"إسلام أون لاين".. رؤية ثقافية
بقلم: السيد نجم
لعل أهم الأحداث الثقافية الدالة، خلال الأيام القليلة الماضية، والى مستقبل بعيد.. إلغاء الموقع الالكتروني "إسلام أون لاين" عن البث على شبكة الانترنت من القاهرة.
المتابع لنشاط المواقع والمنتديات والمجلات والصحف والمدونات، وكل أشكال النشر الالكتروني، يرصد دوما محاولات الإضافة والحذف من أصحاب ومديري تلك المواقع والأشكال المختلفة، نظرا لاعتبار المنافسة تارة، وتطور التقنية الرقمية تارة أخرى، وربما من أجل الجديد والتجديد. لتظل سمة التبديل بالحذف وبالإضافة إليها من أجل الأفضل.
وأظن بثقة المتابع منذ عام 2000 ميلادية لمعطيات الشبكة والانترنت.. أن الصمود والبقاء لهذا الموقع أو ذاك، يعد شهادة جديرة بالتقدير. ولعلى أجزم أن المواقع التي صمدت منذ ذلك التاريخ، وتطورت وأضافت، تعد بعشرات قليلة، من آلاف المواقع التي تزرع وتسقط من الشبكة طوال الوقت.. وأضيف أن المواقع التي تطورت تعد بالآحاد، من بينها.
وأجزم أن موقع "إسلام أون لاين" واحد من تلك المواقع التي زرعت وصمدت وتطورت طوال الوقت، حتى حدث ما حدث بفعل فاعل.
والحديث عن "إسلام أون لاين"، له جوانب متعددة، منها مناقشة موقف العاملين فيه، بعد أن أصبحوا بلا عمل!.. أو البحث وراء أسباب ما حدث، بعد أن تأكد أن قرارا سياسيا يقف من ورائه.. ثم البحث عن إجابة موضوعية على السؤال: "لماذا كل هذا الضجيج من أجل موقع ما على الانترنت؟"
لعله من المناسب تناول النقطة الأخيرة، وبرؤية ثقافية، بعيدا عن أي رؤى أخرى. شمل الموقع كل أشكال الإعلام الصحفي مستفيدا من معطيات التقنية الرقمية.. الحوار، المقال، الصور الثابتة والمتحركة، الألوان وتوظيفها، الأخبار، التحقيق الصحفي، الاستبيان، التحليل الصحفي، الرسومات.. بينما وظفت تلك الآليات لتتناول موضوعات شتى، سواء كانت دينية، أو اجتماعية، أو سياسية أو اقتصادية, وأخيرا ثقافية.
ولأن كل تلك المحاور لم تكن حكرا على رؤية واحدة، سواء كانت سياسية أو عقائدية، بل غلبتها الرؤية الثقافية التي ترى فى الاختلاف ثراء فى وجهات النظر، لا سببا للخلاف.. وترى اقتحام الموضوعات المسكوت عنها غالبا، كمناقشة قضايا المرأة التي هي قضايا المجتمع فى الأصل وفى الحقيقة.. وأخيرا دون حكر لقلم أو لكاتب ما أو بالتالي لفكر وحيد. لكل تلك الظواهر بدت موضوعات الموقع أقرب للموضوعات الثقافية، حتى فى تناول أكثر القضايا حساسية وبعدا عن التناول.
لكل تلك المعطيات أصبح للموقع ثقله الثقافي، سواء للمثقف الواعي بها، أو للقارئ العادي الذي يبحث عن الموضوعية والمصداقية. وهى الأسباب نفسها التي جعلت من وقائع ما حدث، إساءة إلى الحياة الثقافية العربية بعامة.
أما والحديث عن أسباب ما حدث، ارتبط بشواهد أشبه بالمؤامرة السياسية المخطط لها سلفا، كما أوضح "على عبدالعال" فى مقاله "القرضاوى.. وضريبة الغربة"، المنشور على موقع "ميدل ايست أون لاين".. حيث قال"
"أظهر قرار عزل الدكتور يوسف القرضاوي عن منصبه في جمعية البلاغ الثقافية كيف أن الحكومةالقطرية كانت تتحرك من وراء ظهر الشيخ على مدار ما يقرب من عام، وبالتحديدمنذ منتصف مايو 2009 تاريخ تعيين مجلس الإدارة الذي جاء بخصومه. فإن صحذلك، فإنه يدلل على أن لدى الدوحة ما تريد تمريره، بينما كان القرضاوي يقفعقبة في طريقه، وهو لا شك مرتبط بـ إسلام أونلاين، وهو شيء يبدو هامًاوثمينًا للدرجة التي اضطرت معه القيادة القطرية للتعامل مع الشيخ بهذهالطريقة، وهو من هو منزلة وقدرًا من الأمة الإسلامية، وهو من هو قيمة لدىحكومة قطر وأميرها نفسه."
لن نبحث فى هذا البعد السياسي المجرد، نسأل برؤية ثقافية: حول علاقة السياسة بالثقافة؟ أو السلطة بالثقافة؟ وخصوصا مع ما جد من تقنيات أفرزت المدونات والمواقع والصحف الالكترونية وغيرها، والبعيدة عن أية رقابة تقليدية.
حتى فترة قصيرة، لم تكن معطيات شبكة الانترنت ضمن اهتمامات رجال السياسة، أو الأمن السياسي بمعنى أوضح، فى كل العالم العربي. أما وقد راجت الشبكة بحيث أصبحت واقعا موازيا بل وفاعلا على الواقع المعاش، (كما وضح تأثيرها فى انتخابات الرئيس الأمريكي "أوباما") انتبهت معها عيون الفحص والبحث الأمنية بصفة عامة، حتى أنشئت الإدارات المتخصصة فى ذلك، ضمن الهياكل الإدارية بوزارات الداخلية العربية، فضلا عن جهات الأمن السياسي.
ومع ذلك تبقى تلك المواقع وأشكال النشر الالكتروني، أكثر حرية وتأثيرا متوقعا فى زيادة وليس فى نقصان. ليبقى التساؤل حول حدود التدخل السياسي، فى مقابل حدود الحرية المتاحة للجميع، والتي هي الأصل وفق القوانين والأعراف المتفق عليها.
ومع ذلك تبقى واقعة "الإسلام أون لاين" ذات بعد خاص سياسيا، لعله سوف يتضح مستقبلا وينكشف للجميع، ولعله سيبدو بعدا سياسيا قح، ولا علاقة له بأسباب ثقافية، وهو فى ظني أمر أخطر وأشد الاما، وسوف نرى!
أما وتناول تلك الواقعة من زاوية أن يجد حوالي 325 إعلاميا وموظفا إداريا، بين ليلة وضحاها، بلا عمل! يعد مخالفا لكل القيم والأعراف. لكنه يثير قضية ثقافية متشابكة مع الواقع المعاش.
فقد نظرت نقابة الصحفيين بالقاهرة، إلى الموضوع بارتباك واضح، والى الإعلاميين، باعتبارهم خارج الدائرة! فلا هم صحفيون ولا هم معترف بهم نقابيا، وبالتالي ليست لهم حقوق الصحفي الواجب تعضيده من نقابته (صحفيو الموقع ليسوا أعضاء فى نقابة الصحفيين).
أشير هنا أنه فى الجامعات (المصرية على الأقل) لم تكن النصوص والاستشهاد المأخوذة من شبكة الانترنت معترفا بها، ولم تكن توثق ومعتبره فى الأبحاث.. إلا أنه بشروط موضوعية، تم تجاوز هذه الظاهرة، وأصبحت المادة المأخوذة من شبكة الانترنت معتمدة فى إطار شروط موضوعية.
بالتالي وبرؤية ثقافية، يجب النظر إلى العاملين بالمواقع الجادة والمعتمدة (أو التي يتم اعتمادها) النظر إلى أحقيتهم في الاشتراك النقابي، أو التفكير فى إنشاء مؤسسة نقابية خاصة بهم (وهو موضوع آخر).
وأخيرا، نرجو ألا ننتظر طويلا، فقد أصبح النشر الالكتروني ومعطياته واقعا مؤثرا وفاعلا، فى حياة الشعوب، ونحن العرب فى حاجة إلى ملاحقة كل ما يستجد فيه أو بسببه!!
..............................
Ab_negm@yahoo.com