معظم الحضارات القديمة اتخذت القمر أساساً لتحديد الأشهر والسنين، وذلك لسهولة متابعته وملاحظة التغير المستمر والسريع في أوجهه، وهذا يعني أنها اعتمدت بشكل أو بآخر على التقويم القمري.
يُعتقد أن الحضارة البابلية هي أول من قسّم الأسبوع إلى سبعة أيام استناداً إلى طول الشهر القمري، ثم تبعهم الصينيون فالمصريون القدامى ثم الهنود وتلاهم العرب قبل الإسلام، ونظرا لارتباط الشعائر الإسلامية بالشهر القمري فالحضارة الإسلامية تعتبر من أشهر الحضارات الحديثة استخداماً للتقاويم القمرية.
كي يبدأ الشهر القمري لابد أن يتحقق شرطان أساسيان مهمان هما: حدوث الاقتران (ولادة الهلال) قبل غروب الشمس في مكان الرصد والشرط الآخر غروب القمر بعد غروب الشمس في مكان الرصد.
فيما سبق تم الحديث عن الخسوف والكسوف وأن الكسوف لا يحدث إلا في نهاية الشهر القمري فماهي العلاقة بين ظاهرتي الكسوف والاقتران؟ الاقتران في البداية هو اجتماع الشمس والقمر بحيث تكون مراكز كُلاً من الشمس والقمر والأرض على استقامة واحدة أو في مستوى واحد، وبالتالي فمن التعريف السابق فإن الكسوف ما هو إلا ظاهرة اقتران مشاهد وذلك في حالة أن تكون مراكز الشمس والقمر والأرض على استقامة واحدة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتم مشاهدة الهلال بعد مغيب الشمس في منطقة ما وفي منطقة تقع غربـها يحدث كسوف للشمس، حيث أن الكسوف دليل على حدوث الإقتران.
السؤال الآن كيف ومتى وأين يتم رصد الهلال ؟ إن رصد هلال أي شهر تتم في نهاية الشهر السابق، فمثلاً لتحري دخول شهر رمضان فإن الهلال يُتحرى في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان شريطة حدوث الاقتران قبل غروب الشمس في ذلك اليوم (29 شعبان) وأن يغرب القمر بعد غروب الشمس، وفي حالة عدم التمكن من رؤية الهلال أو عدم تحقق أحد الشرطين السابقين فإن الشهر يُتم 30 يوماً.
يحتاج رصد الهلال إلى خبرة ودراية جيدة وتركيز على جهة تواجد الهلال، فقد يتوهم الراصد في جرم سماوي مثل كوكبي الزهرة وعطارد أو دخان طائرة نفاثة أو قمر صناعي أو سحابة أو ربما شعرة في عين الراصد. كما يحتاج الراصد أن يتواجد في منطقة خالية من أضواء المدن وهو متجه إلى ناحية الغرب وألا يوجد أي حاجز في الأفق مثل جبل أو منزل أو أشجار تعيق الرؤية، وعلى الراصد أن يعلم أن رصد الهلال من أصعب مهام الرصد الفلكي وذلك لعدة أسباب:
1-موقعه في المنطقة الحرجة للرصد قرب الأفق، أي في منطقة تواجد أكبر كمية من الأتربة والعوالق، شكل (4). المختصون في الغالب يتجنبون الرصد في هذه المنطقة.
2-قرب القمر الشديد من الشمس بعد الإقترن.
3-خفوت إضاءة الهلال.
هذا بالإضافة إلى عامل الظروف المناخية (سحب ، غبار…الخ) والتي قد تؤثر على عملية الرصد.
والأسباب الآنفة الذكر لا يمكن بأي حال من الأحوال تجنبها وهي بالتالي خارجة عن سيطرة الراصد سواء كان هاوي أو محترف، فمثلا يوضح الشكل الآتي صورة
<IMG title=image009.gif alt=image009.gif>
للهلال تم التقاطها في مركز حالة عمار بمنطقة تبوك في 30-10-1420هـ الموافق 6-2-2000م، حيث غربت الشمس عند الساعة السادسة و سبعة عشر دقيقة مساءً، وغرب القمر عند الساعة السابعة و إثنتا عشرة دقيقة مساءً، وكان ارتفاع القمر لحظة غياب الشمس عشر درجات قوسية من الأفق، وكانت ولادة الهلال يوم السبت 29-10-1420هـ الموافق 5-2-2000م، في تمام الساعة الرابعة و خمس دقائق عصرا. هذه الصورة تبين مدى صعوبة رصد الأهلة لمن لم يتمرس عليها مرات عديدة. هذا ولقد تمكن المؤلف مع الأستاذ/ معتز كردي من تحقيق الرقم القياسي العالمي في رصد الهلال عندما تمكنا من رصده وهو على ارتفاع حوالي اربع درجات قوسية، وذلك يوم الخميس 30/12/1422هـ الموافق 14 مارس 2002م.
ومن النقاط المهمة في رصد الهلال والتي يغفل عنها الكثير، أن رؤية الهلال في الغرب لا تحتم رؤيته في الشرق، وإذا شوهد في الشرق فيتوجب رؤيته في الغرب إذا لم يحل حائل كغيم أو غبار.
وفي حالة رؤية الهلال على يمين الشمس فإنه يسمى هلالً شامياً نسبة إلى بلاد الشام، وفي حالة تواجد الهلال على يسار الشمس يسمى هلالً يمانياً نسبة إلى بلاد اليمن.
المراجع:
1- زكي عبدالرحمن المصطفى، الفلك للهواة، النادي العلمي السعودي بجدة، 1427هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
::: من الايميل