لا للضغوط السلبية ...
كلمة (لا) صغيرة في لفظها وكتابتها ، لكنّها كبيرة في معناها ومغزاها .
هي ضغط أو تكثيف لرفضك وإبائك وممانعتك ، فلا تستهن بمقدرتها على إنقاذك في المواقف المحرجة والضاغطة سواء التوريطية ، أو الترهيبية ، أو الترغيبية .
لقد كان أوّل شيء علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس المشركين الذي جاء يدعوهم إلى توحيد الله هي هذه الـ (لا) حيث خاطبهم بالقول : «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا» .
إنّها سلاحك الذي به تقاتل الضغوط السلبية صغيرة كانت أو كبيرة ، ولا تنسَ أنّ بعض الضغوط الصغيرة إذا استهنت بها ، ولم تقل لها (لا) فإنّها تكبر وتستفحل وتنشط لافتراسك حتى تغدو ضغوطاً كبيرة قد تعجز عن مواجهتها .
قل (لا) لأيّ ضغط سلبيّ ، مهما كان شكله ونوعه وحجمه والمصدر الذي يأتي منه .. فكما أ نّك تتدرّب على حمل الأثقال لبناء عضلات متينة مفتولة ، فإنّ (لا) تحتاج إلى تدريب حتى تصبح عضلات الإرادة قويّة متماسكة .. بمعنى أن تكون رافضة ، مقاومة ، ممانعة .
كن صادقاً مع نفسك وقيمك وأهدافك ، ولا تجامل أحداً على حسابها . هل ترضى أن تجامل الآخرين ـ من السادرين في غيّهم ـ بأن تدخل في حلقة اغتياب ، وأنت تعلم أنّ الله يبغض الغيبة والمغتابين ويصف المغتاب بأ نّه آكلٌ لحم أخيه ميتاً ؟ كيف إذن تبيح لهم أن يستدرجوك لمواقع الزلل والوقوع في مطبّ المعصية قولاً كانت أو عملاً ؟
ولكي تقول (لا) بالفم الملآن ، لا بدّ أن تتحمّل مسؤولية موقفك ونتائج عملك بشجاعة فـ (لا) مكلفة .. ولها ضريبة باهضة ، لكن فوائدها جليلة ونتائجها باهرة .
من السهل عليك أن تقول (نعم) لأيّ ضغط سلبي ، فليس في ذلك جهدٌ يُذكر أو عناء يُطلب ، ولكنّ الضعفاء هم مَنْ يقولون (نعم) دائماً حتى إذا لم يقبلوا بشيء ، أو لم يكن يروق لهم .
ولـ (نعم) وجهان :
(نعم) إذا كنت مقتدراً على أداء شيء ، وطلب منك ذلك ، ولم تترك استجابتك أي مردود سلبي عليك ، فـ (نعم) هنا حلوة ، لكنّها دَين ، أي أ نّك إذا قلت لشيء نعم فعليك أن تفي باستجابتك ، كما لو يقال لك انّك لطيف المعشر ، محبوب من الجميع ، فلو تدخلت في الإصلاح بين صديقين متنازعين ، وقلت (نعم) فلا بدّ من أن تسخِّر وجاهتك في إصلاح ذات البين بينهما .
هذه (النعم) إيجابية ، وهناك (نعم) سلبية ، وهي نوع من أنواع الاستجابة للضغط ، فقد تستجيب للضغط وأنت مكره ، وقد تستجيب للضغط ولا إكراه عليك ، وتلك هي الـ (نعم) المذمومة ، فلأ نّك ـ مثلاً ـ رأيت بعض الشبان يدخّنون ، رحتَ تدخّن تقليداً لهم وليس بضغط أو تشجيع منهم ، فأنت قلت (نعم) من غير أن يُطلب منك أو تُكره على قولها .
ومع ذلك فقول (لا) صعب .. لأ نّه يعني الرفض والمقاومة ، والرفض ـ في العادة ـ ممقوت . فإذا لم تستجب لبعض رغبات النفس الهابطة ، فربّما ألحّت عليك ، وعاونها الشيطان في تحبيب الرغبة ، وأ نّك لست مضطراً لحرمان نفسك من هذه المتعة أو تلك اللّذة .
والرفض ممقوت أيضاً من قبل الضاغطين الذين يعرضون عليك الاستجابة لرغباتهم أو طلباتهم فتصدّهم بقولك (لا) وربّما مارسوا عليك ضغوطاً أخرى حتى يخضعوك لإرادتهم .
تذكّر أنّ الكبار .. أصحاب النفوس الكبيرة .. والإرادات العظيمة .. والمقاومين الأبطال لم يصبحوا كذلك بلمسة سحرية .. لقد قالوا ـ في أوّل الأمر ـ للضغوط الصغيرة (لا) وحينما نجحوا في رفضها وقهرها ، كانوا على أتمّ الاستعداد لرفض وقهر ما هو أكبر منها .
البلاغ