الأزمة السورية تتخطى مشكلة النظام
عبد الستار قاسم
18/شباط/2014
بداية أوكد عاى ما تم توكيده سابقا وهو أن النظام السوري كالأنظمة العربية الأخرى زرع بسلوكياته بذور الثورة والاقتتال. إنه نظام قهري استبدادي قمعي وفاسد وظالم، وكان من المتوقع أن تنفجر الناس في وجهه. وعندما سألني النظام عن احتمالات خروج الناس ضده، كانت نصيحتي أن يبدأ بالتغيير فورا قبل أن يخرج مواطن سوري واحد في شوارع دمشق يتظاهر ضده. لقد أخذ النظام الكلام باستهزاء على اعتبار أنه نظام قومي ممانع ولا يمكن أن يخرج عليه الناس.
الآن وبعد كل هذه الدماء التي سفكت وستسفك في سوريا، هناك إصرار غربي أمريكي وأوروبي وعربي على مواصلة القتال، ولا يلوح في الأفق أن الأقوال الصحافية التي نسمعها على ألسنة مسؤولين غربيين حول الحلول السياسية ستجد طريقها إلى التنفيذ.
باختصار، مواصلة القتال في سوريا تخدم الأهداف الاستراتيجية التالية لكل من إسرائيل وأمريكا:
أولا: تكريس الانطباعات السيئة التي تتبلور الآن على المستوى العالمي عن الإسلام. لقد حارب أهل الغرب الإسلام على مدى قرون، وكانت إنجازاتهم متواضعة جدا. استطاعوا بمساعدة بعض فقهاء المسلمين الفاسقين أن يشوهوا صورة الإسلام بعض الشي، ولولا تصرفات المسلمين وسوء أدائهم في كثير من الأمور لما استطاعوا تحقيق اي إنجاز. الآن في هذه المرحلة يقوم أبناء المسلمين الذين يدعو أنهم يدافعون عن الإسلام بتقديم أعظم الخدمات لإسرائيل وأمريكا وذلك بتقديم الدليل تلو الدليل للعالم بان الإسلام دين إجرام وسفك دماء. آلاف المسلمين الآن يثبتون للعالم أن المسلمين يسوقون سيارات تحمل متفجرات ويزرعون الموت في الأسواق والشوارع المزدحمة والمستشفيات والمدارس. هؤلاء المسلمون يوفرون على إسرائيل وأمريكا الجهد والمال والعناء، ويقدمون خدمات مجانية لصد الناس عن الإسلام ومحاربته. والمسألة لا تقتصر على غير المسلمين، بل هناك من المسلمين من بدأ يكره الإسلام بسبب هؤلاء. هؤلاء التكفيريون التفجيريون أشد غباء من النظام السوري وأشد ، ومثلما أن النظام لم يستمع أصلا لنصائح أحد، هؤلاء يعتبرون من ينصحهم كافرا ويجب ذبحه وفق ما يرون أنه السنة النبوية.
الغرب مرتاح الآن وكذلك إسرائيل، فأبناء الإسلام يقدمون أفضل هدايا لاستقطاب قوى الناس على المستوى العالمي لمحاربة الإسلام. لم تعد المسألة مقتصرة على مجرد مفتي غبي يقول إن الإسلام يوجب الطاعة للحاكم مهما كان ظالما، وإنما تمتد لتشمل آلافا مؤلفة من المجانين الذين لا يخجلون من إعلان أعمالهم الإجرامية على شاشات التلفاز.
أنا أحد الناس الذين بذلوا جهودا لا بأس بها في البحث في الفكر الإسلامي، وكتبت حوله باللغتين العربية والإنكليزية على أمل أن أوصل رسالة لمن لديهم شك حول رسالة الإسلام الإنسانية والأخلاقية، وكان تقديري أنه إذا وصلت الرسالة للناس على مدى مائة عام فذلك أمر جيد بخاصة أن وسائل الإعلام الأجنبية لا تهتم بهكذا كتابات. الآن ما قيمة كل الكتابات الفكرية حول الإسلام إذا كان مجرم يقوم بعرض إجرامه باسم الإسلام على شاشات التلفاز. و يستطيع الوصول بإجرامه إلى العالم خلال دقائق معدودة، ويستطيع صناعة صورة قبيحة للإسلام بسهولة. أنا بحاجة إلى مائة عام لإيصال الفكرة وقد أنجح وقد لا أنجح، أما ذلك الجاهل الذي يشل تفكيره في الحور العين يستطيع أن يوصل فكرته إلى كل العالم بنجاح عظيم وبسرعة الضوء.
وهل هذا يخدم الأنظمة العربية؟ نعم لأن الإسلام دين أخلاق، ودين ثورة على الظلم، وبقاء الأنظمة العربية مرتبط تماما باللاأخلاق وبالفوضى وبغباء الناس. كلما ازداد غباء الناس وتعمقت سذاجتهم، اطمأنت الأنظمة العربية وطال عمرها. طويل العمر طويل عمره بسبب السذاجة التي تخيم على عقولنا ونفوسنا.
ثانيا: منذ عام 1979 وأمريكا تحاول مع الأنظمة العربية إشعال فتنة مذهبية في المنطقة العربية الإسلامية لما في ذلك من تمزيق للصفوف، واقتتال يستنزف الطاقات وإضعاف يجعل المنطقة كلها تحت الهيمنة والسيطرة.حاول الأمريكيون جاهدين إشعال الفتنة المذهبية في العراق. نجحوا لبعض الوقت، لكن العراقيين استطاعوا أن يحاصروها بعض الشيء، وما زالت الجهود العربية مستمرة لإشعال فتنة سنية شيعية في العراق. حاولوا إشعال الفتنة أيضا في لبنان، ولكن اللبنانيين بخاصة حزب الله قرر عدم الرد على الاستفزازات والاعتداءات، وحال دون فتنة مذهبية. وما زال حزب الله يتلقى التفجيرات دون رد. بالطبع هناك من يقول إن حزب الله هو المعتدي لأنه يقاتل في سوريا، والحقيقة أن المعارضة في سوريا أخذت تتهدد الحزب منذ اليوم الأول للنشاط ضد النظام، وكان واضحا أن المعارضة ستهاجم الحزب إذا فازت ضد النظام. حتى أن هذه المعارضة لم تتلفظ بكلمة واحدة ضد إسرائيل، ولا حتى حول تحرير الجولان.
الفتنة السنية الشيعية هي أخطر ما يمكن أن يواجهه المسلمون لأنها مدمرة وساحقة ماحقة للجميع على الساحة العربية.، ولن ينجو منها أحد سواء كان مسلما أو غير مسلم، وهذه بحد ذاتها أكبر خدمة يمكن أن يقدمها المعتوهون الإسلاميون لأعداء الأمة.
ثالثا: حصار المقاومة والقضاء عليها. من الصعب بل من المستحيل على إسرائيل والدول الغربية والأنظمة العربية أن تتعايش مع المقاومة الموجهة ضد إسرائيل، والجهود تبذل باستمرار من أجل القضاء على المقاومة في غزة وفي جنوب لبنان. وقد شنت إسرائيل حروبا ضارية بمساعدة الدول الغربية والأنظمة العربية من أجل القضاء على حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ولجان المقاومة الشعبية، ولم تستطع. ولهذا رأت إسرائيل ومعها أهل الغرب ان أفضل الوسائل لإنهاك العرب والمسلمين هي بث الفتن الداخلية لكي يأكلوا بعضهم. ولهذا تسلط بعض الأنظمة العربية الآن ومعها إسرائيل تفجيريين تكفيريين ضد لبنان لعمل فوض قد تؤدي إلى حرب أهلية يمكن أن تقضي على حزب الله أو تضعفه إلى حد كبير. وفي الجبهة الجنوبية، يقوم التكفيريون بأعمال تفجيرية في مصر من أجل أن توجه مصر حرابها ضد حماس. ولهذا تقوم مصر الآن بتشديد الحصار على حماس، وتضعها في ضائقة شديدة تحت حجة الدفاع عن الأمن القومي المصري. الاحتمال كبير أن النظام المصري نفسه متورط في تشجيع هذه الأعمال ليقدم أوراق اعتماد لأنظمة الخليج ولأمريكا للحصول على مساعدات مالية. دول الخليج وأمريكا وإسرائيل معنية بالقضاء على حماس، وإذا قامت مصر بالمهة فإنها ستحصل على مساعدات اقتصادية ومالية.
تصفية القضية الفلسطينية
النقاط أعلاه تصب في النهاية في حوض واحد وهو دعم إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية. حزب الله واع تماما للمعادلة، لكن المشكلة أن الجانب الفلسطيني لم يقرا الخارطة جيدا حتى الآن، وما زال يغلب الحزبية على فكرة حماية معسكر المقاومة في المنطقة. من المفروض أن يعي الجانب الفلسطيني أن القضاء على حزب الله لن يوفر حماس أو الجهاد الإسلامي، وأن هذ1ه حرب تطال الجميع وليس جزءا واحدا فقط. تشويه صورة الإسلام يؤثر سلبا على القضية الفلسطينية، أما الفتنة الداخلية فتقضي على الأخضر واليابس. ربما يقول أحدهم إن القيادة الفلسطينية تقوم بما يلزم من أجل تصفية القضية، لكن يبقى من المهم بقاء المقاومة لبقاء القضية حية.