منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    خمس دقائق وتعود

    قصة "خمس دقائق وتعود"

    " إن الله يمهل الظالم وإذا أخذه لم يفلته"
    حديث نبوي شريف.


    " هذه الأوراق مشروع رواية ستكتمل فصولها عما قريب،وساقوم بنشرها على حلقات"

    في ذلك الصباح الحزين من شهر فبراير،قلت لزوجتي:" لاتحزني إن الله معنا،اعتني
    بنفسك،وارعي ذلك الجنين الذي في بطنك"
    نظرت إلي مذهولة والدموع سبقتها للمآقي وقالت لي:
    ـ لماذا تقول لي هذا الكلام هل أنت مسافر؟
    أجبتها وقلبي يعتصر اعتصارا،إنهم سيعتقلونني هذا المساء.
    قالت لي وماذا فعلت؟
    كل المؤشرات تؤكد ذلك،ففي ذلك الصباح نودي علي من طرف أهل الحال عبر هاتفي الخلوي،ولما سألتهم عن الأسباب قالوا لي:
    ـ خمس دقائق وتعود.
    أغلق الضابط الباب وشرع في الإستماع إلي في محضر رسمي،وقيل لي إن شكايتك سوف تعرف طريقها الى أهل الحل والعقد.
    كانـــــت إدارة اهـــــل الــــحال تعرف حالة استنفار،فالهاتف الخلوي للمسؤول الكبير
    لا يتوقف عن الرنين.
    بقيت محتجزا هناك لمدة أربع ساعات،أصحاب الحال يتبادلون النظرات،ساعتها فهمت أن موقفي صعب،ووضعيتي حرجة،وأن القضية أكبر من إنجاز محضر لمواطن عادي.
    قلت لرئيسهم:
    هل تفكرون في اعتقالي،بدا عليه الإرتباك وقال لي:
    ـ لو أردنا اعتقالك فالأمر هين علينا.
    كانت الساعة تشير الى الواحدة بعد الزوال،وأنا مازلت هناك،فهمت أنهم ينتظرون
    التعليمات من جهة ما.
    مرت علي لحظات عصيبة،وبعد هنيهة جاء مسؤول من أهل الحال ليقول لي:
    ـ انصرف الآن وعد على الساعة الثالة بعد الزوال.
    ساعتها عرفت أن شيئا يحاك ضدي في الخفاء.
    عدت للمنزل،قبلت زوجتي ومنحتها مبلغا من المال كنت أدخره لوقت الشدة،وقلت لها:
    إن ساعة الفراق قد أقبلت،فتجلدي واصبري حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
    عدت إليهم في الوقت المحدد،وضعوني في سيارة بيضاء،وقدموني إلى فرقة أخرى،وشرعوا في استنطاقي عما كتبته في الجرائد عن أناس مهمين لهم نفوذ قوي في البلد.
    أرادوا تخويفي ولما رأوا ثباتي،نقلوا تصريحاتي المكتوبة في أوراق إلى قاعة أخرى،
    وبعد أخذ ورد قالوا لي: إنك معتقل.
    بكت أمي وهي تراهم يركبونني سيارة زرقاء،ويتجهون بي نحو السجن البعيد،أما أبي فقد اكتفى بقول كلمة لا يخجل قائلها:
    "حسبي الله ونعم الوكيل"،أما أخي محمد فقد رأيت في عينيه كل معاني السخط والغضب.
    شرعت أمي في النواح قائلة" لقد أخذتم ابني الأول،دفنتموه في الثرى،وها أنتم تأخذون الثاني،أما كفاكم مافعلتم بالأول"
    قلت لها:" لا تحزني إن الله معنا يسمع ويرى،والظالم سينال جزاءه"
    ومن قبة بيضاء ،كان دب قطبي يتلذذ بالنظر الى عائلة رزئت في ابنها الأول والثاني مصيره مجهول.
    كانت السيارة الزرقاء تلتهم المسافات التهاما،ساعتها تذكرت كل الذين عاشوا مرارة السجن بدءا من نبي الله يوسف مرورا بنيلسون مانديلا،وغاندي وكل عظماء الإنسانية.
    كنت أود أن أرى زوجتي في هذه اللحظات الحرجة والمؤلمة،خصوصا أنها حامل في شهرها الخامس،لكن الله أراد أمرا آخر إذ لو رأتني لأغمي عليها.
    نظر الدركيان إلي بإشفاق،وقلت لأحدهما:
    ـ ماهي التهمة الموجهة إلي؟
    وباحترام وتقدير تلا علي أحدهما رقم فصول المتابعة في القانون الجنائي.
    ساعتها شممت رائحة احتراق غريبة .
    لم يسبق لي أن دخلت السجن،ولم أعرف عنه إلا ماقرأته في روايات حنا مينه،وصلاح الوديع والسير الذاتية لمعتقلي الرأي وما كتبه الإخوان المسلمون المعتقلون في السجن الحربي بمصر وكذا معتقل " أبو زعبل" وماعاشه معتقلون سياسيون مغاربة بالسجن الشهير المسمى" غبيلة نكردوس" وسجن" تازممارت"
    وسجن" عكاشة" وسجن" الزاكي" وسجون أخرى في العـــــــالم لا يخـــتلف طعم
    العذا ب فيها،فالجلاد هو الجلاد مهما اختلفت الأمكنة والأزمنة.
    كنت أتخيل نفسي داخل زنزانة منفردة، أو قفص معلق على الجدار،صراحة لن أكذب،فقد لعب الفأر في عبي كما يقول إخواننا المصريون،أحسست بالغثيان ،واجتاحتني رغبة في القيء.
    لم أعرف كم من الوقت مر،والسيارة تسير بسرعة مفرطة كأنما تتعجل وصولي إلى السجن أو الى الدار الحمراء كما يسمونها.
    في تلك اللحظات العصيبة،تجمعت حياتي كلها في بؤرة واحدة،لعلها الكارثة أو النهاية.
    لست أدر ي لماذا تمر حياة الإنسان أمام عينيه وهو قاب قوسين أو أدنى من نهاية لا يعرف كيف تنتهي فصولها.
    كانت أصوات كثيرة،على شكل صفير سيارة الإسعاف ترن في أذني كطنين الذباب أو أزيز النحل،خيل إلي أنني أسمع صوت سيارة اسعاف حقيقية،ساعتها تذكرت أمي المريضة،خفت أن تصاب بصدمة ويغمى عليها.
    تمنيت أن يكون ما عشته من أحداث مروعة،مجرد حلم أو كابوس،لكن كلما نشط عقلي،واسترجعت ما حصل،أعرف أنني أعيش وضعا حقيقيا مختلفا،وعما قليل سيضمني السجن بين جدرانه التي لا أعرف عنها إلا ماشاهدته في الأفلام وما قرأته في الكتب والروايات،ولكن شتان بين الواقع والكتابة.
    توقفت السيارة،رفعت رأسي لأجد نفسي وجها لوجه مع باب حديدي كبير.
    أدخلني الدركيان،وسلماني لأربعة أشخاص في مكتب،كانت ثمة رائحة نتنة،لعلها رائحة الموت أو رائحة الرطوبة التي لازمت هذا المكان لعقود طويلة.
    تفحصني أحدهم جيدا،وبسرعة سألني عن المهنة،وحين قلت له صحافي،نظر بذعر لصاحبه،لعلها أول مرة يدخل فيها صحافي سجنهم،شرعوا في تفتيشي،تحسسا جيوبي،طلبوا مني نزع حزام السروال،والهاتف النقال،ومحفظة النقود.
    فتشوا البطانيات،قالوا لي:
    ـ إن الوسادة ممنوعة في السجن،لكنهم سمحوا لي باستعمالها وهذا لطف منهم.
    اخذني أحدهم متأبطا ذراعي،كأنما يخشى أن أهرب،استغربت سلوكه هذا،لكن فيما بعد عرفت أنها إجراءات إدارية روتينية.
    فتح حارس السجن الباب الحديدي الأول بمفتاح كبير،ذكرني بمفاتيح قارون وكنوزه التي تنوء بالعصب،وفتح الباب الثاني لأجد نفسي وسط ساحة متوسطة تضم اثنا عشر غرفة،عرفت فيما بعد أنها الزنازن.
    كان صوت السجناء يرتفع،فيخيل إليك أنك في سوق أو ملهى.
    بدأوا يشرئبون بأعناقهم من الغرف،لمعرفة من المعتقل الجديد،سرت همهمات،وبعد لحظات انتشرالخبر انتشار النار في الهشيم،وعلم أن المسجون صحافي.
    أخذني السجان الى باب حديدي آخر وفتحه،ليغلق الباب،لأواجه مصيري المجهول لوحدي.
    ساعتها علمت أنه لا بد من مواجهة واقعي الجديد.


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    التوقيع
    http://khalidabdellatif.jee ran.com/profile


    khalid-abdellatif@hotmail.c om

  2. #2
    شوقتنا كاتبنا
    هل هي برعم رواية ام فعلا قصة بحلقات
    تحية ونتابع

  3. #3
    الى الفاضلة بنت الشام: هي رواية سترى النور قريبا ان شاء الله.
    لك تحياتي.

  4. #4
    وفقك الله سنبقى نترصد حتى تقدم لنا الضوء الاخضر للوصول
    تحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  5. #5
    الى الفاضلة ام الفراس: شكرا لمرورك الكريم.

المواضيع المتشابهه

  1. ست دقائق ؟
    بواسطة بيبرس في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-01-2011, 03:13 AM
  2. دقائق التأمل
    بواسطة هيثم البوسعيدي في المنتدى فرسان البرمجة اللغوية العصبية.
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-20-2009, 06:48 PM
  3. حقائق غذائيه
    بواسطة رغد قصاب في المنتدى فرسان الغذاء والدواء
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-15-2008, 10:36 AM
  4. وتعود الذكريات(سهيل خليل)
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2007, 02:56 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •