بسم الله الرحمن الرحيم
موضوعنا اليوم , تعريف النظم بالمفهومين , العروضي واللغوي .
يقدمه إليكم :الباحث المتخصص في علم العروض/ غالب أحمد الغول .
إخواني الكرام .
إن تعريف المفردة العربية , لأي مصطلح علمي أو لغوي , قد مرّ عليه تطورات ومفاهيم متعددة , بل واختلافات كثيرة , فكل من المختصين يدلي بدلوه , وها أنا أدلي بدلوي .
وأمامنا في هذا البحث ثلاث كلمات وهي:
نظم / شعر/ نثر / هل لهذه الكلمات فوارق لغوية أو عروضية ؟
إذا عرفنا كلمة ـ نظم ـ فنجد لها مفاهيم مختلفة بين الماضي والحاضر ,
كانت بالمفاهيم السابقة لعصرنا هذا , لا تعني إلا الشعر , لإن العرب قديماً قالوا : ( الكلام ثلاثة , إما أن يكون شعراً , وإما أن يكون نثراً , وإما أن يكون قرآنا .) فالشعر له الوزن والإنشاد/ والنثر لا يعتني بالوزن بل يعتني بتبليغ رسالة بها الإيضاح المعنوي والبلاغي والإسهاب الكلامي دون وزن أو قافية . والقرآن له نظام خاص في تأليف الكلمات بالترتيل والإعجاز اللغوي ) فليس هو بالشعر , ولا هو بالنثر .
ويقول الجاحظ في هذا المقام : (( النظم فكرة لفظية تعقد على حسن الصياغة وكمال التراكيب ودقة تأليف اللفظ وجمال نظمه , وأداة شغفه بجودة اللفظ وحسنه وإقامة الوزن وتخير اللفظ . والشعر صياغة وضرب من التصوير ))
وكان الجاحظ قد شمل بهذا التعريف قسمين من الكلام , وهو الشعر والنثر , وأما النثر فكان يريده أن يكون حسن الصياغة بتراكيب دقيقة , ولا بد من إدخال عناصر النحو والصرف والبلاغة والمحسنات اللفظية الأخرى ليكون النثر رسالة أدبية دقيقة بكل حرف من حروفها , ولكن لا يحكمها الوزن , لأن الشعر فقد صرح عنه بمفهوم آخر وهو ( إقامة الوزن وتخير اللفظ ــ المتساوق مع الوحدات الموسيقية ــ والشعر صياغة وضرب من التصور , والتخيلات ).
ومن المفاهيم المعاصرة , فقد تطور التعريف السابق ليكون هذا التعريف مغايراً لما سبق فقالوا : ( النظم: هو ما تحدده القواعد النحوية ويلتزم بها , والشعر هو ما يستطيع الخروج من القواعد النحوية ليتمتع بإفرازات شاذة تسمى ـ الضرورات الشعرية ـ فيستطيع الشاعر أن يلغي حرفاً من كلمة طلباً لصحة القافية , كإستبدال كلمة سماء , ب/ سما .
أي أن الشعر هنا يختلف عن النثر بهذا التعريف .
ومنهم من جمع بين النظم والشعر وأكدوا على أن النظم هو التركيز على الشكل الشعري أو الوزن أكثر من غيره , ومنه إما أن يكون نظماً تعليمياً كألفية ابن مالك , وإما أن يكون نظماً بلاغياً وتشبيهاً وبه كافة العناصر الشعرية , كالمعلقات وغيرها .
ومع مرور الزمان فقد حدث انقلاب معنوي بين التعريفين السابقين لمفهوم النظم والشعر , فلم يفرقوا بين الشعر والنثر , بل اعتبروا التأليف والنظم وتساوق الكلمات قد تجتمع في الشعر والنثر , ولا ضرورة للوزن بين التعريفين , وهذه مغالطة كلامية يقصد بها الهدم أكثر من البناء .
لكن بمفهوم العروضيين الأصوليين, فإن للعروضي فكرة تنظيمية لا يحيد عنها وهي الوزن , للمنظومة الكلامية, فإن كان الوزن صحيحاً , فيتوجب أن يصح الإيقاع , والإيقاع بالمفهوم العروضي الموسيقي 0 هو انتظام في الحركة والزمن ) وهذا الشكل العروضي له قواعد وأسس تنظمه ليكون الشعر شعراً بإيقاعه وبتكرار وحداته العروضية وهي التفاعيل , ويكون القرآن قرآناً بترتيله , ويكون النثر كلاماً عادياً لا يهتم بوزن أو قافية .
وختاماً أقول : بأن النظم الشعري , قد يطلق على النظم التعليمي وغيره من أنظمة الشعر التخيلي والإبداعي . ونستطيع التمييز بينهما بذبذبات مغناطيسية شعورية تخترق فجوات القلب لتستقر بها , فتهيج العواطف وتهيم المشاعر عند سماعك لقصيدة يكتنز الإيقاع بها , وتكتنز المثيرات اللغوية بداخلها , فتعرف من خلالها أهو نظم تعليمي أم نظم شعوري .
لكم أفضل الأوقات , والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .