من هو الشيخ حسن نصر الله؟؟
نصر الله هو في النهاية بشر من لحم ودم. فهو اولا زوج للسيدة فاطمة ياسين وأب للشهيد هادي وجواد وعلي وزينب ومحمد مهدي. ولد نصر الله في 31 اغسطس (آب) 1960 في حي «شرشبوك»، حيث الاكثرية الأرمنية والشيعية في منطقة «النبعة»، أحد أحزمة البؤس في ضاحية بيروت الشرقية الشعبية والفقيرة. والده عبد الكريم كان يبيع الخضر في الحي، ليعيله مع أربعة اشقاء وأربع شقيقات. اما بطاقة هويته، فهي صادرة عن بلدة «البازورية» في الجنوب اللبناني بالقرب من مدينة صور. عرف نصر الله من صغره ابعاد الحرمان، بمعناه الانساني الأشمل. ذلك ان محرومي «حي شرشبوك» تجمعهم، بسبب ظروفهم، طائفة الحرمان فتلغي مذاهبهم الأرمنية او المارونية او الشيعية او السنية. ورفاقه في هذه الطائفة على مقاعد مدرسته الاولى يرددون انه كان «متديناً» بالفطرة ولكن من دون تعصب او عنصرية. علاقته بالدين بدأت من مسجد «أسرة التآخي» في النبعة، من خلال مواظبته على الصلاة، وكان المرجع الشيعي الشيخ محمد حسين فضل الله يشرف على هذا المسجد. لم تجد التيارات السياسية السائدة في غليان أواخر الستينات ومطلع السبعينات من القرن الماضي، هوى في نفس نصر الله، فلم تستقطبه الاحزاب الشيوعية والناصرية والقومية والبعثية، بل توجه مباشرة الى حركة الامام موسى الصدر، مؤسس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وحركة «المحرومين»، الذي اختفى في ظروف غامضة عام 1979 خلال زيارة لليبيا.
تأثر نصر الله كثيرا بالإمام، كما كان والده يردد. لاحقا عاد والده الى قريته الجنوبية عام 1974 اثر تفاقم الخلل الممهد للحرب الاهلية بين الفلسطينيين والأحزاب اليمينية اللبنانية. العودة الى القرية كرست ميوله الدينية، فأسس مكتبة صغيرة بمساعدة الشيخ علي شمس الدين، ثم صار يعطي بعض الدروس الدينية المبسطة للفتيان من رواد المكتبة. وذلك بعد مرحلة تمهيدية التحق خلالها بحركة «أمل» عام 1975، فعين آنذاك مسؤولا تنظيميا في قريته.
طموحه الديني كان الدافع ليسعى نصر الله، الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره نحو النجف بالعراق بوساطة من الشيخ محمد منصور الغزاوي، الذي شجعه على الدراسة وزوده برسالة توصية الى السيد محمد باقر الصدر. هناك تعرف الى الشيخ عباس الموسوي، الامين العام السابق لحزب الله الذي اغتالته اسرائيل عام 1992. تولى الموسوي تدريسه لسنة ونصف السنة، عاش خلالها في اجواء تقشف، مكتفياً بفراش من الاسفنج في غرفة متواضعة. بعد ذلك ضيقت عليه المخابرات العراقية كما على غيره من الطلاب الدارسين في النجف فعاد الى لبنان ليتابع تحصيله الديني في «مدرسة الامام المنتظر»، التي اسسها السيد عباس الموسوي في بعلبك من البقاع اللبناني وكان مديرها والاستاذ فيها، ولم يكن عدد طلابها يتجاوز الثمانية.
وبعد عودته تابع نصر الله نشاطه السياسي في حركة «أمل». تنقل في عدة مسؤوليات حتى يونيو (حزيران) عام 1982. غداة الاجتياح الاسرائيلي ترك الحركة وبادر مع مجموعة من رفاقه الى تأسيس «حزب الله». وفي عام 1985 تسلم المسؤولية التنفيذية لمنطقة بيروت. لكن هذا المنصب لم يحل دون سفره الى «قم» في ايران لمتابعة تحصيله العلمي الديني. على اي حال غيابه لم يطل، ليرجع عام 1986 الى لبنان بعد اندلاع اشتباكات بين «حزب الله» وحركة «أمل». وعام 1987 اختير عضوا في هيئة الشورى في «حزب الله» ورئيسا للهيئة التنفيذية، ليكلف في عام 1991 تولي مهمات التعبئة الفكرية في الحزب، كان آنذاك واحدا من ثلاثة مرشحين للامانة العامة، بدلا من الشيخ صبحي الطفيلي. انتخب امينا عاماً للحزب في 18 فبراير (شباط) 1992، وكان أصغر اعضاء مجلس الشورى سنا، وذلك عقب اغتيال الشيخ عباس الموسوي في 16 فبراير (شباط) 1992، يقول المقربون منه انه حاول تسمية غيره للمنصب لرغبته في متابعة علومه الدينية في قم، لكن محاولته لم تنجح. وخلال مسيرته السياسية استعصى على المراقبين ان يقتربوا من شخصية نصر الله، ويحددوا مفاتيحها
ويقول البعض ان أمن نصر الله لا يسمح لأحد بالاقتراب منه، وكل خطواته من اصغر التفاصيل الى أكبرها، تجهز وتعد في كواليس مقربيه، وهو بهذا المعنى «مشذب» اكثر مما تسمح به الطبيعة الانسانية. وعلى الرغم من ان الغضب عنده «فعل صمت»، يقتصر على «امارات انزعاج» لا تنعكس انفعالات ظاهرة، الا ان حزنه تفضحه دمعة عابرة لا يخجل من ذرفها
ولأن ظلم ذوي القربى «أشد مضاضة» يترجم نصر الله لحظة الالم حيال مشهد النساء يتهاوين تحت رصاص الجيش اللبناني في 13 سبتمبر (أيلول) 1992، بدمعة واحدة. ايضا خاطرة اللبنانيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية تفتح بوابة الشجن، لكن الوجع الأكبر الذي يداريه نصر الله يبقى استشهاد بكره هادي الذي اصطادته اسرائيل مع اثنين من رفاقه المقاومين عام 1997 وهو في الثامنة عشرة من عمره. يومها ذهل الحاضرون حيال تماسك نصر الله، وكيف تلقى الخبر معتبراً ان الله أكرم عائلته بالشهادة. ويقول الذين وقفوا الى جانبه في تلك اللحظات انه اغمض عينيه على دمعتين ثم انصرف للصلاة. وعندما عادت جثة ابنه بعد عملية التبادل الشهيرة، اختلى بالجثمان مكفنا وبكى وقرأ لروحه آياً من الذكر الحكيم وأدعية ومسح رأسه ثم قبل جبينه وانصرف. يجيد نصر الله الخطابة، وهو قادر على تحريك الشارع، لتصبح خطاباته مواعيد لا يتخلف عنها جمهور عريض. حتى ان الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى طلب من زوجته ان تتابع برنامجاً حوارياً يستضيفه، فجاءه الرد بالاعتذار، لأنها وأولاده ينتظرون خطاب السيد حسن نصر الله في الموعد ذاته.
وعندما يتكلم نصر الله يقرن كلامه بسبابته التي ترتفع في حمأة خطابه، وهو يلعب على العبارات لتؤدي الرسالة معناها. يختصر الموقف السياسي بـ«كليشيه»، كما حصل عندما استعرض مواهبه في تقنيات الكاميرا مع عبارتي «زووم ان» و«زووم اوت» للاشارة الى مدى صدقية الارقام عن الحشود المتواجهة لكل من فرقاء النزاع اللبنانيين. وهو لا يخلو من حس السخرية، فهو القائل «نحن اقدم الضيوف على لائحة الارهاب العالمي»، وهو ايضا لا يخلو من المغامرة في آرائه وعبارته «احياناً احترم عدوي ولكني أقاتله. أحترم هذا العدو لأنه حريص على اشلاء جنوده وبادلني بهم 500 اسير. الاحترام شيء والقبول شيء آخر»،
مثال على هذا. ونصر الله ايضا معقل الاسرار التي يجيد التكتم عليها، كما كانت العلاقة التي جمعته مع الحريري، ولم تكشف تفاصيلها الا بعد اغتياله في 14 فبراير (شباط) 2005. اما التقارب بين هذين الرجلين فكان اثر أحداث استهدفت السلم الاهلي في يوليو (تموز) 2004 وتحديدا في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث المربع الامني لحزب الله. حينها شعر الحريري ونصر الله بضرورة تقريب وجهات النظر بينهما لمواجهة من «يلعب بالبلد». وتكررت اللقاءات التي كان يمهد لها اعلان الحريري رغبته في تناول «الفاكهة»، فيتم اللقاء ليعود الحريري بعده الى بيته مرتاحاً، كما قال اولاده لنصر الله غداة وفاة والدهم. يبدو ان «الممالحة» تطورت مع رئيس كتلة تيار المستقبل البرلمانية النائب سعد الحريري، ولم تعد تقتصر على الفاكهة لتتجاوزها الى وجبة عشاء كاملة بعد جلسة عمل طويلة.
الحماية التي تحيط بنصر الله تعكس ان جهازه الامني يرفع شعار «اعقل وتوكل». وللامر موجباته ذلك ان محاولات الاغتيال التي تستهدفه متواصلة. وانطلاقا من هذه الاخطار، حصل المسؤولون عن أمنه على «فتوى» تتيح له ارتداء درع واقية تحت الجبة، تسبب له آلاما في الظهر، وبديهي ان يخضع «السيد» للتوجيهات الدقيقة التي يفرضها جهازه الامني، وتحاط تحركاته بسرية، فلا يعرف أحد أين يقيم فعلاً او أي سيارة يستقل أو كيف يصل إلى البرلمان في وسط بيروت للمشاركة في الحوار. ولعل الاقاويل، التي تنسج بهذا الشأن لا تحصى، فقد تداول بعض الناس خلال مظاهرة 8 مارس 2005، ان السيد بات ليلته في احدى الابنية الخالية بالقرب من ساحة المظاهرة، في حين حمل الخيال البعض الآخر على التأكيد انه تسلل بلباس عادي الى صفوف المتظاهرين حتى وصل الى المبنى المطل على الساحة فغير ثيابه وارتدى عباءته واعتمر عمامته ثم ظهر وألقى خطابه. قيل حينها ان «السيد» اكتشف وللمرة الاولى وسط بيروت الذي اعاد اعماره الراحل رفيق الحريري وقال لمن معه ان «المكان جميل». فنصر الله نادرا ما يغادر معقله الجنوبي.
لكن مظاهرة 8 مارس، شكلت لدى فريق من اللبنانيين نقطة انتقاد اساسية، فاعتبر منتقديه انه يسير عكس التيار، لا سيما عندما اعلن رفضه استقالة قادة الأجهزة الامنية (الذين استقالوا واقيلوا وسجنوا رهن التحقيق في جريمة اغتيال الحريري)، وانه خلق بحركته هذه مصطلح «المسألة الشيعية»، مع ان الازمة كانت بعد اغتيال الحريري «سورية ـ لبنانية» و«ليس شيعية سنية». كذلك سجل عليه هؤلاء الخصوم ان «مظاهرة الاكفان»، التي سيّرها اثر احداث النجف وحمل المتظاهرون فيها صور مقتدى الصدر، أظهرته وكأنه يدافع عن طرف واحد في العراق، لأن المرجعية الشيعية كانت ضد ما يحصل وطالبت مقتدى الصدر بالانسحاب. «الحل الوسط» احتمال غير وارد في سيرة هذا الرجل. فحسن نصر الله واقف على طرفي نقيض بين خصوم، بعضهم يجاهره العداء والبعض الآخر يقبله على جبينه وكتفيه ويتمنى نهايته، وبين مريدين حاضرين لبذل الدم والروح باشارة من سبابته، ليبقى داخل «مربعه» اسير عمامته وأمنه وقضيته وسلوكه.
التعليــقــــات
اليوم وسط هذه التحديات الأميركية الجديدة ووسط احتمالات العدوان مجدداً على لبنان، نتذكر كلمة حسن نصر الله عندما بلغه نبأ استشهاد ابنه وكان ساعتها يخطب فى تجمع لأسر شهداء المقاومة الإسلامية فرفع رأسه وابتسم وقال: الآن شرفني الله بأن أكون أباً لشهيد، بالأمس كنت أخجل أن أرفع رأسي أمامكم واليوم اسمحوا لي بأن أكون واحداً منكم، نحن لا نوفر أولادنا للمستقبل.. بل نرفع رؤوسنا عندما يسقطون شهداء.
لكل هذا.. ولغيره أحب الناس حسن نصر الله ووثقوا فى قدرته على الانتصار، لأنه كان ولا يزال قائداً متواضعاً صادقاً، نحبه مهما فعل الأمريكان ومهما هددوا.. فأمثال هذا المجاهد، لا يعرفون الهزيمة أبداً لأنه يعرف الله جيدا، ولذلك جعل الناس له موقعاً ثابتاً فى قلوبهم لا يتبدل ولا يتغير مهما تكاثرت على الأمة المحن والابتلاءات.. ولذلك كله سينتصر نموذجه وليس شخصه سينتصر فى العراق كما فى لبنان وفلسطين فقط الأمر يحتاج إلى قيادات مضحية وإلى صبر وثبات ومقاومة مستمرة لهذا المشروع الصهيونى الأمريكي، ومن المؤكد أن النتائج ستكون مبشرة بإذن الله.