المضامين الثقافية للترجمة
كيت جيمس( )
ترجمة الدكتور حسيب الياس حديد
Cultural Implications for Translation
Kate James
مقدمة
تعدّ الترجمة نوعاً من النشاط الذي يتطلب بصورة لا تقبل الجدال مالا يقل عن لغتين وتقليدين ثقافيّين (توري 1978). ويتضمن هذا التعبير مفهوماً مفاده أن المترجمين يواجهون مشكلات معينة تتمثل في كيفية معالجة الجوانب الثقافية الضمنية في النص الأصل ومحاولة ايجاد الطريقة الأكثر مناسبة لنقل هذه الجوانب بنجاح في لغة الهدف. وتختلف هذه المشكلات في مدياتها بالاعتماد على الفجوة اللغوية والثقافية بين لغتين أو أكثر (نيدا 1964). ومن الممكن ان تتّخذ المضامين الثقافية في الترجمة صيغاً عديدة تبدأ من المحتوى المعجمي والنحوي الى الايديولوجيات وطرائق الحياة في ثقافة معينة. وينبغي على المترجم ان يقرر الأهمية التي تتمتع بها جوانب ثقافية معينة والى أي مدى يكون من الضروري أو من المرغوب فيه نقلها الى النص الهدف أو اللغة الهدف. وبناء على ذلك تكمن اهداف النص الأصل في احتوائه على مضامين للترجمة مثلما يتضمن قراءة مقصودة لكل من النص الأصل والنص الهدف وعندما نأخذ بنظر الاعتبار المضامين الثقافية للنص المترجم نجد انه يتضمن الاعتراف بهذه المشكلات كلها مع الأخذ بنظر الاعتبار احتمالات عديدة قبل ان يتخذ أي قرار حول الحل الذي يظهر بكونه الأكثر ملاءمة في كل حالة من الحالات. وقبل تطبيق هذه الاساليب على النص المختار نجد ان هذه المقالة تتفحص أهمية الثقافة في الترجمة من خلال استعراض الادب. وسوف يتم تفحّص الاجراءات العامة المختلفة للتعامل مع المضامين الثقافية في الترجمة بما في ذلك تحليل النص الأصل واهداف المؤلف. أو سوف تتم معالجة طريقة الترجمة باستعمال امثلة خاصة موجودة في النص الأصل قبل مناقشة النجاح الذي تحققه الوسائل النظرية المطبّقة على النص الهدف.
وسوف نتفحّص في هذا المقال الملاءمة الموجودة مع المضمون، وبسبب هذه الاعتبارات سوف يتم تفحّص العنوان بعض الجوانب الأخرى وجميع المضامين الثقافية التي تتطلب التحليل قبل التوصل الى استنتاجات ملاءمة.
أهمية الثقافة في الترجمة
يقدم لنا قاموس اكسفورد تعريفاً للثقافة وهذا يختلف عن الأوصاف التي تقدمها الفنون أو الآداب بالنسبة للنباتات وغيرها بما في ذلك الجوانب الأخرى. وبصورة أكثر خصوصية وبقدر ما يتعلق الأمر باللغة وبالترجمة عرّف نيومارك الثقافة بكونها (طريقة الحياة وما تعبّر عنه في المجتمع الذي يستخدم لغة خاصة بوصفها وسيلة للتعبير) 1988. وهكذا فان الاعتراف بأن كل مجموعة لغوية لها ملامحها الخاصة من الجانب الثقافي. وقد أكّد بكل جلاء فيما بعد بأنه لم يعدّ اللغة كمكوّن أو سمة للثقافة (نيومارك 1988) بصورة متعارضة مع النظرة التي قدمها فيرمير الذي أكّد ان (اللغة جزء من الثقافة) 1989. وفق رأي نيومارك ونظرة فيرمير نجد انها تتضمن استحالة الترجمة في حين انه بالنسبة لفيرمير نجد ان ترجمة اللغة الأصل الى صيغة مناسبة في اللغة الهدف هي جزء مهم من دور المترجم في التواصل عبر الثقافات.
يعدّ مفهوم الثقافة اساساً لكي نأخذ المضامين في الترجمة على الرغم من الاختلافات الموجودة في الاراء فيما اذا كانت اللغة جزءاً من الثقافة أم لا، فان كلاً من المفهومين يظهران بكونهما لا يمكن فصلهما. وعندما نناقش المشكلات المتعلقة بالترابط في الترجمة نجد ان نيدا يولي أهمية متساوية للاختلافات الثقافية واللغوية بين اللغة النص الأصل واللغة الهدف. ويتوصل الى استنتاج مفاده (ربما تسبب الاختلافات بين الثقافات الى تعقيدات صارمة جداً وأكثر بالنسبة للمترجم مما تقوم به الاختلافات الموجودة في تركيب اللغة وبنيتها) (نيدا 1964). وقد تم توضيح ذلك فيما بعد مع التركيز على المتواليات في الثقافة وهذا بدوره يقدم لنا فهماً مشتركاً على الرغم من التغييرات الشكلية المهمة في الترجمة. وبناء على ما تقدم تعدّ المضامين الثقافية في الترجمة ذات أهمية بالغة كما انها تعدّ ذات أهمية معجمية.
وفيما يتعلق بنظرية لوتمان فقد أكّد انه (لا يمكن ان تكون هناك اية لغة ما لم تندمج مع سياق الثقافة والاندفاع منه ولا يمكن ان يكون هناك أية ثقافة لها وجود من دون ان يكون في محورها بنية اللغة الطبيعية) لوتمان 1978. ومن ناحية أخرى أكّد باسنيت 1980 أن أهمية هذا الاعتبار المزدوج عندما نقوم بالترجمة من خلال تأكيد ان اللغة (هي جوهر جسد الثقافة). و يعتمد احياء كل من هاتين الناحيتين على الواحدة تلو الأخرى. ويمكن ملاحظة المفاهيم اللغوية لنقل المعنى بكونها جزءاً من عملية الترجمة ، ان مجموعة المعايير التي تحيط باللغة يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار. وفي موقع آخر أوضح باسنيت بأنه (يجب على المترجم ان يعالج النص الموجود في لغة الهدف بطريقة تجعل من لغة الهدف الأصلية تشير الى لغة النص الأصلي. وتمثل محاولة فرض نظام قيمي لثقافة لغة الأصل على لغة الهدف وثقافتها موضوعاً لا يخلو من الخطورة) باسنيت 1980 وهكذا عندما نقوم بالترجمة فانه من المهم ان لا نعدّ فقط الاثر المعجمي على قاريء لغة الهدف، وانما على الطريقة التي يمكن ان يتم ادراك الجوانب الثقافية فيها واتخاذ قرارات في الترجمة طبقاً لذلك.
المضامين الثقافية العامة للترجمة
بناءً على ما تقدم, يمكن ان نلاحظ ان اللغة والثقافة ترتبطان ارتباطاً وثيقاً، وان كلا الجانبين يجب أخذهما بنظر الاعتبار عند القيام بعملية الترجمة. وعندما نأخذ بنظر الاعتبار الكلمات الثقافية في الترجمة والمفاهيم يقترح نيومارك طريقتين متعارضتين: النقل والتحليل المكوناتي (نيومارك 1988) كما أكّد نيومارك ان النقل أو التحويل يعطي (صبغة محلية مع الاحتفاظ بالمفاهيم والاسماء الثقافية). وعلى الرغم من وضع التركيز على الثقافة وهو أمر مهم بالنسبة للقراء أكّد ان هذه الطريقة يمكن ان تثير بعض المشكلات بالنسبة للقراءة العامة وتعمل على تحديد فهم بعض الجوانب. وادت أهمية عملية الترجمة بالتواصل بنيومارك الى أن يقترح لنا تحليل المكونات والعناصر الاساسية التي وصفها بكونها (الاجراء الأكثر ملاءمة للترجمة والذي يستبعد الثقافة ويركز على اظهار معنى الرسالة نيومارك 1988) ويمكن مقارنة ذلك مع النطاق الذي اقترحه هيرفي وآخرون الذين لاحظوا ان الموضوع يكون كما يأتي.
الترجمة والتواصل/
يمكن أن نلاحظ أن التعاريف التي قدمها نيدا للتكافؤ الديناميكي الحيوي والشكلي ينطبق على ذلك عندما نأخذ المضامين الثقافية للترجمة بنظر الاعتبار. وفق رأي نيدا فان الترجمة التوضيحية تقدم تكافؤاً أو أنموذجاً للتكافؤ الشكلي حيث يكون كل من الشكل والمضمون قد تم تقديمه بطريقة مفهومة لقارئ لغة الهدف. وباستطاعة القارئ للغة الهدف ان يفهم اكبر قدر ممكن من العادات والتقاليد وطريقة التفكير ووسائل التعبير للغة الأصل وسياقها (نيدا 1964). وعندما نقوم بمقارنة هذه الفكرة يحاول التكافؤ الحيوي الديناميكي ان يربط المستقبل (المستلم) بطرائق معينة من السلوك التي تتماشى مع سياق ثقافته الخاصة به من دون الاصرار على انه يفهم النماذج الثقافية لسياق لغة المصدر.
النص الأصل:
طبيعة النص الأصل
ان النص الذي تم اختياره للترجمة (هي اللقم عند العرب) وهناك اقتباس مأخوذ حول هذا الموضوع اذ ان هناك فصلاً في كتاب فليب ديليرم وهو مؤلف فرنسي خصص فصلاً كاملاً لمجموعة من الاقتباسات المتماثلة وتكمن نية المؤلف في تقديم جوانب معينة من الحياة الفرنسية بطريقة غنائية وحاول ان يقدّم ذلك بطريقتين ثقافية ولغوية في آن واحد. وحاول التركيز على مفاهيم معينة حول موضوع يتعلق بلهجة الاتراك وكذلك الدكاكين العربية التي من الممكن شراء هذا النوع من الحلوة منها .
القارئ المثالي
هناك سؤال يفرض نفسه عندما نأخذ النص بنظر الاعتبار من أجل ترجمته وهذا السؤال هو: الى من تم توجيه النص الأصلي ؟وفيما اذا كانت القراءة ترتبط بقارئ النص الهدف؟ يوجد في الحقيقة نوعان من القرّاء المثاليين ويمكن تمييزهما الأول هو قارئ النص الأصل والثاني قارئ النص الهدف. ففي النص الذي تم اختياره وهو (اللقم) عند العرب يمكن ملاحظة هذا المفهوم بصورة خاصة انه يرتبط بالطبيعة الادبية للاقتباس مع موضوع المقال وعلاقته بالثقافة.
1- القارئ المثالي للنص الأصل
أوضح كولثارد 1992 أهمية تعريف القارئ المثالي الذي اراد المؤلف ان يقدم له معلومات عن حقائق معينة وذاكرة لتجارب معينة والأكثر من ذلك آراء معينة، وتفضيلاً ومستوى معينين من الكفاءة اللغوية. فعندما نأخذ هذه الجوانب بنظر الاعتبار ينبغي أن لا ننسى أن المدى الذي يمكن ان يكون المؤلف قد تأثر به أي بهذه المفاهيم يعتمد على مفهومه الخاص بتبعيته لمجموعة ثقافية- اجتماعية خاصة. ويمكن تطبيق هذه المبادئ على النص الذي ذكر حول (اللقم عند العرب) ومن الممكن التوصل الى استنتاجات فيما يتعلق بالقارئ المثالي لديلرم بالطريقة الآتية:
أ- حقائق معينة: يفترض المؤلف أن هذا القارئ المثالي لديه معلومات حول الاحداث التاريخية ويحاول الربط بين فرنسا ودول شمال افريقيا وخصائص ثقافية معينة وعادات تلك الدول.
ب- ذاكرة تجارب معينة: يمكن اعتبار التجارب هذه كأرتباط وتواصل مع المواقف الثقافية التي تم وصفها في النص مثل الزيارات السابقة الى محل أو دكان عربي بحيث أنه قام بوصف عناصر ثقافية أخرى تختلف عن العناصر الثقافية الموجودة في فرنسا.
ج- آراء معينة وتفضيل معين في هذا الصنف يمكن أن نضع الترابط الفرنسي واسع النطاق بخصوص هجرة العرب.
د- مستوى معين من الاداء اللغوي: يشير النص الذي تم اختياره الى وصف معدل نص معين للترجمة تم اعطاؤه من لدن نيومارك. ويمكن أن نأخذ بنظر الاعتبار أن الصنف الاجتماعي وهي (الطبقة الوسطى) يمكن أن تجد لها فصيلة مشابهة لها في فرنسا. وعلى المستوى الدلالي والثقافي هناك مشكلات كامنة عديدة للقارئ بحيث أن ذلك لا يتطابق مع معايير القارئ المثالي.
ثانياً: القارئ المثالي للنص الهدف
عندما يتم اتخاذ قرار بقراءة النص الأصل لابد من أخذ اعتبارات عدّة بنظر الاعتبار وهذه الاعتبارات تتعلق بالنص الهدف. ومن جهته أكّد كولثارد أن الصعوبة الأولى والرئيسة للمترجم هي ايجاد قارئ مثالي جديد يعدّ مهنياً ويعدّ ايضاً على المستوى المهني والفكري مثل القارئ الأصل ولكنه سوف تكون لديه توقعات نصّية مختلفة ومعلومات ثقافية مختلفة (كولثارد 1992). ففي حالة الاقتباس الذي تم ترجمته هنا من المثير للجدل فيما اذا كان للقارئ المثالي للنص الهدف أية توقعات نصية مختلفة بصورة مهمة. وعلى كل حال، فان معلوماته الثقافية تختلف بكل تأكيد وبصورة معتبرة. وعندما نقوم بتطبيق ذلك على المعايير المستعملة من أجل تحديد القارئ المثالي للنص الأصل يمكن ملاحظة أن بعض الشروط قد تمّت تلبيتها بطريقة ناجحة من القارئ المثالي للنص الهدف. وفي الحقيقة لا تعدّ الحقائق الثقافية والتاريخية محتملة لكي نعرفها بكل تفاصيلها ضمن اطار المواقف الثقافية الخاصة التي تم وصفها. والأكثر من ذلك وعلى الرغم من اعتبار مستوى الاداء اللغوي بأنه متساوي بين قارئ النص الأصل وقارئ النص الهدف فان هناك اختلافات معينة يمكن ملاحظتها كاستجابة لاستعمال معاجم أو مفردات خاصة من الناحية الثقافية يجب أخذها بنظر الاعتبار عند القيام بعملية الترجمة.
وعلى الرغم من أن هناك اراء معينة وتفضيلات محددة يمكن نقلها من القارئ المثالي للنص الهدف الذي من الممكن أن يربط ذلك مع تجربته الخاصة به (في بريطانيا يمكن مقارنة المهاجرين الهنود والباكستانيين مع المهاجرين الجزائريين والمغاربة الى فرنسا). ولابد من أن نتذكر بأن هؤلاء لا يمكن ان يتباروا مع تجربة الموقف الاجتماعي للقارئ المثالي للنص الأصل. وهكذا تبقى الجوانب الثقافية والاجتماعية الرئيسة اشكالية عندما نأخذ المضامين الثقافية بنظر الاعتبار في عملية الترجمة.
رابعاً: عملية الترجمة
تمت ملاحظة أن النص في هذه الحالة موجّه الى قارئ من الطبقة الوسطى ويتمتع بثقافة معينة وبصورة أكثر خصوصية الى فرنسي يتسم بالاطلاع والمعرفة بالجوانب الثقافية الاجنبية. فالمشكلات التي تثار عند ترجمة مثل هذا النص هي ليست فقط ذات سمة معجمية ومفرداتية وانما هي في الحقيقة ذات طبيعة جوهرية تتطلب فهماً للسياق الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وكذلك الجوانب التضمينية للسمة الدلالية. كما هي الحال مع جميع نصوص الادب الاجنبي والمصادر الثقافية والسياسية والتاريخية فاننا نجد أهمية معينة لها وكذلك نجد قارئ النص الهدف بأنه من المحتمل جداً أن لا يمتلك الفهم التام لمثل هذه المفاهيم. وعندما نأخذ المضامين الثقافية للترجمة بنظر الاعتبار فان المدى الذي من الضروري بالنسبة للمترجم ان يوضحه أو ان يكمله يجب أن يكون مناسباً . ولابد من ان نأخذ هذه النقاط بنظر الاعتبار عند القيام بالترجمة وعلى اساس الاستنتاجات التي تم التوصل اليها بخصوص قارئ النص الهدف المثالي وينبغي على المترجم ان يقرر الكم الذي تم تركه للقارئ من اجل ان يستنتجه بكل بساطة.
وعندما نأخذ النقاط الاخيرة بنظر الاعتبار نجد ان هناك عناصر مختلفة ينبغي مناقشتها التي تتعلق بالمضامين الثقافية للترجمة. فالنظريات التي ورد ذكرها سوف تؤخذ بالحسبان وكذلك ملاءمتها النسبية سوف تتم دراستها.
الاصناف الثقافية
عندما نتكيّف لما ورد عند نيدا وضع نيومارك الكلمات الثقافية الاجنبية في اصناف عديدة (نيومارك 1988) وباتباع هذه الاصناف في نص (اللقم عند العربي) نجد ان الامثلة التي تؤدي الى المضامين الثقافية للترجمة يمكن تصنيفها بصورة اساسية بوصفها ثقافة مادية وكذلك حركات واماءات وعادات وتقاليد على الرغم من ان مصطلحات ثقافية أخرى لها وجودها. ومن الممكن ترجمة هذه الجوانب بطرائق مختلفة وفق دورها في النص وألأهداف التي تكمن وراءها بالنسبة لقارئ النص الهدف. ويضاف الى ذلك ان نيومارك أكّد ملاءمة التحليل الخاص بالعناصر للترجمة بوصفه مرناً ولكنه في الوقت نفسه طريقة لسد الهوّة في الترجمة ولاسيما أن هناك فجوات معجمية عديدة يمكن بهذه الطريقة المرنة العمل على سدها من الناحيتين( الثقافية واللغوية بين لغة وأخرى). نيومارك 1988. لقد تم تفحّص التوجهين الاثنين في الترجمة تمت من نيدا خاصة التكافؤ الشكلي والديناميكي الحيوي وينبغي اخذ ذلك بنظر الاعتبار عندما نقوم بتحليل المضامين الثقافية للترجمة وخاصة العناصر الواردة في هذه الاصناف.
الثقافة المادية
يعدّ الطعام أحد التعبيرات المهمة للثقافة الوطنية وتخضع عادة المصطلحات الخاصة بالغذاء والطعام الى تنوع واسع جداً في مجال الترجمة (نيومارك 1988) المصطلحات التي تأتي تحت هذا الصنف تتصف بالتعقيد بسبب وجود العناصر الاجنبية وان احد هذه الحالات يمكن ان نشير اليها عند الحديث عن المعجنات التونسية. وطبقاً للفكرة الفرنسية فان ترجمة المعجنات هنا سوف نستخدم الكلمات الانكليزية الخاصة (الكعك أو الكيك) ولكن ضمن سياق الثقافة التونسية فان هذا يبدو من النادر ان يكون ملائماً عندما يكون هناك اختلاف في شكل وصيغة لغة الهدف. وهذا بحد ذاته يوضح لنا نظرية مونان 1963 التي تطورت وأكّد مونان في نظريته أهمية معنى المصطلح المعجمي وقد أكّد أنه في حالة فهم هذا المفهوم فان ترجمته تتصف بالسهولة وان الترجمة بحد ذاتها تكون قد حققت غايتها ووظيفتها بصورة صحيحة. وفي هذه الحالة فان ترجمة (المعجنات) الى كلمة (حلويات) تبدو أنها تشير الى فكرة المعنى الأصلي على الرغم من انها ترجمة مجردة للنص الفرنسي، ولكنها تعدّ أكثر ملاءمة خاصة فيما يتعلق بوظيفتها في النص الهدف أكثر من ان تكون ترجمة لتكافؤ شكلي.
ثانياً: الحركات والعادات
أوضح نيومارك أن الحركات والعادات غالباً ما يتم وصفها بلغة غير ثقافية نيومارك 1988 ونجد في هذا الاقتباس العديد من الحركات والعادات موجودة ضمنياً ولكنه لم يتم وصفها بصورة خاصة ولذلك تجعل الترجمة التواصلية أكثر صعوبة. ومرة أخرى هناك اشارات ثقافية تحتوي ضمنياً على معلومات معينة لطريقة الحياة في شمال افريقيا أي في المجاميع البشرية هناك وتختلف عما هي الحال في فرنسا وربما نجد في بعض الاحيان اختلافات في ترجمة بعض المصطلحات، وهنا نجد في هذا النص انه تمت ترجمة كلمة باللغة الفرنسية التي هي الفضل أو المنّة أو الاحسان الى الكلمة التي تعني الخنوع وخضوع وهنا نجد ان هناك تركيز على قوة مصطلح لغة الأصل ولكن في الوقت نفسه هناك نوع من السخرية تم نقلها من المؤلف ولكن ينبغي احترامها عند الترجمة. وعند القيام بتوضيح مبادئ معينة للتكافؤ الديناميكي أكّد نيدا أن اللهجة (اللهجة العاطفية يجب ان تعكس وبكل دقة وجهة نظر المؤلف) نيدا 1964. اما بالنسبة لتعريف كلمة التعويض التي وردت عند نيومارك تضمنت ما يأتي (عندما يكون هناك افتقاد للمعنى في جزء من الجملة يمكن تعويضه بجزء آخر) نيومارك 1988 وهذا يبدو انه أكثر ملاءمة هنا. وعند القيام بالترجمة بهذه الطريقة على الرغم من أن الترجمة الضمنية من الناحية الثقافية قد تعرضت الى بعض الافتقاد للمعلومات الا ان هذا أمر يصعب تجنبه. وتوجد صيغة من التكافؤ الحيوي من خلال التعويض تم تبنّيه من اجل اعادة التوازن لمثل هذا الافتقاد ويبدو ان هذه طريقة مناسبة لنقل المضامين الثقافية الموجودة في النص الأصل.
ان مصطلح (d'après le café) على الرغم من انه يحتاج الى مزيد من التوضيح ففي المجتمع الفرنسي يمكن ان نفهم من ذلك وعلى الفور بعد تناول القهوة السريعة في نهاية الوجبة. أكّد سابير أنه لا توجد هناك لغتان متشابهتان بدرجة كافية لكي يمكن عدّهما ممثلتين للحقيقة الاجتماعية ذاتها) سابير 1956 وحتى ان المادة المعجمية التي لاحظناها في الترجمة البسيطة بوصفها (café) تساوي القهوة ربما يكون لها معنى مختلف وبصورة معتبرة. ان التركيز الذي قدّمه نيدا على النص الهدف عليه ان يقدم لنا الاجابة ذاتها بوصفها الأصلية وتشجّع على اضافة (وجبة الطعام كما قدم لنا مونان سابقاً). وبهذه الطريقة يتم نقل الوظيفة المعجمية وبقدر الامكان الى نص الهدف كما هي التضمينات الثقافية الموجودة في النص الأصل.
ثانيا: الاشارات الثقافية
هناك ثلاثة أمثلة للاشارات الثقافية تتعلق بالنص الهدف وقارئه الذي من الممكن أن نجده في النص. ان أولها يعكس لنا موقف المؤلف الذي اعرب عن اسفه لعدم وجود بقال من البربر وفق ما ورد في كتاب " في كل مرة يذهب بها الى دكان عربي" وهذا المفهوم مليء بالمعنى الثقافي المقدّم ضمن سياق الاستعمار الفرنسي للجزائر وكذلك الهجرة العربية.
السمة المعجمية
يمكن ان نجد هذه السمة عادة في النصوص الادبية فالملامح المعجمية تقدم لنا مضامين ثقافية للترجمة. ولربما مثال واحد من المعجمات في هذا النص يمكن ان يكون له اثر مختلف في قارئ لغة الأصل ولغة الهدف فعندنا عبارة (في برودة الجو أو برودة المساء) ربما تتم ترجمتها بطريقة تجعل قارئ نص الهدف لا يفهم المعنى الدقيق لها وربما تكون هذه مرحّباً بها بالنسبة لقارئ النص الأصل الذي اعتاد على ايام حارة وعلى اجواء حارة اذ أن الجو البارد يقدّم لنا راحة مرحّباً بها. اما بالنسبة للقارئ البريطاني فان هذا لا يمكن ان ينتج لنا ذلك الاثر الذي يتصف بالمتعة والذي كان يقصده المؤلف وهنا لابد من الاهتمام بنقل هذه الرسالة بصورة ايجابية فاذا ما ترجمنا ذلك (أنه في الجو البارد في المساء) فان الجانب الايجابي ذاته يمكن الاحتفاظ به بالنسبة لقارئ النص الهدف.
الاستنتاج
هناك طرائق مختلفة تم تفحصها بخصوص المضامين الثقافية في الترجمة. ومن الضروري ان نتفحص هذه المداخل وان نضع في مخيلتنا عدم القدرة على تجنب الترجمة وكذلك تجنب الافتقاد لبعض المعلومات خاصة عندما تغلب على النص الصبغة الثقافية. وعندما نأخذ بنظر الاعتبار طبيعة النص وأوجه التشابه بين القارئ المثالي للنص الأصل والقارئ للنص الهدف نجد ناحية مهمة يجب ان نقرر على اثرها ما هو مدى افتقاد المعلومات الاساسية التي ينبغي تقديمها من المترجم باستعمال هذه الطرائق؟ وقد تم الاعتراف انه لغرض الاحتفاظ بالاشارات الثقافية الخاصة توجد اضافات معينة تحتاج ان نجلبها الى النص الهدف. وهذا بحد ذاته يتضمن أو يؤكد على ان التكافؤ الشكلي ينبغي عدم البحث عنه وهذا أمر مهم عندما نأخذ امال القارئ المثالي للنص الهدف. ومن النهاية الثانية للميزان نيدا هناك تكافؤ ديناميكي متكامل لا يبدو بصورة كلية انه مرغوب فيه كعناصر ثقافية تم الاحتفاظ بها من اجل الاحتفاظ بالهدف الأصلي وبصورة دقيقة لتقديم ناحية واحدة من الحياة في فرنسا.
وهكذا نجد أن المضامين الثقافية للترجمة لهذا نوع من النص الأصل الذي لا يبرر استعمال هذين المصطلحين ويميل الى أن نشير الى تعريف الترجمة التواصلية ومحاولة ضمان ان المحتوى واللغة الموجودة في سياق اللغة الأصل مقبولة ومفهومة بصورة كلية بالنسبة لقارئ النص الأصل نيومارك 1988.