ضرس العقل
قصص قصيرة جدا
نعيم الغول
أنفــــــــــي
انفي لا يكون انفي أحيانا.
في مناسبات – باتت كثيرة- يصبح كائنا شديد الحساسية ينتفض عطسا ورشحا حين تظهر للعين المجردة جراثيمٌ تصرّح بأن مصلحة الوطن والمواطن شغلها الشاغل.
1كــــــاف2
فتح عينيه بفرح على لقاء 1ك 2؛ قرداتي يتنطط بين يديه " سعدان" الأمل . ونسي أنه أغمضهما أمس على حسرة الوداع و جردة عمر ظلت صفرا.
ابنـــــــــــــة الزناتـــــــــــي
على باب تونس قال مرعي ليونس:" خلف الباب سعدة ابنة الزناتي خليفة، ستفتح لنا الباب على ألا أقتل أباها أو أحدا غيره من المدينة.
فقال يونس: ادرأ الفتنة ولنعد.
وعاد يونس. ومن خلف ظهره مدينة تبحث عن الحكمة بين الحطام.
دابـــــــــة وزبانيـــــــــــــــــة
في الأثر عن ذات الدواهي عن دليلة عن علي الزيبق عن علاء الدين قال:
مررنا بمدينة أهلها ذاهلون وعقالها غافلون. اذا انتصف النهار، وتعرت الشمس، وجلت محاسنها، خرجت إليهم دابة هائلة الحجم ،كثيفة الشعر، يقال لها "أم الفساد" لا تقبل على ظهرها إلا وجهاء القوم، وعليتهم، والمتنفذين منهم . من يقع عليه بصرها يدركه الفالج فلا ينطق ولا يتحرك. ومن ينج يمتحنه زبانية يمشون حولها ومن خلفها يصيحون: "ويل يومئذ للمرجفين، ويل للبغاة، ويل لأهل الفتن، ويل للزنادقة، ويل لأهل البدع."
فقلت لمن معي انطلقوا من هذه المخسوفة لا يَعدّوننا ممن ذكروا."
نصيـــــــــــــــــــحة
همس في أذن ولده:" إياك أن يغشوك في المدينة. النساء فيها بلا فروج ، أفراس بلا سروج؛ والرجال بين أنذال وعلوج؛ فإذا دخلتها فعجل بالخروج."
"حيثما وليت وجهك"
سال نفسه وهو يبتعد عن البيت بخطوات مترنحة يأسا واحباطا عما يكرهه فيها؟ وفكر طويلا وهو يبحث عن فندق يقضي ليلته ريثما يجد شقة. ثم قرر بعد كلل أن يكون السؤال:" ما الذي أحبه فيها؟"
قطـــــــة شوارع
يا لهول ما رأيت؛ لو كان يـُكتب ولا يـَنمحي، لكان عبرة لمن لا يستحي. دخلت قطة شوارع من باب مطبخنا الجانبي. ودارت فيه تتشمم الأطباق ؛ ولما كان طعامنا كفاف يومنا لم تجد شيئا، وقبل أن تغادر أدارت مؤخرتها ورفعت ذيلها وبالت؟!
صنبـــــــــــــــــــــــور
رغم أنني سباك له سمعة كالإشاعة في قرية إلا أنني فشلت بامتياز في حل مشكلة الصنبور.
صنبور ذو فم واسع تسيل منه كلمات ..كلمات .. كلمات..لا معنى لها .. لا هدف سوى أن تلامس الهواء والآذان وربما الحيطان.
ولم تتوقف منذ تزوجت.
شوك الشـــــــــــــــــــك
قلبه أبدا لم يكن كبيرا كما هو الآن، وحق له أن يزف بشراه للناس؛ فهو لم يرفض وخز الشك وهشيم اليقين الذي يحترق في عقله، بل دق طبول الفرح وغنى:" ها قد أصبح صاحبي إنسانا"؟؟!!
حســــــــــــــــــــــــرة
حين قال له صغيره أنه يتمنى الموت قبله كي لا يحزن إذا مات، ضمه إلى قلبه بشدة، وقال من بين دموعه:" ليتمنى الموت من كانت أيامه القادمة لا تكفي لتجاوز الحسرة."
إبحـــــــــــــــــــــــــار
كان بحارا، والبحر كان رفيقه ومستشاره وعينه، ثم ترك البحر، وبحث عن صديق جديد فدلوه على نظارة غير ملونة للقراءة.
وعــــد بالتغييــــــــــر
كان يسوؤه أنه بعد أن قطع قطارهما المحطة الثلاثين لم تعد تقول "صباح الخير" ،" مساء الخير" ، "تصبح على خير" ،" تفضل القهوة" فضلا عن "حبيبي " وحين قاربه معها، قالت: وأنت لم تعد تطوقني بذراعيك قبل أن أنام ، ولم تعد تقبلني قبل النوم وصباحا ، وتدير ظهرك لي حين تنتهي."
وماتت قبل أن يحقق وعده لها بالتغيير،فأحلها من وعدها.
الشِعر تحـت العمامـــــــــة
أحاطت به عمامة حين ابتغى القصيدة يكتبها. فخرجت قصيدته كائنا بعين واحدة، بلا أذنين، بفم كفم من أصيب بجلطة،و بقلب مثقوب ينزف مللا. فانتظر شمسا تذيب خيوط العمامة؛ فما يهترئ باللـًّبْس في أعوام يهترئ بالشمس في أيام.
أغلى من الخبــــــــــز
اكتب. لدى سؤال المحكمةِ المدعيةَ أيهما دفعها لرفع الدعوى: تجويع زوجها لها أم الضرب المبرح؟ أجابت: "الإهانة التي لا أعرف أين ومتى تبدأ أو تنتهي!"
اعتقـــــــــــــــــــــــــــال
اعتقلوه في ساحة عامة متلبسا بكلمات ظل يرددها حتى وهو في "البوكس":
يا قلبي يا كتكت، لا تنظر وتسكت!
يا قلبي يا كتاكت، إلى متى تظل ساكت؟!
متقاعـــــــــــــد
بعد شهرين أو ثلاثة من إحالته على التقاعد، قال لي زوجي بهمس كهمس المتآمرين أن وزني زائد بضع كيلوغرامات، وأنني بطيئة في مشيتي ، واضحك دون سبب، وأنني أنادي عل أسماء كل أولادنا قبل أن اسمي من أريد منهم ,وأنني لا أفعل الكثير لإخفاء التجاعيد في وجهي، وأنني ممتلئة بالغازات دائما ، حتى انتفخ هو من فتح الشبابيك. ثم أردف وهو ينظف طقم أسنانه:" لا اصدق أننا نعيش معا منذ أربعين عاما."
شينان ضد ديفـــــــــــــاكتو
رغم أن المواطن (ن) كان يصادف المدعو ديفاكتو* كثيرا في الطريق والوظيفة في مطعم الحمص والفلافل وحتى على شاشة التلفاز الوطنية (كثيرا) والعالمية (في الغالب) إلا أنه لم يجلس معه ولم يتحدثا أبدا. ففي الغالب يظهر الرجل، وبصورة ما يفرض وجوده عليه. ولهذا قرر أن يتعرفه. كان يريد أن يسأله عن هذا القبح المذهل الذي يلتصق بوجهه ومع ذلك فهو صديق كل ساقط وساقطة وانتهازي وانتهازية وذيل وذنبة. رصد المواطن(ن) تحركات ديفاكتو حتى خلا به في ناصية قريبة من البيت وألح عليه أن يزوره. وهناك عرض عليه كرسيا من البلاستيك المقوى مثقوب القاعدة أعرج. فرفض ديفاكتو الجلوس عليه. فقال المواطن (ن) بكرامة مخدوشة:" إما أن تجلس عليه أو أطردك من حياتي، واقسم على ذلك بشرفي الذي لولاه لكنتَ في صورة أخرى ".
فضحك ديفاكتو وقال:" شينان تطرداني من حياتك. وليست شين واحدة. فهل تملك الثانية كما تملك الأولى؟"
* الأمر الواقع
الفرق
وعاد(ن) إلى ممارسة حياته المعتادة بأهلية كاملة بعد أن حصل من لجنة أطباء في مستشفى الأمراض العقلية على تقرير يحسده عليه أولو الألباب وأصحاب السرائر المطمئنة. ورغم ذلك ما يزال يعجز عن التفريق بين داخل المستشفى وخارجه.
العقد الفريد
رغم شهادة الدكتوراة التي ينوء تحت لقبها، لم يسبق أن رأى أو قرأ أو اشترى أو اقتنى "العقد الفريد". بل لا يجرؤ على تحدي نفسه وفعل أي مما سبق. واكتفى بأن يعرف فقط أنه كتاب ومرجع هام ..وتخيله كتابا ضخم الحجم إلى درجة كبيرة جدا. فكيف ينسى ما قاله له أمين مكتبة المدرسة وهو في الصف العاشر حين طلب استعارته:" رُح. رُح. إنه أثقل منك؟!"
ضرس العقل
قالوا له – وكانوا يشاهدون مسلسلا قديما معادا على التلفاز- إنه ضرس العقل جعله الله علامة على أنك صرت راشدا. وقرءوا بين سطور وجهه فرحا، فاستدركوا:" لكنه على أية حال لطحن الطعام لا أقل ولا أكثر. فلا تتعبن نفسك؟!"
انصياع
عمله يقضم القسم الأكبر من رغيف يومه، وما يتبقى يوزعه لقيمات بين النوم والتلفاز وفتافيت تخطفها زوجته وأولاده خطفا كمن يأخذ شيئا ليس له. وبعد مشاحنات كثيرة ومريرة معها حول "عدم طاعة أوامره" و"فعل ما يحلو لها". انصاع وهمد واعشوشب على أريكته بعد أن سلمها محفظة آخر الشهر؛ فقد فهم أخيرا أن ربان السفينة من يبحر فيها ويواجه الأنواء.
فرح
اخرج مسدسه وافرغ رصاصاته في قلب الفرح، فأرداه قتيلا، ثم ذهب إلى أقرب مركز أمني، وسلم نفسه وأدلى بإفادة قال فيها إنه كان يدافع عن المعنى في زمن الأحزان.
همسة فم أعوج
يعرف (ن) الهمسة المريبة ، والنظرة المنحدرة من عين خائنة، وتهلل الوجه أو قتامته قبل أن يصدر السؤال من فم يميل جانبا ليخنق الصوت يبلغ الآذان الآمنة:" فلسطيني ، أردني ، مسلم ، مسيحي، شيعي ، سني، لاتين ، روم؟؟" فيرسل مشاعره تدور مع المجرات بعيدا وعاليا.
مسابقة شعرية
تعلن جريدة " الأمل" عن مسابقتها الشعرية الرابعة عشر للشعراء المبتدئين ضمن الشروط التالية: أن لا يكون قد صدر له ديوان وألا يتجاوز الثلاثين ربيعا من العمر.
وستعمل لجنة المسابقة على حساب العمر بالأيام. وتعتذر للمبتدئين فوق الثلاثين وتوجه عنايتهم إلى البحث عن كوكب غير الأرض لا يعني العمرلأهله شيئا في الفن وفي الحب.
لعاب
كانت بدينار، ومئة حبة وفي دكان على بعد ذراع من بيته. بعد شهر صارت بدينارين وثمانين حبة في آخر الشارع. بعد شهرين بخمسة دنانير وخمسين حبة في حي بعيد من المدينة. بعد سنة بعشرة دنانير و عشرين حبة في مدينة في أقصى الشمال. ولم يع (ن) أنه يستقل حافلة عامة ليصل إلى علبة الشوكولاة يسبقه لعابه الذي لا يتوقف عند حد.
دع القلق وابدأ الحياة من جديد
انفجرت قنبلة قذفت في السوق. تناثرت شظايا. بعضها كان بحجم حبة الفول، وبعضها الآخر كان بحجم كوز الصبر.
أكبرها كان مسمل العينين فاصطدم بجسد الرجل، فاخترقه، واستقر مكان الروح.
أكبرها لم يعرف أن الرجل كان قد اشترى هدية لزوجته، ولعبة لطفلته من أول راتب يقبضه منذ شهور، وكتابا بعنوان" دع القلق وابدأ الحياة من جديد ؟!!"
القافلة تسير
سارت القافلة – رغم أنف من عارض- ونبحت الكلاب – كالعادة- ليس ضدها بل معها.
طعم قبلتها
طعم قبلتها ما يزال على شفتيه، مع الرعشة ، مع انقطاع النفس مؤقتا، مع الرغبة في عضهما، مع مرارة انتهاء القبلة خلسة.
قلبي ساعة حب رملية
كان حبي لها كالرمل في ساعة الرمل؛ يتراكم ويتراكم كي يقول حين يتوقف إن النهار انقضى ودخل الليل بنكده. لكن الفرق أنني لم استطع أن أقلب حبي كي يملأ الجزء الذي فرغ.
فلا هي أمهلتني، ولاهي انتظرت.
حريق في حصالة
من مخبأ حصين لا يطلع عليه أحد من البشر أخرج حصالته القديمة. أخرجها مضطرا: فهناك دخان ونار في مكان ما في الخارج أشعلها أحدهم.
فتحها وقد أضاعت العجلة كياسته؛ فتناثر منها قطع من هموم وأحزان ومخلفات تهجير وتشريد وسكنى خيام وتمييز يتلون كالحرباء دينا وعرقا ولونا واقليما واصلا ومنبتا. فاختنق وهي يشاهد عمره يتدحرج متناثرا أمام عينيه فتأبطه وخرج إلى حيث الحريق.
عنق الزجاجة
وسألني ربي العادل – وكنت في عالم الذر- ماذا تقول إذا "جعلتك" في عالمٍ الجهل فيه بحر، والحرب دهر، والدماء نهر، والحب عهر، والعقول تحبسها العمائم، والسلام خائر العزائم، والفقر والجشع والدا الجرائم؟
أجبت مرتجفا:" لا أريده!"
قال : " قد قضيت، وكان أمرا مفعولا."
قلت :"فإن مسني قذر خطاياه؟!
قال :" غسلتك بماء رحمتي، وطهرتك بثلج عفوي ."
فصمت مشفقا من زمن سأقضيه في عنق زجاجة.