نصيحة يهودي! يوسف فضل Friday 09-04 -2010 بدافع الضعف الإنساني والإحساس بالألم أكتب هذه القصة وبدافع تهيئة الذات بالخلاص من عبئ يحاك في صدري مثل الإثم وللتخلص منه بأقل الخسائر النفسية لما يتبع فوضى حياة الترحيل ألقسري والتشرد والملاحقة في الفضاء الأرضي الواسع . وبما أن الإنسان يعيش بمجموعة من القرارات تؤثر على مستقبله الشخصي والحياتي لما سيحمله في ذاكرته الجينية والوجدانية من شوق وجمالية وفتنة تأمل المكان المسروق. أبدأ قصتي (الحكائية) واضعا علامات تعجب كثيرة ما فوق قدرة تحمل المنطق التي لا يفسرها المنطق .
أخبرني الذي أخبرني ،انه في الثلاثينات من القرن الماضي وقبل قيام ما يسمى بدولة إسرائيل(ومتى تقعد إن شاء الله ) أن مزارعا يهوديا اسمه مناحم بلطي كان يعيش في إحدى قرى قضاء الناصرة . إذ كان يملك قطعة ارض يزرعها مثل أي فلسطيني وكان الفلسطينيون من القرية والقرى المجاورة يعاملونه كأحد أبناء فلسطين لأنه يهودي فلسطيني يعيش في فلسطين بل ومولود فيها ولم يكن من المهاجرين وقطاع الطرق اليهود الذين هجرتهم أوروبا إلى فلسطين خلاصا لها من آذاهم فصدرت أوروبا مشكلة أوجاع رأسها اليهودية إلى فلسطين فجاءوا شذاذ الآفاق يعيثون في ارض فلسطين المباركة الفساد.
في إحدى زيارات مناحم المعتادة لجيرانه من العائلات الفلسطينية اخبر عائلة أبو توفيق أن يرحلوا عن فلسطين ويسكنوا شرق نهر الأردن . وما أقدم عليه إلا بدافع (الحب) لهذه العائلة التي تربطه بها علاقات الجيرة الخيرة وإكراما لوشائج الصداقة معها .
لم تسمع العائلة الفلسطينية لكلام مناحم بلطي بل تفهمت ما أخبرها به ،لأنه لا يقرر السياسة اليهودية في فلسطين . لكن في النهاية سوف يقف مناحم مع بني دينه مشاركا في تنفيذ السياسة اليهودية .
عام 1948 كان عام الحسم ضد الفلسطينيين لما لحق بهم من أحداث فقد أجبرت عائلة أبو توفيق مع آلاف العائلات الفلسطينية على ترك أراضيهم بقوة السلاح اليهودي . اتخذت عائلة أبو توفيق(مؤقتا) مدينة جنين سكن لها .
قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967 كان الصليب الأحمر ينظم زيارات ما بين أفراد من الأراضي المحتلة الفلسطينية لعام 1948 وأفراد من الضفة الغربية التي كانت واقعة تحت الحكم الأردني . وكان مكان اللقاء للزيارات في القدس حيث يتقابل الطرفان تحت رعاية الصليب الأحمر في مكان يفصل بينهما الشبك .
جاء الصليب الأحمر حاملا دعوة لأبو توفيق برغبة مناحم بلطي في لقاءه في القدس حسب بروتوكول الزيارة المتبع في حينه. وكان اللقاء في القدس.
مناحم : مرحبا أبو توفيق من أجل الأيام الخوالي التي لم أتعرض فيها لأي أذى من طرفكم فإنني رغبت في لقاءك.
أبو توفيق : كيف الحال يا مناحم ؟ خير يا مناحم .
مناحم : حاليا أنا ضابط في الجيش الإسرائيلي . وقد نصحت لك سابقا أن ترحل وتسكن شرق نهر الأردن ولم تنتصح !
أبو توفيق : يا زلمه معقول الواحد يترك أرضه . وهذه المرة في مصيبة جديدة ؟
مناحم : اللعبة اكبر مني ومنك . أقول لك ، اطلعوا (اذهبوا) إلى شرق الأردن وابتعدوا عن السكن في منطقة اربد . عليكم بالعلم . علم أبناءك ولو بتبيع ملابسك . ولا تشتروا أي ارض في الضفة الغربية .
أبو توفيق : هذا يجعلني أكثر قلقا مما أكون سعيدا يعني الاحتلال لاحقنا مرة أخرى .
مناحم : اسمع مني لا تنغروا (تغتروا) في بداية الاحتلال لأنه ستكون أول 10 سنوات رفاه اقتصادي جيد لتثبيت الاحتلال والهاء الناس ثم تهل عليكم لعنات ومصائب من الاحتلال وأبناء جنسكم .
أبو توفيق: فيك )الخير( يا مناحم . انك تبث فيَ الطمأنينة بأنكم ستأخذون باقي الأرض.ماذا عساي أن أقول غير أنكم جعلتم فلسطين طروادة وتعاستي . فأنتم وجود داخل وطني لكنها ليست النهاية المثالية للقصة. لا حول ولا قوة إلا بالله .
مناحم : نحن أبناء اليوم .
أبو توفيق : صحيح. لا احد يعرف ماذا يمكن أن يحدث غدا . هذا ما اسميه الغموض الشهي .
مرة أخرى لم يغادر أبو توفيق مدينة جنين لأنه لو اقتنع بالرحيل فهو لا يستطيع إقناع أي فرد بما سمع. وإلا حسبوه مجنون . وفي النهاية قال في نفسه " يجري علي ما يجري على الشعب الفلسطيني" .
جاءت حرب 1967 . وفي أول أسبوع من احتلال إسرائيل للضفة الغربية جاءت سيارة جيب عسكرية وتوقفت أمام بيت أبو توفيق في جنين وترجل منها مناحم وطرق باب أبو توفيق . لقد جاء مناحم ليطمئن على أبو توفيق . هذه المرة اقتنع أبو توفيق بما قاله مناحم سابقا . فوسوس له الشيطان ، ورحل أبو توفيق وعائلته طواعية إلى شرق نهر الأردن مبتعدين العائلة عن السكن في منطقة أربد .
لكن الابن توفيق كر عائدا بهجره معاكسه إلى مدينة جنين التي تقع غربي نهر الأردن . لإدراكه أن الاحتلال لا يحمل أي مسحات إنسانية مهما تذرع من أسباب لأنه لا زال ينظر إلينا على أننا من أبناء الخادمة السمراء. والعنصر القاتل في نصيحة مناحم أنها تأتي من رجل يدعي الصلاح ليستقطب اهتمامنا الكامل لأنه يريدنا أن نذبل من الداخل . ولو كان اليهود (يريدوا لنا الخير) لما اوجدوا الاحتلال والمشكلة الفلسطينية . اليهود يحتلوا الأرض ويساوموننا على أرواحنا . إننا روح غير قابلة للهدم . عاد توفيق إلى مدينة جنين وهو يردد " هنا كان صلاح الدين" .
اركنوا هذه القصة على طرف خفي وقصي من البيت ولا تنسوا إذا عشتم أحداثا عجافا أن تربطوا خيوط الأحداث مع بعض وأن تتذكروا أن هذه الأحداث ربما قد قرأتم السيناريو الخاص بها . فهل تقع أحداث فقاعة هذه القصة ؟ لعلها لن تحدث .
أمنياتنا وأحلامنا وأشعارنا المتصارعة بين المتخيل والحقيقة غير كافية لتغيير الأحداث . لكني معكم من المنتظرين ! فالأيام حبلى بالتفاصيل الشيطانية . وتكمن كل التفاصيل الشيطانية في عدم تحقيق أهداف العدو اليهودي كما فعل توفيق.
عن الركن الاخضر