كنت صغيرا -- احلم كأي طفل يحلم - ان يأتي صباح اليوم التالي لنمارس هواية صيد العقارب والافاعي التي تنتشر في مخيمنا -لا شيء نلهوا به - جو حار - ورياح مغبره
ووجوه تتكلم بصمت - في كل صباح كنا نذهب للمدرسه لنرى نفس المشهد - مقاتلين
عادوا من غربي النهر يحملون شهيدا او جريحا - كانت فلسطين امام اعيننا نشاهدها
كل يوم من مخيم الكرامه - كان الليل عندنا طويلا - ليس كليل باقي الاطفال - كنا نسهر
على اصوات المدافع وصليات الرشاشات - وكان ليلنا مختلفا كنا نرى كل شي في الليل حتى النمل كنا نراه - من اثر الاضواء الكاشفه التي كانت تطلق في السماء لتكشف عن عن المقاتلين الذين يذهبون غربي النهر لشن غاره وقطع صفوة ليل المعتدي -
ذات يوم قرر ابي -- ان نعود الى فلسطين متسللين عبر النهر الى غربيه وسيرا على الاقدام حتى نصل بلدتنا لا تهم المسافه التي سوف نسيرها المهم ان نقطع النهر ونصل
لسلسلة جبال القدس التي نراها كل يوم --
مرالنهار طويلا ونحن ننتظر غروب الشمس لنخوض النهر ونمضي في طريقنا الى ارضنا - كنا مجموعه من النساء والرجال وهناك شخص يسمى الدليل الذي سيقودنا الى اقرب مخاضه من النهر - والمخاضه معناها المكان الذي لا يكون فيه النهر عميقا -
ومع غروب الشمس تسللنا - ووصلنا حافة النهر - غابت الشمس وتوكلنا ع الله وخضنا
المخاضه واذا نحن غربي النهر - انا ووالدي ووالدتي - ومجموعه من الاشخاص -
جلسنا ننتظر ان يخيم الظلام - وان ننتظر مرور دورية العدو التي تسير يوميا بشكل
منتظم تبحث عن المتسللين - جلسنا خلف الاشجار التي تنبت على حفة النهر -
امامنا مباشره مزرعه للبطيخ - احب بعضنا ان يلتقط بعض ثمار البطيخ لنأكلها -( حقيقة البطيخه اضاعت علينا حلم العوده )
كنت صغيرا ولمحت عيني امامنا مباشره ضوء خافت سرعان ما اختفى الضوء - همست
بأذن والدي ان هناك من يتبرص بنا واني شاهدت ضوءا وقد اختفى - اخبر والدي البقيه
بما رأيت - قالوا انني صغير وانني قد اتخيل - اصررت اني شاهدت الضوء وبين اخذ ورد - قرروا العوده - لانهم ادركوا ان دورية العدو تتربص بنا - فقطعو النهر الى شرقيه
وجلسوا قليلا ثم اصروا على ان يعودوا لغربي النهر -
الساعه كانت بحدود التاسعه مساء - كنا نحن مجموعه تتألف من 11 شخصا وخلفنا مجموعه اخرى تنتظر مسيرنا لتكمل المسير بعدنا -
قالوا توكلوا على الله ولنبداء بالمسير وجهتنا هي سلسله الجبال واذا وصلناها صرنا في مأمن ما علينا الا المسير حتى صعود قمة الجبال وبعدها نسلك الى بلداتنا --
وما هي الا خطوات لا تتعدى الخمسين مترا -- الا وانهال علينا الرصاص من كل حدب وصوب - وكل منا فر الى جهه غير معلومه -- ابي لا يجيد السباحه وكلن حلآوة الروح مثلما يقال = اصعدني والدي على كتفه وامسك بيد امي واذا به يخوض النهر وصلته المياه الى صدره وهو يمسك بي ويمسك بيد امي ويسير في عرض النهار الذي لا يتجاوز ال 10 امتار فقط - وما ان وصل الى حافة النهر الا وقذفني الى حافه النهر لاكون في مأمن على اليابسه -- وطلب مني ان اناوله جذع شجره فناولته الجذع وامسك به وخرج وامسك بيد امي ايضا وخرجنا الى اليابسه بأعجوبه -
قال والدي لنجلس ولا نصدر اي حركه -- واذا بنا نسمع اصوات اليهود على حافة النهر
وهم ينادون علينا باسماء عربيه - احمد - محمد- حسن - على -- الى اخره من اسماء ينتظرون من يجب - ليطلقوا النار عليه - سكتنا دون حراك ما لايقل عن ساعتين في ترقب وانتظار لانصرافهم -- للاسف انصرفو ا ومعهم بعضا منا تمكنوا منهم قبل ان
يفروا لشرقي النهر -- امسك والدي بيدي ويد امي ومشينا لا نعرف معالم الطريق المهم نحن نسير شرقي النهر الى بلدة الكرامه -- وما هي الا لحظات حتى سمعنا من يقول - قف - ثابت - ارفع ايدك -- واذا بهم جنود اردنينون - وعندما تتحققوا من هويتنا استضافونا عندهم لبزوغ الفجر - وقالوا نحن شاهدنا كل ما حصل معكم ولكن لم نرد عليهم خوفا من ان يحسبوكم فائديين فتكون الطامه كبرى عليكم واثرنا الصمت -
الحقيقه لم اشهد اطلاق نار مثل تلك الليله اطلاق كثيف في كل مكان وفي كل اتجاه
لكن كتب الله لنا حياة اخرى - ورجعنا الى مخيمنا من جديد - وكان الاهل ايضا في انتظارنا في المخيم - واختفى حلم العوده - ورجعت لهوايتي القديمه البحث عن كل عقرب وافعى - وما هي الاسنه حتى جاءت معركة الكرامه -- التي سطرنا فيها اروع ملاحم الفداء -- سأكتب عنها في مره اخرى -- تلك هي حكاية المواجهه وجها لوجه
مع العدو-- القصه حقيقيه طبعا عشت احداثها لحظه بلحظه واختصرت من احداثها الكثير
لكم تحياتي