الاستاذ القدير
الهادي الزغيدي
احترامي
وحول الموضوع كانت لي المقاله التاليه
الواقعيه في الادب
---------------
الفنــــــــان .. والواقــــــــع
السؤال الحائر دوما , الدائر ابدا لماذا الفن في حياتنا .. ؟؟ لا يجب ان يكون شغلنا الشاغل عن عملية الابداع الفني ذاتها .. والا اصبحنا ندور في شطحات حوارية , تدور حول نفسها , دون نتيجة , وبلا أي
معنى ..!!
لكننا اذا اردنا الغوص في هذه البديهيات الملازمة للعملية الفنية , فان الاجابة على السؤال لن تبدو كذلك , وان كانت بكل بساطة ووضوح تتجه نحو المجتمع ذاته الذي يعيش فيه المبدع او الفنان .. أي ان الفن في حياتنا هو مرآة لتطلعاتنا الاجتماعية , وهفواتنا الانسانية , واخطاءنا الاخلاقية , ومزايانا التعبيرية , كمجموعة من البشر , نفعل ونتفاعل , وننفعل , ومن حقنا ان يكون لنا فن خاص بنا يعبر عن فعلنا وتفاعلاتنا وانفعالاتنا ..!
بهذه البساطة , يصبح الفن في حياة البشر تعبيرا عن احوالهم , والانطلاق بها في اجواء انتقادية وجمالية , للكشف عن الذات البشرية , بمجهر المبدعين من اهل الفن والادب , لكن هذه البساطة في الاجابة على السؤال الحائر : لماذا الفن في حياة البشر ...؟! ليست بهذه السهولة عند التعامل معها ابداعيا .. والا اصبح الفن عملية يقدر عليها , ويتمكن منها كل من امسك ورقة وقلما , وبدأ بخط بهما سطورا في الكتابة بكل انواعها .. او اصبحت عملية الابداع الفني شيئا في مقدور أي ثري ان يشتري مستلزمات الانتاج الابداعي وتطويقها لترويج اسقاطاته المتوارثة !!
هناك فرق بين تسطيح الاجابة على جدوى الفن في المجتمع .. وبين الكيفية التي يمكن من خلالها اتمام العملية الفنية لصالح المجتمع
لماذا انت فنان ..؟! امر شخصي بحت .. وسهل على كل شخص ..! وكيف تكون فنانا .. ؟!!.. امر غير شخصي .. وصعب الا على المبدعين !!
فمن السهل ان يجيب أي متعامل مع العمليات الفنية بكافة اشكالها قائلا : بانه فنان لأنه كذلك , او لأنه يحب الفن ذاته .. او لأن الفن شهرة وثروة .. او لأن الفن هروب من الواقع , او لأن الفن تفريج عن الالم الداخلي النفسي .. او لأن الفن تعبير عن حالة الفرح بالنصر , والمشاركة في التنمية والتطوير .. اجابات عديدة ومختلفة .. لكن كيف تعبر عن ذلك كله بامتياز ..؟؟! هنا الصعوبة ..
وعندما بدأت قصص احسان عبد القدوس واشعار نزار قباني , تغزو عالم الفن العربي , بدا وكان موضوع الفن صار سهلا ومثيرا وجذابا .. واستسهلة الكثير من الكتاب والصحفيين , الذين تحولوا الى قصاصين ورواة , وطبعوا اعمالهم في كتب انيقة وفاخرة , وظنوا ان العملية ذات مقاييس محددة .. واتجاهات ضيقة , مداها الشفة , ونهايتها الساق , واطارها الاضواء الحمراء .. وجوهرها الكأس .. وهواؤها التبغ ..!!!
فخرجت اعمال هؤلاء الهواة , فجة سطحية , لاتمت للعملية الفنية بصلة ولم تكن اكثر من حواديت صحفية , او مجرد احلام يقظة تخيلوها وهم ينقلون رغباتهم مكتوبة ومطبوعة ..
ليس الفن في يوم من الايام نقلا للواقع كما تعيشه وكما تراه , بقدر ما هو لوحة تنطق بما لا يراه غيرنا , في ذاته .. او كلمة تغوص في اعماق النفس البشرية تكشف عوراتها المختزنة داخلها , والتي لا يسهل على صاحب النفس الخاضعة لنفس التجربة استنباطها او استكشافها , دون هذه الرؤية الفنية .. ان الفنان , طبيعي يتميز بشمولية الرؤية لواقع انساني معين , يخضعه للفحص والتحليل , ويجري له عمليات جراحية متعددة في المخ والاعصاب والقلب , حتى ينجح في النهاية وهو يجري تلك الجراحة الفنية بكل تفاصيلها , الدقيقة ..!!
وكلما تمكن الفنان من عمليته الجراحية , كلما شعرنا بامتيازه وتفوقه , فالقدرة على التعبير عن الحالات الانسانية المستعصية بكل معطياتها وتعقيداتها هي التي تميز الفنان عن المتعامل مع الفن , وكلما تمكن الفنان من ادواته في التعبير عن الحالات الانسانية , بسهولة والتحام ادبي او فني اجتماعي , كلما زاد امتيازه وتفوقه .. لذا يغلب دائما على الاعمال الفنية مرورها بالتجارب الذاتية , التي يضيف اليها الفن , اجواء جمالية وانتقادية غير مرئية ضمن واقع الاحداث المرئية .. والوقائع غير المرئية هي المعينة بالغوص في اعماق النفس البشرية المعايشة لوقائع الاحداث المرئية .. وهي قدرة لا يملكها الا فنان مبدع وحقيقي بالتاكيد ..!!