تقول الطرفة ان احد الدعاة ذهب إلى الإسكيمو فدعاهم وأسلموا
فقال له زعيم القبيلة ؛ لو لم نسلم كيف كنا سنُحاسَب ؟
فقال تدخلون الجنة لأنه لم تبلغكم أي رسالة ؛ فتحاسبون على أصل فطرة التوحيد التي جُبل الإنسان عليها وليس على شريعة محمد عليه الصلاة والسلام لأنكم لم تسمعوا به .
فقال شيخ القبيلة (بلهجة سورية ) الله لايوفئك ؛ لكان بليتنا بالإسلام وتعا صلي وصوم وادفع زكاة وكول اكلات معينة وتزوج عدد محدود بعد ماكنا نسرح ونمرح بهالنسوان ؛ وتعا عامل المراة والعبيد معاملة مختلفة وشيل نص شريعة القبيلة المو متوافقة مع الإسلام..لك عمي شو جابك كنت خليتنا ندخل الجنة بدون كل هالشغلات على راحتنا وما تجيبنا لا دين ولا شي وكنا داخلين الجنة داخلين )
انتهت النكتة .
***
الحقيقة أن هذه الطرفة تنطوي على قضية خطيرة يلتقي فيها للأسف فريقان متصارعان أحدهما متدين جداً والآخر متحرر (من الدين) جداً . كيف؟
الفريق الأول المتدين يرى أن الدين هدفه الجنة في الآخرة بناءً على قائمة محددة تبدأ بنطق الشهادة وإقامة شعائر الإسلام التعبدية والاستكثار من ذلك قدر المستطاع ؛ والنظر بعين كليلة نائمة ونظرة ثانوية إلى عمارة الأرض والتي تعني اليوم ؛ امتلاك الجدارة التنافسية مع العالم الاول (على صعيد الامة) والذي يتطلب بالضرورة الأخذ بأسباب النهضة على مستوى الشعوب والحكومات ؛ والتي هي إطار جامع يضم كل مفردات النظافة والأخلاق والجودة والترقي المجتمعي والازدهار السياسي والاقتصادي ..بل أن الصوت اليوم يرتفع من قبل هؤلاء ضد ما يسمى بالإسلام الحضاري أو (الخطاب النهضوي ) أو (المدني) ويرون أن ذلك حرف للخطاب الإسلامي من التوحيد وصرفه لصالح (الحضارة والحياة الدنيا ) ! وبالتالي فهم يفرقون بين وجهة الجنة ووجهة الحضارة بين (الدين والدنيا) ولا يرون الإندماج بينهما بل التفرقة بينهما أو الترتيب التفاضلي الخجول بينهما ..
وبالتالي وفق هذه النظرة فإنه تبطل الدعوة إلى الإسلام ..فالهدف هو الجنة ..وهو متحقق بترك الناس على بقايا أديانها ومعارفها ..(ولكنهم يصرون على ضرورة الدعوة ؛ لماذا ؟ ! ستضطرب إجاباتهم ..)
الفريق الثاني الذي يرى ضرورة التحرر من سلطة الدين : فعلا يرى بوضوح (أكثر أو يماثل الفريق السابق ) ضرورة الفصل بين الدين وسبيله وبين الدنيا وسبيلها وأن الدين شان شخصي ومخصوص بالآخرة ولاعلاقة له بشؤون الدنيا ويجب فصله عن أي شان دنيوي . ووفقهم فلا ضرورة لتحميل الدين أكثر مما يحتمل او لا ضرورة لدعوة الناس لدين ما أو لتغيير أديانها .
تلاق عجيب بين فرقين متضادين .
******
نعود إلى الطرفة :
استطرد الداعية في جواب افتراضي على سؤال شيخ القبيلة :
يازعيم القبيلة ؛ الجنة ليست شأني ؛ كنتم ستدخلونها ربما بغير دعوتي لكم إلى الإسلام ؛ أو لا تدخلونها وفق حساب الله الحكيم الرحيم الذي يعلم حال كل شخص ومقدار تغطيته وإنكاره النفسي للفطرة التي بداخله ولنوازع الخير المجبولة فيه ..فالله اعلم بكم .
ولكن جئتكم لتحيوا على هذه الأرض بطريقة أفضل ؛ أعتقد ان هذا الذي جئتكم به فيه من التشريعات والتنظيمات والمبادئ ما يحسّن نوعية حياتكم ؛ ويرتقي بأخلاقكم السالفة وينبذ السئ منها ؛ وينظم علاقتكم ببعضكم و بالحياة والكون ؛ ويلبي أشواق الروح ؛ ولواعج المعنى .
#الدين_ضرورة_للحياة
تلازم الهدف الدنيوي والأخروي للدين ..لاتراتبية ولا أفضلية .
فيصل الدويري