المقاطع الصوتية التعليمية .. وسيلة من وسائل تعليم الكتابة والهجاء
(1)
بعد اعتماد الطريقة الجزئية في تعليم الصف الأول الابتدائي صار نشاط تحليل الكلمة نشاطا متكررا، وممتدا إلى الصف الثاني والثالث بقلة.
وهذا التحليل قسمان: تحليل الكلمة إلى حروفها وهذا لا عسر فيه؛ لأن التلميذ حفظ الألفبائية التي اقترحت تعديلها في مقال "الألفبائية التعليمية". وتحليلها إلى مقاطعها، وهذا فيه عسر.
ما عسره؟
عسره أن المقطع لا يُشرح، فكيف يُطلب في الأنشطة؟ إن هذا يذكرني بالصف الأول الثانوي والثاني الثانوي اللذين كان يطلب فيهما تطبيقات على فنون لم يدرسها الطالب كالموازنة الأدبية، وقد أشرت إلى ذلك في مقال "بعض مظاهر وهم التعليم النشط في كتابي اللغة العربية للصفين الأول والثاني الثانويين" في المقرر الذي عُدل وغُير هذا العام.
لماذا تحليل الكلمة؟
لإدراك مكوناتها، ولتعليم الطفل الجزء الذي يتجه إلى الكل بدءا بالمقطع وانتهاء بالنص ومرورا بالجملة والفقرة كما بينت ذلك في مقال " بناء الكلام .. طريقة يسيرة لتعليم الإنشاء الكتابي".
ولنا أن نسأل: أهناك أهمية للمقطع حتى نطالب بإفراده بدرس؟
والجواب جد يسير.
كيف؟
إن للمقطع أهمية، وأي أهمية!
ما هي؟
إن المقطع هو الطريقة التي ينطق بها الإنسان الكلام؛ فالكلام لا يخرج حروفا بل يخرج مقاطع على وفق آلية عمل الحجاب الحاجز وجهاز النطق. كما أنه وسيلة تعليمية لو أحسنت لعالجت حالات كثير من عسر تعلم القراءة والكتابة.
كيف؟
لنعرف المقطع تعريفا علميا أولا، ثم نردفه ببيان ذلك؛ فما المقطع الصوتي؟
المقطع الصوتي هو تجمع صوت أو أكثر محوره حركة أي صائت.
لماذا الحركة محور المقطع؟
لأنه لولا وجود الحركات أي الصوائت: القصير منها متمثلا في الحركات، والطويل متمثلا في حروف المد- لما استطعنا نطق الصوامت. لماذا؟ لأن الصوائت تيار هواء مستمر يصل الصوامت بعضها بالبعض الآخر، ولأن المقطع الصوتي نواته حركة أو حرف مد أي صائت، وحاشيتاه صامت أو صامتين. ولأن هناك فرقا عضليا وجهديا في نطق الأزواج التالية من الكلمات: قَتَلَ: قَتْلْ، وعَصَرَ: عَصْرْ، و... إلخ. وما شابه ذلك من كلمات نجد النطق فيه منطلقا في حالة عدم تجاور صامتين ومتعسرا في وجود صامتين متجاورين وهذا لا تسمح به اللغة إلا بقواعد تبيح التقاء الساكنين في مواضع محدودة.
وقد اختُلف علميا قديما وحديثا أيهما يأتي أولا الصائت أم الصامت؟ وقد تناول ابن جني ذلك في باب "محل الحركات من الحروف معها أم قبلها أم بعدها" في كتابه "الخصائص"، وتناوله المحدثون من علماء اللغة.
وتتعدد أنواع المقاطع تعددا هو:
1- مقطع قصير: ويتكون من صامت "ص" وحركة "ح"، مثل:أَ: والتعبير عنه مقطعيا يكون "ص ح".
2- مقطع متوسط، وهو ينقسم قسمين: مقطع متوسط مغلق: وهو ما يكون آخره "صامت"، مثل: قَدْ: وتعبيره المقطعي: ص ح ص. ومقطع متوسط مفتوح: وهو ما يكون آخره حركة، مثل:"ما"، ويكون التعبير المقطعي عنه : " ص ح ح".
3- مقطع طويل: وينتهي بصورتين: مقطع منته بـ"ح ص"، مثل "مين" من كلمة "العالمين"، ويكون التعبير المقطعي عنه"ص ح ح ص". ومقطع منته بـ"ص ص "، مثل "خَوْفْ"، ويكون التعبير المقطعي عنه" ص ح ص ص".
وهاكم تقطيع قوله تعالى:" الحمد لله رب العالمين" تمرينا دالا: اَلْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. حَمْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. دُ: ص ح : مقطع قصير. لِلْـ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. لَا: ص ح ح: مقطع متوسط مفتوح. ـهِ: ص ح: مقطع قصير. ربـْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. بِلْ: ص ح ص: مقطع متوسط مغلق. عا: ص ح ح : مقطع متوسط مفتوح. لَـ: ص ح : مقطع قصير. مِينْ: ص ح ح ص: مقطع طويل.
(2)
هذه هي المقاطع العلمية، فهل سنعلمها تلاميذ الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية هكذا؟
لا.
إذا، كيف سنعلمها؟
إنهم يعرفون الحركات والسكون والمدود والتنوين، وهذه ستكون وحدات تعليمهم المقاطع.
كيف؟
إن توالت متحركات فإن كل حرف مع حركته مقطع، مثل: سَمَكَةٌ: فـ(سَ، ومَ، وكـَ) ثلاثة مقاطع. وإن جاء ساكن أو حرف مد فهو مع الحرف السابق عليه سيكونان مقطعا، مثل "مِنْ" ومثل "عِنْدَ" فـ (عِنْ، ودَ) مقطعان، ومثل "جَمِيلٌ" فـ (جَـ،ومِيـ، ولٌ) ثلاثة مقاطع. وإن وجدنا تنوينا فهو مع حرفه مقطع، مثل التاء المربوطة المنونة في كلمة "سمكةٌ" السابقة. وإن جاء الحرف مشددا فهو مكون من حرفين أولهما ساكن يكون مع السابق عليه مقطعا، ويكون الحرف الأخير مقطعا وحده، مثل "شَدَّ"فـ (شَدْ، ودَ) مقطعان، ومثل "التَّغابن" فـ (التْـ، وتـَ، وغا، وبن) أربعة مقاطع.
هذه هي قواعد تعليم المقاطع للصغار، وهي مبنية على ما بنيت عليه المقاطع العلمية من أن الأساس هو النطق؛ فما ينطق يعد، وما لا ينطق لا يعد كما في عروض الشعر.
وهذه القواعد ليست غريبة على التلاميذ الذين سبق لهم تعلم الهجاء في الكُتَّاب.
كيف؟
إنهم تعلموا الهجاء بطريقة المقاطع السابقة من دون أن ينص الشيخ أو العريف على اسم المقطع.
كيف؟
عندما يتهجون كلمة "أَسَدٍ" فإنهم يقولون: همزة فتحة أَ، وسين فتحة سَ، ودال تنوين ضم دٌ. أي إنهم ينطقون اسم الحرف واسم الحركة، ثم ينطقونهما معا في مقطع صوتي.
وعلى ذلك فلن يتعدى الأمر إلا إضافة اسم المصطلح؛ لأن الحقيقة اللغوية مرتكزة في نفوسهم وعقلهم كما سبق. فإن أتقنها الصغار أمكنهم تقطيع الكلمة الطويلة أو التي يستصعبونها وكتابتها مقاطع يصلون بينها فتكون الكلمة، أو قراءتها.
وأذكر أننا كنا نتعلم ذلك في اللغة الإنجليزية قديما، وأذكر أنها كانت طريقة نافعة مفيدة، وسيكون الأمر في اللغة العربية مع الضعاف مفيدا ونافعا وسيزيد المتميز قوة على قوته.