السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وخير السلام على خير الأنام رضي الله عنه وعنا وأرضانا وأسعدنا في الدارين وبعد:
لاندري من أين أتى مصطلح التوحد بمعناه الطبي اليوم فلم نجد في لسان العرب سوى معنى واحد له وهو:
المتوحد: من الرجال الذي لايعرف نسبه ولا أصله .1
ولم يأت بمعناها الذي نعرف منفردا ,سوى القاموس المحيط:
وحيد ومتوحد: المنفرد 2
فهل فعلا مثقفنا يعاني من هذه المشكلة مع مرور الوقت وثقل المهمات التي يحملها؟
أم من حوله الذين يعانون ويرون ويشعرون ؟
***********
عالم الثقافة عالم زاخر بالمتناقضات الثقافية الشهية , هو عالم منفرد خاص جدا لمن عاينه ودخل عبر دهاليزه اللذيذة الوعرة.
ومهما تعمقت في أجوائه تجد أن الطريق مازالت طويلة!غابات مترامية الأطراف فمن أين لك ان تحيط بها والإبداع يومي زخم؟
قال العلماء الربانيون واعلم انك كلما ازددت علما ازددت جهلا
*************
الذين ماتوا على مكاتبهم في قمة العطاء ,أو الذين بقيوا في رحلة التأمل وانتهى العمر بهم ولم يتوقفوا عن العمل يوما,والذين تركوا أرشيفا زاخرا لم يقرأ بعد.
هل كانوا يجدون لذة لامتناهية مع هذه الرحلة الشاقة المشوقة؟
هل هو توق العمل والاجتهاد والنعمة التي حباهم الله تعالى بها؟
ام تحولت إلى ظاهرة أدمان لدى رؤيتهم ثمار عطائهم؟ ام الثمار لاتهمهم بقدر تركهم لجيل قادم ما قاموا به؟
هل هم متميزن بكل مايهم من خصال؟
غريبون تارة كما قال الدكتور عبد الكريم بكار :
إن الإبداع والعطاء نوع من الجنون الفريد يخول صاحبه أن يستمر في عطائه؟3
*******
لاننكر أن إدمان التفكير يؤدي إلى انصراف المفكر والمثقف إلى مسارب تبعده عن واقعه بأشواط طويلة, فتجعله متأملا في معظم اوقاته مستجيبا لنداء الأفكار الجديدة المتوالدة بكثرة طوال مشواره العطائي,
مما يجعله في معزل حقيقي رغم تواجده جسديا بين أقرانه,حتى أنه يستغل أي فكرة ونبضة لصالح مواضيعه وقضاياه التي يفكر فيها.
هل هي ظاهرة صحية؟ومنطقية جدا من قبل هؤلاء؟
هل هي ضريبة طبيعية لمشوار الإبداع الفكري والثقافي؟ام هي فتوح ربانية وإلهام لايتوقف إلا بالموت؟
وهل الموت فعلا حكمة ربانية تضع حدا لعطائه يكملها بعده كوادر اخرى بعون الله ونعمه؟
وما نراه من زخم معلومي يدل على ان الآله الفكرية الغنسانية لاتتوقف أبدا إلا بهدير الموت القدري.
ويبقى السؤال الذي لم نجد له مرجعا هاما يركز على تلك الفكرة بالذات:
-هل هي فعلا نوع من التوحد الفكري والثقافي المباح والصحي؟ ام هو متحول مرضي يؤدي بصاحبه لانحراف حياتي رغما؟
يقول الدكتور عبد الكريم بكار في مكان آخر من الكتاب:
تبدو هذه الامور في نظر الانسان مكلفة لاول وهلة وهذا صحيح , ومن الذي يقول:
إن طموح المرء لأن يكون مبدعا يمكن أن يتحقق من غير أي جهد ومن دون دفع أي ثمن ؟طريق المعالي مفروش بالأشواك لكن نهايته سعيدة وعظيمة ومثمرة.4
********
من هنا نتفهم فكر المثقف المبدع وتقبله لما يحدث له فهل من حوله قادرين على فهمه تماما؟ وهل هناك حل وسط يمنعه من الانجراف لبغيته بتطرف؟
1- انظر لسان العرب باب الدال ص 1373
2- انظر القاموس المحيط ص 285
3-انظر كتاب تكوين المفكر للدكتور عبد الكريم بكار ص82-83
4- نفس المرجع ص 89
الخميس 3-3-2011