تجربة الوحدة اليمنية (دراسة تاريخية ـ سياسية)
للباحث: سمير عبد الرسول العبيدي
تقديم:
هذه الدراسة تشير بشكل وافٍ لما يجري في اليمن، قدمها الأستاذ سمير عبد الرسول العبيدي الباحث في مركز المستنصرية للدراسات التاريخية التابع لجامعة المستنصرية ـ بغداد. تم نشر البحث في المجلة العربية للعلوم السياسية والتي تصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في عددها 22 (ربيع 2009)، ونشرها يسهم في تكوين صورة تساعد المثقف العربي والمراقب السياسي في تفسير ما يحدث في اليمن الشقيق، وسأحاول تلخيص البحث بقدر الإمكان دون الإخلال بما جاء فيه، معتذرا للباحث والمجلة في هذا الاقتباس سلفاً، مقدماً الفائدة التي يمكن الحصول عليها من إعادة نشره على إجراءات الاقتباس والنقل. وستكون الهوامش منسوبة لتهميش الباحث نفسه.
أولاً: التطور السياسي (مراحل الانقسام)
اشتهر الشعب اليمني منذ القدم بمقاومته العنيدة والشجاعة لكل أشكال التدخلات الخارجية، ويكفي أن نشير الى تصديه للعثمانيين. فمنذ عام 1538م حين احتل العثمانيون المنطقة الساحلية، استمرت المقاومة استمرت المقاومة حتى عام 1635م، حيث أُجبروا على الانسحاب. لكن العثمانيون عادوا واحتلوا ميناء الحديدة عام 1849م. وفي عام 1872م أرسل العثمانيون حملة واسعة لاحتلال جميع أرجاء اليمن، وذلك للاستفادة من التحول الذي نجم بعد فتح قناة السويس عام 1869، وأرادوا طرد الإنجليز من عدن التي احتلوها عام 1839م. لكن جهودهم أخفقت، الأمر الذي دفعهم على عقد معاهدة مع الإمام يحيى حميد الدين (1904ـ 1948)*1 في عام 1911.
وبعد الحرب العالمية الأولى نشأت المملكة المتوكلية اليمنية (1918ـ 1962) كدولة مستقلة، وقد تم الاعتراف بها بموجب معاهدة (لوزان) في 23/7/1927 واعترفت بها عصبة الأمم المتحدة، وهكذا انقسم اليمن الى ثلاثة أجزاء هي:
1ـ المملكة المتوكلية اليمنية في الشطر الشمالي.
2ـ محمية عدن وتوابعها، وكان البريطانيون قد توصلوا الى رسم حدودها مع السلطات العثمانية عام 1904، لكنهم لم يصادقوا عليها إلا في عام 1914.
3 ـ إمارة الأدارسة (1909ـ1930)*2 في تهامة وعسير وجيزان*3
ثانياً: مقدمات الوحدة (جهود الأئمة الزيديين 1918ـ1934)
تأسس الحكم الزيدي في اليمن عام 1510م، وقد استطاع بسط نفوذه على معظم أرجاء اليمن حتى عام 1839م، وكان يُجابه بعدة أشكال من الرفض القبائلي من قبل القبائل التي كانت تسعى الى نيل قدر أكبر على حساب السلطة المركزية.
وفي عام 1918م سعى الإمام يحيى الى تحديث الدولة وجيشها ومؤسسات الأمن الأخرى، كما سعى لإنشاء المدارس، وقسم البلاد الى أقسام إدارية. وتطلع الى بسط نفوذه على كل أرجاء اليمن بما فيها عدن وما حولها، إلا أن الإنجليز استبقوا الإجراءات في كبح جماحه، فتحالفوا مع خصومه من الأدارسة الذين حرموا دولته من الموانئ، فوجد نفسه محاطاً بالأعداء.
ومع وفاة محمد بن إدريس في عام 1923، تحرك الجيش اليمني لبسط نفوذه على إمارته، فعرض الأدارسة أن تبقى إمارتهم شبه مستقلة مقابل انضوائها داخل المملكة المتوكلية، فرفض الإمام يحيى هذا العرض، مما جعل الأدارسة يطلبون العون من ابن سعود الذي عقد معهم معاهدة في 21/10/1926، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الإمام يحيى. وفي 22/11/1930 ضم ابن سعود إمارة الأدارسة عنوة الى ممتلكاته التي أصبحت جزءا من المملكة العربية السعودية وقت إعلانها في 22/9/1932.
وقد وقفت بريطانيا مع ابن سعود وأمدته في الذخيرة والسلاح والمدرعات، في حين حجزت شحنة أسلحة إيطالية كانت تضم 8000 بندقية مع ذخيرتها كانت قادمة الى المملكة المتوكلية التي كانت في حالة مناوشات مع السعوديين.
وفي 19/5/1934، وبعد أن نصحت الحكومة البريطانية آل سعود بعدم المضي طويلاً في حربهم مع اليمن، عقدت اتفاقية الطائف التي أعطت لآل سعود حكم عسير وجيزان لمدة عشرين عاما من تاريخه على أن تراجع تلك الاتفاقية لتعديل الحدود قبل انتهاء المدة بستة أشهر وهو ما لم يتم حتى يومنا هذا*4
لقد كان وراء قبول الإمام يحيى بتلك الاتفاقية، هو شعوره بعدم جدوى الصراع مع آل سعود وعدم إمكانية تحقيقه للنصر، وقد كانت اتصالات البريطانيين مع الإمام تحمل شكلين من التصرف، الترغيب في ترك الإمام يحيى وشأنه مقابل تركهم في عدن، وبين استخدام القوة عندما يتجه للتحالف مع آخرين كالإيطاليين. كما حدث في استخدام سلاح الجو البريطاني بقصف مواقع الجيش اليمني ومدنه.
وهكذا فإن عام 1934، كان عاماً لهزيمة الدولة المتوكلية في توقيعها اتفاقيتين واحدة مع السعوديين تترك لهم إمارة الأدارسة لمدة عشرين عاما، وواحدة مع بريطانيا تسمح لهم بالبقاء بعدن مدة 40 عاما. ويعتبر عام 1934 عام توقف للطموحات اليمنية في التوحد.
وقد أدرك اليمنيون أن ضعف قدرة البلاد وتركيبتها الاقتصادية والاجتماعية المتخلفة هي التي وقفت وراء ذلك. لذلك بدأت هناك حركة إصلاح وتغيير جذريين، كان من نتائجها إغتيال الإمام يحيى في 17/2/1948، فيما عرف بحركة العام 1948 الدستورية والتي لم تستمر سوى شهر واحد، إذ نجح ولي العهد (أحمد) باستعادة الحكم في 15/3/1948، واستمر في الحكم حتى وفاته في 19/9/1962، فخلفه ابنه الإمام (بدر) والذي لم يستمر حكمه سوى أسبوع حيث أطاح به انقلابٌ عسكري قاده العقيد (عبد الله السلال)*5 في 26/9/1962 والذي ألغى الإمامة في 28/9/1962، وأعلن النظام الجمهوري.
يتبع
هوامش
*1ـ ولد الإمام يحيى بن حميد الدين عام 1869 وتولى الحكم بين 1904ـ 1948، وخلفه ابنه احمد بن يحيى (1948ـ 1962).
*2ـ ينتسب الأدارسة الى أحمد بن إدريس (توفي عام 1837)، وهو متصوف مغربي قدم الى مكة ومكث فيها 30 عاما، ثم انتقل الى (صيبا) شرق جيزان وأسس هناك طريقة دينية، وفي عام 1876م ولد له حفيد يُدعى محمد علي الإدريسي، تلقى تعليمه في الأزهر، وبعد عودته نشط في تحويل حركته الدينية الى نهج سياسي، وبسط سلطته على تهامة وعسير بدءا من عام 1909، وفي عام 1914 أعلن تحالفه مع بريطانيا. وبعد وفاته عام 1923م نشب خلاف بين أفراد أسرته على الحكم، مما جعل ابن سعود يتدخل وبالتالي ضم المنطقة الى السعودية.
*3ـ منصور الراوي/ دراسات في السكان والعمالة والهجرة في الوطن العربي/ بغداد/ منشورات وزارة التعليم العالي 1991 صفحة 401ـ402
*4ـ محمد علي الشهاري/ طريق الثورة والوحدة اليمنية/ القاهرة: دار الهلال 1966، ص 45ـ46.
*5ـ ولد عبد الله السلال في مديرية (سفان: محافظة صنعاء) عام 1917، سافر الى العراق في بعثة عسكرية عام 1936، وتخرج برتبة ملازم ثاني، اختارته حركة الضباط الأحرار قائداً لها في قيادة الانقلاب، وتمت الإطاحة به في 5/11/1967، توفي في 5/3/1994.