس وهم يركضون للاحتماء تحت أي ظل.
خرجت الفتاة من الكلية وهي تجري علّها تجد ملاذاً من هذه العاصفة الهوجاء وكانت مبتلة ترتجف أوصالها ولا تدري أين المفر..
وعندما زاد نزول البرد طرقت باب بيت شعبي في أحد الأزقة ..... وإذا بشاب يستقبلها ويرحب باستضافتها في بيته إلى أن تهدأ العاصفة ولم يتعارفا بالأسماء0
فقط إنه طالب في نفس الجامعة وأعزب يعيش لوحده في غرفة وممر خارجي مغطى وحمام منفصل على الغرفة.
طلب الشاب منها أن ترتاح في الغرفة لحين هدوء العاصفة وأدخل عليها المدفأة وطلب منها أن ترتاح وانه سيخرج المدفأة بعد فترة.
بعد مضي فترة من الزمن وهي جالسة ترتجف على السرير غلبها النعاس فألقت بنفسها مستلقية على السرير.ودخل الشاب وإذا به يراها وهي نائمة وكأنها أميرة من حور الجنة وأخرج المدفأة ولكن الشيطان قام بداخله في شغاف قلبه ويغريه بصورة الفتاة المستلقية في الغرفة بجانبه...
انتبهت الفتاة وإذا بها ترى نفسها مرمية على السرير لا تعلم ماذا جرى فركضت نحو الباب فرأت الشاب مرمياً في الخارج مغمى عليه ..أخذت تجري ولا تلتفت خلفها حتى وصلت لبيتها ورمت بنفسها في حضن أبيها الذي كان طوال الليل يبحث عنها في كل مكان!!.
قصت له كل الأحداث التي مرت عليها وأقسمت له أنها لا تعلم ما جرى لها وأن ما حدث قد حدث رغماً عنها.
فما كان من الأب إلا أن ذهب إلى الجامعة وأبلغ عن الشباب المتغيب في هذا اليوم فإذا بهم شابان أتضح أن أحدهم مسافر خارج البلاد والآخر في المستشفى....
ذهب الأب ليرى ذلك الشاب في المستشفى ليروي غليله وينتقم منه فإذا به يرى شاباً قد لفت يداه باللفافات البيضاء فسأل الطبيب عما جرى ..
أخبره الطبيب أنه أتى إليهم محترق الأصابع ..نعم أصابعه محترقة...
قال الأب للشاب: بالله عليك ما الذي جرى ؟ وطبعاً من غير أن يخبره أنه والد الفتاة التي كانت عنده في الأمس. فقال الشاب: لقد التجأت إلي فتاة بالأمس طلباً للحماية من المطر فآويتها في الغرفة ولما دخلت لأطمئن عليها فإذا أنا أمام أميرة من حور الجنة نائمة على السرير... فاستغفرت الله وأخرجت المدفأة...
ولكن الشيطان قام يداخلني في شغاف قلبي ويغرر لي بصورتها الجميلة وهي مستلقية بجانبي في الغرفة...
عندها تذكرت الله والخوف من الزنى... والشيطان يراودني ويراودني...
فقمت إلى المدفأة الملتهبة وبدأت أحرق إصبعاً من أصابعي كلما ضعفت نفسي لأتذكر نار جهنم وعذابها... حتى احترقت أصابعي فأغمي علي من شدة الألم .. ولم أدر إلا وأنا في المستشفى..
فصرخ الأب عندها وقال: اشهدوا أيها الناس أني زوجته ابنتي.
*هذه هي ثمرة من ثمرات العفة يا أخوتي .. ولطالما سمعنا من علمائنا الكرام هذه المقولة الحقة التي تكتب بماء الذهب:
من صبر على الحرام وهو يقدر عليه رزقه الله تعالى إياه بالحلال.
المرجع الّذي نقلت منه القصة بأمانة : ضحايا الحب – ت: يوسف الحاج أحمد . ط : 1 . 2004 م نشر مكتبة ابن حجر – دمشق .
تعليق وعبرة :
القصة انتهت, وأسدل الستار على أحداثها , لعلك قرأتها بتأمل , وأدركت أن العبرة المستفادة منها أبعد من مجرد العفة , تلك الكلمة التي أصبحت اليوم تطرح في المنتديات والمحاضرات فارغة من مضمونها التحفيزي , الّذي يجعل منها سلوكاً لكل امرأة وفتاة وشابّة من نساء المسلمين . ذلك لأن عفة المسلم رجلاً كان أو امرأة تاج على رأسه يفخر به , بل وبهذا الدّين الّذي ألبسه هذا التاج الّذي يفوق ببريقه الّذي يشع في كل أرجاء الدنيا كل تيجان الملوك . أما رأيت أخي الشاب , وأختي الفتاة , كيف نال ذلك الشاب شرف الزواج من تلك الفتاة المسلمة , وما ناله إلاّ بصبره العجيب عن السقوط في مستنقع الرذيلة , وقد كلفه هذا الصبر شيئاً من الألم جرّاء تعريض أصابعه للهيب النار , وما حمله على ما فعل إلاّ خوفه من عقاب الله للعصاة في النار يوم القيامة . فمن كان الخوف من الله رائده , والعفة سلوكه , فهو المؤمن الصادق في إيمانه , الصادق مع الله , فرائع أن يسلك شباب الأمة هذا السلوك الإيماني الراقي عندما يحدث معهم مثل هذا الموقف وغيره مما قد يحدث في واقع الناس تحت أي ظرف من الظروف . حمى الله شباب الأمة وفتياتها من مغريات العابثين الّذين لا هدف لهم إلاّ هدم حصن العفة الشامخ والخروج على كل المعايير والضوابط الأخلاقية .