عـناصـر النـص الأدبـي:
تنتظم عناصر النص الأدبي في عملية منهجية خاصة تنظيماً جمالياً شديد الاتساق، وتصطبغ بصبغة فنية، بحيث تُكوِّن النص في شكله الجمالي ،وهذه العناصر هي:
1- الألفاظ:
وهي بنية النص الأولية التي تحمل في داخلها دلالات نفسية ووجدانية ناطقة تصور إحساس المبدع الذي يلتقطها في مهارة فائقة، وينظمها نصاً فريداً كالفنان الذي يلتقط دُرراً منثورة لينظمها عقداً جميلاً في استخدام حساس ومبتكر للغة؛لذا لابد وأن يُدقق المبدع في اختيار ألفاظه.
"وكلمة لفظ هنا لا تعني الكلمة مفردة، لأن هذه لا تُوحي إلا بخواطر مبعثرة لا تربط بينها صلة نفسية أو ذهنية واحدة، وإنما تستمد حياتها من وجودها في سياق خاص، واتصالها بكلمات أخرى تتفاعل معها، وتؤثر فيها، وتتأثر بها" الطاهر مكي 76-77)
2- الأفكار:
وهي عنصر هام وأساسي من عناصر النص الأدبي، تنبع من نظرة المبدع إلى الحياة والكون، وتفسيره لمظاهر الطبيعة والحياة والإنسان،وتبين أفكار النص اتجاه تفكير المبدع ومدى عمقه،و"الحقيقة التي ينبغي أن نحضرها في أخلادنا هي أن الأدب الرفيع لم يخل قط من عنصر التفكير، وأن الشاهد على ذلك أدب الفحول من شعراء الأمم العالميين." (أروين 14)أمثال المتنبي والخيام وشكسبير.
ولابد أن تتسم أفكار النص بالآتي:
أ- الطلاقة: وتعنى كثرة الأفكار وتسلسها وتنوعها ما بين أفكار رئيسية،وأخرى فرعية.
ب- الأصالة: وتعنى بها جدة الأفكار المطروحة،وطرافتها، وإيجاد علاقات جديدة تربط بينها.
3- الجمال: ويعنى به الدقة في اختيار ألفاظ الفكرة، وصياغتها بأسلوب جميل وموجز.
4- ذات قيمة: لابد وأن تكون الأفكار الجميلة تحمل في طياتها قيماً تعيش في أذهان وقلوب القراء.
3- المعاني:
والمعاني قوام كل ألوان الأدب،وعماد النص الأدبي،حتى تكاد تكون أهم عناصره،فهي تحمل كل عناصر النص الأدبي المعني على ظهرها،وهنا تظهر ثقافة المبدع،وقراءاته التي يوظفها في نصه، فهو لا يستقي معانيه من أحد، بل إنه كالنهر الذي تصبُّ فيه روافد متعددة من ثقافات وعلوم وفنون- يختلط بعضها ببعض- ولا يظهر في النهاية إلا ماء النهر الذي امتزجت فيه الروافد لتصنع ثقافة جديدة يتميز بها المبدع الذي يعرف كيف تُؤدى المعاني الجميلة الرقيقة، فيلجأ إلى التصريح -إذا اقتضى الأمر ذلك-، ويُكني ويُلمح ويُضمن للإيحاء ببعض المعاني مراعياً مقتضى الحال في بلاغته وإبداعه.
4- الخيال:
يحتل الخيال مكانة متميزة بين عناصر النص الأدبي، فهو ضرورة من ضروراته لإعادة صياغة وبناء الواقع في عالم الأدب،وهو القوة التي تختزل خبرات المبدع وقراءاته وثقافته وموهبته الفطرية،وتأتي خصوبة الخيال على أول قائمة المواهب الفطرية للمبدع، فعن طريقه يقف المبدع على أرض الواقع، ويستلهم منها، ثم يتحرر من سلطان الواقع ويعيد تنظيم الأشياء بإدراك عميق، تتشكل فيه اللغة في أثوابٍ جديدة وتصوراتٍ مبتكرة، ثمَّ ينطلق بخياله حراً إلى آفاق واسعة.
5- الصـورة البـيانيـة:
ارتبطت الصورة بالنص الأدبي منذ ولادة الشعر العربي القديم بشبه الجزيرة العربية،فالصورة قديمة في الأدب العربي قدم الشعر،ويدلنا على ذلك أشعار الجاهليين أمثال امرئ القيس،وعنترة بن شداد و....
وقد اتفق القدماء والمحدثون على أهمية الصورة البلاغية في تجسيد ما هو تجريدي، وإعطائه شكلاً حسياً يكون أبلغ من مجرد نقله بصورته الواقعية حيث يقربه من طبيعة النفس الإنسانية في تفهمها للمفردات الكونية، فيؤدي ذلك ما لا تؤديه اللغة العادية في عرض الحقائق مجردة أحياناً.
6- العاطفة:
يتميز النص الأدبي بأنه مرآة صادقة تعكس ما يجيش بصدر المبدع من مشاعر وأحاسيس، وما يعتمل في ذهنه من انفعالات وأفكار، وما يحسه من عاطفة تسيطر عليه، ويفوح أريجها في كل تعبير أو صورة أو معنى أو لفظة تلمسها عاطفة المبدع، وتمتد إليها يده ليتوج بها نصه.
والصدق نوعان:الصدق الواقعيّ، وهو صدق تعبير المبدع عن تجربته التي لمسها في الواقع، والصدق الشعوري الذي يفعم وجدان المبدع،والمهم أن ينأى عن الافتعال والكذب الشعوري.(أحمد هيكل: مرجع سابق، صـ15، 16)
لذا لابد وأن يجتهد المبدع للوصول إلى المرحلة التي تتلون ألفاظه وعباراته وصوره بلون عاطفته وتتشكل بشكل دوافع نفسه التي أحسها وعبر عنها بصدق.
7- الأسلـوب:
يعتقد كثيرون أن الأسلوب هو الكلمات التي تكوِّن الجمل والعبارات بصورتها اللفظية، وهذا هو المعنى الظاهر للأسلوب، لكن يسبق الصورة اللفظية للأسلوب صورة أخرى معنوية تولد في نفس المبدع ،"وهي أن الأسلوب معانٍ مرتبة قبل أن يكون ألفاظاً منسقة، وهو يتكون في العقل قبل أن ينطق به اللسان أو يجري به القلم" شكري عياد 128
ولابد أن يتسم الأسلوب الأدبي بثلاث سمات هي:
1- وضوح الأسلوب: ويقصد به حسن اختيار الكلمات والجمل والأفكار الواضحة والمعبرة عن المعنى بلا تكلف ولا غموض، "ومراعاة التلاؤم والتناسب في مطابقة الأسلوب لمستوى إدراك القارئ أو المتلقي." (صلاح فضل 145).
2- قوة الأسلوب: ويقصد به فصاحة الكلمات،وجزالة التراكيب،وتماسك الجمل،وترابط العبارات، وصحة القواعد النحوية والصرفية والبلاغية.
3- جمال الأسلوب: ويقصد به تآلف وانسجام كل عناصر النص الأدبي في نسيج واحد متلاحم ومتماسك،تلمس فيه رقة الألفاظ،وتسلسل الأفكار،وتحس بعذوبة التصوير، ووحدة الموضوع والجو النفسي.
8- الإيقاع الموسيقي:
تصنع الموسيقى المنبعثة من النص أثراً جمالياً يتمثل في توازي الحركات الصوتية والدلالية وحركات المعنى في إيقاع موسيقي جذاب ينبه القارئ، ويشد انتباهه ويمتعه بهذا الجمال.
دكتور/ راضي فوزي حنفي
كلية التربية - جامعة الحدود الشمالية
**********