رؤية نقدية لخواطر الصباح/ريمه الخاني
تشرفت بالحصول على كتاب من المهندس مهند الكوسا كتبه :والده حفظه الله:أستاذنا العزيز:
سعيد كامل الكوسا/خواطر الصباح
فربما كانت كلمة خواطر تجعلنا نتوقف قليلا لأن عالم الخواطر خاص جدا ولها متذوقيها الخاصين أيضا...
لكن مافاجأني أنها كانت أعلى من خواطر وأرفع منها بدرجات كبيرة...لذا أعتبر نفسي محظوظة بقراءتها:
لمحة موجزة عن فن الخاطرة:

الخاطرة بوح نفسي في أغلب كتاباتها، وإحساس جميل يعبر كاتبها عما حوله بسطور قليلة وكلمات مرهفة، كما يعتبرها البعض فن من فنون التعبير الأدبي تنتج عن طريق شلال الشعور الدافئ للنفس في أوضاع مختلفة، منها: الحزن، الحب، البكاء، الفرح، وغيرها من المشاعر النفسية التي تخالج الإنسان مع تغيراته المختلفة.[1]
ما هي أسس كتابة الخاطرة:
1ـ وضوح الأسلوب:فيجب أن يكون الأسلوب واضحاً،بشرط ألا يكون الوضوح تاما، لأنه يسلب الإثارة والدهشة والتفاعل مع الخاطرة.
2- العمق والهدف:تحوي الخاطرة في عمقها ردات فعل متسلسلة وروحًا حركية تحركها الحروف،تجعل القارئ ينجذب لقراءتها ويعيش أجواءها،
3ـ السرد:هناك ضمائر مختلفة يمكننا استعارتها للخاطرة والأهم أن تعكس صدق مشاعر الكاتب وتبين مهارة في الوصول لقلب المتلقي.
4ـ إحياء المواقف:تحويل هذا الموقف عبر مرآة الحروف إلى مشهد يجعلنا نشاهده بأعيننا، وذلك باستخدام الوصف الدقيق الموجز.
5 ـ فصل الخاطرة:بحيث يجعلها كاتبها مقسمة ومتسلسلة إلى مقدمة، يمهد لها وعرضًا يطرق فيه محوره الرئيس وخاتمة مؤثرة تحوي لب وخلاصة شعوره المتدفق.
6 ـ التناسق:بحيث تكون الخاطرة مرتبة الأفكار، وتسير في خط معين لا تحيد عنه، ويتم إزالة الكلمات الزائدة التي لا تضيف شيئا للخاطرة.
7 ـ الخيال والتصاوير والتشبيهات المجازية: جمال الخاطرة يمكن في هذا العنصر الحيوي الذي يحي الفكرة ويجعلها غضة متحركة أمام القارئ.
8 ـ العنوان:يجب أن يكون العنوان معبرا عن الفكرة الرئيسة، ويفضل أن يكون مجرد إيحاء أو عاكس لثوب الخاطرة، ولا بأس أن يكون مقتبسًا من سياق الخاطرة على أن يكون هذا العنوان قوي التعبير وعميق المعنى ومؤثرًا في النفوس حتى يجذب الانتباه.
من خلال تلك العناصر نعرف أن الخاطرة نمط أدبي لايقل عن القصة أو الشعر أو ..لكنه ربما أسهل ممارسة لقلة القيود على النص, لكنه صعب من جهة أخرى لأنه وبشروطه البسيطة يجب ان يقدم عنصر الجذب للقارئ يجعله مقبلا يبدأ من العنون اللافت
وينتقل للبداية الجذابة والتي تشد المتلقي لإتمام النص .
فن الخاطرة فن جديد لم تعرفه العرب قديما إنما كان الشعر والنثر الأدبي التقريري ونضيف في هذا السياق .[2]

الخاطِرُ ما يَخْطُرُ في القلب من تدبير أَو أَمْرٍ/الخاطر : الهاجس
-الخواطر وقد خَطَرَ بباله وعليه يَخْطِرُ و يَخْطُرُ بالضم ; الأَخيرة
عن ابن جني , خُطُوراً إِذا ذكره بعد نسيان
خطر الشيطان بين الإنسان وقلبه: أوصل وسواسه إلى قلبه.[3]
فكيف لو كان الخاطر رحماني؟

موقع الخاطرة في الأدب العربي : تصنف الخاطرة في موقع بين القصة القصيرة والشعر الحر
فهي ماقبل القصة ومابعد الشعر الحر..

وتختلف الخاطرة عن المقالة من حيث الحجم
بأن الخاطرة مختصرة جداً وعباراتها قليلة لكنها مركزة."

من أنواع الخاطرة :-

- الخاطرة الرومانسية : وتعني بما يمر به الإنسان في مواقف الحب ( لقاء –فراق-خيانة-عتاب-اشتياق..).

-الخاطرة الإنسانية : وتعني بالقيم الإنسانية الجميلة ( الصداقة - الأخلاق الفاضلة- التضحية -الوطنية ).
-
الخاطرة الوجدانية: تعني بوصف الحالة الداخلية للكاتب أو نظرته لشئ ما، وقد تشطح في الخيال كثيرا (سريالية).

- الخاطرة الاجتماعية : هي وصف أو نقل لما يمر من مواقف في محيط الكاتب تختص بمعاني (الأسرة – المجتمع-الدولة).

من أشكال الخاطرة :-

الخاطرة المركبة: وتعني بنقل الموقف مع أحاسيس الكاتب .( كالخاطرة الرومانسية )

الخاطرة المجردة : تعني بنقل أحاسيس الكاتب فقط دون ذكر الموقف ( مثل الخاطرة الوجدانية).
*************

كانت تلك لمحة موجزة عن عالم الخاطرة الرقيق الحاشية المرهف الحس العميق الغور في عالم الإنسانسيات, ولقد عكس الأستاذ سعيد كامل الكوسا هذا الفكر الذي
حفلت به خواطره القيمة , بالكثير من الحكم والعبر التي نخشى ان نقول انها بدات تنحسر في عصرنا الحدبث فالخواطر في عصرنا لصيقة بصاحبها تعكس تجربته الخاصة جدا وقلما تجد قواسم مشتركة لتركيزها
عموما على جانب واحد وهو الرومانسيات التي أتخمت بها المنتديات الأدبية والجلسات الثقافية والتي بخست من قيمتها وهمشتها تقريبا,بينما هي فن راقٍ قيم يعكس نفس إنسانية تعكس رسالة سامية ومن دونها نكون قد كتبنا تفاهة حقيقية لاقيمة لها ولاراس ولا جسد...

********
خواطر الصباح كتاب قيم يقدم النموذج المثالي للخاطرة القيمة التي نبحث عنهابقوة
أبدأ بجملة الإهداء التي شرفني بها الأستاذ سعيد الكوسا:
الشاعرة الاديبة بامتياز ريمه عبد الإله الخاني مع مزيد من الاعتباروالإكبار/المؤلف.
كانت تكفيني كي اعرف أنني مازلت أمضي على الطريق الصحيح بعون الله وحفظه.
بدأ الكتاب بإهداء من المؤلف للأستاذ: رياض تيناوي: جاء فيها ( شذرات فقط:لقد كنت الزناد الذي قدح خواطر الفكر فأثمرت وأضاءت ..فتقبل هديتي المتواضعة.
ثم كلمة الناشر,المقدمة,والخاطرة الأولى :شيخ الكتاب..
كنت سمعت كثيرا عن عالم الكتاب من والدي رحمه الله...لكن أن أقراها كخاطرة مكتملة الشروط والأركان لهو أمر توثيقي هام ولافت...
جاء في بدايتها:
صباح هذا اليوم( ومعظم الخواطر كانت في الصباح الجميل)خرجت من داري في طريقي إلى عملي فوقع نظري على مشهد من أجمل المشاهد التي لا تنمحي سريعا من الذاكرة ,بل تبقى طويلا محفوظة في أعمال الخاطر, حية في رحاب الضمير تبعث النشوة, وتسر النفس.
...
هذا الكتّاب(هي مجالس علم في المساجد كان يعلم فيها الأبجدية العربية ثم العلم الشرعي والعلمي)الذي لم يكن سوى زاوية قديمة العهد من زوايا العبادة حولت بقدرة قادر إلى كتّاب يضم الأطفال لتعلم القرآن ومبادئ الكتابة.
...ومضى اليوم الأول وجاء اليوم الثاني وقد تهيأ ت منذ الصباح لارتياد الكتّاب وقد زاد من وسائل العلم لدي عدة أشياء,فقد صنعت لي والدتي قمطرا من القماش المخطط له أنشوطه طويلة ترتاح على الكتف..وقد ضم هذا القمطرير حينذاك( الصُبرة) وهو عبارة عن مجموعة
صغيرة تحتوي الأبجدية ومبادئ ألفاظ الكتابة والقراءة ودس فيه لوح أسود مجهز بقلم من نوعه وقطعة من الخبز مع بيضة وبرتقالة هي طعام الغداء لأن وقت الكتّاب كان مستمرا من الصباح وحتى صلاة العصر حيث يتأهب شيخنا
للذهاب إلى الصلاة..
ومرت هذه الخواطر في بالي وأنا أقارن بين الحاضر والماضي فرسمت على صفحة وجهي ابتسامة رقيقة أودعتها كل ذكرياتي..ولا أود أن أسرد عليك حديث( الفلقة)التي كان يعاقب بها الشيخ حسن من لم يحفظ درسه ويرفع صوته حين التلاوة مع مجموعة الأولاد واترك لخيالك
الواسع أن يتصور جيلنا و ما كنا فيه, وجيل أولادنا في القرن العشرين وما هم عليه من رفاه ونعيم...
*******
تلك الخاتمة التي تفتح على المتلقي مقارنة سريعة بين جيل وجيل..وتطرح سؤالا هاما:
هل الأسلوب التربوي الذي قدم لنا هؤلاء العمالقة هو أكثر جدوى من الأسلوب الجديد الذي يقترب من النشء ويكرس الحوار والديمقراطية ويقدم للجيل كل ما يصبو إليه؟
سؤال كبير جدا لا يستطيع الإجابة عليه إلا من كان مخضرما ووعى التجربتين معا بكل تفاصيلها ومحاسنها ومساوئها.
من العناوين اللافتة في الكتاب:
قطتي لا تضحك...وهي خاطرة رائعة لتساؤل طفولي بريء يفتح باب التأمل..
الياسمين الدمشقي.. ولا يقدر على وصفه بصدق إلا من عاشه وعاش أيام البيت العربي الرائع..
أحب الشتاء.. بائع الذرة, قيمة الحياة.. رزق الناس ,قطعة سكر,في رحاب الفكر,غوطة دمشق الشرقية,بائع الصبارة,أربع وعشرون ساعة,خيال يتحقق الخ..
تخرج بعبرة ومعنى ومغزى..وتملأ عقلك وعينيك من صور وإبداعات ..تتفوق على البوح وترتقي فوق عالم الخاطرة وتقترب جدا من القصة القصيرة لحد كبير..
الخاطرة من النوع المركبة جمعت مابين الموقف والمشاعر,إنسانية وجدانية أجتماعية.
ربما بعض تحفيز وشغل على لغة أعمق,ومزيد من المواقف الطريفة من خلال كل نص و,مفاجآت وتلميع لا يمنع , حيث أن اختيار المواضيع الموفق ومن خلال البيئة الحميمية , ورغم التآلف بين المؤلف وبينها لا يمنع من المزيد من التلمع التشويقي,لجيل لم يعشها ولم يع بقوة كنهها وطعمها الطيب في ذاك الزمن القديم..
من كتب الأستاذ سعيد الكوسا:ثمن الدعاء( ترجم للفارسية)-اضحك مع ظرفاء دمشق-الشيب-نفحات الأزهار على نسمات الأسحار في مدح النبي المختار للشيخ عبد الغني النابلسي( تحقيق -والشيخ النابلسي من اجداد الوالد عبد الإله الخاني لأمه.)
كان هذا جهدا متواضعا أهديه لأستاذ كبير فتقبله مني .
ريمه عبد الإله الخاني
26-10-2011

[1]http://www.omferas.com/vb/showthread.php?19626-أساسيات-كتابة-الخاطرة


[2] المصدر السابق نفسه

[3] لسان العرب ص 1608 ج2


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي